لقد تحكمت في صدور القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز مجموعة من الاعتبارات أهمها ما جاء في العرض الذي قدم به السيد كاتب الدولة في الإسكان مشروع القانون 44.00 حيث اعتبر أن المشروع سالف الذكر يندرج في إطار إصلاح القوانين المنظمة لقطاع العقار، من أجل تأهيله وتفعيله والنهوض به،
وذلك تماشيا مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب في عدة مجالات، وخاصة مجال السكن الذي بات يعرف خصاصا ملحوظا ، كما أنه يأتي في سياق المجهودات التي تبذلها الدولة لوضع أسس دولة الحق والقانون ولعصرنة الاقتصاد، كما أن هذا القانون جاء لتجاوز المشاكل التي كان يطرحها بيع العقار في طور الإنجاز حيث كثرت النزاعات حوله مما انعكس سلبا على البائع والمشتري والاقتصاد الوطني ككل.
وهذا النوع من البيوع ليس جديدا في الممارسة التعاقدية بالمغرب بل كان سائدا تحت مسميات مختلفة كالبيع على التصميم أو بيع التصاميم والمشرع المغربي قام بتنظيمه بموجب قانون رقم 44.00 وذلك على غرار المشرع الفرنسي الذي قننه سنة 1967 والمشرع التونسي سنة 1990.
وقد عرف المشرع المغربي بيع العقار في طور الإنجاز وذلك بموجب الفصل الأول من هذا القانون الذي نص على أنه “كل اتفاق يلتزم البائع بمقتضاه بإنجاز عقار داخل أجل محدد كما يلتزم فيه المشتري بأداء الثمن تبعا لتقدم الأشغال”.
ويقترب هذا التعريف من ذلك الذي سنه المشرع الفرنسي في المادة 1601-1 من القانون 1967 إذ عرفه هذا الأخير بكونه “العقد الذي يلتزم بمقتضاه البائع ببناء عقار خلال مدة يحددها القانون”.
ومن حسنات التشريع المغربي أنه لم يكتف بذكر التزام البائع فقط كما ذهب إلى ذلك المشرع الفرنسي بل أشار إلى التزام المشتري أيضا، لكن ما يعاب عنه هو أن النص جاء معيبا إلى حد ما من حيث الصياغة اللغوية إذ استعمل كلمة «إنجاز» في حين أن المقصود هو البناء أو التشييد، ومرد ذلك بالأساس الترجمة المعيبة لكلمة edifier الواردة في القانون الفرنسي الذي اقتبس منه القانون المغربي.
ولقد حاول المشرع المغربي في هذا القانون وضع مقتضيات تحقق نوعا من التوازن في العلاقة التي تربط بين المنعش العقاري صاحب المشروع بوصفه بائعا وبين المقتنين للشقق التي توجد في طور البناء.
ومن بين الضمانات التي أتى بها هذا القانون الجديد وجوب إبرام عقد ابتدائي بواسطة محرر رسمي أو بموجب عقد ثابت التاريخ محرر من طرف مهني ينتمي على مهنة قانونية وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من الفصل 618 من القانون المذكور وتطبق نفس المقتضيات بالنسبة لإبرام عقد البيع النهائي طبقا للفقرة 16 من الفصل المذكور.
وبذلك يكون قانون 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز قد أعطى ضمانات أكثر للأطراف في التعاقد بكل ثقة وطمأنينة سيما إذا كان المحرر رسميا نظرا لما للعقد الرسمي من حجة في الإثبات حيث لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور.
كما أن توجه المشرع نحو إقرار الرسمية في هذه العقود من شأنه أن يضع حدا أو على الأقل سيخفف من المشاكل التي تنتج عن العقود العرفية التي تبرم من أشخاص غير مؤهلين ولا يتوفرون على التكوين القانوني المطلوب ولا يقدرون مسؤولية ما يقومون به.
وبالإضافة إلى الضمانات التي يوفرها عقد بيع العقار في طور الإنجاز والمرتبطة بتوثيقه هناك ضمانات أخرى تضمن تنفيذ هذا العقد سواء من طرف المشتري أو البائع. وبالنسبة لضمانات تنفيذ هذا العقد بالنسبة للمشتري فهي على صنفين:
ضمانات قانونية تتمثل أساسا في ما أقره الفصل 618.10 من قانون الالتزامات والعقود حيث يتم تقييد البيع الابتدائي لعقد بيع عقار في طور البناء تقييدا احتياطيا وهو إجراء يضمن حقوق المشتري ضد أي بيع ثان يلجأ إليه البائع.
وضمانات مالية تظهر في الضمانة البنكية حيث يلتزم البنك بتمويل تمام بناء العقار المبيع في حالة عجز البائع عن ذلك وبمقتضى هذه الضمانة فإن المشتري يضمن كون العقار المبيع سيكتمل أو على الأقل يضمن عدم فقدانه لما دفعه من أقساط في حالة عدم تنفيذ مشروع البناء، وإذا ما رفض البنك منح البائع هذه الضمانة فإن له اختيار ضمانات أخرى تؤمن للمشتري حقوقه في استرجاع الأقساط التي دفعها. حيث خول الفصل 9-618 من ق.ل. ع للبائع إبرام عقد تأمين لمسؤوليته.
أما بالنسبة للضمانات التي يوفرها هذا القانون للبائع عند تنفيذ العقد فأهمها أنه يبقى هو المالك باعتبار أن الملكية لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد الانتهاء من هذه الأشغال ، كما أنه خلال هذه الفترة يتمتع بسلطات رب العمل من حيث الإشراف على ضمان تنفيذ العقد وقت ما اتفق عليه دون تدخل أو رقابة من طرف المشتري.