أولا: منع التعدد
نصت المادة 40 من مدونة الأسرة على ما يلي: “يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها” . يتضح من خلال هذه المادة نقطتين أساسيتين في نية المشرع من منع ظاهرة التعدد وهما :ربط منع التعدد بعدم العدل بين الزوجات، وربط المنع بوجود شرط من الزوجة :
بخصوص النقطة الأولى المتمثلة بربط المشرع منع التعدد بالخوف من العدل بين الزوجات يتبين أن المشرع استعمل كلمة فضفاضة “خوف” وهو مصطلح غريب عن المجال القانوني لارتباطها بعنصر نفسي وحتى إن كان التعبير مجازيا. فالخوف من المجهول لا يمكن للقاضي أن يعلمه لأنه من الأمور المستقبلية، فالقاضي مطالب باستنتاج ما هو ظاهر كان يكون الزوج مهملا لأسرته أو لا ينفق عليها أو ليس له دخل قار.
والعدل المطلوب الذي بينته الشريعة الإسلامية هو العدل في المعاملة، والنفقة والمعاشرة، وزيارة الزوجة لأهلها واستزارتهم بالمعروف، فالله سبحانه وصى خيرا بالوالدين مصداقا لقوله تعالى “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًاوَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا”(سورة الاحقاف الآية 15)، أما العدل في مشاعر القلوب، وأحاسيس النفوس، فلا يُطالب به لأنه خارج عن إرادته، ولا تكليف فوق المستطاع. إذن فالعدل المطلوب هو ما يملكه الإنسان في الأمور الظاهرة، فلا يُحابي واحدة على حساب الأخرى، أو يُعطيها دون أخرى، أو يسافر بها دون أخرى.
والملاحظة الثانية التي نصت عليها المادة 40 أنها مكنت المرأة من حق اشتراطها بعدم التزوج بها حتى ولو كان هناك مبرر موضوعي واستثنائي، ويستطيع الإنفاق على زوجته ويمكن العدل بينهما، فالمشرع لم يربط هذا الشرط بشيء ما، بل جاء حاسما، وهو مايتماشى مع قاعدة أن المسلمين على شروطهم. ونتيجة لذلك، فالزوج لا يستطيع حتى تقديم طلب الإذن بذلك من المحكمة كما تقرر ذلك المادة 42 في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد يقدم الراغب فيه طلب الإذن بذلك. إلى المحكمة، وفي حالة تأكد شرط عدم الزواج – أي عدم التعدد – فيجب على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الطلب.
لكن هل المنع بواسطة اشتراط الزوجة جائزة شرعا ؟ إن جواز هذه المسألة سيفتح بكل التأكيد باب الولوج إلى الطلاق على مصراعيه كحل لتراجع المرأة عن شرطها لتقبل بالأمر الواقع لأن المسألة لا تتعلق بعمل تجاري بل علاقة بنفس الإنسان و بميولاته بغرائزه بعاطفته… ومن جهة فإن الفقهاء المسلمون يرون أن هذا الشرط لا يمنع من زواج بامرأة أخرى ولايبطل زواجه بالزوجة الجديدة، لأن هذا المنع هو تحريم حلال أحله الله.
ثانيا : عدم الإذن بالتعدد
نصت المادة 41 من المدونة على أنه لا تأذن المحكمة بالتعدد- إذا لم يثبت لها المبرر الموضوعي الاستثنائي. إذا لم تكن لطالبه الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة. ويتبين أن هذه المادة معطوفة على المادة السابقة فيما يخص العدل بين الزوجات فالقاضي لن يأذن بالتعدد إذا ثبت له بأن الراغب في التعدد لا يملك موارد تغطي المطالب المعيشية لأسرتين أو أكثر. كما يستوجب إثبات المبرر الموضوعي والاستثنائي للإذن بالتعدد، والراغب في التعدد هو الملزم بإثبات ذلك، ويخضع تقدير هذا المبرر للقاضي ومن بين هذه التفسيرات: حالة مرض الزوجة مرضا لا علاج له، وكذا عقم الزوجة الذي مضى عليه أكثر من ثلاث سنوات.
ومما تجب الإشارة إليه وبما أن المشرع قد أشار إلى المبرر الموضوعي، ومن ثمة يجب استبعاد كل مبرر ذي طابع شخصي، كالمحبة القلبية والجوانب الإنسانية كالتعدد بسبب أن المرأة المراد التزوج بها لا معيل لها أو لأنها تعاني مصاعب صحية، أو لأن لها أولادا تحتاج إلى من يكلفهم ماديا ومعنويا.
بالإضافة إلى المبرر الموضوعي والاستثنائي يجب على الراغب في التعدد أن يبين وضعيته المادية كشهادة الأجر مثلا إذا كان موظف والوضع الضريبي إذا كان تاجرا من أجل معرفة الموارد الكافية لإعالة الأسرتين وضمان جميع الحقوق من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة. وسواء قبلت المحكمة المبرر الموضوعي والاستثنائي المدعى به أو رفضته، فيجب عليها أن تعلل موقفها سواء بالقبول أو الرفض.
ثالثا : إجراءات مسطرة التعدد.
الفقرة الأولى// طلب الإذن بالتعدد:
في حالة عدم وجود شرط الامتناع عن التعدد، يقدم الراغب في الزواج طلب الإذن بذلك إلى المحكمة، ويجب أن يتضمن وجوبا الطلب بيان الأسباب الموضوعية الاستثنائية المبررة له، وأن يكون مرفقا بإقرار عن وضعيته المادية ، وتبقى في كل ذلك السلطة التقديرية لمدى اقتناع القاضي بالإذن من عدمه.
بعدما تتوصل المحكمة بطلب الإذن من الراغب في الزواج تعمل على اتخاذ الإجراءات لاستدعاء الزوجة المراد التزوج عليها للحضور، فإذا توصلت شخصيا ولم تحضر أو امتنعت من تسلم الاستدعاء، توجه إليها المحكمة عن طريق عون كتابة الضبط إنذار تشعرها فيه بأنها إذا لم تحضر في الجلسة المحددة تاريخها في الإنذار سيبت في طلب الزوج في غيابها. كما يمكن البت في الطلب في غيبة الزوجة المراد التزوج عليها إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه.و إذا كان سبب عدم توصل الزوجة بالاستدعاء ناتجا عن تقديم الزوج بسوء نية العنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة، تطبق على الزوج العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي وذلك بطلب من الزوجة المتضررة.
الفقرة الثانية // مأل طلب الإذن بالتعدد:
1) محاولة التوفيق بين الزوجين :
تجري المناقشة في غرفة المشورة بحضور الطرفين، ويستمع إليهما لمحاولة التوفيق والإصلاح، بعد استقصاء الوقائع وتقديم البيانات المطلوبة. وللمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، إذا ثبت لها مبرره الموضوعي الاستثنائي، وتوفرت شروطه الشرعية، مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالهما.
نستنتج من خلال المادة 44 من المدونة على أن المحكمة ملزمة بإجراء مقابلة بين الزوجين ( الزوج والزوجة الأولى في جلسة سرية بعيدا عن الحضور تسمى بغرفة المشورة الهدف منها معرفة موقفهما من طلب الإذن بالتعدد) ، كما أن هذه المقابلة هي في جوهرها محاولة إصلاح بين الطرفين ومحاولة التوفيق بينهما.وكيفما كان نتيجة محاولة التوفيق بين الزوجين، فيجب على المحكمة إذا أذنت بالتعدد أن يكون قرارها معللا وباقتناعها بتوفر المبرر الموضوعي والاستثنائي والقدرة على إعالة أسرتين، مع تنبيهه بمراعاة مصالح الزوجة الأولى ولأبنائها كتخصيصهم بسكن غير ذلك. ويعتبر القرار المعلل بالإذن بالتعدد غير قابل لأي طعن، وبمفهوم المخالفة، فإن عدم الإذن بالتعدد يقبل الطعن أمام محكمة الاستئناف وقرار هذا الأخير يقبل الطعن بالنقض.
2) تعذر استمرار العلاقة الزوجية :
إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات تعذر استمرار العلاقة الزوجية، وأصرت الزوجة المراد التزوج عليها على المطالبة بالتطليق، حددت المحكمة مبلغا لاستيفاء كافة حقوق الزوجة وأولادهما الملزم الزوج بالإنفاق عليهم. ويجب على الزوج إيداع المبلغ المحدد داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام. تصدر المحكمة بمجرد الإيداع حكما بالتطليق ويكون هذا الحكم غير قابل لأي طعن في جزئه القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية. ويعتبر عدم إيداع المبلغ المذكور داخل الأجل المحدد تراجعا عن طلب الإذن بالتعدد، فإذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 بعده.
وما يمكن أن تسجل على هذه المادة 45 من المدونة خاصة في فقرتها الأخيرة أن المشرع وقع في خطأ سهوا ( سبة قانونية) عندما نص على أنه في حالة ما إذا تمسك الزوج بالإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة، ولم تطلب التطليق في هذه الحالة تطبق المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها من المواد 94 إلى 97 من المدونة. فالتنصيص على أن المحكمة تطبق تلقائيا مسطرة التطليق للشقاق يضرب قاعدة جوهرية من النظام العام الإجرائي تقضي بأن المحكمة لا يمكن أن تحكم مطلقا، إلا بما طلب منها، كما أنها تتنافى مع حرية التقاضي مادامت الزوجة لم تطلب التطليق.
وهذا ما جعل أغلب الفقه المغربي يعتبر أن ما وقع فيه المشرع في فقرته الأخيرة بدعة قانونية، فالزوجة رغم أنها لم توافق على التعدد وعدم موافقتها يصطدم بإصرار الزوج، فهذا لا يعني انتهاء السيل، لأن الأساس هو الإبقاء على عرى الزوجية بعيدا عن اية مساهمة للقضاء في انحلالها.
3) إشعار الزوجة الثانية ورضاها :
في حالة الإذن بالتعدد، لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك. ويضمن هذا الإشعار والتعبير عن الرضى في محضر رسمي.
وقد أحسن المشرع في المادة 46 من المدونة عندما قرر إشعار الزوجة الثانية من طرف القاضي بأن مريد الزواج منها متزوج بغيرها وأنها راضية بهذا الوضع تفاديا لأي تحايل أو تدليس، أو رجوع من طرفها ، ويضمن هذا الإشعار في محضر رسمي.