بالرجوع إلى المادة 43 من قانون التنظيم القضائي يمكن التمييز بين ثلاثة أصناف من المحاكم الابتدائية ” المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة – المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة المشتملة على أقسام متخصصة في القضاء التجاري وأقسام متخصصة في القضاء الإداري – المحاكم الابتدائية المصنفة التي يمكن إحداثها طبقا للمادة 48 من هذا القانون”.
وحسب المادة 42 من قانون التنظيم القضائي التي حلت محل الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي لـ 15 يوليوز 1974 المعدل بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.93.205 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 تتألف المحكمة الابتدائية من” رئيس – وكيل الملك – نائب أو أكثر للرئيس وقضاة – نائب أول أو أكثر لوكيل الملك وباقي نوابه – رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة ورؤساء مصالح وموظفي كتابة الضبط وموظفي كتابة النيابة العامة”.
يظهر من هذه المادة أن المشرع قام بمجهود كبير لتلافي الانتقادات التي كانت توجه للفصل الثاني من التنظيم القضائي لسنة 1974 أبرزها أن الفصل كان يتحدث عن القضاة النواب الذين يندرجون ضمن قضاة الأحكام وهو الشيء الذي لم يكن مستساغا لأنه لا يوجد من حيث المبدأ في التنظيم القضائي لسنة 1974 فرق بين القضاة والقضاة النواب.
يضاف إلى الملاحظة المذكورة أعلاه، أن المادة 42 من القانون جاءت في صياغة أكثر انسجاما ومواكبة للتطورات الكبيرة التي عرفتها منظومة العدالة، بحيث أصبح النص الجديد يتحدث عن نائب أو أكثر للرئيس ونائب أول أو أكثر لوكيل الملك عوض ما كان عليه الأمر سابقا.
أما باقي القضاة فلا يتولون النيابة عن الرئيس، كما أن باقي نواب وكيل الملك لا يمكن أن يتولوا النيابة المباشرة عنه. وحسب ما لدينا من اعتقاد يمكن القول إن في هذا تسهيلا للعمل داخل المحكمة بتحديد المخاطب في حال غياب الرئيس أو الوكيل أو إذا عاقه مانع من أداء المهام الموكولة إليه. كما أن في هذا تحديدا للمسؤوليات على مستوى كل محكمة.
يمكن تقسيم هذه المحاكم بحسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى أقسام قضاة الأسرة، وغرف قضاء القرب وغرفة مدنية وتجارية وعقارية واجتماعية وزجرية.
تنظر أقسام قضاء الأسرة في قضايا الاحوال الشخصية والميراث، والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة، وكل ماله علاقة برعاية وحماية الأسرة.
تنظر غرف قضاء القرب في الدعاوي الشخصية والمنقولة التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم باستثناء النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة والعقار والقضايا الاجتماعية والإفراغات. كما تنظر أيضا في المخالفات المنصوص عليها في القانون المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاتها.
يمكن لكل غرفة أن تبحث وتحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها “باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة”.
فكما هو واضح إذن من الفصل أعلاه تتشكل المحاكم الابتدائية من جانبين رئيسيين أولهما خاص بالرئاسة ويتكون من الرئيس والقضاة وثانيهما بالنيابة العامة ويتكون من وكيل الملك والنواب، ويوجد إلى جانب هذين الجناحين كتابة الضبط التي تعتبر المحرك الإداري للمحكمة وكتابة النيابة العامة والمصالح التي تحدث بالمحكمة.
ويرتب القضاة والنواب على حد سواء بالمحاكم الابتدائية – باستثناء ما نص القانون على خلافه – بالدرجة الثالثة طبقا للمواد 13 و 14 و 16 من النظام الأساسي للقضاة الصادر بتاريخ 24 مارس 2016. أما الرئيس ووكيل الملك بها فيرتبان كمبدأ عام في الدرجة الثانية على الأقل.
ويمكن أن تقسم المحاكم الابتدائية بحسب نوعية القضايا التي لها أن تنظر فيها إلى أقسام، قضاء الأسرة وأقسام قضاء القرب، وغرف مدنية، غرف الأحوال الشخصية والميراث، وغرف عقارية، وغرف اجتماعية، وزجرية على أنه يمكن أن تنظر كل غرفة في كل نزاع يعرض على المحكمة أيا كان نوعه وبغض النظر عن ارتباطه المباشر بطبيعة القضايا التي تبت فيها هذه الغرفة أو تلك.
ومع ذلك، فإن التعديلين الجديدين اللذين أدخلهما المشرع على هذا الفصل بتاريخ 03 فبراير 2004 و 17 غشت 2011 وضعا في شق منها استثناء على المقتضيات أعلاه، إذ تم منح الاختصاص لأقسام قضاء الاسرة وحدها دون غيرها من الغرف التي تتكون منها المحاكم الابتدائية، في كل ما له علاقة بالأسرة، سواء كان واردا بالمدونة نفسها شأن الزواج والطلاق، والأهلية والنيابة الشرعية، والوصايا والمواريث، أو واردا بغيرها من النصوص الخاصة، كما هو الحال بالنسبة لكفالة الاطفال المهملين وشؤون القاصرين والتوثيق، والحالة المدنية وكل ما له علاقة باختصاص قضاء القرب.
وإذا كان التعديل الأول يحرص على جعل الاختصاص في مجال الأسرة محصورا ومقتصرا على أقسام قضاء الأسرة، فإن العبارة الأخيرة التي وردت في تعديل الفصل 2 من ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974 تثير عدة تساؤلات لاسيما بشأن اختصاص أقسام قضاء الأسرة في المادة الجنائية أو بكل تدقيق القضايا الجنائية التي لها علاقة بالأسرة،( الخيانة الزوجية، العلاقات الجنسية غير المشروعة بين الأصول والفروع، أو ما يعرف بزنا المحارم، والجرائم التي يكون أطرافها أزواجا، أو آباء أو أبناء … إهمال الأسرة مثلا).
فهل يدخل ذلك في اختصاص هذه الأقسام تفسيرا لعبارة بكل ماله علاقة بالأسرة ؟.
الواقع، أن أقسام قضاء الأسرة، وعلى الرغم من تواجد النيابة العامة بها، واعتبارها طرفا أصليا في قضايا الأسرة طبقا للمادة الثالثة من مدونة الأسرة، تستبعد بتها في هذا النوع من القضايا، وهكذا يبقى الاختصاص ممنوحا للغرف الجنحية بالمحاكم الابتدائية ونعتقد أنه يتعين إعادة النظر في هذه العبارة لأنها تخلق نوعا من اللبس، وحتى إذا أردنا فعلا أن نمنح الاختصاص في القضايا الجنائية المرتبطة بالأسرة لهذه الأقسام، فإن ذلك سيثقل كاهلها خصوصا وأن دهاليزها تعرف اكتظاظا نظرا لكثرة القضايا التي تعرض أمامها.
من ناحية أخرى من المسائل الجديدة التي جاء بها التعديل المذكور، وخلافا لمقتضيات الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية حول الدفع بعدم الاختصاص النوعي فإن اختصاص أقسام قضاء الأسرة نوعيا، يعد من النظام العام، ويتعين أن يثار من قبل المحكمة تلقائيا، مادام لا يجوز للأطراف عرض نزاعهم على غرفة أخرى وذلك استنادا إلى الصيغة الصريحة للنص الجديد، هذا إذا سلمنا بأن الأمر يتعلق فعلا بتوزيع الاختصاص. لأن الحقيقة ووفقا للمبادئ العامة المتعارف عليها أن توزيع العمل بين الغرف والأقسام داخل نفس المحكمة لا يعد اختصاصا، وأيا كان الأمر فالمشرع حسم الجدل ومنع الغرف الأخرى من البت في مادة الأسرة.
وقد بين المرسوم الصادر في 16 يوليوز 1974 تطبيقا لظهير التنظيم القضائي ( ل 15 يوليوز1974) الجهة التي تحدد عدد الغرف وتكوينها هي الجمعية العامة للمحكمة الابتدائية التي تتكون من جميع القضاة سواء كانوا قضاة حكم أو قضاة نيابة عامة إلى جانب رئيس كتابة الضبط الذي يحضر أشغال الجمعية المذكورة.
وتنعقد الجمعية العامة خلال الخمسة عشر يوما الأولى من شهر دجنبر أو كلما اعتبر الرئيس ذلك ضروريا لتضطلع بالمهام المنوطة بها قانونا لا سيما تحديد عدد الغرف وبيان القضاة الذين يكونونها وتوزيع القضايا بين مختلف الغرف إلى جانب تحديد أيام وساعات الجلسات حتى ينتظم سير العمل داخل المحكمة.
ويتعين أن نشير إلى أن تكليف القضاة بتكوين غرف يثير بعض المشاكل إذ أمام الخصاص الذي تعرفه المحاكم الابتدائية بالنسبة للقضاة، غالبا ما يكون القاضي الواحد عضوا في غرفتين أو أكثر، وهو ما يجعل قيامه بوظيفته صعبا نوعا ما، إذ تتراكم عليه الملفات التي تدخل في اختصاص الغرف التي يعد عضوا فيها، إلى جانب القيام بالأبحاث والإجراءات التي تقتضيها النزاعات والقضايا فضلا عن أن عليه تحرير كل الأحكام التي تنطق بها كل الغرف التي ينتمي إليها،
ومما يزيد في صعوبة الأمر أن يكون مجال تدخل الغرف متباعدا، مثلا أن يكون عضوا في الغرفة المدنية وعضوا في الغرفة الجنحية، وبقسم قضاء الأسرة، إذ يكون القاضي ملزما بالتخصص في مختلف هذه المواد والمقتضيات التشريعية والاجتهادات المرتبطة بالغرف المتباعدة التي عينته الجمعية العامة عضوا فيها.
لكل ما سبق من الواجب وتخفيفا على القضاة من جهة وحماية لحقوق المتقاضين من جهة أخرى، تزويد المحاكم بالعدد الكافي من القضاة حتى يتمكن كل قاض من التغلب على الملفات التي أنيط به التقرير فيها ومناقشتها والتركيز في جميع جوانبها القانونية والواقعية. ويستحسن خدمة للعدالة ورفعا من مستوى قضائنا سلوك نهج أسلوب القضاء المتخصص وتكوين قضاة متخصصين كل في مجال اختياره أو بحسب ميولاته الفكرية وتكوينه القانوني.