إن النظام العقاري في المغرب قام على ازدواجية تتمثل في وجود عقارات محفظة خاضعة لظهير التحفيظ العقاري لـ 9 رمضان 1331 الموافق لـ 12 غشت 1913 كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07 بتاريخ 22 نوفمبر 2011 ، وظهير 19 رجب 1333 الموافق 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة والذي تم نسخه بمقتضى المادة 333 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، وعقارات غير محفظة خاضعة لمقتضيات الفقه المالكي حسب ما استقر عليه العمل القضائي المغربي.
وخضعت هذه العقارات أيضا لبعض الأعراف كما أن بعض الفقه كان لا يرى مانعا من إخضاعها لأحكام قانون الالتزامات والعقود، وقد نص القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية على إزالة الاختلاف الذي كان بين الفقه والقضاء حول الأسبقية في التطبيق بين أحكام الفقه الإسلامي ونصوص الالتزامات والعقود بالنسبة للعقارات غير المحفظة.
وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 39.08 على ما يلي: ” تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون ، فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجع والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي”.
فقبل فترة الحماية وقبل إقرار نظام التحفيظ العقاري في 12 غشت 1913 كان المغرب لا يعرف إلا تنظيما واحدا وهو العقار المدني بأشكاله التقليدية، ولم يكن تعبير عقار غير محفظ متداولا ولا معروفا ، ومع إقرار نظام التحفيظ العقاري بمقتضى ظهير 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) وظهير 19 رجب 1333 (2 يونيه 1915) الملغى المتضمن للقواعد التي تطبق على العقارات المحفظة أصبح المغرب يتوفر على ازدواجية لنظامه العقاري: عقارات محفظة وأخرى غير محفظة،
ويعتبر العقار غير المحفظ هو الأساس لأن العقار المحفظ كان أصلا عقارا غیر محفظ فتحول وضعه القانوني والمادي بعد إتباع مسطرة التحفيظ والتي هي مجموعة من الإجراءات الرامية إلى إخضاع العقار الغير المحفظ للنظام المحدث بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه.
ويطلق على العقار غير المحفظ إسم العقارات العادية، كما يطلق عليها أيضا اسم العقار الملك.وتنتقل ملكية العقار غير المحفظ بالتصرفات القانونية كالبيع والهبة والوصية والإرث.
وتجد هذه الملكية أساسها القانوني في واقعة الحيازة الفعلية بوضع اليد والتصرف فيها ولا يتحقق الاستحقاق إلا إذا كانت الحيازة للعقار حيازة قانونية مستجمعة لكافة شروطها من وضع اليد على العقار والتصرف فيه بشكل عادي وعلني مع استمرار الحيازة والخلو من الالتباس.
وأهم النزاعات المثارة بصدد العقارات غير المحفظة تتعلق بدعوى الاستحقاق ودعوى الحيازة ، فدعوى الاستحقاق تهدف حماية أصل حق الملكية وبصورة أعم ( أصل الحق العقاري). أما دعوى الحيازة فهي تهدف أساسا حماية حيازة الحق العقاري من خلال إقامة دعوى الحيازة وما تتطلبه من شروط.
وإذا كان بعض الفقه المهتم قد اعتبر بأن إنشاء مدونة خاصة بالعقارات غير المحفظة فكرة حسنة وخطوة إيجابية يمكن أن تخفف من حدة الإشكالات التي يحملها هذا النوع من العقارات، كما أن نظام التحفيظ العقاري سيستفيد منه بالنظر إلى أن الإحالات على الشريعة الإسلامية الواردة في ظهير 2 يونيو 1951 المحدد للقواعد التي تطبق على العقارات المحفظة سيصبح لها مصدر بصدور هذه المدونة،
إلا أن تدوين هذه النصوص الخاصة يتضمن – يقول د. محمد مومن – عيبا أساسيا هو ترسيخه للطابع الإزدواجي في النظام العقاري بين عقار محفظ وعقار غير محفظ وهو الأمر الذي لم يعد ملائما للواقع الذي عليه المغرب وطموحاته في النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويضيف الأستاذ محمد مومن بأنه “لا تخفى أهمية هذه الخطوة من حيث أنها ستسمح بجمع أحكام الفقه الإسلامي المتعلقة بهذه العقارات والمشتتة في مصنفات الأسلاف من الفقهاء في مدونة خاصة يسهل الرجوع إليها ويضبط المعاملات المتعلقة بها، ويحول دون تضارب الأحكام بشأنها ويحقق ما تقتضيه التنمية من استقرار قانوني … إلخ”.
والواقع أن مدونة الحقوق العينية جاءت لتنسخ الظهير الصادر في 19 رجب 1333 الموافق لـ 2 يونيو 1915 الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة كما تقضي بذلك المادة 333 من القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية إلا أنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1 – مدونة الحقوق العينية إعادة لتدوين للمقتضيات الواردة في ظهير 2 يونيو 1915.
