المجال الأسريقانونيات

سقوط الحضانة 1

أسباب تؤدي إلى سقوط الحضانة

هناك عدة أسباب تؤدي إلى سقوط الحضانة ولابد أن يبين في الحكم موجب إسقاطها، كما أن إسقاط الحضانة قبل وجودها لا أثر له ولا يلزم مسقطها، وعلى المحكمة أن تقيم حجة التنازل عن الحضانة وبالتالي تتأكد من صفة المتنازلة وعلاقتها بالمحضون، فالحكم القاضي بإسقاط الحضانة تكون المحكمة قد استعملت في إصداره سلطتها التقديرية، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في هذا الشأن طالما كان استنتاجها مطابقاً للواقع والقانون. فالحكم القاضي بإسقاط الحضانة ليس نهائيا، بل هو حكم يقبل الإستئناف ، والقرار الإستئنافي الصادر في الموضوع يقبل الطعن بالنقض أمام محكمة النقض، كما أن الحكم بإسقاط الحضانة لا يترتب عنه سقوط النفقة قبل تنفيذه، بمعنى أن النفقة تبقى سارية إلى أن ينتقل المحضون إلى حضانة المطلوب.

فزواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون يسقط حق الأم في الحضانة على ولدها ماعدا إذا كانت وليا شرعيا، كما أن حق الحاضن يسقط إذا سكت عن هذا الحق مدة سنة بعد علمه بالبناء إلا لأسباب قاهرة طبقا للمادة 176 من مدونة الأسرة (كسجن المعني بالأمر من أجل ارتكاب جريمة لاتمس بالأخلاق، أو إصابته بمرض أقعده عن ممارسة حياته اليومية).

فمدة السنة التي اشترطها المشرع تطبق على الأم كما تطبق على غير الأم، فهذه المدة – وهي مدة سقوط وليس تقادم- تحسب إبتداء من تاريخ العلم بالبناء، أي بدخول الزوج بزوجته الحاضنة، سواء كانت أما أم غير أم كما هو مكرس في الفقه المالكي ولو أن محكمة النقض سبق لها – في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة- أن قضت بأن السكوت بعد العلم بالبناء لا يشمل الأم التي لا يسقط حقها في الحضانة لسكوتها أكثر من مدة سنة، كما سبق لها أن قضت أيضا بأن العبرة في احتساب السنة لسقوط الحق في الحضانة بالسكوت عنها هو تاريخ إعلان زواج الحاضنة بأجنبي غير قريب محرم أي تاريخ العقد.

ويلاحظ أن ممارسة الحاضنة للتجارة أو الحرفة لا تعتبر من مسقطات الحضانة عن الأم لأن مقتضيات المادة 173 من المدونة حددت شروط الأهلية للحضانة على سبيل الحصر ولم تنص على أن تعاطي الحاضنة للتجارة يعتبر من موانع ممارسة الحضانة، كما أن المادتين 174 و 175 حددتا الحالات ولا غيرها من المهن والحرف،

وهذا ما سبق أن كرسه الإجتهاد القضائي عندما قضت محكمة النقض بأن مجرد عمل الحاضنة أو ممارستها لمهنة ما لا يسقط حضانتها من حيث المبدأ، ما لم يثبت الأب أن في ذلك العمل ضرراً يصيب المحضون، غير أن سقوط الحضانة بمقتضى المادة 175 من المدونة خاص بالأم بعد الفراق إذا تزوجت بغير قريب محرم من المحضون أو غير نائب شرعي عليه ولا يتعلق بالأب، سواء كان متزوجاً أو غير متزوج.

وإذا كانت الحضانة لا تسقط مبدئيا بانتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة من مكان إلى آخر داخل المغرب، فإنها تسقط بالانتقال إذا ثبت للمحكمة ما يوجب السقوط مراعاة لمصلحة المحضون وقبل مراعاة أية مصلحة أخرى ولو خصت الولي أو الحاصنة.

وبخصوص هذه المسألة، يلاحظ أن المشرع قد وقع في تناقض عند وضعه المادة 178 حيث قرر أن الانتقال لا يسقط الحضانة ثم قرر ثانية وجوب مراعاة الظروف الخاصة بالأب أو النائب الشرعي والمسافة التي تفصل المحضون عن أبيه. فكان على المشرع أن يقرر أن الإنتقال في حد ذاته لا يؤدي إلى إسقاط الحضانة، ولكن إذا حصل للمحضون ضرراً من جراء ذلك الانتقال سقطت الحضانة دون أن تتقيد المحكمة بالظروف الخاصة بالأب أو النائب الشرعي وبالمسافة التي تفصل المحضون عن أبيه.

