تعتبر الملكية ظاهرة من ظواهر المجتمع بل هي لازمة من لوازم الحياة، ومن أجل ذلك نظم الإسلام الملكية من كافة جوانبها تنظيما دقيقا باعتبارها محور النشاط الاقتصادي في كل مجتمع وحجر الزاوية في بنيانه الاجتماعي.
أصبحت الملكية بمقتضى المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1789 حقا مقدسا لا يجوز إنتهاك حرمته ولا يجوز حرمان صاحبه منه إلا إذا قضت بذلك ضرورة مصلحة عامة ثبتت قانونا وبشرط التعويض العادل المدفوع مقدما، وظلت الملكية الخاصة من أبرز مظاهر حرية الإنسان واستقلاله.
وتقتضي منا دراسة التعريف بالملكية التعرض أولا للتعريف بها مع بيان عناصرها، والتعرض لخصائصها.
أولا : تعريف حق الملكية
يعد حق الملكية من أوسع الحقوق العينية وأقواها من حيث السلطات التي يمنحها للمالك، إذ يخول لصاحبه سلطة الحصول على جميع المنافع التي يمكن الحصول عليها من الشيء موضوع الحق.
وقد عرفت المادة 14 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الملكية العقارية بأنها حق يخول لمالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق. ولا يقتصر حق الملكية على أصل الشيء وإنما يمتد هذا الحق إلى شمول فروعه وما ينتج عنه وإلى ثماره أيضا.
فملكية الأرض تشمل ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها إلا إذا نص القانون أو الاتفاق على ما يخالف ذلك ( المادة 15 من مدونة الحقوق العينية).
ثم إن مالك العقار يملك كل ملحقاته وما يدره من ثمار أو منتجات وما يضم إليه أو يدمج فيه بالالتصاق ( المادة 16 من مدونة الحقوق العينية).
وإذا كان لمالك العقار مطلق الحرية في استعمال ملكه واستغلاله والتصرف فيه فإن ذلك يجب أن يكون في الحدود الذي تسمح به القوانين والأنظمة الجاري بها العمل. ( المادة 19من مدونة الحقوق العينية ).
كما أن المادة 23 من مدونة الحقوق العينية تنص على أنه: “لا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة العامة ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون، ومقابل تعويض مناسب”.
من خلال ما تقدم نلاحظ أن المشرع المغربي في القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية كان أكثر ضبطا وتنظيما لحق الملكية خاصة من حيث تعريفه ونطاقه، وبذلك يكون قد تجاوز مجموعة من النواقص التي كانت سائدة في ظهير 19 رجب 1333 الموافق 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة.
فبالرجوع إلى الفصل التاسع من هذا الظهير نلاحظه يعرف الملكية العقارية بأنها: “حق التمتع والتصرف في عقار بطبيعته أو بالتخصيص على أن لا يستعمل هذا الحق استعمالا تمنعه القوانين والأنظمة”، فهذا التعريف يقتصر على إبراز عنصرين من عناصر الملكية وهما حق الاستعمال وحق التصرف ويغفل عنصر الاستغلال الذي لا يقل أهمية عن العنصرين السابقين، وقد تدارك المشرع المغربي هذا النقص في ظل المادة 14 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية حيث أصبح حق الملكية يشمل سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف.
وإذا كان ظهير 2 يونيو 1915 قد نص على أن حق الملكية حق مطلق فقد قيده مع ذلك في حدود القوانين والأنظمة، وهذا التقييد على هذه الصورة تقييد ناقص إذ لا يكفي للمالك حتى يتجنب المسؤولية أن يمارس حقوقه في حدود القوانين والأنظمة بل يجب عليه حتى يضمن هذه الحدود أن لا يتعسف في استعمال حقه وإلا ترتبت عليه المسؤولية.
وهذا ما تمت مراعاته في ظل مدونة الحقوق العينية فهي لم تقيد حق الملكية في حدود القوانين والأنظمة فقط بل كذلك في حدود الاتفاق فالعقد شريعة المتعاقدين، وكذلك في إطار عدم التعسف في استعمال هذا الحق وإن كانت مدونة الحقوق العينية لم تشر بشكل صريح إلى نظرية التعسف في استعمال الحق إلا أنه يمكن بناء على بعض نصوصها إقرار هذه النظرية.
وهكذا نصت المادة 20 من مدونة الحقوق على أنه: “إذا تعلق حق الغير بعقار فلا يسوغ لمالكه أن يتصرف فيه تصرفا ضارا بصاحب الحق” ، كما نصت المادة 21 من مدونة الحقوق العينية على أنه “لا يسوغ لمالك العقار أن يستعمله استعمالا مضرا بجاره ضررا بليغا، والضرر البليغ يزال”.
وبناء على ما تضمنته المادة 14 من مدونة الحقوق العينية فحق الملكية يمنح صاحبه سلطات ثلاثة تستغرق كل نشاط متصور له على الشيء، وهذه السلطات هي: الاستعمال والاستغلال والتصرف وهي التي تكون عناصر حق الملكية.
ثانيا : عناصر حق الملكية
عناصر حق الملكية ثلاثة وهي:
1) حق الاستعمال :
ويقصد بحق الاستعمال سلطة المالك في استخدام ملكه فيما يصلح له من وجوه الاستخدام ، فاستعمال المنزل يكون بسكناه، واستعمال السيارة يكون بركوبها واستخدامها لمختلف الأغراض وهكذا تختلف أوجه الاستعمال باختلاف الأشياء.
2) حق الاستغلال :
يقصد بحق الاستغلال الحصول على ما يتولد أو ينتج عن الشيء من ثمار وبعبارة أخرى فإن سلطة الاستغلال هي سلطة الحصول على ما يغله الشيء من ربح أو دخل. والثمار هي ما ينتجه الشيء في مواعيد دورية منتظمة دون مساس بجوهره وهي على نوعين:
1 – ثمار مدنية أو قانونية : وهي عبارة عن ربع الشيء أو ما يقله من دخل نقدي مقابل الانتفاع به ويكون ذلك عندما يسمح مالك الشيء لغيره باستعماله مقابل عوض كأجرة منزل تم كرائه للغير، وأجرة الأراضي الزراعية المكتراة وفوائد النقود المقرضة والسندات والأسهم.
2 – ثمار مادية : وهي التي تتولد إما بفعل الطبيعة كالكلأ ونتاج المواشي وتسمى بالثمار الطبيعية، وإما يفعل الإنسان كالمحصولات الزراعية وتسمى بالثمار المستحدثة.
3) حق التصرف :
حق التصرف يخول سلطة إجراء جميع التصرفات على الشيء بشكل يستفيد منه صاحب الحق كليا أو جزئيا والتصرف نوعان مادي وقانوني.
فالتصرف المادي معناه تناول مادة الشيء بالتغيير أو التعديل أو الإتلاف أو بتحويل صورته تحويلا نهائيا لا رجعة فيه، فيحق للمالك أن يهدم منزله كله أو بعضه وله أن يحوله إلى محل تجاري… وإن كان له خشب يجوز له أن يصنع منه أثاثا أو أن يحرقه في مدفئته…
أما التصرف القانوني فيقصد به إجراء تغيير في المركز القانوني للشيء وذلك عندما يعمد المالك إلى نقل سلطاته كلها أو بعضها إلى الغير سواء تم ذلك بالمقابل كالبيع أو بدون مقابل كالهبة، أو غير ذلك من أصناف التصرف.
هذه السلطات الثلاثة التي يخولها حق الملكية للمالك وإذا ما اجتمعت في يد واحدة يقال أن الشخص مالك ملكية تامة وقد تكون موزعة بين عدة أشخاص فيكون للشخص حق استعمال الشيء فقط كحق السكني إذا كان الأمر يتعلق بدار، وقد يكون له حق الاستغلال فقط فيقال بأن له حق الانتفاع.
وما تجدر الإشارة إليه أن التصرف هو العنصر الذي يميز حق الملكية عن غيره من الحقوق العينية الأصلية الأخرى، ولذلك يبقى دائما في يد المالك أما الاستعمال والاستغلال فيجوز ثبوتها لغير المالك.
وإذا كان المشرع المغربي من خلال مدونة الحقوق العينية قد جعل للمالك مطلق الحرية في استعمال ملكه واستغلاله والتصرف فيه فإن ذلك يكون في الحدود التي تسمح به القوانين والأنظمة الجاري بها العمل ( المادة 19 من مدونة الحقوق العينية) ودون التعسف في استعمال هذا الحق بشكل يضر بالغير ( المادة 20 و 21 من مدونة الحقوق العينية).
ثالثا : خصائص حق الملكية
يتميز حق الملكية بالخصائص التالية:
1) الملكية حق عيني :
فهو يمنح صاحبه سلطة مباشرة يستعملها على شيء مادي معين ولذلك يعتبر حق الملكية من أوسع الحقوق العينية على الإطلاق وأهمها وتعتبر بقية الحقوق الأخرى منفصلة عنه.
2) الملكية حق جامع :
ويقصد بذلك أن حق الملكية يخول لصاحبه كل السلطات الممكنة على الشيء إذ يمكن للمالك استعمال الشيء واستغلاله والتصرف فيه سواء كان تصرفا ماديا أو مدنيا، ومن هذه الناحية تختلف الحقوق العينية الأخرى عن حق الملكية حيث لا تخول هذه الحقوق لأصحابها سوى بعض هذه السلطات فقط. ومن هنا كانت الملكية حقا جامعا على اعتبار أنها تجمع في مضمونها كل منافع الشيء.
3) الملكية حق دائم :
والمقصود بكون الملكية حق دائم أن الملكية تبقى ما دام الشيء المملوك باقيا ولا تزول الملكية إلا بزوال الشيء أي بهلاكه، ولا يقصد بكون الملكية حق دائم أنها دائمة بالنسبة لشخص المالك على سبيل التأييد والدوام فالمالك قد يتصرف في ملكيته بالبيع أو الهبة، كما قد تنتقل إلى الورثة بالوفاة فهذا لا يعني أبدا أن حق الملكية قد انتهى.
فهذا الحق انتقل من صاحبه الأصلي إلى غيره، ويترتب على كون حق الملكية حق دائم أنه لا يسقط بعدم الاستعمال مهما طال الزمن وللمالك الحرية التامة في استعمال أو عدم استعمال ملكه مهما طالت مدة عدم الاستعمال فإن حق الملكية باق لا يزال وذلك بخلاف الحقوق الأخرى التي يطالها التقادم.
وقد يكسب شخص ملكية شيء بوضع يده عليها مدة معينة يحددها القانون ولكن مع ذلك فإن حق المالك لا يسقط بهذا التقادم إذ يجوز له دائما أن يرفع دعوى استحقاق ملكيته وهذه الدعوى لا تسقط بالتقادم المسقط.
وجدير بالذكر أن التقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ في مواجهة المالك المقيد، ولا يسقط أي حق من الحقوق العينية المقيدة بالرسم العقاري ( الفصل 63 من القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري).
ويختلف حق الملكية في كونه حق دائم عن سائر الحقوق العينية الأخرى لأن هذه الحقوق مؤقتة، فحق الانتفاع مثلا ينتهي بانتهاء الأجل المتفق عليه في العقد أو بموت المنتفع …
4) الملكية حق مانع :
وهذا يعني أن حق الملكية مقصور في الأصل على صاحبه دون أن يتعداه إلى الغير. فالمالك وحده يستأثر بمنافع الشيء ولكن قد تكون الملكية مشتركة لشخصين أو أكثر كأن يرث عدة أشخاص منزلا وهذه الملكية تدعى بالملكية الشائعة.
هذا وقد نص الفصل 920 من قانون الالتزامات والعقود على أنه ” إذا كان الشيء أو الحق لأشخاص متعددين في الاشتراك فيما بينهم وعلى سبيل الشيوع فإنه يوجد في حالة قانونية تسمى الشيوع أو شبه الشركة”.
ومصدر الشيوع قد يكون الاتفاق – عقد – كما إذا اشترى شخصان أو أكثر أرضا على الشيوع، كما ينشأ بإرادة المشرع الناشئ بسبب الإرث كما إذا توفي شخص وترك منزلا، فإن المنزل يصبح مشتركا بحكم القانون بين الورثة، والشيوع حالة طارئة لذلك يحق لكل واحد من الشركاء في أي وقت أراد ذلك أن يطلب القسمة طبقا للفصل 978 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أنه ” لا يجبر أحد على البقاء في الشيوع ويسوغ دائما لأي واحد من المالكين أن يطلب القسمة “.
وإلى جانب الملكية الشائعة هناك ملكية الطبقات وهي ملكية مشتركة غير شائعة في بعض أجزاء الشيء المشترك وشائعة في الأجزاء الأخرى بحيث تكون ملكية كل طبقة فردية وأما الأجزاء المشتركة كالأرض التي أقيم عليها البناء والمصاعد والدهاليز فإنها تكون شائعة بين الملاك.
وقد أقر قانون الالتزامات والعقود المغربي مبدأ ملكية الطبقات في الفصل 473 وبعد انتشار ملكية الطبقات في دول عديدة خصوصا بعد الحرب العالمية الأولى حيث ساهمت هذه الملكية في حل الأزمة السكنية التي عانت منها – ولا زالت – مختلف دول العالم، فقد تدخل المشرع المغربي بظهير 16 نوفمبر 1946 لتنظيم ملكية الطبقات واعتبر هذا الظهير بأن ملاك الطبقات يشكلون اتحادا فيما بينهم بحكم القانون وبكيفية إلزامية لضمان حق الانتفاع المشتركة، وهذا ما يسمى باتحاد الملاك.
غير أن هذا التشريع خلال فترة العمل به أبان عن محدوديته في تأطير العلاقات بين الملاك المشتركين لعدم تمكنه من الإلمام بجميع المسائل التي يطرحها السكن الاجتماعي ومن ثم تدخل المشرع من جديد لسن القانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارت المبنية والذي ترجم إرادة الدولة في تحديث وعصرنة القوانين حفاظا على حقوق المواطنين وتدعيم روح المواطنة بجعل الملكية المشتركة فضاء رحبا للتعايش والتساكن بين الملاك المشتركين.