2- مدونة الحقوق العينية أضافت مقتضيات كان قد ورد بشأنها نصوص قانونية في قانون الالتزامات والعقود وفي قانون المسطرة المدنية.
3 – مدونة الحقوق العينية تدوين لبعض المقتضيات الواردة عليها النص في تشريعات عقارية خاصة كما هو الشأن بالنسبة لتحرير التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أ أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض.
4 – إذا لم يوجد نص ينظم الملكية العقارية والحقوق العينية العقارية فإنه يتعين على القاضي الذي عرض عليه النزاع تطبيق قانون الالتزامات والعقود باعتباره الشريعة العامة والقانون الواجب التطبيق في حالة غياب نص في أي فرع من فروع القانون الخاص وهي قاعدة مسلم بها في فقه القانون الخاص وفي حالة عدم وجود النص في قانون الالتزامات والعقود
فإن المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية تنص بصراحة على ضرورة الرجوع إلى الفقه المالكي: الراجح والمشهور وما جرى به العمل داخل هذا المذهب، وهذه الازدواجية في الرجوع إلى أحكام الفقه المالكي وأمام قانون الالتزامات والعقود كانت محل خلاف سابق في الفقه المغربي حول أولوية هذا من ذاك.
إن إشكالية التنازع بين قانون الالتزامات والعقود والفقه المالكي لازالت في أهم جوانبها بدون حل، إذ ظلت العقارات غير المحفظة سواء كانت قبل الحماية أو أثناءها أو بعد انقضائها وحتى دخول قانون 1965 بشأن مغربة القضاء وتعريبه وتوحيده إلى حيز التطبيق خاضعة لقواعد الفقه المالكي والأعراف المحلية.
واعتقد بأن الإشكالية لا زالت قائمة لأنه إذا كان ميسرا على القاضي الرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود فإن أغلب القضاة لن يكلفوا عناء البحث في متون مذهب الإمام مالك أمام كثرة المنازعات المثارة وضيق الوقت وصعوية البحث …
5 – ترسيخ الطابع الإزدواجي في النظام العقاري بين عقار محفظ وعقار غير محفظ أمر غير ملائم للواقع الذي يعيشه المغرب.
إن الأساس القانوني الذي يقوم عليه نظام العقار غير المحفظ هو الحيازة أي وضع اليد والتصرف فيها بشكل عادي وعلني واستمرار وخلو من اللبس ومن أهم ما يطبع النزاعات حول العقارات غير المحفظة تمحورها حول دعوتين رئيسيتين وهما: دعوى الاستحقاق ودعوى الحيازة،
فدعوى الاستحقاق دعوى عينية يطالب فيها المدعى بالملكية، فالاستحقاق هو انتزاع الشيء من يد . حائزه بظهور مالكه الحقيقي فهي دعوى تهدف حماية الملكية ، وكل مالك يطالب بملكه تحت يد الغير يستطيع رفع هذه الدعوى على الغير. والحيازة هي سلطة فعلية أو واقعية يباشرها الحائز على الشيء أو على حق عيني وهي إما استحقاقية يستحق بها الحائز الشيء المحوز ويتملكه عند توفر شروطها أو حيازة عرضية تتيح لصاحبها التصرف في الشيء والانتفاع به، وحقه في أن يتملك بها الشيء المحوز.
وقد نصت المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية على أنه ( يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ أو أي حق عيني آخر يرد عليه إلى أن يثبت العكس…) وبذلك يكون المشرع قد كرس الازدواجية في النظام العقاري المغربي بين عقار محفظ وعقار غير محفظ وأعطى للحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية المشاعة القوة في تثبيت الملكية العقارية لغير المالك الحقيقي ولذلك هناك من يطالب بإلغاء الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية واعتماد أسلوب إحياء العقار عن طريق الاستغلال التجاري والصناعي.
ويرى الدكتور إدريس الفاخوري في هذا الامر بأن الحيازة في إحياء الأرض المهجورة وسيلة ناجعة في استثمار الأرض وإحياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحيا أرضا مواتا فهي له ) وفي العمل بالحيازة تفضيل المزارع النشيط على المالك. أما الحيازة في غيرها من الصور فهي وسيلة للترامي والغصب فالالتجاء إلى اللفيف والإشهاد به.
يقول الأستاذ محمد بن أحمد بونبات: لم يعد يلائم التحديات التي تجابه البوادي والقرى وضعف الإمكانيات فإذا أضفنا إليها مشهد المنازعات حول الحيازات علمنا أن الإنتاج الفلاحي لن يكون إلا في مهب الريح، لذا لا بد من التفكير في نظام حديث للحيازة حفاظا على أصالتها وتوجهه إلى تطوير آلياتها.