نص قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 على مبدأ علنية الجلسات في الفصول 43 و 50 و 345 و 375 والمادة 7 من قانون قضاء القرب، إذ أكد أنه يتعين أن تصدر الأحكام في جلسة علنية سواء تعلق الأمر بالمرحلة الابتدائية (ف 50)، أو بمرحلة الاستئناف (ف 345 ) أو أمام محكمة النقض (ف 375).
وبالنظر إلى أن قواعد قانون المسطرة المدنية تعد الشريعة العامة في المادة الإجرائية، فإن نفس المبدأ يؤخذ به بالنسبة لمحاكم الدرجتين الأولى والثانية في المادتين التجارية والإدارية.
وتأكيدا على أهمية هذا المبدأ نصت المادة 11 من قانون التنظيم القضائي رقم 38.15 على أنه :” طبقا للفصل 123 من الدستور، تكون الجلسات علنية ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك …”.
ولا شك أن مبدأ علنية الجلسات آلية مهمة أوجدها المشرع لتحقيق حماية أكثر لحقوق المتقاضين والأطراف أثناء الدعاوى ، بحيث يظهر لكل طرف، بل وللكافة كيف تسير الدعوى وربما قد يظهر من خلال العلنية حتى التوجه والمسار الذي يمكن أن تسير أو تؤول إليه الدعوى.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أنه يتعين التمييز بين علنية الجلسات وعلنية النطق بالأحكام في الجلسة، فأما المراد بعلنية الجلسات فهو جريان الدعوى بشكل علني حيث يحضر الجلسات الأطراف أو ممثلوهم وكافة من يهتم بمتابعة الدعاوى، وهذا يستلزم انضباط الجميع لنظام الجلسة تحت طائلة العقوبات التي يمكن لرئيس الجلسة أن يصدرها في حق كل من لم يلتزم بالاحترام الواجب للقضاء بناء على الفقرة الثانية من المادة 11 المشار إليها أعلاه والمقتضيات القانونية الأخرى المنصوص عليها تشريعا.
وقد نص الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية على أنه لرئيس الجلسة أن يحفظ النظام بها، ويجوز له أن يطرد كل من تسبب في الضوضاء أو الاضطراب، وفي حالة امتناع الشخص المخل بنظام الجلسة الانسحاب من الجلسة أو رجوعه إليها رغم طرده منها، يمكن للرئيس أن يتخذ الإجراءات المناسبة في حقه.
ولم يقتصر المشرع في تنظيمه لحفظ نظام الجلسات على ما يسببه الأطراف أو وكلاؤهم من ضوضاء فحسب، بل مدده ليشمل المحامين أنفسهم إذ يمكن للرئيس أن يحرر محضرا بالإخلال الذي قام به المحامي، وأن يبعثه إلى نقيب المحامين (ف 44 من ق.م.م ).
وتأكيدا للإجراءات التي يمكن أن تتخذ في حق المحامين الذين لم يلتزموا بنظام الجلسة، جاء في الفصل 341 من نفس القانون ما يلي : “إذا صدرت من محامين أقوال تتضمن سبا أو إهانة أمكن لمحكمة الاستئناف أن تطبق عليهم بقرار مستقل العقوبات التأديبية بالإنذار والتوبيخ وحتى الحرمان المؤقت من مزاولة المهنة لمدة لا تتجاوز شهرين، أو ستة أشهر في حالة العود في نفس السنة.
وعلى الرغم من أن المبدأ العام أن تكون الجلسات علنية، فإنه يجوز لهيأة الحكم أن تأمر بمناقشة القضية في جلسة سرية إذا اقتضتها الضرورة أو طلب أحد الأطراف ذلك.
أما علنية النطق بالأحكام بالجلسة، فتتميز بخصوصيات عدة منها، أنه لا يمكن فتح باب الاستثناء أمام إصدار الحكم بصورة سرية. وهو عكس ما تطرقنا إليه بالنسبة لمبدأ علنية الجلسات.
وفي حالة صدور الحكم بشكل سري يجوز للطرف المعني أن يطعن في الحكم ويثير الدفع بإخلال مسطري وذلك وفقا للفصل 19 من قانون المسطرة المدنية الذي نص على أنه : « يجب أن يثار في آن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين. يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والاخلالات الشكلية والمسطرية التي لا تقبلها المحكمة إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا”.
وغني عن البيان أن ثمة ترابطا قويا بين مبدأ علنية الجلسات ومبدأ شفوية المرافعات. فشفوية المرافعات تجد مجالا مناسبا لتطبيقها متى كانت الجلسات علنية بحيث يكون كل من حضر بالجلسة على علم بما يثيره كل طرف من ملاحظات ولو أنه من المتصور القيام بالمرافعة الشفوية حتى خلال الجلسات التي تجري بسرية.
وعلى غرار مبدأ القاضي الفرد وتعدد القضاة، عرف موقف المشرع المغربي تأرجحا بين الأخذ بالشفوية أو بالمسطرة الكتابية.
فبعدما تبنى قانون المسطرة المدنية المسطرة الشفوية أمام المحاكم الابتدائية كقاعدة عامة في الفصل 45 الصادر في 28 شتنبر 1974، باستثناء بعض القضايا التي قرر فيها سلوك المسطرة الكتابية كما هو الحال مثلا بالنسبة للقضايا التي تكون فيها الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية طرفا والقضايا المدنية العقارية. والقضايا التي تتعلق بالشركات المدنية والتجارية … تراجع ليأخذ بالمسطرة الكتابية كأصل وبالمسطرة الشفوية كاستثناء.
