نظرا للتوسع الحضري والنمو الديمغرافي المتزايد الذي تشهده المدن والتجمعات العمرانية بالمغرب ، فقد أصبح الأمر ملحا إلى وضع سياسة تعميرية تواكب هذه المتغيرات وتتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتأسس لحلول واقعية للأزمة السكنية التي يعرفها المغرب .
وفي هذا السياق كان طبيعيا أن يهتم التشريع المغربي بتنظيم المجال العمراني، فصدرت بهذا الخصوص جملة من النصوص القانونية ، ويعتبر ظهير 19 أبريل 1914 بشأن تصنيف الأبنية والطرق والتصاميم الموضوعة لتهيئة المدن وتوسيع نطاقها أول تشريع تم وضعه من طرف سلطات الحماية ينظم المجال العمراني، وبقيت الخطوط الأساسية لهذا التشريع كما وقع تعديله سارية المفعول إلى بداية الخمسينيات، حيث صدر تشريع جديد في مجال التعمير بواسطة الظهير الشريف الصادر في 30 يوليوز 1952.
لكن هذه القوانين بدل أن تنظم المجال العمراني فقد ساهمت في تشويهه ، حيث انتشرت الأحياء الصفيحية والتجمعات السكنية غير القانونية وغير اللائقة بالمواطن. وهذا ما حاولت قوانين التعمير الجديدة تجاوزه ويتعلق الأمر بكل من :
قانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير، و القانون رقم 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات فحاولت هذه القوانين أن تكون أكثر ملائمة للتطورات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب خاصة بما يتعلق بحل أزمة السكن.
فلا يمكن الحديث عن أي تنظيم للمجال العمراني إذا لم يتم وضع وثائق للتعمير تخدم وتتلاءم مع هذا المجال وهكذا فقد اهتم قانون التعمير رقم 90-12 بوضع وثائق تعمير ذات طابع توجيهي، يتم بموجبها رسم الإطار العام للتجمع العمراني وتحديد عناصر تطوره الأساسية، وتتمثل أساسا في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية والتصميم التوجيهي للمناطق، وأخرى ذات طابع عملياتي، أو تنظيمي يجري بها تتميم الأولى وتفصيل محتوياتها عبر تكريسها عمليا.
ويمكن إجمالا حصر بعض أهداف قانون التعمير رقم 12-90 في :
– تحقيق المرونة الضرورية للتطبيق السليم لوثائق التعمير من جهة وتبسيط إجراءات وضعها والمصادقة عليها من جهة ثانية.
– وضع الأساس القانوني لمخطط توجيه التهيئة العمرانية.
– تحقيق الأهداف المزدوجة والتي تجمع بين الجودة المعمارية وسلامة البناء وجودته عن طريق تدخل المهندسين المعماريين والمهندسين المختصين.
– وضع نظام زجري أكثر فعالية.
ولما كانت التجزئات العقارية هي الأداة المناسبة لتنفيذ أهداف وثائق التعمير فقد أصدر المشرع قانون رقم 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية وذلك لتجاوز ثغرات القوانين القديمة ومحاربة التجزئات العقارية غير القانونية، وإعادة هيكلة التجزئات التي تمت خارج القانون وقد تم تركيز مقتضيات هذا القانون على الاهتمامات التالية:
– إعطاء الإدارة الوسائل الفعالة والوقائية لتفادي خلق التجزئات غير القانونية.
– إعادة هيكلة التجزئات العقارية وتقسيم العقارات.
– التدخل الإلزامي للتقنيين المختصين.
– إحداث نظام زجري أكثر فعالية من شأنه الحد من تنامي التجزئات غير القانونية.
– منع العدول والموثقين وموظفي مصالح إدارة التسجيل العقاريين من تحرير أو تلقي أو تسجيل عقود البيع أو الكراء أو القسمة بدون رخصة تشهد على قانونية أشغال التجزئة أوتقسيم العقارات.
ومن الضمانات الأساسية التي جاء بها قانون 25-90 ما يتعلق بتوثيق التصرفات العقارية الواردة على بقع التجزئة العقارية حيث تدخل المشرع من خلال المادة 35 من هذا القانون ومنع بموجبها الموثقين أو العدول أو المحافظين على الأملاك العقارية ومأموري إدارة التسجيل من تلقي أو تحرير أو تسجيل العقود المتعلقة ببيع أو كراء أو قسمة التجزئات العقارية إلا إذا أدلى الأطراف بنسخة مشهود بمطابقتها لأصل محضر التسليم المؤقت ، ورتب على مخالفة أحكام هذه المادة البطلان.
وبهذا المقتضى يكون المشرع المغربي في إطار هذا القانون قد وضع حدا للتلاعبات والمشاكل التي ظلت ترهق المتعاملين في التجزئات العقارية في ظل القوانين السابقة حيث كان بالإمكان بيع بقع التجزئات العقارية عدة مرات وأحيانا قبل صدور شهادة التسليم المؤقت بتدخل الوسطاء والمضاربين دون وازع أخلاقي لكثرة عمليات النصب والاحتيال وبسبب منتحلي مهنة التوثيق.