وعيا من المشرع المغربي بأهمية الوقف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية كذلك فقد تدخل لتنظيمه وحمايته، وأصدر مجموعة من الظهائر خاصة في فترة الحماية أهمها ظهير 21 يوليوز 1913 المتعلق بنظام تحسين الأحباس العمومية وكذا ظهير 29 يناير 1917 وبعض الظهائر الأخرى الصادرة بعد الاستقلال أهمها ظهير 25 يوليوز 1969 الذي تنقل بمقتضاه أوقاف عمومية للدولة، وظهير 8 أكتوبر 1977 في شأن الأحباس المعقبة والمشتركة. ولقد انعكس هذا التعدد في القوانين المنظمة للوقف سلبا على تدبيره وحمايته ، ونتج عن ذلك تباين في الاجتهادات القضائية والمواقف الفقهية حول المنازعات التي تطرحها الأملاك الحبسية.
وهو الأمر الذي دفع المشرع المغربي إلى إصدار مدونة الأوقاف بتاريخ 23 فبراير 2010 التي حاولت إيجاد رؤية جديدة لتدبير الأملاك الحبسية والنهوض بها حتى تساهم في تحقيق التنمية والاستثمار، وهكذا نسخت هذه المدونة الظهائر السالفة الذكر ومجموعة من الظهائر الأخرى. حيث تم تعويض الأحكام الواردة في هذه الظهائر والمشار إليها في المادة 166 من مدونة الأوقاف بالأحكام الموازية لها في هذه المدونة.
وقد عرفت المادة الأولى من مدونة الأوقاف الوقف بأنه “كل مال حبس أصله بصفة مؤبدة أو مؤقتة، وخصصت منفعته لفائدة جهة بر وإحسان عامة أو خاصة، ويتم إنشاؤه بعقد أو بوصية، أو بقوة القانون. يكون الوقف إما عاما، أو معقبا، أو مشتركاء”.
وتجرى على الأموال الموقوفة وقفا عاما أو معقبا جميع التصرفات القانونية الهادفة إلى الحفاظ عليها، وتنمية مداخيلها بما يلاءم طبيعتها ويحقق مصلحة ظاهرة الوقف.
1 / التصرفات الواردة على الأحباس العامة :
الوقف العام هو كل وقف خصصت منفعته ابتداء أو مآلا لوجود البر والإحسان وتحقيق منفعة عامة ، ويعتبر في حكم الوقف العام جميع المساجد والزوايا والأضرحة والمقابر الإسلامية…( المادة 50 من مدونة الأوقاف)، وتخضع الأملاك الوقفية العامة لمجموعة من التصرفات أهمها المعاوضة والكراء.
بالنسبة للمعاوضات فهي إما أن تكون نقدية بمبادرة من إدارة الأوقاف أو بناء على طلب مكتوب ممن يهمه الأمر على أن تخصص عائدات المعاوضات النقدية لاقتناء عقارات وقفية عامة أخرى، وذلك حفاظا على أصل الوقف وتنمية مداخيله. ولا تتم المعاوضات النقدية إلا عن طريق إجراء السمسرة أو طلب عروض وبعد مصادقة الأوقاف.
أما بالنسبة للمعاوضات العينية أو ما يسمى بالمناقلة فيشترط لإجرائها أن تكون العين المعاوض بها محفظة ، وأن تساوي أو تفوق قيمتها النقدية قيمة العين الموقوفة. وتفاديا للمشاكل التي تطرحها المحررات العرفية فقد أوجب المشرع ضرورة تضمين عقد المعاوضات العينية في محرر رسمي.
إلا أنه مع ذلك فما زالت المعاوضات العينية الواردة على الأوقاف العامة تثير مجموعة من المشاكل خاصة بالنسبة للمقابر التي تخضع في جزء منها لأحكام الشريعة الإسلامية ويخضع جزء آخر للقانون الوضعي ، فنتيجة للتوسع العمراني الذي تشهده العديد من المدن الكبرى، فالتساؤل يطرح حول الجهة المختصة بالمقابر هل الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف باعتبارها مشرفة على الأوقاف العامة أو أن الاختصاص يعود للجماعات المحلية باعتبارها المسؤولة عن صيانتها؟.
أما بالنسبة لكراء الأملاك الحبسية العامة فيتم بناء على عقد بمقتضاه تمنح إدارة الأجياس منفعة عقار إلى آخر مزايد خلال مدة معينة مقابل وجيبة كرائية يؤديها مسبقا. وقد ميزت مدونة الأوقاف بين كراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية، وكراء الأملاك الوقفية الفلاحية.