وهكذا نص الفصل 45 بعد تعديله في 1993 و 2004 و 2011 على أنه : « تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستئنافات قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستئناف وفقا لأحكام الفصول 329 و 331 و 332 و 334 و 335 و 336 و 142 و 344 الآتية بعده.
تمارس المحكمة الابتدائية ورئيسها أو القاضي المقرر كل فيما يخصه، الاختصاصات المخولة حسب الفصول المذكورة لمحكمة الاستئناف ولرئيسها الأول أو المستشار المقرر. غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية : القضايا التي تختص فيها المحاكم الابتدائية ابتدائيا وانتهائيا – قضايا النفقة والطلاق والتطليق – القضايا الاجتماعية -قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء – قضايا الحالة المدنية”.
وجدير بالذكر أن مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية حافظت على نفس المبدأ المشار إليه أعلاه، حيث التأكيد على أن المسطرة أمام محاكم أول درجة، إذ تكون كتابية بالنسبة للمحاكم الابتدائية التجارية وللمحاكم الابتدائية الإدارية ومزدوجة تجمع بين الكتابية والشفوية بالنسبة للمحاكم الابتدائية.
وهكذا نصت المادة 88 من المسودة على أنه ” تطبق أمام محاكم أول درجة قواعد المسطرة الكتابية، غير أن المسطرة تكون شفوية أمام المحاكم الابتدائية في القضايا المشار إليها في المادة 91 أدناه” .
وحسب المادة 91 من المسودة “تطبق مسطرة المناقشة الشفوية في القضايا الآتية :القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا – قضايا الزواج والنفقة والطلاق والتطليق والحضانة – القضايا الاجتماعية – قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء – قضايا الحالة المدنية».
ولا ينبغي أن يفهم من خلال الطابع العام الذي وردت به القضايا التي حرص فيها المشرع على تبني مبدأ الشفوية أنه قصد تعميم شفوية المرافعات، وإنما جعل الأمر ينحصر في جزء منها فحسب، فحين يتحدث الفصل عن القضايا الاجتماعية فإن ذلك لا يعني كل ما يدخل في المادة الاجتماعية، بل يقتصر الأمر على حوادث الشغل والأمراض المهنية دون نزاعات الشغل التي يلزم فيها سلوك المسطرة الكتابية.
نفس الشيء يقال بخصوص قضايا الحالة المدنية. فالمقصود ليس كل هذه القضايا وإنما التصريح بالولادات والوفيات فحسب.
وكما هو واضح من خلال المقتضيات السالف ذكرها، فقد كرست المسودة نفس التوجه الذي يسير عليه قانون المسطرة المدنية بل إنها حافظت على نفس القضايا التي ينص عليها الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية وبنفس الصياغة ما عدا إضافة المسودة لقضايا الحضانة كنوع جديد تطبق فيها المسطرة الشفوية خلافا للأصل الذي يستلزم سلوك المسطرة الكتابية.
وتجدر الإشارة إلى أن مسودة المشروع أضافت حالات أخرى يمكن فيها للشخص أن يترافع شخصيا دون حاجة إلى تنصيب المحامي، وهذا يعني أن المسطرة أقرب إلى الطبيعة الشفوية منها إلى الكتابية ولم ينص المشرع على ذلك بشكل صريح ومباشر.
وقد وردت هذه الحالات في المادة 71 التي نصت كأصل عام، على ضرورة سلوك المسطرة الكتابية أمام محاكم أول درجة وبواسطة محام، ويتعلق الأمر بالنسبة للترافع الشخصي بـ : قضايا الزواج والنفقة والطلاق الاتفاقي وأجرة الحضانة – القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا طبق المادة 22 من المسودة – قضايا التصريحات المتعلقة بالحالة المدنية – إذا كان أحد طرفي الدعوى قاضيا أو محاميا أمكن لمن يقاضيهما الترافع شخصيا – القضايا الأخرى التي ينص عليها القانون…”.
وقد أثارت هذه المادة والمادة 91 من المسودة حفيظة هيآت المحامين بالمغرب إذ يعد ذلك في نظرها تضييقا للاختصاصات التي أوكلتها المادة 32 من قانون مهنة المحاماة لسنة 2008 والتي مفادها أن المحامين هم وحدهم المؤهلون لتمثيل الأطراف والدفاع والنيابة عنهم ومؤازرتهم مستندين إلى أن القانون الواجب التطبيق هو قانون المهنة وليس قانون المسطرة المدنية أو المسودة باعتباره نصا خاصا يتعين أن يقدم في التطبيق على النص العام المتمثل في قانون المسطرة المدنية.
والحقيقة أن المبادئ العامة للقانون تسير في اتجاه مخالف لما سبق ذكره، إذ كلما كان التعارض قائما بين نص موضوعي ونص مسطري أو شكلي، فالأولوية في التطبيق تؤول إلى النص الشكلي وليس العكس. وقانون مهنة المحاماة قانون ينظم الموضوع باعتباره يتمحور حول كل ما يتعلق بممارسة المهنة والولوج إليها، ولا يجوز أن يتضمن أحكاما تندرج في إطار القوانين الشكلية سواء في المادة المدنية أو المادة الزجرية. ولما كان قانون المحاماة موضوعيا فالمنطق القانوني يفرض منح الأولوية في التطبيق لقانون المسطرة المدنية باعتباره نصا شكليا أو إجرائيا.
ويترتب عن الأخذ بهذه المسطرة أو بتلك التمييز بين حضور وغياب الأطراف. فمتى كانت المسطرة الشفوية يتحقق غياب الطرف بعدم حضوره شخصيا هو أو من ينوب عنه. أما في المسطرة الكتابية فيكفي للقول بالغياب عدم الإدلاء بالمذكرات والمستندات التي يتطلبها سير الدعوى.