مفهوم الإرث
يعتبر تحديد المفهوم اللبنة الأولى من كل علم، بل هو مداره والطريق الموصل إليه، فالإشكالات النظرية، والمشكلات العملية آبار العلم، وتحديد المفاهيم والمصطلحات دلاؤها، فالعلوم ماهيات والمصطلحات مادتها، فهي أمور إجرائية تؤول إلى ضبط معنى الإشكالية فهما وتنزيلا.
وغياب العناية بتحديد المفهوم له آثار سيئ على البحث العلمي؛ لأن المعنى مندرج تحت المبنى كما هو مقرر عند الفقهاء، فكثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعاني وقوتها، فالمعاني لطيفة والأجسام كثيفة، وقد قرر الفقهاء انه إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا المفاهيم، وتحديد مفهوم المواريث مرتبط بتحديد المصطلحات الملحقة ذات الصلة بها وهي:الفرائض، الحساب التركات، ثم الشروط والأسباب، والموانع.
المواريث لغة جمع ميراث مشتق من الإرث، ومعناه البقية، والأصل والانتقال. قال تعالى “وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا “(سورة الأحزاب الآية: 27 ) قال تعالى ” وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ “(سورة الحديد: الآية 10) وفي الحديث: (اثبتوا عَلَى مَشاعِرِكُمْ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْتَ إِبْرَاهِيمَ) أي على أصله وبقية شرف منه. وفي الدعاء: (اللهم أمتعني بسمعي وبصري واجعله الوارث مني)، أي أبقه معي حتى أموت واتركه.
ثم إن الإرْث، والوِرْث، والوَرْث، والوراث، والإرَاث، والتُّراث، هذه مصطلحات تفيد حقائق لغوية تشترك كلها في معنى واحد هو البقية والأصل وانتقال الشيء من قوم إلى آخرين، حقيقة أو حكما. فالانتقال الحقيقي أو الحسي، مثل انتقال الأموال من شخص إلى آخر، كانتقال المال الموروث من المورث إلى الوارث، والانتقال المعنوي كانتقال العلم والمبادئ والنظريات، والأخلاق، والمثل العليا، من شخص إلى آخر. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء)، قد ورد لفظ الميراث في القرآن الكريم في نحو خمس وثلاثين آية.
وعلم الميراث يسمى أيضا بعلم الفرائض، جمع فريضة، مشتقة من الفرض الذي جمعه فروض، والفرض التقدير الواجب؛ لأنه يبين الفرض أو النصيب المقدر لكل ذي وارث شرعا، فالفرائض مقدرات. ومن دلالة ذلك على التقدير قوله تعالى ” فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ” ( سورة البقرة الآية: 237) أي قدرتم وأوجبتم. وقوله: “فَرِيضَة مِنَ الله إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا”(سورة النساء الآية 11 ) أي مقدرة من الله ومن ذلك فريضة الزكاة، أي المقدرة بمقدار معين في كل نصاب من المال ، ومن دلالتها على الواجب قوله تعالى ” فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً “(سورة النساء الآية 24 ) أي أعطوهن ذلك على وجه الفرض واللزوم.
كما يسمى علم المواريث بعلم الحساب؛ لأنه عبارة عن أحكام فقهية حسابية يعرف بها نصيب كل وارث في التركة، يقال: حَسَبْتُ المال حسباً أحصيته عددا، وحسبت زيداً قائماً أحسبه، بمعنى ظننت.