بالنسبة لكراء الأملاك الوقفية غير الفلاحية فيكون لمدة تزيد عن ثلاثة سنوات قابلة للتجديد بناء على طلب المكتري وبعد موافقة إدارة الأوقاف والزيادة في السومة الكرائية، كما أن هذا العقد قابل للفسخ بالإرادة المنفردة لإدارة الأوقاف في حالات معينة. أما بالنسبة للأملاك الوقفية الفلاحية فهي تكرى لمدة لا تزيد عن ست سنوات قابلة للتجديد بناء على طلب المكتري وبعد موافقة إدارة الأوقاف والزيادة في السومة الكرائية بنسبة معينة.
ولقد منعت مدونة الأوقاف المكتري من تغيير نوع الزراعة وكيفية الاستغلال المنصوص عليها في عقد الكراء وفي دفتر التحملات عند الاقتضاء، إلا بإذن كتابي من إدارة الأوقاف تحت فسخ العقد والتعويض عن الضرر.
وما يمكن أن نسجله حول كراء الأملاك الوقفية العامة هو أن هذا العقد يتضمن امتيازات لإدارة الأوقاف على حساب المكتري حيث تحتفظ إدارة الأوقاف بحق فسخ هذاالعقد بإرادتها المنفردة في حالات معينة مع دفع تعويض للمكتري يوازي كراء ثلاثة أشهر وهو تعويض هزيل مقارنة مع الضرر الذي يمكن أن يتعرض له، كما أن مدة الكراء تبقى قصيرة خاصة إذا علمنا أن استفادة المكتري من المشروعات التي يقيمها على العين الموقوفة لا يكون إلا بمرور مدة طويلة، والمشرع وإن كان منح للمكتري حق طلب تمديد مدة الكراء إلا أنه ربطها بالزيادة في السومة الكرائية.
هذا إضافة إلى منع المكتري من إدخال أي تغييرات على العين الموقوفة إلا بعد موافقة إدارة الأوقاف تحت طائلة فسخ العقد، فهذا يمكن أن يساهم في عزوف المكترين عن كراء هذه الأراضي مما ينعكس سلبا على النهوض بهذه الأراضي واستثمارها.
2 / التصرفات الواردة على الأحباس المعقبة :
يعتبر وقفا معقبا ما وقف على ولد أو عقب أو نسل أو ذرية المحبس أو غيره. ولا يجوز القسمة البتية للمال الموقوف وقفا معقبا، إلا أنه تجوز قسمته قسمة مهاياة فيما يخص الأملاك ذات المداخيل المنتظمة، وذلك بتراضي جميع المستحقين، وفي حالة عدم اتفاقهم يكري الناظر المشار إليه في المادة 118 بعده المال الموقوف لفائدة الموقوف عليهم.
بالنسبة لمعاوضة المال الموقوف وقفا معقبا فتخضع لنفس الأحكام المتعلقة بمعاوضة المال الموقوف وقفا عاما. ولا يكرى المال الموقوف وقفا معقبا لأكثر من ثلاث سنوات إلا بإذن من إدارة الأوقاف وإلا كان العقد باطلا.
ونظرا للمشاكل التي يطرحها الوقف المعقب حيث أصبح حاجزا أمام تحقيق أي تنمية عمرانية، كما يساهم في إخراج العقار من التداول وذلك نظرا للمنازعات المتعلقة به بين الأعقاب فتعددهم أشاع البطالة والتواكل فيما بينهم حيث لا يبادرون إلى إصلاح هذا الوقف بقدر ما ينتظرون الريع الناتج عنه والذي يتكلف الناظر بمنحه لهم.
فقد أدى هذا بالمشرع المغربي إلى التوجه نحو تصفية الوقف المعقب انسجاما مع بعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري والسوري. وهكذا نصت المادة 109 من مدونة الأوقاف على أنه لا يجوز إنشاء الوقف المعقب إلا في حدود ثلاث طبقات، الموقوف عليه ثم أولاده ثم أولاد أولاده.
وإذا شمل عقد الوقف أكثر من ثلاث طبقات اعتبر باطلا فيما زاد عنها باستثناء الأوقاف المعقبة المنشأة قبل دخول هذه المدونة حيز التنفيذ.
وقد نصت مدونة الأوقاف من خلال المادة 122 على حالات معينة تصفى فيها الأوقاف المعقبة، وبذلك تكون المدونة قد تداركت الفراغ التشريعي الذي كان سائدا في ظهير 8 أكتوبر 1977 حيث لم يتم التنصيص على مثل هذه الحالات مما خلق تباينا في الآراء الفقهية حول إمكانية تصفية الوقف المعقب من عدمه.