إذا كان من غير المتصور أن تتعرض الوثائق الدستورية للتغيير اليومي، نظرا لأنها وضعت لكي تستمر، فإن تعديلها يبقى واردا إما لتلافي الثغرات التي أسفر عنها تطبيقها وإما لتكييفها حسب تطور المعطيات الاقتصادية والسياسية للبلاد.
وعملية تعديل الدستور ومراجعة أحكامه ترتبط أساسا بالدساتير الجامدة التي تتطلب ضرورة اتباع إجراءات خاصة في تعديل أحكامها، على خلاف الدساتير المرنة التي لا تتطلب أية إجراءات خاصة في ذلك.
سلطة التعديل وحدودها:
إن الجهة المختصة بتعديل الدستور لا تتمتع بسلطات مطلقة في عملها، بقدر ما يجب أن تتقيد بمجموعة من الحدود والقيود الواردة في الدستور ذاته. وتختلف هذه السلطة المختصة بالتعديل من دستور لآخر ومن دولة لأخرى.
1) سلطة التعديل :
قبل عرض السلطة المختصة بتعديل الدستور حسب الدساتير يجدر بنا أولا أن نذكر بالتمييز القائم بين السلطة التأسيسية الأصلية والسلطة التأسيسية الفرعية، فالأولى هي المختصة بوضع الدستور لأول مرة، أما الثانية (أي الفرعية) فهي التي تتولى فقط تعديل مقتضيات الدستور الموجود طبقا للإجراءات والشروط المنصوص عليها فيه.
و الجهات التي تباشر السلطة التأسيسية الفرعية المنشأة تختلف باختلاف الدساتير، لأن واضعي الدستور عادة ما يخولون صلاحية تعديله للسلطة التي يريدون إعطاءها مكانة سامية في الدولة ، وتدل قراءة دساتير العالم على تنوع سلطة التعديل بتنوعها ، فمن الدساتير من أسند مهمة اقتراح التعديل للسلطة التنفيذية، ومنها من أسند اقتراح تعديل الدستور للسلطة التشريعية، ومنها من اتخذت موقفا وسطا فجعلت حق الاقتراح عملية مشتركة بين الجهازين التشريعي والتنفيذي معا، ومنها من أعطت حق الاقتراح إلى جمعية تأسيسية، ومنها من سمحت للشعب بأن يطلب اقتراح تعديل الوثيقة الدستورية بجانب السلطات العامة، ولهذا فإن جهاز المراجعة المكلف بتعديل الدستور ليس متماثلا في جميع الأنظمة الدستورية.
وبخصوص سلطة التعديل في المغرب، ليس هناك تطابق بين مختلف الدساتير التي عرفتها المملكة المغربية حول الجهة المخول لها اقتراح تعديل الدستور، فدستور 1962 كان يخول هذه السلطة للوزير الأول ولأعضاء البرلمان، وأما دستور 1970 كان يخولها للملك فقط، غير أن دستور 1972 خول هذه السلطة للملك ولمجلس النواب، وهو نفس الأمر الذي نص عليه دستور 1992 ، غير أن دستور 1996 فقد جعل حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور بيد كل من الملك ومجلس النواب ومجلس المستشارين، واحتفظ نص دستور 2011 في هذا الخصوص على ما جاء في دستور 1996 حيث نص أن ” للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور”.
وعموما فالسلطة المخول لها حق اقتراح مراجعة وتعديل الدساتير تختلف باختلاف هذه الأخيرة، كما تختلف مسطرة المصادقة على هذه الاقتراحات.
2) حدود سلطة التعديل :
إن سلطات الجهات المختصة بتعديل الدساتير ومراجعة أحكامها، ليست سلطات مطلقة، وإنما هي سلطات مقيدة ومحدودة بمجموعة من الضوابط والمقتضيات التي لا يجوز لها بتاتا، ومهما كانت الظروف والأسباب المس بها أو تعديل محتوياتها أو إلغائها.
فالمشرع الدستوري أي السلطة التأسيسية الأصلية غالبا ما تقيد صلاحيات وسلطات السلطة التأسيسية الفرعية المكلفة بتعديل الدستور حيث ينص على حظر ومنع تعديل بعض مقتضيات الدستور وهذا الحظر قد يكون ظرفيا ، وقد يكون موضوعيا.
