تنقسم الأنظمة القضائية الجنائية عادة إلى نظام اتهامي ونظام تفتيشي. وكانت الدول التي تنهج النظام الاتهامي تنيط بالمتضرر نفسه حق إقامة الدعوى العمومية أمام القضاء. وأما الأنظمة التي تعتمد النظام التفتيشي، فإنها تنيط هذه المهمة بأجهزة الدولة نفسها.
ولا يبدو أنه يوجد الآن في العالم نظام قضائي اختار سلوك النظام الاتهامي بكامل الصرامة أو النظام التفتيشي بكامل الدقة، وإنما نجد القوانين الإجرائية تدمج بعض قواعد النظام التفتيشي في صلب نظامها الاتهامي.
وبالمقابل فإن القوانين الأخرى التي اختارت الأسلوب التفتيشي تطعمه بكثير من قواعد النظام الاتهامي.ورغم أن المشرع المغربي جعل الاختصاص في ممارسة الدعوى العمومية وإقامتها من أهم صلاحيات قضاء النيابة العامة وبعض الموظفين، فإنه فتح نافذة للمتضرر ليستعمل سلطة إقامة الدعوى العمومية. وحق المتضرر في إقامة الدعوى العمومية – من الناحية المبدئية – هو حق عام وشامل لكافة الجرائم – إلا ما استثناه القانون . ولكن المتضرر لا يملك سوى حق إقامة الدعوى العمومية دون ممارستها.
وقد جاء في قرار لمحكمة النقض بأن حق المتضرر في إقامة الدعوى العمومية ينحصر أثره في تحريك هذه الدعوى ووضعها بالمحكمة، في حين أن النيابة العامة تملك سلطة مباشرتها، ويبقى للمتضرر حق الادعاء المدني فقط .ويشترط القانون أن يكون المتضرر قد تعرض شخصياً الضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت في الجريمة مباشرة.
ويتعين على المتضرر أن يتقدم بشكايته إما إلى قاضي التحقيق أو إلى هيئة الحكم، وأن يدعمها بأسباب كافية، ويضمنها عرضا للأفعال المكونة للجريمة، ومبلغ التعويض المطلوب والأسباب المبررة للطلب. ويتعين عليه كذلك أن ينصب نفسه مطالباً بالحق المدني حتى يتم قبول شكايته وأن يختار موطنا بدائرة المحكمة المرفوع إليها الطلب إذا كان يقيم خارج نفوذها . وفي حالة عدم تعيين الموطن المختار لا يمكنه أن يحتج بعدم تبليغه الإجراءات. كما يتعين عليه أن يودع بكتابة الضبط المبلغ الذي يفترض أنه ضروري لمصاريف الدعوى داخل الأجل الذي يحدده له قاضي التحقيق أو المحكمة.
وإذا تعلق الأمر بالمطالبة بالتعويض أمام هيئة الحكم، فيشترط أن يودع المطالب بالحق المدني لزوما قبل الجلسة بكتابة الضبط، أو أثناء الجلسة بين يدي الرئيس،مذكرة مرفقة بوصل أداء الرسم القضائي الجزافي .وإذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف عمومي أو قاض أو عون تابع للسلطة أو للقوة العمومية وتبين احتمال قيام مسؤولية الدولة عن أعمال تابعها، فإنه يتعين على قاضي التحقيق أو على المحكمة أن يشعر بإقامتها الوكيل القضائي للمملكة وفقا للشكل المنصوص عليه في الفصول من 37 إلى 39 من قانون المسطرة المدنية.
ولا يمكن للمتضرر من الجريمة إقامة الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المدني في مواجهة حدث ، ولكنه يمكن أن ينضم إلى الدعوى العمومية التي تقيمها النيابة العامة ويطالب بالحق المدني في مواجهة الحدث بإدخال المسؤول عنه مدنيا.
كما لا يمكن للجمعيات إقامة الدعوى العمومية نيابة عن المتضرر، ولكن يحق لها الانضمام كطرف مدني للدعوى العمومية التي يقيمها المتضرر أو النيابة العامة . وحسب المادة السابعة من قانون المسطرة الجنائية فإن الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، والتي تأسست بصفة قانونية قبل ارتكاب الجريمة منذ أربع سنوات على الأقل، يمكنها أن تنتصب طرفا مدنيا بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي، وذلك إذا كانت الدعوى العمومية قد تمت إقامتها من طرف النيابة العامة أو الطرف المدني.
ورغم أن النص لا يتحدث عن حق الجمعيات في مثل هذا التدخل إذا كانت الدعوى العمومية قد أقيمت من طرف جهة أخرى يخولها القانون هذا الحق، فنرى أنه لا مانع من قبول انتصاب الجمعية، لأن الغاية التي توخاها المشرع كانت هي عدم فسح المجال للجمعيات لتحريك الدعوى العمومية عن طريق الاستدعاء المباشر، وليس حرمانها من التدخل كطرف مدني متى كانت الدعوى العمومية قد تمت إقامتها من طرف جهة أخرى مختصة.
اذا اعتبرنا ان ممارسة الدعوى العموميى تكون عن طريق تقديم ملتمسات والترافع امام المحكمة، فهل يمكن القول ان الطرف المتضرر الذي انصب نفسه كطرف مدني يمارس ايضا الدعوى العمومية وذلك طبقا لمقتضيات المادة 94 من قانون المسطرة الجنائية حيث نصت على انه يمكن للطرف المدني أن يتقدم بطلباته بعد فتح تحقيق وفي أي مرحلة من مراحل وكيف ما نوع الجريمة؟ وذلك بعيدا عن الاجتهادات الفقهية التي تقول ان الطرف المتضرر لا يمارس الدعوى العمومية بل ذلك فقط حصر على النيابة ؟