أركان جريمة تكوين العصابات المسلحة
لقد اهتم المشرع الجنائي اهتماما خاصا بتجريم التشكيل العصابي كجريمة مستقلة في بعض نصوصه خاصة في جرائم أمن الدولة نظرا لخطورة المصالح المتعلقة بها، والتي يمكن تعريضها للخطر نتيجة لهذه التشكيلات . فلقد تم معالجة هذا النوع من الجرائم في فرنسا عن طريق تخصيص قواعد قانونية خاصة لمواجهة هذا النوع من الإجرام المنظم حماية لأمن الدولة الداخلي، حيث كانت الحكومة الفرنسية ترى أن هناك ارتباطا بين كلا النوعين من أنواع الجريمة تستوجب خضوعها لذات الأحكام.
وعليه فحماية شخصية الدولة من الإعتداء عليها ما هي إلا حماية لمصلحة الجماعة، والدولة مجسدة في سلطة الحكم، فيجب حماية أمنها بتجريم الأفعال التي تمثل اعتداء على أمنها، إلا أن جرائم أمن الدولة بصفة عامة أصبحت تمثل اعتداء على المصالح الأساسية للدولة ومؤسساتها ووحدتها وسلامتها، وبالتالي فإن التشكيل العصابي يمثل اعتداء على تلك المصالح الوطنية ككل.
لقد اعتبر المشرع المغربي جريمة تكوين عصابة مسلحة من الجرائم الماسة بسلامة الدولة الداخلية وأمنها : فجرمها وعاقب عليها ضمن الفرع الثالث من الباب الأول من الجزء الأول من الكتاب الثالث تحت مسمى ( ( في الجنايات والجنح ضد سلامة الدولة الداخلية )) من الفصول 201 إلى 207. غير أنه باستقراء لهذه الفصول نجد أن المشرع المغربي لم يفرد العصابة المسلحة، وإنما نص عليها في الفصل 203 من القانون الجنائي بتعداد منه لمجموعة من الأفعال الإجرامية التي أدخلها في زمرتها وإن اختلفت صورها وأشكال بحسب الأهداف المنشودة منها سواء أكانت بقصد إثارة فتنة قومية أو حرب أهلية أو كانت في صورة تمرد عسكري أو كان الهدف منها إشعال فتيل الثورة.
أولا/ الركن المادي:
فمن خلال ما سبق بيانه يمكن أن نلمس الركن القانوني لجرائم تكوين العصابات المسلحة في النموذج الإجرامي الذي يقتضي هذا الفعل. لذلك ومن أجل أن يكتمل هذا الركن؛ فإن المشرع المغربي اشترط شرطين، يتمثل أحدهما في مصلحة عامة تقتضي الحماية التشريعية.
وثانيهما يتمثل في حصر هذا الركن فيما نص عليه القانون على سبيل الحصر، وذلك لتمييزها عن باقي الجرائم المشابهة لها . فالمصلحة التي يحميها المشرع الجنائي من الإعتداء في هذه الجريمة إنما تقوم على توفير الأمن داخل الدولة، بهدف الحيلولة دون حدوث نزاعات طائفية مسلحة من شأنها تهديد سلامة الدولة وأمنها . أما فيما يخص الشرط الثاني – أي وجوب الأخذ بالركن القانوني في جريمة تكوين العصابات المسلحة على سبيل الحصر – فمعناه أن هذه الجريمة لا يمكنها أن تقوم إلا إذا اختل الأمن داخل الدولة مما يشكل تهديدا لمصالحها ومؤسساتها. كما انه إذا لم يكن الهدف من الجريمة المساس بإحدى المصالح المنصوص عليها في الفصل من 201 إلى 203، فلا نكون أمام جريمة العصابة المسلحة وإنما نكون بصدد جريمة أخرى.
وتأسيسا عليه فإنه يظهر جليا أن الركن المادي في هذه الجريمة يتحقق بترأس شخص العصابة مسلحة أو بتوليه لوظيفة أو لقيادة فيها أو تسييرها أو تأليفها أو تنظيمها أو إتيانه لأي عمل من أعمال الإشتراك الواردة في الفقرة الأخيرة من الفصل 203 ق ج. وقد اشترط المشرع المغربي في هذا الركن مجموعة من الشروط، أهمها :
- الشرط الأول: ضرورة أن تكون العصابات التي تم تكوينها مسلحة.
بمعنى انه لابد من أن يكون السلاح هو الوسيلة المستعملة في بلوغ أهداف هذه العصابة. وإذا كان أحد أفراد هذه الأخيرة مسلحا دون علم بقية العناصر، فإن الفعل المرتكب لا يمكن إدراجه ضمن جرائم العصابات المسلحة. ومعلوم أنه لا يهم أن يكون السلاح ناريا أو غير ناري، فبمجرد أن يتعلق الأمر بإحدى الأسلحة المنصوص عليها في الفصل 303 من القانون الجنائي نكون أمام سلاح يشكل تواجده شرطا أساسيا للقول بوجود الركن المادي لجريمةالعصابات المسلحة.ولا بأس من استعراض مضمون هذا الفصل الذي جاء فيه : ( ( يعد سلاحا في تطبيق هذا القانون، جميع الأسلحة النارية والمتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات أو الأشياء الواخزة أوالراضة أو القاطعة أو الخانقة ) ) .
