تعتبر وحدة القضاء من المبادئ التي تأخذ بها كثير من القوانين المقارنة، وقد نجد من يتبنى مبدأ ازدواجية القضاء. وبالنسبة للقانون المغربي ومنذ إصدار ظهير التنظيم القضائي في 15 يوليوز 1974، فإن الاختيار وقع على مبدأ وحدة القضاء. وهو ما تم تكريسه في المادة 5 من قانون التنظيم القضائي 38.15 حيث ورد فيها أنه : «يعتمد التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء، وتعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية بالمملكة…».
ولوحدة القضاء عدة معان. فهو أولا يفيد أن هناك جهة قضائية واحدة في كافة تراب أو إقليم الدولة والجهة القضائية كما هو معلوم هي وجود محاكم منسجمة وشاملة تنظر في كافة القضايا التي تعرض على القضاء تنطلق من مرحلة أول درجة لتبلغ مرحلة النقض.
أما المعنى الثاني لوحدة القضاء فيراد به مساواة كافة المواطنين والمتقاضين ولو كانوا أجانب أمام القضاء. فلا يعتد بلغتهم، ولا بجنسيتهم، ولا بغير ذلك مما قد يميز شخصا عن آخر. وهذا طبيعي أن يساهم في استقرار المؤسسات القضائية بالدولة، وبث الثقة فيها بين كافة من يقصد القضاء بهدف إنصافه وتمكينه من حقه.
وعلى عكس مبدأ وحدة القضاء، ثمة أسلوب آخر يعتمد من طرف بعض القوانين المقارنة كما هو الشأن بخصوص القانون الفرنسي الذي يعد مصدرا تاريخيا والمرجع الأساسي للتشريع المغربي الحديث. ففي فرنسا يميز بين جهتين قضائيتين : القضاء العادي المعروف بالقضاء المدني باعتبار هذا الأخير هو أم كل فروع القانون الأخرى حتى تلك التي تدخل فيما يعرف بالقانون العام والقضاء الإداري الذي ينظر فقط في النزاعات ذات الطابع الإداري أي التي تكون الدولة أو الإدارة طرفا فيها.
وهكذا نجد في فرنسا جهة القضاء العادي – المدني، التي تتكون من المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، ومحكمة النقض كمحكمة قانون تبت في الجانب القانوني للأحكام. ونجد جهة القضاء الإداري المشكلة من المحاكم الإدارية، ومحاكم الاستئناف الإدارية، ومجلس الدولة الفرنسي الذي ينزل منزلة محكمة النقض في المادة الإدارية.
أما بالمغرب وكما سبق أن أكدنا في مطلع هذه الفقرة، فلم يتبنا قانوننا إلا مبدأ وحدة القضاء وذلك منذ 1974 إلى الآن، حيث لا وجود لقضاء ثان مستقل كليا من حيث مساطره وشروطه وموارده البشرية وإمكاناته المادية واللوجيستيكية، عن القضاء العادي على الرغم من أن ثمة إرهاصات وتوجهات في هذا المنحى الازدواجي بالنظر إلى إحداث المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية في 12 فبراير 1997، وبوجه خاص اعتبارا لإنشاء المحاكم الإدارية في 10 شتنبر 1993، ومحاكم الاستئناف الإدارية في فبراير 2006 التي تمثل جهة مستقلة للقضاء الإداري في الأنظمة القضائية لبعض القوانين المقارنة.
وعلى الرغم من إنشاء المحاكم المتخصصة المذكورة، فإنه لا وجود لجهات قضائية بالمغرب رغم قول البعض بتميز قضائنا بالازدواجية. وما يؤيد وجهة نظرنا، وبكل تواضع أن مفهوم الجهة القضائية لم يتحقق لحد الآن بسبب غياب محاكم متسلسلة ومرتبة كما هو الحال بالنسبة للقضاء المدني (المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف ومحكمة النقض).
فرغم إحداث المحاكم التجارية كمحاكم أول درجة ومحاكم الاستئناف التجارية كمحاكم ثاني درجة في القضايا ذات الصبغة التجارية، فلا وجود لمحكمة قانون (محكمة النقض التجارية) مختصة في مراقبة محاكم الموضوع التجارية من حيث تطبيقها للقانون. ورغم إنشاء المحاكم الإدارية كمحاكم أول درجة، ومحاكم الاستئناف الإدارية كمحاكم ثاني درجة في المادة الإدارية، فإن غياب مجلس دولة يبت في القضايا الإدارية وحدها على غرار مجلس الدولة الفرنسي، يجعل القول بأخذ المغرب بازدواجية القضاء محل نظر وغير مستند إلى أساس سليم .
يضاف إلى ما سبق، أن المجلس الأعلى الذي تم إحداثه في شتنبر 1957 والذي أصبح يعرف بمحكمة النقض، هو المحكمة الوحيدة التي تنظر في الطعون المقدمة ضد الأحكام الانتهائية الصادرة عن كل محاكم الموضوع أيا كان تخصصها، مدنية، أو إدارية، أو تجارية طبقا للفصل 353 من قانون المسطرة المدنية.
ولعل الغرف السبع التي أصبحت تتكون منها محكمة النقض مع القانون الجديد للتنظيم القضائي خير دليل على تبني قانوننا مبدأ وحدة القضاء بل إن المادة 5 من القانون 38.15 حسمت كل هذا النقاش والجدل بتنصيصها صراحة على تبني مبدأ وحدة القضاء كأحد مقومات التنظيم القضائي ببلادنا وأن هناك محكمة نقض واحدة تعد أعلى محكمة بهرم التنظيم المذكور.
فهناك غرف لها أولوية في النظر في بعض القضايا بناء على نوع القضية المطعون فيها بالنقض، كما هو الشأن بخصوص الغرفة الإدارية التي تنظر على سبيل الأولوية في القضايا الإدارية – وإن كان يجوز لكافة الغرف أن تنظر في كل القضايا التي تحال على المحكمة للبت في مدى التزامها بالتطبيق السليم للقانون -. وكما هو الحال بشأن الغرفة التجارية التي تبت في القضايا التجارية وفقا لنفس المبادئ المشار إليها.
وعليه، فإن المشرع المغربي، وإلى حين إحداث محكمة نقض تقوم بدور المراقبة القانونية لأحكام المحاكم المتخصصة خاصة الإدارية منها، لا يسعنا إلا أن نؤكد أن مبدأ وحدة القضاء هو المعمول به، وأن ازدواجية القضاء لم تستجمع لحد الآن الشروط والمقومات اللازمة لها. وحين سيتم إنشاء محكمة متخصصة في القضايا الإدارية، أو في القضايا التجارية، فإنه يمكن آنذاك الحديث عن ازدواجية القضاء بالمغرب.