يقصد بالتحفيظ العقاري مجموعة من العمليات التي ترمي في مجملها إلى جعل العقار خاضعا لمقتضيات ظهير 9 رمضان 1331 الموافق لـ 12 غشت 1913 ، كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 14.07 بتاريخ 22 نوفمبر 2011، والتي ترمي إلى تسجيل ملك عقاري في وثيقة رسمية تسمى بالسجل العقاري.
وحسب مقتضيات الفصل الأول من قانون التحفيظ العقاري المعدل فإن التحفيظ يرمي إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه:
– ( تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة التطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به ).
– ( تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك في الرسم العقاري المؤسس له ).
وهكذا يترتب عن التحفيظ إقامة رسم الملكية مسجل بكناش عقاري. من شأن هذا الرسم تثبيت وضع العقار ماديا من حيث معالمه وأوصافه ومساحته وحدوده ومن حيث بيان مالكه وذوي الحقوق العينية الآخرون سواء كانت حقوقا عينية أصلية أو حقوقا عينية تبعية.
وبذلك يمكن للغير الإطلاع على وضعية العقار، بحيث يشكل الرسم العقاري الحالة المدنية للعقار المحفظ حيث يسمح بتتبع سائر التطورات التي قد تطرأ على وضعيته القانونية والمالية، وقد أشار الأستاذ محمد خيري إلى أهداف التحفيظ العقاري وحددها في خمسة أهداف رئيسية على الشكل التالي :
1- إن التحفيظ العقاري يؤدي إلى إحلال نظام قار يعطي للملكية وضعا أكثر ثباتا وأمنا، وذلك محل الرسوم العدلية التي غالبا ما يشوبها الغموض أو التشكك.
2 – إن التحفيظ العقاري يعتبر وسيلة لتطهير الملكية العقارية من كل المنازعات التي يمكن أن تثار بشأن العقار، وذلك عن طريق تطبيق مبدأ التطهير المسبق للملكية العقارية ويتمثل هذا التطهير في التعرضات التي يمكن أن تثار أثناء عملية التحفيظ.
3 – إن التحفيظ يضمن للمالك حقوقه على ملكيته بصفة قارة ومستمرة دون أن يتعرض هذا الحق للضياع أو الترامي من طرف الغير بسبب عدم الاستعمال أو التقادم، وهذه الضمانة يحققها نظام التحفيظ العقاري، حتى بالنسبة لأصحاب الحقوق العينية التبعية المترتبة على العقارات المحفظة، الشيء الذي يوحي بالثقة والاطمئنان إلى أصحاب هذه الحقوق ويشجعهم على منح التسهيلات والقروض المتعلقة بالعقارات المحفظة.
4 – إن التحفيظ العقاري يمكن الغير من إبرام التصرف مع مالك العقار المحفظ وهو على بينة من صحة الملكية ومن سائر القيود المترتبة على العقار إذا كانت موجودة .
5- إن التحفيظ العقاري يمكن الدولة من التعرف على عدد الملكيات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في البلاد ويمكنها بالتالي من نهج سياسة ملائمة في الميدان العقاري.
إن التحفيظ نظام إشهاري عيني لا شخصي وهو مأخوذ من نظام ((تورنس)) الاسترالي وهو نظام يقوم على التنظيم الدقيق للعقار ذاته بصرف النظر عن مالكه أو أصحاب الحقوق العينية عليه إذ لكل عقار سجل خاص يسمى الرسم العقاري يتضمن كل البيانات المتعلقة به من رقم واسم وخريطة تبين حدوده ومساحته ومعالمه كما يتضمن الرسم كل التعديلات التي قد تطرأ عليه من الناحية المادية أو القانونية حتى يكون هناك تطابق بين الواقع وبين ما هو مسجل في الرسم العقاري.
وحسب الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري فإن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة، كما أن الفقرة الثانية من الفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تغيره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 تنص على أن تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنه تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به .
ويتضح من النصين بأن قرار التحفيظ ينجم عنه بالضرورة تطهير العقار من جميع الحقوق غير المعلنة والتي لم تتم المطالبة بها خلال مسطرة التحفيظ فالرسم العقاري المقدم بعد التحفيظ هو المنطلق الوحيد لكافة الحقوق العينية، وبذلك يكون رسم الملكية قد اكتسب صفة النهائية الغير القابلة لأي طعن لأنه يفترض بأن العقار قد تم تطهيره من جميع المطالبات والتعرضات خلال مرحلة التحفيظ.