أولا : الحظر الظرفي
يقصد من الحظر الزمني هو حماية الدستور فترة من الزمن لا يجوز خلالها اقتراح تعديل أحكامه، بهدف ضمان نفاذ قواعده فترة تكفي لتثبيتها وترسيخها، قبل أن يسمح باقتراح تعديلها، ومن أمثلة الدساتير التي حظرت تعديلها إلا بعدد مرور فترة زمنية معينة، الدستور الفرنسي لسنة 1795 الذي كان يمنع تعديله قبل مرور خمس سنوات.
و دستور البحرين لسنة 1973 الذي يمنع منعا كليا اقتراح تعديله قبل مضي خمس سنوات على العمل به، ورغم كون هذا الحظر يعد حظرا شموليا لكل تعديل يمس مقتضيات الدستور فهو مع ذلك يبقى حظرا مؤقتا لأنه يشمل مدة زمنية محددة، يجوز بعد مرورها اقتراح تعديله.
وفي إطار الحظر الزمني توجد مجموعة من الدساتير تمنع تعديل مقتضياتها في فترات معينة، كدستوري فرنسا لسنتي 1946 و 1958 ، اللذان يمنعان إجراء أي تعديل لمقتضيات الدستور أثناء احتلال كل أو بعض أراضي فرنسا من طرف قوات أجنبية.
ثانيا : الحظر الموضوعي
يهدف المشرع الدستوري من النص على منع تعديل مجموعة من مقتضيات الدستور (الحظر الموضوعي) إلى حماية الدعائم الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي أو بعض نواحي ذلك النظام، والرغبة في ضمان بقاء هذه الدعائم دون تعديل أو تبديل، كما يهدف المشرع الدستوري من ذلك إلى عدم تعرض فلسفة النظام السياسي ومذهبه الإيديولوجي للتعديل . فالحظر الموضوعي، يهدف إلى حماية أحكام ومقتضيات معينة في الدستور، وذلك بمنع تعديلها، نظرا لكونها تشكل إما ثابتا من ثوابت الدولة، أو أحد الدعامات الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدولة.
ومن أمثلة الدساتير التي تحظر وتمنع بصفة كلية ومطلقة، تعديل مجموعة من مقتضياتها وأحكامها الدساتير الفرنسية ابتداء من دستور 1848 وانتهاء بدستور 1958 ، والتي تحظر تعديل النصوص المتعلقة بالشكل الجمهوري للحكومة، وكذلك دساتير المملكة المغربية بدءا بدستور 1962 ووصولا إلى دستور 2011 ، والتي تمنع تناول النظام الملكي للدولة وكذلك النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي بالتعديل والمراجعة.
ومن مستجدات دستور 2011 في هذا الخصوص توسيع المجالات الممنوع مراجعتها، وفي هذا الصدد ينص الفصل 175 على أنه “لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور” وخلاصة القول هو أن اختصاصات وصلاحيات السلطة التأسيسية الفرعية مقيدة بمجموعة من الشروط والقيود المحددة في الدستور، والتي تمنعها إما من إجراء أي تعديل على الدستور برمته لفترة زمنية محددة، وإما من إجراء أي تعديل على مجموعة من المقتضيات والأحكام الواردة في الدستور والتي تشكل جوهر وصلب النظام السياسي في الدولة، وأساس فلسفته وأيديولوجيته.
مسطرة التعديل:
إذا كان هناك اختلاف بين الدساتير حول الجهة المختصة بتعديل الدستور، فإن نفس الأمر أي الاختلاف يوجد بين الدساتير حول المسطرة المنصوص عليها لإقرار التعديل، ولكن على الرغم من ذلك، فإن المشرع الدستوري في كل الدول ذات الدساتير الجامدة يحاول دائما التوفيق بين اعتبارين أساسيين فيما يخص مسطرة التعديل وهي:
– الأولى وهي ألا تكون مسطرة التعديل جد مبسطة ومن شأنها تعريض النظام لعدم الاستقرار الدستوري، بل وتحويل الدستور الصلب إلى دستور مرن عمليا.
– الثانية وهي ألا تكون مسطرة التعديل جد معقدة، حتى لا تؤدي استحالة تعديل الدستور بواسطتها وقد يؤدي إلى الانقلاب على نظامه.
وكنتيجة لذلك، فإن بعض الدساتير تنص على تعديلها باتباع مسطرة الاستفتاء، كدستور سويسرا مثلا، ودستور فرنسا … فيما تشترط دساتير أخرى ضرورة توفر أغلبية برلمانية محددة لتعديلها ( كدستور الولايات المتحدة الأمريكية مثلا) الذي يشترط موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس وثلاث أرباع الولايات على تعديل الدستور الأمريكي، والدستور الفرنسي الذي ينص على إمكانية اجتماع مجلسي البرلمان في مؤتمر للتصويت بأغلبية ثلاثة أخماسه على مشروع تعديل قدمه رئيس الجمهورية باقتراح من الوزير الأول…
أما في المغرب، فإن المسطرة المعمول بها لمراجعة الدستور وتعديل أحكامه، هي مسطرة الاستفتاء، وهذه المسطرة تم النص عليها في جميع الدساتير التي عرفتها المملكة المغربية بالرغم من كون كل الدساتير التي عرفها المغرب تشترط ضرورة الموافقة على مراجعة الدستور عن طريق الاستفتاء، فإنها اختلفت فيما بينها حول الجهة التي لها الحق في اقتراح المراجعة وطرحها .
فدستور 1962 كان ينص فيما يخص مراجعة الدستور على أن التقدم بطلب مراجعة الدستور حق يتمتع به الوزير الأول والبرلمان (الفصل 104)، وأن مشروع المراجعة يضعه المجلس الوزاري ويجب أن يكون محل مداولة من طرف المجلسين (الفصل 105 ) وبأن اقتراح المراجعة يجب أن يتخذه كل مجلس بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس” (الفصل 106) ، وعلى أن تصير المراجعة نهائية بعد الموافقة عليها بالاستفتاء ( الفصل 107 ).
أما دستور 1970 فكان ينص في (المادة 97) منه على أن “للملك حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور”، وكان ينص في (المادة 98) على أنه “يمكن لمجلس النواب أن يقترح على الملك مراجعة الدستور إذا تم اتفاق ثلثي أعضائه على تقديم هذا الاقتراح”، وكانت (المادة 99) تنص “على أن تصير المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء.”
أما دستور 1972 فقد حول حق اقتراح تعديل الدستور للملك ولمجلس النواب (الفصل 98 )، واشترط ضرورة موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على الاقتراح الذي يتقدم به أحد أعضاء المجلس (الفصل (99) ، وفي جميع الحالات وسواء إذا كان الاقتراح بمبادرة ملكية أو بمبادرة من مجلس النواب.
وبالنسبة لدستور 1996 نجده كان يخصص الباب الثاني عشر منه لمراجعة الدستور، وينص في (الفصل 103) على أن “للملك ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور”، وللملك أن يستفتي شعبه مباشرة في شأن المشروع الذي يستهدف به مراجعة الدستور” . وينص (الفصل 104) على أن” اقتراح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين لا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس المعروض عليه الاقتراح، ويحال الاقتراح بعد ذلك إلى المجلس الآخر، ولا تصح الموافقة عليه إلا بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم.”
أما دستور 2011 ، فقد نص من خلاله المشرع الدستوري على أن “للملك أن يعرض مباشرة عن الاستفتاء المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه “.
ونص (الفصل 173) من دستور 2011 على أنه “لا تصح الموافقة على مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان، إلا بتصويت أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ويحال هذا المقترح إلى المجلس الآخر، الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، ويعرض المقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على المجلس الوزاري، بعد التداول بشأنه في مجلس الحكومة”.
وبخصوص مسطرة مراجعة الدستور، نص (الفصل 174) من دستور 2011 على أن “تعرض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء”.
فإن مراجعة الدستور لا تصير نهائية إلا بعد موافقة الشعب عن طريق استفتاء عام (الفصل100) ونفس المقتضيات المنصوص عليها في دستور 1972 والخاصة بمراجعة الدستور هي التي تم الاحتفاظ بها في ظل (دستور 1992 الباب الحادي عشر الفصول 97 ، 98 ، 99) للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، أن يعرض بظهير على البرلمان مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور.
ويصادق البرلمان، المنعقد بدعوة من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، ويحدد النظام الداخلي لمجلس النواب كيفيات تطبيق هذا المقتضى، وتراقب المحكمة الدستورية صحة إجراءات هذه المراجعة وتعلن نتيجتها.