- الشرط الثاني : وجوب قيام العصابة على توزيع المسؤوليات بين جميع أفرادها.
ومعنى توزيع المسؤوليات توزيع الوظائف والمهام بين الجناة من أجل إرتكاب الفعلا الإجرامي، هذه المهام والوظائف تحدد فيما يلي :
رئاسة العصابة: وهي تستدعي إسناد مهمة القيادة إلى شخص يكون في استطاعته إدارة العصابة وتسييرها سواء كان قريبا من خلية العصابة أو بعيدا عنها، معروفا بين أفرادها أم مجهولا.
تولي الوظائف: وينصرف مدلول الوظيفة هنا إلى كل نشاط من شأنه مساعدة العصابة على تسيير عملها وبسط نفوذها . وذلك بتحمل كل فرد من أفراد العصابة وظيفة معينة داخل العصابة. فهذا يتولى وظيفة التدريب، وذاك يقوم بمهمة التخطيط، والآخر يتحمل وظيفة التمويل …. إلخ.
أعمال الاشتراك :تتمثل هذه الأعمال في تقديم مساعدات للعصابة المسلحة ومدها بإمدادات تساعدها في القيام بعملياتها المسلحة الإجرامية، شريطة حضور عنصر العلم لدى المشاركين. فإذا انتفى هذا العنصر لا نكون أمام أي عمل من أعمال الاشتراك في تكوين العصابة المسلحة.
- الشرط الثالث: وجود عصيان قائم في شكل تجمع ثوري موجه إلى النظام السياسي.
يستفاد هذا الشرط في الفصول 201 و 202 و 203 و 205 من القانون الجنائي. ويلاحظ من خلالها أن الهدف من تكوين العصابات المسلحة هو إسقاط النظام السياسي وإحلال آخر محله، مما يستوجب قيام تجمع ثوري. ولكن هذا التجمع لا يشرط فيه أن يكون في مكان محدد، كما لا يشترط في جميع الأشخاص المتواجدين في مكان التجمع الثوري، أن يكون منخرطين في هذا التجمع. وهذا ما جعل المشرع المغربي، أن يستعمل صياغة واضحة في الفصل 205 حيث بين في هذا الفصل بأن الذين يعاقبون هم من قبض عليهم في مكان التجمع، وليس الذين وجدوا في مكان التجمع.
وتبقى الإشارة واجبة إلى أن هذه الجريمة لا يفترض تحقق النتيجة فيها، على اعتبار أنها من جرائم الخطر، وبتالي فإن مجرد إتيان الأفعال المنصوص عليها في الفصل 203 من ق.ج يتحقق معه الركن المادي.
ثانيا/ الركن المعنوي:
تلفت الانتباه إلى أن الركن المعنوي في جريمة تكوين عصابة مسلحة يختلف ذاك الخاص بجريمتي المؤامرة والإعتداء، من حيث أن المشرع إذا كان يشترط في الجريمتين الأخيرتين ضرورة توفر القصد العام فهو لا يشترط في الجريمة الجارية دراستها، إذ اكتفى فيها باشتراط القصد الخاص، هذا الأخير يجب أن يتوفر لدى جميع أفراد العصابة المسلحة أما القصد العام فهو مفترض، نظرا لكون الجناة يكونون على علم تام واطلاع مسبق بالأفعال التي يقدمون عليها بفعل توزيع المسؤوليات والوظائف فيها بينهم.
تأسيسا على ما سبق، فإنه ولما كانت جريمة العصابات المسلحة من الجرائم العمدية فإن ذلك اقتضى عدم قيامها ما لم يتوفر فيها القصد الجنائي لدى الفاعلين الأصليين والذي يتحقق متى كان هدفهم من تكوين عصابة مسلحة هو الإستيلاء على أموال عامة أو اكتساح عقارات أو أملاك أو ساحات…. أو الهجومات على القوات العمومية العاملة ضد مرتكبي تلك الجنايات أو مقاومتها ( الفصل 203 / الفقرة (1) .
وبخصوص الفاعلين غير الأصليين (المساهمون) فهؤلاء لا يتابعون بجناية تكوين عصابة مسلحة إلا إذا توافر القصد الجنائي لديهم ( القصد الخاص) المتمثل في انصراف نية المساهمين من وراء تقديمهم يد المساعدة والعون للجناة الأصليين إلى تحقيق الهدف أو الأهداف المنشودة من قبل هؤلاء.
يتبع…