ومن ثم فإن الحقوق العينية المسجلة بالرسم العقاري تكتسي مناعة مطلقة ولا يسري عليها التقادم سواء كان مكسبا أو مسقطا وقد نص الفصل 63 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل على أن ( التقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ في مواجهة المالك المقيد ولا يسقط أي حق من الحقوق العينية المقيدة بالرسم العقاري ).
ويعتبر قرار المحافظ العقاري بتأسيس الرسم العقاري هو القرار الوحيد الذي لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال محل طعن أو مراجعة لا من طرف المحافظ ولا حتى من أعلى سلطة عامة، والمحافظ لا يتخذ قراره بالتحفيظ وإنشاء الرسم العقاري إلا بعد التأكد من سلامة مطلب التحفيظ وإعمال القواعد الخاصة بالإشهار القانوني لمطلب التحفيظ وأن عملية التحديد قد أنجزت بشكل سليم، وأن هاته الإجراءات والمساطر قد أقيمت بشكل قانوني وأنه لا يوجد أي تعرض على مطلب التحفيظ مع ضرورة اقتناع المحافظ بأحقية صاحب المطلب في تحفيظ العقار باسمه.
وقاعدة التطهير تعرف بعض الاستثناءات تتعلق بالمصلحة العامة وهي أملاك الدولة العامة وبالتالي لا يمكن تفويتها أو حجزها أو كسبها عن طريق التقادم وبذلك فهي لا تخضع لقاعدة التطهير المنصوص عليها في ظهير التحفيظ العقاري، فحسب ظهير فاتح يوليوز 1914 فإن الملك العام هو الملك الذي تملكه الدولة وتعتبره ضروريا للمصلحة العامة كالطرق والأنهار والبحيرات والسدود والشواطئ ، وهي أموال لا تخضع لقاعدة التطهير، فإذا ماتم تحفيظ عقار وتبين بعد التحفيظ بأن ذلك العقار أو جزء منه يقع ضمن الأملاك العامة فإن قاعدة التطهير لا تسري بشأنه.
كما أن قاعدة التطهير لا تنسحب على العقارات الحبسية وبصفة خاصة الأحباس العامة كالمساجد والمقابر والزوايا والأضرحة والتي تعد حبسا لعامة المسلمين ولا يجوز لأي شخص حيازتها ولو تم تحفيظها لفائدة الغير بحيث يجب تضمين اسم الأحباس والتشطيب على من تم تحفيظ العقار بإسمه دون حاجة إلى إلغاء الرسم العقاري استنادا إلى حكم قضائي في الموضوع.
كما أن أراضي الجموع وهي أراضي ترجع ملكيتها إلى جماعات سلالية في شكل قبائل أو دواوير أو عشائر قد ترتبط بينهم روابط عائلية أو روابط عرقية واجتماعية ودينية وحقوق الأفراد فيها غير متميزة عن الجماعة ولا تقبل التصرف فيها ولا الحجز عليها ولا يمكن اكتسابها عن طريق التقادم.
كما ينص على ذلك الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 المتعلق بتنظيم الوصاية على الأراضي السلالية (أو الجماعية) وهو ظهير يعد بمثابة ميثاق للأراضي الجماعية بالمغرب فإذا ما تم تحفيظ عقار وظهر فيما بعد بأنه يدخل في زمرة الأراضي الجماعية فإن الضرورة تقتضي تغيير اسم المالك بواسطة تقييد جديد دون حاجة إلى إلغاء الرسم العقاري وذلك بناء على حكم نهائي في الموضوع.
التحفيظ العقاري بين الإجبارية والإختيارية:
ينص الفصل 6 من القانون رقم 14.07. المتمم والمغير للظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 والمتعلق بالتحفيظ العقاري على أن ” التحفيظ أمر اختياري، غير أنه إذا قدم مطلب التحفيظ فإنه لا يمكن سحبه مطلقا ، فالمالك مخير في الإلتجاء إلى نظام التحفيظ العقاري أو عدم الإلتجاء إليه إذ لاتوجد وسيلة لإرغام مالك العقار على تحفيظ عقاره.
ولكن هناك حالات يكون فيها التحفيظ إجباريا كما في الحالة المنصوص عليها في الفصل السابع من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري وهي حالة تفويت أملاك الدولة أو معاوضات عقارية محبسة تحبسا عموميا ، وكذلك الحالة المنصوص عليها في الفصل الثامن كما وقع تعديله والذي ينص على أنه ” يكون التحفيظ كذلك إجباريا عندما تأمر به المحاكم المختصة أثناء متابعةإجراءات الحجز العقاري في مواجهة المحجوز عليه”.
تم اقتباس هذا المقال من مراجع قانونية، منها: