تعريف قانون المواريث
قانون المواريث هو فرع من فروع القانون الخاص، ويستوحي اسمه من مصطلح مواريث، فكل شخص إذا قضى الله بوفاته وانقضت من الدنيا أيام حياته، فانه يرحل وقد يترك ورثة وتركة، فيحتاج إلى تصفية التركة وقسمتها على الورثة، وفق قواعد فقهية وحسابية قصد إعطاء كل ذي حق حقه.
وقد ارتبط هذا العلم عبر التاريخ بمؤسستين هما مؤسسة التوثيق ومؤسسة القضاء، ولأهميته اهتم به الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون والأئمة المجتهدون، والباحثون والقضاة. ولقد بذلت جهود في سبيل تطوير وتقريب هذا العلم وحفظه، من قبل علماء كبار في كل المذاهب الإسلامية، كما ونوعا واستيعابا وتدريسا، نظرا لمسيس حاجة الناس إليه، إذ لا يستغنى عنه.
لذا نجد أن جل التشريعات الحديثة اهتمت بتنظيم قانون المواريث، واتفقت عليه جميع الشرائع، وقد نظم الفقه الإسلامي أحكام وقضايا الأسرة تنظيما غاية في الدقة، واهتم بها اهتماما كبيرا، لأنها تتعلق بالأسرة التي هي الخلية الأولى للمجتمع، وهذه الأحكام هي عينها التي نظمتها مدونة الأسرة المغربية في كتابها السادس المواد من 321 إلى 395، والكتاب الخامس المتعلق بالوصية والتنزيل المواد من 277 إلى 320.
والقول بأن الجانب العملي من علم المواريث جانب صعب و اشد تعقيدا هو توهم مبني على تصور خاطئ لقواعد هذا العلم الحسابية، لأن الأمر لايحتاج إلى دراسة نظريات في الرياضيات، بل إلا دراسة جادة ومتأنية تكفي المعرفة آلية وطرق حساب الفروض، وتقسيم التركة على الورثة، لكن التطورات المعاصرة تشريعا وقضاء، تتطلب منا اعتبار المفاهيم الجديدة التي لم يتم التعامل معها من قبل، فقد تشمل تركة المتوفى شبكة معقدة من المصالح، والحقوق.
وإذا كانت التشريعات الغربية عامة، والأوربية خاصة، قامت على أسس ثلاثة المساواة، الحرية، الأخوة، فهل مبدأ المساواة في الإرث يدخل ضمن هذه الثلاثة؟
ونرى بان الحديث عن مبدأ المساواة بالمفهوم المعاصر وهو الندية في كل شيء، أمر بعيد التحقق ويدخل ضمن المتمنيات لا غير. فالقوانين الأوربية ومنها القانون الفرنسي الذي يعد مصدر إلهام لكثير من التشريعات المعاصرة فانه بالنسبة للإرث، قررت مبدأ الحرية، ولم تقرر مبدأ المساواة بالمفهوم الذي يعتقده الكثيرون.
فقد خولت تلك القوانين للمتوفى أن يوصي قيد حياته لأي شخص أو جهة وارثا كان أو غير وارث، ذاتي أو معنوي، بل له أن يوصي لغير الإنسان، من حيوان وجماد، فالمشرع الغربي حمى إرادة المورث، وترك له الحق في أن يميز بين ورثته، فإذا كان له ولدان يمكن أن يوصي لأحدهما بالثلث فيأخذ سهمين والآخر يحصل على سهم واحد، وإذا كان لديه ثلاثة فله الحق في أن يوصي بالربع لأحدهم، وقد يوصي بجميع تركته لخليلته دون زوجته وبناته.
تنص المادة 967 من القانون المدني الفرنسي على انه “يجوز لكل شخص أن يتصرف بموجب وصية، إما عن طريق تعيين وارث، وإما عن طريق الايصاء، وإما بأي تسمية أخرى من شانها إظهار إرادته”.وجاء في المادة 1003 من نفس القانون: الايصاء العام هو الذي يعطي الموصي بموجبه لشخص أو أكثر كل الأموال التي يتركها عند وفاته”.فتعيين الموصى له عام ليس متعلقا بأي صيغة شكلية، ويكفي أن يحق للموصى له على سبيل الاحتمال أن يرث كل أموال الموصي.
بالنسبة إلينا، حرمان الوارث ذكرا كان أو أنثى، وأيا كانت صفة ارثه تصرف ممنوع ولا ينفذ. والتبرع على الابن دون البنت أو العكس، تصرف لا نفاذ له، فإن ساوى بين أولاده في التبرع عليهم جاز ذلك ونفذ.
إن المشرع الفرنسي منح الحرية للشخص في أن يتصرف في جميع أمواله قيد حياته من خلال تعيين الورثة عن طريق الايصاء، مع منحه حق الاختيار في التبرع لصالح شخص معين أو غير معين، مسمى أو غير مسمى، يتمتع بالشخصية الاعتبارية أو لا يتمتع بها، وللقضاة سلطة تفسير إرادة الموصي قصد إعطائها آثارها، انطلاقا من مندرجات الوصية والظروف العائدة للقضية.
وقد نص القانون المدنى الفرنسي في مادته الثالثة الفقرة الأخيرة على انه ” يخضع الفرنسيون حتى المقيمون منهم في البلدان الأجنبية للقوانين التي ترعى أحوالهم الشخصية وأهليتهم”.وتنص المادة 721 على أنه: ” تنتقل أموال التركة إلى الورثة وفقا لأحكام القانون في حال لم يتصرف المتوفى بأمواله عن طريق التبرعات، تنتقل الأموال وفق تبرعات المورث بقدر ما تتوافق والحصة المحفوظة”.
وجاء في المادة 724 ” إن الورثة المحددين قانونا تنتقل إليهم حكما كل أموال و دعاوى موروثهم، والموصى لهم، والموهوب لهم، بكامل التركة، تنتقل إليهم هذه التركة وفق الشروط المنصوص عليها في الباب الثاني من هذا الكتاب”، والباب الثاني مخصص للتبرعات، حيث تم تخصيص القسم الثالث لتعيين الورثة والايصاءات عامة.
إن انتقال التركة في التشريعات الغربية عامة والفرنسي خاصة هو انتقال خاص وفقا لطبيعة الأموال، وانتقال خاص وفقا لمصدر الأموال.فإثبات صفة الوارث تخضع لإرادة المورث قيد حياته من خلال باب التبرعات عامة والوصية خاصة.
وكان شيخنا المرحوم الغازي الحسيني يوصينا بضرورة الاطلاع على قوانين الإرث لغيرنا قصد الاستنباط والمقارنة، مع التركيز على الجانب العملي لما له من أهمية في ترسيخ قواعد هذا العلم، ويتساءل لماذا السكوت عن شرائع وقوانين تجعل من الأنوثة والزوجية كمانع من موانع الإرث؟
إن فقه المواريث كباقي العلوم قابل للتطوير والاجتهاد، ذلك أن فقه المواريث اعم من علم المواريث، وعلم المواريث أخص، كما أن علم القضاء أخص من فقه القضاء.
ولقانون المواريث جانبان الجانب النظري وهو الفقه المتعلق بالإرث. والجانب العملي، والمراد به ضبط وإتقان القواعد الحسابية بحثا عن أصل كل فريضة وتأصيلها بجميع توابعها، وتحليلها فقها وعملا، وتلك كانت غايتنا في هذا العمل.
وضبط هذه الأمور يتوقف على معرفة وإتقان علم الحساب، الذي به يتوصل إلى معرفة المقادير والأنصبة. وقانون المواريث وان كان جزءا من الفقه لكنه لما امتزج علم الحساب به صار كأنه علم مستقل.
ولأجل علم الحساب الداخل في علم المواريث، ألف فيه من له الباع في علم الحساب، ومن لم يتقن علم الحساب تجده ضعيفا في علم المواريث، أنه إنما يعرف من يرث ومن لا يرث، وكم يرث، لكنه لا يحقق كيفية القسم والانكسارات والمناسخات وغير ذلك.