تنص المادة 10 من ظهير التنظيم القضائي على أنه ” تتشكل هيئات الحكم في المحاكم وفق ما يحدده القانون، تحت طائلة البطلان، غير أنه لا يترتب البطلان في حالة مشاركة قاض إضافي أو أكثر في نفس الجلسة.
تعتمد المحاكم الابتدائية القضاء الفردي أو القضاء الجماعي حسب الحالات التي يحددها القانون، مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل.
يعتمد القضاء الجماعي، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك في المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية، وفى الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والأقسام الخاصة في القضاء الإداري المحدثة بالمحاكم الابتدائية وفي محاكم الدرجة الثانية وفي محكمة النقض. ويعتمد القضاء الجماعي أيضا في كل حالة يقرر فيها القانون ذلك “.
تتناول هذه المادة بيان الحالات التي يأخذ فيها المشرع بمبدأ القضاء الجماعي والحالات التي يأخذ فيها بمبدأ القضاء الفردي بالمحاكم المغربية، مؤكدا في بدايتها على أن هيئات الحكم تتحدد طبقا للقانون.
ويقصد بهيئة الحكم التشكيلة القضائية التي يسند لها الاختصاص في عقد الجلسات والفصل في القضايا المعروضة، والتي تتألف لزوما من قاض واحد على الأقل، مع إمكانية الاستعانة بكاتب للضبط، وحضور النيابة العامة في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك.
وتشكيل هيئات الحكم يرجع أمر تحديده إلى القانون، بمعنى أن هذا الأخير هو الذي يحدد عدد القضاة في الهيئة الحاكمة في كل نوع من القضايا، وكذا مدى ضرورة حضور كاتب الضبط والنيابة العامة أثناء عقد الجلسات؛ وذلك تحت طائلة بطلان الحكم الذي يصدر دون مراعاة المقتضيات القانونية المحددة لشكل الهيئة الحاكمة الواجب عرض القضية عليها، ما يدل صراحة على أن تشكيل هيئة الحكم يعتبر من النظام العام يحق إثارة مخالفته في أي وقت ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.
غير أن المشرع نص في تتمة الفقرة الأولى على أن هذا البطلان لا يترتب ” في حالة مشاركة قاض إضافي أو أكثر في نفس الجلسة”، فدل على أن البطلان يترتب في حالة الإخلال بالحد الأدنى الذي قرره القانون والذي يجب أن تنعقد به الجلسة، وأنه لا يترتب في الحالة التي يرتفع فيها عدد القضاة عن العدد المنصوص عليه، على اعتبار أن مثل هذا الأمر سوف لن يضر بالمسطرة ولا بالضمانات الممنوحة للمتقاضي، بل بالعكس سيزيد منها.
وبذلك فإنه في حالة ما إذا تعلق الأمر بقضية من اختصاص القضاء الفردي وبت فيها القضاء الجماعي فإن الحكم الصادر في هذه القضية لا يطاله البطلان، بشرط أن لا يكون هنالك نص خاص يلزم بالبقاء على أصل احترام تشكيلة هيئة الحكم بعدم تغييرها مطلقا زيادة أو نقصانا، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمقتضى المقرر بخصوص البت في الجنح والمخالفات التي ألزم المشرع المحكمة في الفصل 374 من قانون المسطرة الجنائية، بضرورة عقد جلساتها بقاض منفرد وبحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط ” مرتبا ” البطلان عن الإخلال بهذه المقتضيات”.
ونرى في هذه الحالة ومثيلاتها أنه يلزم احترام النص الخاص بعدم الزيادة في عدد القضاة، وأنه تبعا لذلك يترتب بطلان الحكم الصادر عن الهيئة التي لم تحترم النصاب المقرر، لكون القانون الخاص مقدم في الإعمال على النص العام في الباب، والنص الخاص في هذه الحالة قرر البطلان جزاء ولو تعلق الأمر بزيادة عدد القضاة الذين ينظرون قضايا الجنح والمخالفات.
والمشرع في هذه المادة موضوع الشرح، قد زاوج من حيث الأصل بين القضاء الفردي والقضاء الجماعي، حينما نص في الفقرة الثانية على أنه “تعتمد المحاكم الابتدائية القضاء الفردي أو القضاء الجماعي حسب الحالات التي يحددها القانون”، وذلك بعدما راكم كماً من التجارب بخصوص إعمال هذه المبادئ.
ذلك أنه كان قد أخذ في ظهير التنظيم القضائي أول ما صدر سنة 1974 بمبدأ القضاء الفردي بالمحاكم الابتدائية، ثم تراجع عنه إلى مبدأ القضاء الجماعي في تعديله للظهير نفسه بتاريخ 10 شتنبر 1993، ليعود مرة أخرى إلى تبني مبدأ القضاء الفردي في أغلب القضايا المعروضة على المحاكم الابتدائية في تعديله للفصل 4 من ظهير التنظيم القضائي بتاريخ 11 نونبر 2003.
ولعل هذه التجربة منذ صدور ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974، وحتى قبل صدوره إلى اليوم، كانت كافية للمشرع المغربي بعد استشارة الفاعلين في الشأن القضائي، لتكوين رؤية واضحة حول جدوى تبني مبدأ القضاء الفردي أو القضاء الجماعي بالمحاكم الابتدائية، ما جعله يقتنع، وعن حق، بالمزاوجة بين المبدأين معا بما تقتضيه مصلحة البت في القضايا المعروضة تبعا لنوعها وأهميتها وعددها كثرة وقلة دون المساس بالاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل، لاسيما اختصاصه بالبت في القضايا المستعجلة والطلبات الوقتية والتحفظية في جلسة فردية أو في مكتبه بصفته قاضيا للمستعجلات؛ أو بصفته تلك، أي رئيسا للمحكمة.
وبعدما قرر المشرع أصل ازدواجية القضاء الفردي والجماعي في المحاكم الابتدائية العادية، انتقل لبيان اعتماد مبدأ القضاء الجماعي في المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية.
وقد ألحق المشرع بالمحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية، التي تعمل بمبدأ القضاء الجماعي، الاقسام المتخصصة في القضاء التجاري والاقسام المتخصصة في القضاء الإداري المحدثة بالمحاكم الابتدائية، فتعمل هي الأخرى بهذا المبدأ نظرا لطبيعة وخصوصية القضايا التي تنظرها والتي تشترك فيها نوعيا مع المحاكم المتخصصة،
فلما اتحد الوصف، وصفات كونها قضايا تجارية أو قضايا إدارية؛ والعلة، علة خصوصية هذه الدعاوى، اتحد الحكم في ضرورة نظر الأقسام المتخصصة لهذه القضايا بهيئة جماعية، ولو كانت تابعة تنظيما للمحاكم الابتدائية العادية التي تعمل بمبدأ ازدواجية القضاء الفردي والقضاء الجماعي، مع تغليبها للمبدأ الأول واعتباره المبدأ الأكثر إعمالا.
وبالإضافة إلى إعمال مبدأ القضاء الجماعي بالمحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية، والأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والأقسام المتخصصة في القضاء الإداري المحدثة بالمحاكم الابتدائية؛ فإن المبدأ ذاته يعمل به في محاكم ثاني درجة سواء تعلق الأمر بمحاكم الاستئناف العادية أو محاكم الاستئناف المتخصصة في القضاء التجاري أو القضاء الإداري؛ وكذا محكمة النقض.
وبناء على ما سبق فإن محاكم الاستئناف العادية تعقد جلساتها في القضايا ذات الطبيعة المدنية بثلاثة قضاة وبمساعدة كاتب الضبط تحت طائلة بطلان القرارات الصادرة عنها دون احترام هذه الشكلية.
بينما تعقد جلساتها في القضايا ذات الطبيعة الزجرية طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية إذا بتت ابتدائيا في غرفة الجنايات أو استئنافيا في غرفة الجنح الاستئنافية بثلاثة مستشارين بمن فيهم الرئيس وبحضور النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط، وكذلك الشأن حين نظرها في الطلبات المعروضة على الغرفة الجنحية .
أما عند نظرها في القضايا الجنائية استئنافيا في غرفة الجنايات الاستئنافية فإنها تعقد جلساتها بخمسة مستشارين بمن فيهم الرئيس وبحضور النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط طبقا للمادة 457 من قانون المسطرة الجنائية.
أما محاكم الاستئناف التجارية فتعقد جلساتها وتصدر أحكامها وهي متألفة من ثلاثة قضاة من بينهم الرئيس، يساعدهم كاتب ضبط. وبخصوص محاكم الاستئناف الإدارية فإنها تعقد جلساتها وتصدر قراراتها علانية وهي متألفة من ثلاثة مستشارين من بينهم رئيس يساعدهم كاتب ضبط، وبحضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق.
أما محكمة النقض فهي تبت بعد إحالة القضية على الغرفة المختصة وهي مؤلفة من خمسة مستشارين وبحضور النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط طبقا للفصل 371 و 372 من قانون المسطرة المدنية والمادة 542 من قانون المسطرة الجنائية، كما يمكن للرئيس الأول ولرئيس الغرفة المعروضة عليها القضية وللغرفة نفسها أن يحيلوا الحكم في أية قضية على هيئة قضائية مكونة من غرفتين مجتمعتين، فيكون بذلك مجموع المستشارين عشرة.
ويعين الرئيس الأول في هذه الحالة الغرفة المضافة إلى الغرفة المعروضة عليها القضية. ويرجح صوت الرئيس، في حالة تعادل الأصوات، حسب نظام الأسبقية المتبع بين رؤساء الغرف. ويمكن للهيئة المؤلفة من غرفتين أن تقرر إحالة القضية على محكمة النقض للبت فيها بمجموع الغرف، أي بخمس وثلاثين مستشارا.
وبالإضافة إلى هذه الحالات المذكورة، ختمت هذه المادة بعبارة “ويعتمد القضاء الجماعي أيضا في كل حالة يقرر فيها القانون ذلك”، في إشارة إلى الحالات الأخرى التي لم يتم التنصيص عليها صراحة في هذه المادة من قبيل الدعاوى العقارية والدعاوى العينية والمختلطة وقضايا الأسرة والميراث مع مراعاة بعض الاستثناءات، والتي تبت فيها المحاكم الابتدائية بهيئة جماعية، وكذلك كل حالة أخرى ينص فيها القانون على ضرورة نظرها من هيئة قضائية جماعية.