ينشيء الزواج عدة آثار تمتد إلى الأطفال الناتجين عنه، بل تترتب عنه لهؤلاء عدة حقوق تجاه أبويهم. فهذه الحقوق تتكاثر مع تتابع سنوات عمرهم وتتنوع مضامينها بتنوع علاقاتهم بأبويهم، فمدونة الأسرة تطرقت إلى هذه الحقوق بإسهاب في مادتها 54 التي جاءت منسجمة مع الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، خاصة اتفاقية حقوق الطفل والميثاق الدولي للحقوق السياسية والمدنية، فهدف المشرع من ذلك هو إقرار حقوق الطفل وتحقيق أكبر قدر من الحماية له وهو يحبو في موكب الحياة ليصبح في المستقبل إنسانا قادرا على الإضطلاع بمسؤوليته حتى يساهم بدوره في تنمية البلاد ويستفيد منها في نفس الوقت.
أولا : حق الطفل في الحياة والسلامة الشخصية
تنص مدونة الأسرة على حماية الأطفال في حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغهم سن الرشد القانوني، فحق الطفل في الحياة يبدأ من يوم خلقه جنينا في بطن أمه حيث يرتبط بها وجودا وعدما حتى ولادته وخروجه إلى حياة الدنيا. فالوجود للإنسان يبدأ بالولادة، كما أن شخصيته القانونية تبدأ بهذه الواقعة، ويزول هذا الوجود بالوفاة حيث تنقضي حينئذ هذه الشخصية. ويستفاد من المادتين 304 و 307 من مدونة الأسرة أنه يكفي للشخص أن ينفصل حيا ليكون طرفا في الحق.
أي أن القانون المغربي لا يفرض شرط ولادة الإنسان حيا وكونه قابلا للحياة، بل يكفي أن يتم انفصال المولود عن أمه انفصالا تاما وإثبات الحياة له ولو للحظة قصيرة بعد تمام الولادة بما يدل عليها من علامات ظاهرة، كالبكاء والصراخ والشهيق والرضاع. ولا يكون الجنين أهلا للأداء نظرا لوضعه الطبيعي، بل اعترف له المشرع بأهلية وجوب ناقصة حيث تثبت له حقوق من وقت الحمل إذا ولد حيا، فالجنين يتمتع بشخصية افتراضية حماية لحقوقه وهو ما زال في بطن أمه لم يخرج إلى الوجود بعد، بل يتمتع ما في بطن الأم بحماية قانونية مما قد يتعرض له من مخاطر أثناء الحمل أو ما قد يمس بحياته قبل الوضع
فالقانون الجنائي المغربي يمنع حبس المرأة إذا ثبت أنها حامل لأكثر من ستة أشهر حيث لا تنفذ عليها العقوبة إلا بعد الوضع بأربعين يوماً، كما أنه لا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني فيما يخص تحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى إذا كان المدين امرأة حاملاً، ولا يمكن أيضا اتخاذ قرار طرد المرأة الأجنبية الحامل ولا إبعاد أية امرأة أجنبية حامل التي اتخذ في حقها قرار الطرد أو الاقتياد إلى الحدود.
كذلك ينص الفصل 21 من القانون الجنائي على أن المرأة المحكوم عليها بالإعدام إذا ثبت حملها، فإنها لا تعدم إلا بعد وضع حملها بأربعين يوما. ويمنع أيضا هذا القانون الإجهاض غير المبرر ويعاقب عليه سواء كانت هذه الجريمة مرتكبة من طرف الأم أو من غيرها، إلا أن المشرع سمح بالإجهاض في حالة معينة ولا يعاقب عليه إذا استوجبه إنقاذ حياة الأم الحامل أو ضرورة المحافظة على صحتها متى قام به طبيب أو جراح بإذن من الزوج أو بدونه متى شهد الطبيب الرئيسي للعمالة بأن المحافظة على صحة الأم تستوجب إجهاضها.
وبالإضافة إلى ما سبق، يعاقب القانون الجنائي على قتل الأم لوليدها رغبة مثلا في قطع علاقاتها نهائيا بزوجها المطلق، غير أن المشرع متعها بعذر من الأعذار المخففة في القتل العمد حيث أن الأم التي قتلت وليدها تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، كما أنه لا يمكن أن ينتفي حمل الزوجة عن زوجها إلا بحكم قضائي.
ثانيا: حق الطفل في الإعتراف بالشخصية القانونية
يتمثل اعتراف مدونة الأسرة بحق الطفل في الإعتراف بشخصيته القانونية في التأكيد على وجوب الإقرار بولادة الطفل وتثبيت هويته عن طريق تسجيله في الحالة المدنية ومنحه إسماً وحمله جنسية.
- 1 : الحق في الإسم
يعتبر حق الطفل في الإسم من حقوق الشخصية، إذ أنه الوسيلة التي تمكنه من تمييز ذاته وتعيين شخصيته وكذلك تلافي الخلط بينه وبين غيره سواء داخل أسرته أو في المجتمع. فالإنسان يولد بدون اسم، بيرث عن أبيه إسمه العائلي تبعا لإنتسابه إليه، سواء كان هذا الأب حيا أو ميتا، لأن الإسم العائلي يكتسب بالولادة إذا كان الأب مسجلا بالحالة المدنية، ويصبح لازما للأعقاب لأنه يعطى للطفل بحكم القانون وبالتالي يصبح وراثيا،
فالشخص الخاضع لنظام الحالة المدنية يكون ملزما بالواجبات الواردة في النصوص المنظمة لهذه المادة والتي تنتقل بدورها إلى أعقابه. أما الإسم الشخصي، فإنه يختار للطفل بعد ولادته وبه يتميز عن باقي أفراد أسرته، فهو إحدى عناصر هويته لأنه من لحظة الوضع، يحتاج المولود إلى إسم شخصي معين حتى لا يبقى بدون تسمية،
- 2 : الحق في الجنسية
إذا كانت المواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان قد أقرت حق الطفل في اكتساب الجنسية، فإن المشرع المغربي قد كرس بدوره هذا الحق وكان ذلك بموجب قانون 6 شتنبر 1958 الذي نظم وقتذاك وما يزال ينظم أحكام الجنسية حيث أخذ هذا القانون برابطة الجنسية عن طريق حق الدم إذ يعتبر مغربيا كل ولد منحدر من أب مغربي ولو كانت أمه أجنبية أو من أم مغربية إذا كانت متزوجة من أجنبي مسلم.
كذلك أخذ المشرع بالرابطة الترابية ( حق الإقليم ) لإسناد الجنسية للولد المولود في المغرب من أبوين مجهولين حتى لا يبقى اللقيط عديم الجنسية. كما يعد مجهول الأبوين في المغرب مولوداً فيه ما لم يثبت خلاف ذلك حتى لا يبقى الموجود في المغرب عديم الجنسية، غير أن الولد المولود من أبوين مجهولين يعد كأنه لم يكن مغربياً قط – إذا ثبت خلال قصوره – أن نسبه ينحدر من أجنبي وكان يتمتع بالجنسية التي ينتمي إليها هذا الأجنبي طبق قانونه الوطني.
أما الطفل الذي يتبين نسبه بعد الولادة، فإن الفقرة الأولى من الفصل 8 من قانون الجنسية تقضي بأنه لا يؤثر نسب الولد على جنسيته إلا إذا ثبت هذا النسب قبل بلوغه سن الرشد، ويثبت النسب طبقا لأحكام قانون الأحوال الشخصية لأحد الأبوين المعتبر مصدرا للحق في الجنسية كما في حالة كون الأب مجهولا وتبين أنه مغربيا.
كذلك يكتسب الطفل الجنسية المغربية عن طريق ولادته في المغرب والإقامة به إذا كان مولودا من أبوين أجنبيين ولد هما الآخران فيه، بشرط أن تكون له إقامة اعتيادية ومنتظمة بالمغرب أو مولوداً في المغرب من أبوين أجنبيين وله إقامته منتظمة واعتيادية في المغرب وكان الأب قد ولد هو أيضا فيه، غير أن اكتساب الجنسية في هاتين الحالتين لا يكون أطوماتكيا بل يتوقف على تصريح يعبر فيه المعني بالأمر عن اختياره الجنسية المغربية، ما لم يعارض في ذلك وزير العدل طبقا للفصلين 26 و 27 من قانون الجنسية.
- 3 : الحق في التسجيل بالحالة المدنية
تقضي المادة 24 من الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لسنة1966 والمصادق عليه من طرف المغرب، بأن يسجل كل طفل فور ولادته ويكون له إسم، كما أن المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل والتي صادق عليها المغرب تنص على ما يلي :-1- يسجل الطفل بعد ولادته فوراً، ويكون له الحق منذ ولادته في إسم والحق في اكتساب جنسيته….2 – وتكفل الدولة إعمال هذه الحقوق وفقاً لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك المتصلة بهذا الميدان…….
وانسجاماً مع مبادئ هذه الاتفاقيات الدولية، تنص مدونة الأسرة على تثبيت هوية الأطفال والحفاظ عليها، خاصة بالنسبة للتسجيل في الحالة المدنية وللإسم والجنسية. فعندما يكون الأب خاضعا لنظام الحالة المدنية، فإنه يصبح ملزماً بالواجبات الواردة في النصوص المنظمة لهذه المادة، فعلى الأب أن يصرح بولادة كل طفل مولود على فراش الزوجية خلال الأجل القانوني لأنه خارج هذا الأجل لابد من استصدار حكم من المحكمة الإبتدائية المختصة يقضي بتصريح ولادة لم يسبق تسجيلها بدفاتر الحالة المدنية.
ويقوم بالتصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها أقرباء المولود حسب الترتيب التالي :الأب أو الأم؛ وصي الأب ، الأخ، ابن الأخ. يقدم الأخ الشقيق على الأخ للأب، ويقدم هذا الأخير على الأخ للأم، كما يقدم الأكبر سناً على من هو أصغر منه متى كانت له القدرة الكافية على التصريح. وينتقل واجب التصريح من أحد الأشخاص المذكورين في الفقرة أعلاه إلى الذي يليه في المرتبة متى تعذر التصريح من الأول لسبب من الأسباب.ويقوم الوكيل في ذلك مقام موكله.
ويقع التصريح بالولادة داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ وقوعها لدى ضابط الحالة المدنية لمكان الولادة الذي يحرر رسما لهذه الواقعة، وحتى لا يبقى الطفل بدون حالة مدنية، نص المشرع على وجوب التصريح بولادته التي حصلت أثناء سفر بحري أو جوي لدى ضابط الحالة المدنية المغربي الكائن في أول ميناء أو مطار مغربي أو العون الدبلوماسي في جهة الوصول، أو لدى ضابط الحالة المدنية المحل السكني بالمغرب، وذلك خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ الوصول.
ثالثا : حق الطفل في النسب والحضانة والنفقة
تنص مدونة الأسرة على أن للأطفال على أبويهم الحق في النسب والحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة.
- 1 : النسب
يعتبر النسب أول ثمرة من ثمرات الزواج، فالحمل والولادة من النتائج الطبيعية والشرعية للعلاقة الزوجية التي تربط كلا من الزوجين برباط الألفة والمودة والرحمة، وتزداد هذه الرابطة قوة ومتانة بالولد الذي هو ثمرة الزواج.فالنسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف وتعتبر البنوة بالنسبة للأب والأم شرعية إلى أن يثبت العكس.
فالنسب يثبت بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية، ولا ينتفي الولد عن الزوج أو حمل الزوجة منه إلا بحكم قضائي، كما أن النسب يثبت بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من مدونة الأسرة، ولا يثبت النسب بإقرار غير الأب، فعدم تسجيل الولد بدفتر الحالة المدنية لوالده لا ينفي بنوته، كما أن تسجيل مولد بسجلات الحالة المدنية لا يعتبر إقراراً بالبنوة ممن قام به.
ومتى ثبت النسب، ولو في زواج فاسد أو بشبهة أو بالإستلحاق، تترتب عليه جميع نتائج القرابة حيث يمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع وتستحق به نفقة القرابة والإرث. غير أن للحمل مدة أدنى وأقصى ومن خلال توفر شروطها، يمكن أن ينسب المولود إلى أبيه، فكل طفل ولد بعد مضي أقل من مدة الحمل وهي ستة أشهر إبتداء من تاريخ عقد الزواج ينسب إلى الزوج، شريطة أن يكون الاتصال الجنسي بين الزوجين ممكناً خلال هذه المدة.
أما أقصى مدة الحمل، فهي سنة ابتداء من تاريخ الطلاق أو التطليق أوالوفاة، وإذا ثبت وقوع الولادة داخل أجل سنة من تاريخ إحدى الوقائع الثلاث يلحق النسب بالمطلق أو المتوفى غير أنه في حالة إقامة دعوى إثبات النسب فلابد من إثبات تاريخ ولادة المطلوب إلحاقه بنسبه ليعرف ما إذا كان الولد ولد داخل أو خارج المدة المعتبرة شرعاً للحوق النسب.
- 2 : الحضانة
الحضانة هي حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه، فهي تكون للأبوين معاً وتعتبر من واجباتهما ما دامت علاقة الزوجية قائمة، فالقاصر ساكنا مع أبيه الذي يتحمل مسؤولية ما أحدثه من أضرار للغير. غير أن مدونة الأسرة لم تتطرق إلى انفراد الأم بالحضانة أثناء قيام الزوجية بل اكتفت بالقول إن الحضانة تكون للأبوين معا ما دامت الزوجية قائمة مع اعتبار الأسرة تحت رعاية كل من الزوجين. ولكن إذا رجعنا إلى نصوص أخرى وبالأخص القانون الجنائي، نجد أن الأب قد يفقد حضانة أولاده القاصرين ولو كانت الزوجية قائمة.
فالمادة 88 من هذا القانون تقضي بأنه : يتعين على المحكمة أن تحكم بسقوط الولاية الشرعية على الأولاد عندما تصدر حكما من أجل جناية أو جنحة معاقب عليها قانونا بالحبس ارتكبها أحد الأصول على شخص أحد أطفاله القاصرين إذا ثبت لديها وصرحت بمقتضى نص خاص بالحكم أن السلوك العادي للمحكوم عليه يعرض أولاده القاصرين لخطر بدني أو خلقي. وهذا السقوط يمكن أن يشمل جميع حقوق الولاية أو بعضها، كما يسمح أن يكون مقصورا على بعض الأولاد أو على واحد فقط…
وما دام المشرع قد قرر في هذه النصوص إمكانية سقوط السلطة الأبوية، فإنه لا مانع من إسناد الحضانة إلى الأم بعد حرمان الأب من الولاية على أولاده، كما أن مدونة الأسرة نصت على أن تقوم الأم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب، خاصة إذا جرد من ولايته بحكم قضائي .
غير أن حضانة الأولاد لا تظهر بوضوح إلا بعد انفصام الرابطة الزوجية بطلاق أو تطليق حيث تتوزع واجبات الأبوين تجاه أولادهما حسب مسؤولية كل واحد منهما وكذلك حسب ما هو مبين في أحكام الحضانة التي تسند إلى الأم أو الأب أو إلى الجدة أو إلى غيرهم من الأقارب إذا كان ذلك في مصلحة المحضون، فمدونة الأسرة نظمت أحكام الحضانة بعد انتهاء الزوجية في المواد من 165 إلى 186
- 3 : النفقة
من الحقوق التي أثبتتها الشريعة الإسلامية للأولاد على الآباء وكرستها مدونة الأسرة النفقة التي تدخل في إطار نفقة الأقارب، فالأولاد يستفيدون من نفقة الأب ذكورا كانوا أو إناثا، إلى حين بلوغهم سن الرشد، أي مرحلة الاعتماد على النفس غير أنه لا تسقط في كل الأحوال نفقة البنت عن والدها لأن واجب الإنفاق غير محدد من حيث الزمن كما هو الأمر بالنسبة للولد، ويستمر الإنفاق على البنت ولا يسقط إلا إذا أصبح لها مال تنفق منه على نفسها بموجب عمل أو غيره، أو أصبحت نفقتها واجبة على زوجها،
فهذه النفقة تبقى مستمرة حتى تتزوج وحينئذ تسقط عن الأب النفقة المفروضة لها، لأن نفقتها تجب على زوجها بمجرد البناء وكذا إذا دعته للبناء بعد أن يكون قد عقد عليها. غير أنه يجب أن لا يفهم عن وجوب الإنفاق الواقع على الأب استمرارية القصور على البنت مما يقتضي ولاية عليها، وإنما تجب النفقة للبنت الراشدة من والدها وبالتالي لا يحق مثلا لأمها أن تطالب بنفقتها، ما لم تدل بالنيابة الاتفاقية. وإذا تعلق الأمر بأولاد مصابين بإعاقة جسدية أو ذهنية وعاجزين عن الكسب، استمرت نفقتهم على الأب ما داموا في هذه الحالة كيفما كان سنهم.
أما إذا كان الأولاد يطلبون العلم في إحدى المدارس أو الكليات، فإن نفقتهم تجب دائما على الأب إلى أن ينهوا دراستهم، خصوصا إذا أبانوا عن رغبة ونشاط ونتيجة في الدراسة، الأمر الذي دفع بالمشرع إلى تحديد مدة انتهاء النفقة في هذه الحالة في سن الخامسة وعشرين، فتمديد النفقة إلى هذه السن يتيح للطالب النجيب الفرصة لإكمال دراسته في ظروف ملائمة.
وتبقى نفقة الأولاد واجبة على الأب ما عدا إذا عجز كليا أو جزئيا عن الإنفاق حيث تصبح الأم في هذه الحالة ملزمة بالإنفاق عليهم ولكن شريطة أن تكون موسرة ويكون ذلك بمقدار ما عجز عنه الأب. يتضح من مقتضيات المادة 199 من المدونة أن مساهمة الأم الموسرة في النفقة جاءت على سبيل الاحتياط فقط حيث اشترط المشرع أن تكون الأم موسرة، ومفهوم الشرط أنه إذا لم تكن الأم كذلك فهي غير ملزمة بالإنفاق على أولادها من الأب العاجز عن الإنفاق عليهم، ويتجلى أيضا أن وجود الأولاد هو الذي يبرر هذه المساهمة لأنه يحق للزوجة أن تطلب التطليق لعدم الإنفاق عليها .
ويحكم بنفقة الأولاد من تاريخ التوقف عن الأداء وكل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول، تطبق عليه أحكام إهمال الأسرة، أي أن هذا التوقف يشكل جنحة إهمال الأسرة المنصوص على عقوبتها في المواد 479 إلى 483 من القانون الجنائي ويكون ذلك دون حاجة إلى اتباع الإجراءات الخاصة بهذه الجنحة في الحالات الأخرى من إنذار أو صدور حكم بالنفقة.
رابعا : حق الطفل في الرضاعة
كنتيجة طبيعية للولادة والأمومة اهتمت المواثيق الدولية والقوانين الوطنية بالرضاعة وكفلت جميعها للطفل الحق فيها منذ ولادته حيا حتى نمو جسمه بانتهاء مدة الرضاعة وحلول وقت الفطام. وفي هذا الصدد، تنص المادة الخامسة من الإتفاقية الدولية رقم 103 بشأن حماية الأمومة تنص على أنه : « يكون للمرأة التي ترضع طفلها الحق في الإنقطاع عن عملها لهذا الغرض في الوقت أو الأوقات التي تحددها القوانين واللوائح القومية وأن تحسب فترات الإنقطاع عن العمل للإرضاع كساعات عمل وتدفع عنها الأجور طبقا لما تقرره القوانين أو اللوائح القومية، وفي الحالات التي يكون فيها الأمر محكوما بالإتفاقيات الجماعية يحدد الموقف طبقا لما تقضي به هذه الإتفاقيات».
فعلى غرار هذه الإتفاقية، أجاز المشرع المغربي للأمهات العاملات في القطاع البنكي وفي المؤسسات الصناعية والتجارية والمهن الحرة وكذلك للمستخدمات في القطاع الفلاحي أن يرضعن أولادهن مع الترخيص لهن مدة ساعة كل يوم لذلك الغرض خارجة عن أوقات الاستراحة المعتادة.
ولا يمكن أيضا اللجوء إلى الإكراه البدني إذا كان المدين امرأة مرضعة، وذلك في حدود سنتين ابتداء من تاريخ الولادة وهو نفس الأمر الذي أكدته المادة 78 من مدونة تحصيل الديون العمومية. كذلك يمكن للأم الموظفة أن تتوقف عن العمل مؤقتا بطلب منها إذا كان ذلك لتربية ولد يقل سنه عن خمس سنوات أو يكون مصابا بعاهة تتطلب معالجات مستمرة طبقا الفصل 59 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
وقد اعتبرت المدونة الرضاعة سببا يخول الحق في الإرث عندما قضت بأن المولود يرث إذا تحققت حياته برضاعة، كما أن نفس المدونة تنص على إرضاع الأم أولادها عند الإستطاعة، أي متى استطاعت أن تقوم به رعاية المصلحة الرضيع. وفي هذا الصدد، أخذت مدونة الأسرة بعين الاعتبار حالات العجز عن الإرضاع أو ضعف الحالة الصحية للأم لأنها جعلت الزامية الإرضاع مرتبطة بالإستطاعة. وطبقا للقواعد العامة، يستمر الرضاع طيلة العامين الأولين من حياة الرضيع.
خامسا : حق الطفل في الحماية الجسدية والنفسية
نصت مدونة الأسرة على حقوق الأطفال تجاه أبويهم في اتخاذ التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية، وكذلك العناية بصحتهم وقاية وعلاجا، إضافة إلى التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الأطفال. يتجلى أن كل هذه المقتضيات فرضتها طبيعة المرحلة التي يمر منها الكثير من الدول لنبذ العنف واستغلال الأطفال استغلالا يضر بهم وبمستقبلهم.
غير أن مدونة الأسرة قد أغفلت مسألة الزواج المختلط ، خاصة زواج المواطن المغربي من امرأة كتابية نظرا لما لهذا الزواج من تأثير مباشر على تربية الأولاد وتوجيههم الديني، ما دامت الأم الكتابية اكتسبت المسؤولية التربوية بقوة القانون طبقا لما تنص عليه المادة 4 من مدونة الأسرة، كما أنها اكتسبت حق الولاية على أولادها المسلمين بقوة القانون.
سادسا : حق الطفل في التعليم والتكوين
يتناول هذا الحق عددا كبيرا من الجوانب الهامة في حياة الطفل، وحق هذا الأخير في التعليم يعني أساسا فتح كل الآفاق العلمية أمام الطفل لينهل منها ما يتلائم مع قدراته الذهنية وفي حدود الإطارات المنهجية التي تضعها الدولة.
فمن اللازم أن يكون للطفل مقعد في المدرسة حتى لا يضطر للخروج مبكرا إلى سوق العمل أو إلى الشارع لتتلقفه مخاطر الانحراف والتشرد. فمدونة الأسرة جاءت لتكرس كل هذه المبادىء عندما نصت على حق الأطفال في التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني، وتعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون وتسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ الأحكام السالفة الذكر .