أشارت المدونة إلى أسباب الإرث في المادة 329 بقولها: أسباب الإرث كالزوجية والقرابة أسباب شرعية لا تكتسب بالتزام ولا بوصية، فليس لكل من الوارث أو الموروث إسقاط صفة الوارث أو الموروث ولا التنازل عنه للغير”.
للإرث سببان يقتضي كل واحد منهما التوارث بين الحي والميت المرتبطين به شرعا وهما الزوجية والقرابة، فإذا لم يكن للهالك وارث بالقرابة أو بالزوجية، فتركته للخزينة العامة كرافت لها، يصرف في المصلحة العامة.
أولا : أسباب الميراث المرتبطة بالعلاقة الزوجية
ولا يورث بهذا السبب إلا بالفرض، والمراد بالعلاقة الزوجية، هو عقد الزواج الصحيح شرعا ، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، ويتوارث الزوجان ما دامت العلاقة الزوجية قائمة بينهما، حقيقة كبقاء قيام العلاقة الزوجية، أو حكما كما في المعتدة من طلاق رجعي، سواء وقع الطلاق في الصحة أو في المرض ما دامت في العدة فإنها ترث، لأن الطلاق الرجعي كالزوجية إلا في الاتصال الجنسي، فهناك انفصال جسدي.
أما الوفاة في العدة من طلاق بائن في الصحة فلا توارث بينهما. والغاية من توارث المطلقين في حالة المرض، هو معاملة سيء النية بنقيض قصده الذي هو حرمان الطرف الآخر من الإرث بواسطة الطلاق. ونرى أن هذا المبدأ يسري حتى في حالة التطليق للشقاق وما في حكمه. أما المطلقة في المرض طلاقا بائنا فترت على مذهب مدونة الأسرة وان تزوجت.
أما في الطلاق البائن فالمبدأ انه لا توارث بينهما، إلا إذا وقع الطلاق في مرض الموت، فإنها ترث ولو بعد انقضاء العدة، بل ولو تزوجت أزواجا متوالية على رأي المالكية، يلغز فيقال امرأة ورثت عدة أزواج، وصورتها أن امرأة تزوجت رجلا في حال صحته، ثم طلقها في مرض موته قبل البناء بها، فتزوجت بغيره وطلقها كذلك، وهكذا يمكن أن تتزوج أزواجا في زمن قصير، ويموت الأزواج من مرضهم الذي طلقت فيه فترثهم كلهم.
قال ابن جزي في القوانين الفقهية: ” طلاق المريض نافذ كالصحيح اتفاقا، فان مات من ذلك المرض ورثته المطلقة خلافا للشافعي، ولا ينقطع ميراثها وان انقضت عدتها، وتزوجت، وقال أبو حنيفة ترثه ما دامت في العدة، وقال ابن حنبل: ما لم تتزوج “
والحكمة من ارثها فيه رغم كون الطلاق بائنا بحسب أصله أو ماله، هي أن الشرع كما نهى المريضة مرض الموت عن إدخال وارث على الورثة بالزواج، نهاه أيضا عن إخراج وارث منهم بالطلاق، فإذا أوقع الطلاق المنهى عنه، ومات من مرضه، فسيفترض فيه سيء النية، ويعامل بنقيض قصده، سواء لاق به هذا القصد أو كان ممن لا يليق به لحسن حاله، بل ولو كانت الزوجة هي المختلعة منه، فقد يضايقها هو وأقاربه فتضطر إلى الإختلاع منه في حال مرض موته، فلا يكون اختلاعها دليلا مطلقا على أنها هي الراغبة في الطلاق.
ذهب الجمهور من المالكية والحنفية والحنابلة واحد الأقوال عند الإمامية إلى رأي مفاده أن الطلاق البائن في مرض الموت يعد به الزوج فاراً من ارث زوجته، وسموا هذا الطلاق ” بطلاق الفرار”. وقرروا أن الزوجة في هذه الصورة بالذات، ترث من زوجها رغم وقوع الطلاق عليها، عملا بسد الذرائع ومعاملة الزوج بنقيض قصده، مع تفصيل واختلاف في الجزئيات.
وتحديد متى يكون الزوج فارا من ارث زوجته شكل بدوره خلاف فقه كبير، ولئن اتفق الفقهاء على أن الزوج يكون فارا طالما أوقع الطلاق البائن في مرض موته بدون رضى الزوجة، فإنهم اختلفوا فيما وراء ذلك.
قال الإمام ابن رشد …. وسبب اختلاف الفقهاء في هذه المسالة اختلافهم في وجوب العمل بسد الذرائع، وذلك انه لما كان المريض ينهم في أن يكون إنما طلق في مرضه زوجته ليقطع حظها من الميراث، فمن قال بسد الذرائع أوجب ميراثها، ومن لم يقل بسد الذرائع لم يوجب لها ميراثا … وإذا طلبت المرأة الطلاق فهل ترثه؟ … قال أبو حنيفة لا ترث أصلا، وفرق الأوزاعي بين التمليك والطلاق فقال: ليس لها الميراث في التمليك، ولها في الطلاق، وسوى مالك في ذلك كله، حتى لقد قال: إن ماتت لا يرثها وترثه هي إن مات.
من خلال ما سبق يمكن القول بان إخضاع بعض تصرفات المريض مرض الموت لأحكام استثنائية في الفقه الإسلامي، لا يهدف إلى حماية إرادة المورث، ولا يتعلق بالمرض المؤثر على ملكة الإدراك والتمييز، بل يتمحور ضمن منظومة فكرية خاصة ، تحمل نفسا حمائية للدائنين والورثة، لتعلق حقهم بمال المورث منذ وجود مرض الموت،
وبالرجوع الى قانون الالتزامات والعقود المغربي يبدو لنا انه لم يخرج عن الأسس الفقهية في تعامله مع مرض الموت، لذلك كان أساس الحماية في تصرفات المريض مرض الموت ، هو تعلق حق الورثة بمال موروثهم منذ وجود ذلك المرض، وهذا التعلق هو الذي يمكنهم من الطعن في تلك التصرفات لكن في الحدود التي تحمي حقوقهم ، وهذه الحدود رسمها القانون بكل دقة ، فكان تعلق الورثة حينا بكل اموال موروثهم ، وحينا بثلثي أمواله.
فبالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي نجده تحدث عن نظرية مرض الموت في كثير من فصوله ومواضعه منها الفصول: 54 و 229 و 344 و 345 و 479 و 1248 الفقرة الثانية.
فالفصل 54 تضمن مصطلحا عاما هو ” المرض” ونصه: ” أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة”، فهذا النص قابل للتطبيق في عدة حالات لا تبدو ظاهر النص، وانه ترك الأمر لحكمة القضاة.
والظاهر أن المشرع المغربي سعى إلى وضع أساس لحماية مرض الموت، وتعلق حق الورثة بمال موروثهم، وهذا التعلق هو الذي يمكنهم من الطعن في تلك التصرفات، وقد عرف فقه القضاء بخصوص هذه المسألة تذبذبا في العديد من المناسبات عبر الخلط بين مرض الموت المقيد للتصرف والمرض المؤثر على الإرادة.
فتصرفات المريض يمتد أثرها إلى الورثة، فتنتج أثرا يوجب حقا للورثة كخلف عام، ومن ذلك ما جاء في الفصل 229 ” تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب، ولكن أيضا بين ورثتهما، وخلفائهما، ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام، أو عن القانون، ومع ذلك فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة، وبنسبة مناب كل واحد منهم. وإذا رفض الورثة التركة، لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها، وفي هذه الحالة، ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم”.
والزواج الذي يكون سببا للإرث هو الزواج الصحيح ، الذي توفرت فيه أركانه ، وشروطه ، وانتفت عنه الموانع ، باتفاق الفقهاء، حتى ولو توفي أحد الزوجين قبل الدخول، لأن المعتبر هو تاريخ العقد القائم بينهما، ولهذا قرر علماء التوثيق أن عقد الزواج يجب أن يحرر بالدقيقة، والساعة، واليوم والشهر، والسنة.
ونرى أن الإشهاد على الزواج، شرط وجوب بالنسبة لجميع المغاربة المقيمين بالمغرب، فلابد من الإشهاد والتوثيق، وفقا لتعبير المدونة في المادة 13 بقولها: ” يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط التالية …”، وللفقرة الأولى من المادة 16 من م.أ ” تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات عقد الزواج” أما المغاربة المقيمين بالخارج فتسري عليهم أحكام المادتين 14 و 15 من م. أ ، بمعنى أن التقارر على الزوجية لم يعد مقبولا لإثبات العلاقة الزوجية إلا بناء على حكم المحكمة ( التقارر معناه أن يحضر الرجل والمرأة لدى العدلين، ويشهدائهما اعترافا منهما بالحق وإقرارا بالصدق أنهما متزوجين منذ مدة كذا، على صداق قدره كذا، وولي أن اقتضي الحال، وأن لهما أولادا ازدادوا على فراشهما).
أما الزواج الفاسدة ، فان كان العقد مختلفا في فساده، ومات أحد الطرفين قبل الحكم بالفسخ، فان الطرف الآخر يرثه، مع مراعاة مقتضيات المواد 60 إلى 64 من المدونة.
وانطلاقا من مقتضيات المواد المشار إليها يلاحظ أن آثار الزواج الباطل أو الفاسد قد ذكرت على سبيل الحصر ولم يذكر من بينها الحق في الميراث فنستنتج من ذلك أن الحق في الميراث هو أثر حصري للزواج الصحيح القائم على عقد زواج صحيح، لثبوت التوارث بين الزوجين، مع استبعاد الزواج الباطل والزواج الفاسد المجمع على فساده من إمكانية التوريث، أما الزواج المختلف في فساده فقد ذهب بعض الفقه إلى إجازة التوارث بين الزوجين لشبهة الخلاف، وذهب فقه آخر إلى منع التوارث لمقتضى الفساد.
والعلاقة الزوجية الصحيحة لا تنقطع إلا بطلاق، والطلاق في القانون المغربي كخيار تشريعي أسري لا يقع إلا تحت مراقبة القضاء ووفق إجراءات معينة، وعليه فإن انقطاع العلاقة الزوجية بالطلاق لا يحصل إلا بعد صدور حكم بالتطليق، أو قرار معلل طبقا لمقتضيات مدونة الأسرة. وبعض الفقهاء يعبر عن الزوجية بالنكاح، وبعضهم بالعصمة، وبعضهم بالمصاهرة.
ثانيا : أسباب الميراث المرتبطة بالقرابة
وبعض الفقهاء يعبر بالنسب، وبعضهم بالرحم، والمراد بالقرابة هي القرابة الحقيقية، أي البنوة والأبوة والأمومة، والجدودة، والأخوة والعمومة.
فالقرابة أقوى أسباب الإرث، وهي كل صلة سببها الولادة، ويعبر عنها بالنسب الحقيقي أو القرابة النسبية، وتشمل جميع أنواع القرابة التي تربط الشخص بأصوله وفروعه وحواشيه المتفرعة عن أصوله، وهؤلاء يندرجون تحت أربعة أصناف وهم أصول الميت، وفروعه، وفروع أبوي الميت، وفروع أجداد الميت وجداته.
ثم إن سببية هذه الأشياء في الإرث سببية شرعية، بمعنى أن الشارع هو الذي قرر سببيتها في الإرث فمتى ثبتت هذه الأسباب تبت الإرث لصاحبه.
فلا يثبت الإرث بمعاهدة ولا بوصية، ولا باتفاق، فليس لأحد أن يتنازل لغيره عن الصفة التي خوله الشرع إياها، وهي كونه وارثا أو موروثا، بأن يجعله في محله وارثا أو موروثا، بحيث يسقط عن نفسه تلك الصفة التي حوله الشرع إياها، وهذا هو صريح المادة 329 من مدونة الأسرة السالفة الذكر.
فالقرابة الشرعية هي المؤسسة على البنوة الشرعية، فلا توارث بين الاب وابنه الا بناء على علاقة تجمعهما وهي العلاقة الشرعية، وهي البنوة والنسب وفق تعبير المشرع المغربي، الذي خصص لها الكتاب الثالث من مدونة الأسرة المواد من 142 إلى 162.
وبعد اشتراط العلاقة الشرعية كأساس للتوارث خيارا تشريعيا واضحا في الأخذ بالرؤية الفقهية بخصوص مسألة النسب، وقد تبنى المشرع المغربي بخصوص إثبات النسب نفس طرق الإثبات التي اعتمدها الفقه الإسلامي، وهي الفراش، والإقرار، والبينة، وعلى هذا استقر العمل القضائي
ونشير إلى أن هناك سببا للميراث خارج نطاق العلاقة الأسرية في الفقه الإسلامي لم يعد له وجود في عصرنا الحاضر، وهو الولاء، الذي ارتبط بظاهرة الرق التي سعى الإسلام إلى القضاء عليها، ولم تعد دراسة الولاء إلا كسبب تاريخي للميراث.
وأسباب الإرث وان كان أساسها هي العلاقة الأسرية، فانه يمكن في حالات معينة أن تمتد لتشمل من يوجد خارج هذه العلاقة، ويتعلق الأمر بمسألتين اثنتين هما الإقرار بالنسب على الغير، وبيت المال (الخزينة العامة للدولة).
ونشير هنا إلى مسالة شهادة الولادة أو نسخة من رسم الولادة هل يثبت بها الإرث؟ وهل الأولاد المسجلين بكناش الحالة المدنية للمتوفى يعتبرون ورثة؟
بالنسبة لشهادة الولادة جاء في القرار رقم 1461 الصادر بتاريخ 29 نونبر 1988 ” … إن شهادة الولادة التي أخذت بها المحكمة غامضة، وعبارة عن تصريح تلقاه ضابط الحالة المدنية من شخص غير معروف، وحتى ولو كان هذا الشخص معروفا فإنها مجرد إخبار يحتمل الصدق والكذب طالما لم تصدرعن المولدة أو الطبيب المشرف باليوم والساعة”.