غير أن الإنتقال بالمحضون خارج المغرب لا يؤدي إلى إسقاط الحضانة إذا وافق النائب الشرعي على ذلك، ولكن في غياب هذه الموافقة، فإن للنائب الشرعي أو للنيابة العامة تقديم طلبه للمحكمة لمنع السفر بالمحضون خارج المغرب سواء أثناء النظر في إسناد الحضانة، أو بمقتضى قرار لاحق، وتتولى النيابة العامة مهمة تبليغ الجهات المختصة بمقرر المنع قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك. وإذا كان انتقال الحاضنة بالمحضون خارج المغرب دون موافقة نائبه الشرعي يؤدي إلى إسقاط الحضانة، فإن مدونة الأسرة لم تتطرق إلى مسألة بقاء الحاضنة مع محضونها بالمهجر ورجوع النائب الشرعي إلى أرض الوطن: هل هذا البقاء يؤدي إلى إسقاط الحضانة؟

بخصوص هذه المسألة، قضت محكمة النقض بأن الطاعن (النائب الشرعي) أصبح يعيش بالمغرب ولم يوافق على إقامة ابنته مع حاضنتها بفرنسا، والمحكمة لما ردت طلبه الرامي إلى إسقاط حضانتها بعلة أنه هو الذي انتقل من المهجر إلى أرض الوطن وليست الحاضنة، تكون قد عللت قرارها تعليلاً فاسداً، كما أنها أيدت القرار الإستئنافي الذي قضى بتأييد الحكم المستأنف بإسقاط حضانة الأم بعد انتقالها بالمحضونين إلى السودان بعلة أن ذلك يجعل من العسير على والد المحضون مراقبة أحواله والقيام بواجباته، ذلك أن المسافة بين القطر السوداني ونظيره المغربي لا تساعد الأب على الإطلاع على أحوال ولديه والسهر عليهما (محكمة النقض، قرار صادر بتاريخ 4 يناير 2006).

وإذا التمس الحاضن الإذن له بالسفر بالمحضون إلى الخارج ورفض النائب الشرعي وكانت هناك ظروف خاصة تحتم ذلك السفر، سمح المشرع للمعني بالأمر أن يطلب من قاضي المستعجلات أن يصدر أمراً بالإذن بذلك إن تيقن من توفر شرطين : الأول التأكد من الصفة العرضية للسفر، والثاني من عودة المحضون إلى المغرب (المادة 179 من مدونة الأسرة).

ويمكن في بعض الأحيان أن تترك الحاضنة محضونها عند أمها أو أختها أو غيرهن من النساء القريبات إليها وتسافر إلى الخارج للإقامة أو للعمل، فسفر الحاضنة غير الإضطراري قد يحول دون قيامها بواجبات الحضانة التي تقتضي حفظ الولد مما قد يضره وتربيته والإشراف على مصالحه بصفة شخصية، وإسناد هذه المهمة إلى جدة المحضون أو خالته أو غيرهن يعتبر إخلالاً بواجب الحضانة وخرقاً للترتيب الوارد في المادة 171 من مدونة الأسرة، مما يؤدي إلى التصريح بسقوط حضانة الأم عن المحضون وإسنادها لوالده باعتباره يأتي في المرتبة الثانية بعد الأم من حيث مستحقي الحضانة حسب ما هو مسطر في المادة 171 من المدونة.

وبالعكس، يمكن للأب الحاضن أن يهاجر خارج أرض الوطن ويترك محضونه لزوجته (الثانية)، فغيابه عن المحضون من شأنه أن يضر به ويحول دون رعايته وتربيته والسهر على مصالحه، خاصة وأن زوجة الأب لاحق لها في الحضانة باعتبارها ليست من مستحقها، الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في الحضانة إذا طالبت بذلك أم المحضون وكان ذلك في مصلحته.

كذلك يمكن إسقاط الحضانة عن ممارسها باعتبارها تمثل جانبا من الولاية الشرعية. فالفصل 88 من القانون الجنائي يقضي بأنه يتعين على المحكمة أن تحكم بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد عندما تصدر حكما من أجل جناية أو جنحة معاقب عليها قانونا بالحبس ارتكبها أحد الأصول على شخص أحد أطفاله القاصرين إذا ثبت لديها وصرحت بمقتضى نص خاص الحكم أو السلوك العادي للمحكوم عليه يعرض أولاده القاصرين لخطر بدني أو خلقي. وهذا السقوط يمكن أن يشمل جميع حقوق الولاية أو بعضها، كما يسوغ أن يكون مقصورا على بعض الأولاد أو على واحد فقط.

وعندما تقضي المحكمة بإسقاط حضانة الأم المدعى عليها، فإنها تحكم بتسليم المحضون للمدعي باعتباره الأب والنائب الشرعي له، دون شمول الحكم بالنفاذ المعجل طالما أن المحضون لا يتهدده أي خطر، أو مع النفاذ المعجل نظراً لمصلحة المحضون وتحميل المدعى عليها الصائر، كما أن بعض المحاكم ارتأت إشفاع الحكم بالغرامة التهديدية ما دام الأمر يتعلق بالقيام بعمل وهو تسليم المحضون للمدعي.

غير أن مدونة الأسرة تطرقت في مادتها 170 إلى استعادة الحضانة لمستحقها إذا زال عنه العذر الذي منعه منها، وهكذا إذا تنازلت الحاضنة أو سقطت عنها الحضانة نتيجة زواجها، فهذا عذر بزواله – بطلاق، أو تطليق، أو وفاة – تعود الحضانة إليها، ولكن يمكن للمحكمة أن تعيد النظر في الحضانة بعدما تعاين استعادتها وتتحقق من توفر شروطها حيث تراعي في ذلك مصلحة المحضون وبالتالي يمكن لها أن ترفض تلك الاستعادة أو تخول الحضانة لطرف آخر بشرط أن تبرر موقفها بكيفية مقبولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى