المجال الأسريقانونيات

شروط إيقاع الطلاق

لكي يحصل الطلاق صحيحا مرتبا لآثاره فإنه يتعين توافر بعض الشروط منها ما يتصل بالزوج، ومنها ما يتصل بالزوجة، ومنها ما يتصل بالصيغة.

المطلب الأول : الشروط الخاصة بالزوج

1) يجب أن يكون الزوج عاقلا:

الطلاق من الأمور الهامة والخطيرة، لذلك فإيقاعه يحتاج إلى إدراك تام، والعقل أداة التفكير ومناط التمييز والتكليف ومن ثم لا يقع طلاق المجنون ومن على شاكلته كالمعتوه. ولايقع طلاق السكران والغضبان،

أولا // المجنون والمعتوه: لا يعتد بالطلاق الصادر من مصاب بمرض عقلي، لأن العقل هو أداة التفكير وأساس التكليف، ولا يتحقق ذلك في المجنون، وسواء كان الجنون كليا أو جزئيا، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون ولقوله عليه الصلاة والسلام أيضا: “رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يعقل”.وكذلك الشأن بالنسبة للمعتوه وهو شخص فاسد التدبير لقوله صلى الله عليه وسلم: “كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله” .

ثانيا // طلاق السكران: السكران هو الشخص الذي تناول الخمر أو مواد مسكرة أخرى تذهب بعقله حتى أصبح يهذي ولا يعي بعد إفاقته ما وقع منه حال سكره. وقد اختلف الفقهاء حول طلاق السكران، فذهب فريق منهم إلى القول بوقوع طلاقه متى سعى مختارا إلى تناول المخدر أو الخمر الذي ذهب بإدراكه وتمييزه، لأنه بمخالفته لأوامر الله تعالى يتحمل مسؤولية ماصدر منه من تصرفات حال سكره، ويقع طلاقه صحيحا عقابا له وذهب فريق آخر إلى القول بأن طلاقه لا يقع لأن صحة التصرفات تقوم على القصد والإرادة الصحيحة، والسكران لا إرادة له، فلا يعتد بالعبارة التي تصدر منه. وكذلك لا يقع طلاق السكران إذا كان السكر بوسيلة غير محرمة كمن شرب الخمر للضرورة أو تحت ضغط الإكراه.

ومدونة الأسرة نصت في المادة 90 على أنه: “لا يقبل طلب الإذن بطلاق السكران الطافح والمكره وكذا الغضبان إذا كان مطبقا” والمقصود بالسكران الطافح الذي يفقد التمييز والإدراك. ويفهم من ذلك بمفهوم المخالفة أن السكر إذا كان خفيفا وكان الشخص الذي تناول المواد المسكرة لا زال يحتفظ ببعض وعيه ونتائج أفعاله وتصرفاته كان طلاقه نافذا.

ثالثا // طلاق الغضبان والمغلق: لقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق في إغلاق» والمقصود بالإغلاق أن يقفل الإنسان باب الإدراك وأن يسد عليه طريق الوعي. فكل حالة يكون فيها المطلق لا يدري ما يقول ويفعل، أو يغلب عليه الاضطراب في أقواله وأفعاله الغضب أو شدة حزن… فلا يقع طلاقه. وبالنسبة لمدونة الأسرة، فإنها قررت في المادة 90 بأن طلاق الغضبان لا يقع إذا كان طلاقه مطبقا، أي شديدا بحيث أن الغضب ذهب بعقل صاحبه وأخرجه عن عادته وطبيعته وجعله لا يقصد ما يقول فيكون في هذه الحالة كالمجنون. ومن زال عقله بسكر، وهي نفس المقتضيات التي كانت موجودة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة طبقا للفصل 49.

2) يجب أن يكون المطلق مختارا :

يشترط أيضا في الرجل الذي يقدم على طلاق زوجته بأن يكون متمتعا باختيار تام غيرمكره ولا هازل.

أولا // طلاق المكره: يذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره لا يقع تطبيقا لقول الله تعالى “إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ”(سورة النحل الآية 106) ،وقول الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” ، ومن ثم فالزوج إذا أكره على التلفظ بالطلاق فإن طلاقه غير معتبر. ويذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن طلاق المكره واقع لأن الإكراه يزيل الرضا، ولكنه لا يزيل الاختيار بين أمرين فمتى أوقع الطلاق ولو تحت سلطان الإكراه كان مختارا فيقع منه. والمعمول به وفقا لنصوص المدونة هو الرأي الأول الذي يرى بأن طلاق المكره غير واقع طبقا للمادة 90.

ثانيا // طلاق الهازل: طلاق الهازل واقع عند المالكية والشافعية والأحناف تطبيقا للحديث النبوي والذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق الرجعة” . فالهازل هو الذي يقول اللفظ ولا يقصد منه إلا اللعب واللهو والمزاح دون نية تحقيق ما تلفظ به، وقد اعتبر طلاق الهازل واقعا عند الجمهور حتى لا يتخذ الناس ذلك ذريعة للهو بأحكام الشريعة وتطبيقا لقوله تعالى “وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا” (سورة البقرة الآية 231).

ويذهب بعض الفقهاء إلى القول بعدم وقوع طلاق الهازل لأن اللفظ الصريح يفتقر إلى النية والهازل لا نية له. ومدونة الأحوال الشخصية الملغاة وكذلك مدونة الأسرة الجديدة لم تورد نصا في الموضوع، ولذلك يمكن القول بأن الطلاق الصادر من الهازل واقع لأن الطلاق مثل الزواج يستوي فيه الجد والهزل تطبيقا للحديث السابق.

ثالثا // طلاق المريض مرض الموت: إذا طلق الزوج المريض مرض الموت بقصد حرمان مطلقته من الميراث ومات في مرضه هذا، فقد اختلف الفقهاء في ميراث هذه الزوجة. فذهب الحنيفة إلى أن الزوجة ترث ما دامت في العدة ولو كان الطلاق بائنا خلافا للأصل . أما الإمام مالك فذهب إلى القول بأن حق الزوجة في الإرث قائم لا ينقطع ولو تزوجت قبل موته، لأن قصده حرمانها من الميراث فيرد عليه قصده بتوريثها كما لم يطلقها. وذهب الشافعية في رواية والظاهرية وكذلك الحنابلة إلى أنها ترث حتى ولو مات وهي في العدة، وأمام عدم وجود نص في مدونة الأسرة فإنه تطبيقا للمادة 400 يتعين توريث الزوجة التي طلقها زوجها في مرض الموت.

المطلب الثاني : الشروط المتصلة بالزوجة المطلقة

يشترط في الزوجة المطلقة أن تكون زوجة للمطلق حقيقة أو حكما، ويقصد بكونها زوجة للمطلق حقيقة بأن تكون الزوجية مستندة إلى عقد زواج صحيح قائم بالفعل سواء وقع الدخول أو لم يقع، أما الزوجية القائمة حكما، فيمثل لها بالمعتدة من طلاق رجعي حيث تكون الزوجية في حكم القائمة طالما أن العدة لم تنته، لأن الطلاق الرجعي لا ينهي الرابطة الزوجية كما هو معلوم، وهكذا ينص الفصل 45 من المدونة الملغاة على أن “محل الطلاق المرأة في نكاح صحيح أو المعدة من طلاق رجعي ولا يصح الطلاق على غيرهما ولو معلقا”.

ولا تكون محلا للطلاق:

  1. المرأة الأجنبية: أي تلك التي لا تعتبر زوجة، إذ لا يتصور أن يقع طلاق عليها إذ لا طلاق إلا بعد زواج، وبهذا نصت المدونة الملغاة، ولو صدر الطلاق معلقا على شرط التزويج بها مستقبلا (الفصل (45).
  2. المطلقة قبل الدخول والخولة: حيث يعتبر طلاقها بائنا ولا عدة لها فتصبح أجنبية بمجرد طلاقها.
  3. المعتدة من طلاق بائن بينونة كبرى.
  4. المرأة التي تزوجها الرجل بعقد فاسد.

أما مدونة الأسرة لسنة 2004 فلم تشر للموضوع ومن ثم فإن الطلاق الذي يقع على المرأة وهي في عدة من طلاق رجعي تحسب عادة في عدد الطلقات الثلاث التي يملكها الزوج على زوجته من الناحية الشرعية اعتمادا على أحكام الفقه المالكي التي تحيل عليها المادة 400 من مدونة الأسرة كما يرى بعض الفقه.

المطلب الثالث : الشروط المتعلقة بالصيغة

تتعلق بالصيغة في الطلاق أحكام وشروط مختلفة. فوفقا لنصوص مدونة الأسرة فالطلاق قد يقع بالقول أو الكتابة أو الإشارة. واختلف الفقه في بعض الصيغ الخاصة بالطلاق كالمعلق والحلف بالحرام أو اليمين والطلاق الثلاث في لفظ واحد، وهذا ما نشير إليه بإيجاز مع بيان موقف المدونة، حيث تطرقت إلى صيغ الطلاق في المواد: 73-91-92-93.

1) التعبير عن الطلاق :

ينص الفصل 46 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة على أنه: “يقع الطلاق باللفظ المفهم له وبالكتابة ويقع من العاجز عنهما بإشارته المعلومة” ، ونصت مدونة الأسرة الحالية في المادة 73 على أنه “يقع التعبير عن الطلاق باللفظ المفهم له، وبالكتابة، ويقع من العاجز عنهما بإشارته الدالة على قصده”، فاللفظ الذي يحصل به الطلاق نوعان صريح وكناية

  • اللفظ الصريح: هو الدال على حل الرابطة الزوجية، كأن يقول الرجل لزوجته: أنت طالق أو مطلقة.
  • الكناية: ويكون اللفظ غير دال صراحة على إرادة الطلاق. فاللفظ المستعمل يحتمل الطلاق وغيره، كأن يقول لها: اذهبي إلى اهلك أو أن أمرك بيدك، أو ما شابه ذلك من الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره… وذهب الحنيفة إلى القول بأن هذه الألفاظ يقع بها الطلاق إذا نوى بها الزوج الطلاق.

أما المالكية والشافعية والحنابلة فقد اعتبروا النية هي الأساس في بيان المقصود من الألفاظ… فإذا كان القصد هو الطلاق وقع وإذا لم يكن الأمر كذلك لم يقع.

وتقوم الكتابة مقام اللفظ في وقوع الطلاق متى كانت ظاهرة ومستبينة، أما الإشارة فلا يقع بها الطلاق إلا من الأخرس، فإن كان يعرف الكتابة فإنه يجب عليه أن يعبر عن الطلاق بواسطتها، وإن كان عاجزا عنها فتكفيه إشارته المعهودة الدالة على أن مراده هو الطلاق وليس شيئا آخر، وهذا ما نصت عليه المادة 73 من مدونة الأسرة وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه.

2) الطلاق المعلق على شرط:

الطلاق يقع منجزا ويرتب آثاره القانونية في الحال، كانت طالق أو طلقتك. أما الطلاق المعلق فيقصد به الطلاق الذي يتوقف وقوعه على تحقق أمر في المستقبل قد يحدث أو لا يحدث، كأن يقول لزوجته مثلا أنت طالق إذا كلمت فلان، أو أنت طالق إذا صافحت فلان.

ذهب الجمهور بما فيهم الأئمة الأربعة إلى أن الطلاق المعلق على شرط ينتج أثره متى تحقق الشرط، وهو يعد كأن لم يكن في حالة تخلفه،والواقعة التي يقيد بها الطلاق قد تكون إرادية أو غير إرادية. ومثال الطلاق المعلق على شطر إرادي كان يقول لها إذا لم ترافقيني عند السفر إلى مقر عملي الجديد فأنت طالق. ومثال الطلاق المعلق على شرط غير إرادي كان يقول لها إذا لم يفز فريق فلان على فريق فلان في مبارة كرة القدم فأنت طالق… فالطلاق واقع بتحقق الشرط المعلق. وبخلاف هذا الرأي ذهب الظاهرية إلى أن الطلاق المعلق إذا وجد المعلق عليه لا يقع أصلا ولا يعتد به إطلاقا ويعتبر عندهم من قبيل اللغو الذي لا قيمة له.

وقد أخذ المشرع المغربي برأي الظاهرية جزئيا عندما نص في الفصل 52 من المدونة الملغاة على أن: “الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع”. ومقتضيات هذا الفصل تقتضي التمييز بين الشرط الإرادي أو الاختياري الذي هو فعل شيء أو تركه بحيث لا يقع بمقتضاه الطلاق إذا علق عليه، والشرط غير الإرادي الذي يتحقق بمقتضاه الطلاق عند وقوعه. وقد نصت مدونة الأسرة كذلك في المادة 93 على أن: “الطلاق المعلق على فعل شيء أوتركه لا يقع” .

3) الحلف باليمين أو الحرام:

شاع في المجتمع الحلف باليمين او بالحرام، كأن يقول الزوج مثلا زوجتي حرام علي إذا لم ادفع لك الدين في نهاية هذا الشهر، أو أن يقول الرجل لآخر زوجتي طالق إذا لم أحضر عندك غدا، وقد اتفق جمهور الفقهاء من المذاهب السنية الأربعة على وقوع الطلاق فور تحقق الأمر الذي علق عليه نفاذ اليمين.

وذهب بعض الشيعة الجعفرية والظاهرية إلى أن هذا الطلاق غير واقع بناء على الحلف به، وهو لغو في القول فقط، وذلك استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا لايحلف إلا بالله».فالحلف بالطلاق ليس حلفا بل معصية. وقد أخذ المشرع المغربي بهذا الرأي الأخير حين نصت المدونة في المادة 91 وهي نفس المقتضيات التي كانت واردة في الفصل 50 من المدونة الملغاة على أن “الحلف باليمين أو الحرام لا يقع به الطلاق”.

4) الطلاق الثلاث في لفظ واحد:

ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة، ومن قبلهم جمع كبير من فقهاء التابعين وعلماء المسلمين أن الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع ثلاثا عملا بما كان عليه العمل في عهد عمربن الخطاب رضي الله عنه.

غير ان الظاهرية والشيعة الزيدية ذهبوا إلى القول بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة رجعية وبهذا الرأي أخذت المدونة في المادة 92 وهي نفس المقتضيات التي تضمنتها المدونة الملغاة في الفصل 51 وبذلك تكون المدونة بهذا الرأي قد خالفت الراجع من مذهب الإمام مالك. ويرى بعض الفقه بأن المدونة أخذت بما هو أنسب في هذا النص الذي ضعف فيه الوازع الديني وتساهل الناس في أمر الطلاق، وحيثما كانت المصلحة فتم شرع الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى