المجال الأسريقانونيات

طلاق الخلع

إذا كان الأصل أن الزوج يملك الطلاق إلا أن الزوجة قد تبغض زوجها، وتقع الكراهية في قلبها وتود الخلاص من معاشرته ولكن الزوج يمتنع عن طلاقها، لذلك رسم لها الإسلام طريقا للخلاص من الرابطة الزوجية دفعا للضرر والحرج وهو أن تقدم لزوجها عوضا تفتدي به نفسها وهو ما يسمى بالخلع.

الفقرة الأولى : تعريف الخلع

الخلع في اللغة معناه الإزالة والنزع. يقال خلع فلان ثوبه إذا أزاله وخلع الزوج زوجته إذ أزال زوجيتها.أما الخلع في الاصطلاح الفقهي فو إزالة الزوجية بلفظ الخلع أو ما في معناه في مقابل عوض تدفعه الزوجة لزوجها.

وقد نصت المدونة الملغاة في الفصل 61 على أنه يجوز للزوجين أن يتراضيا على الطلاق بالخلع، ونفس المقتضيات تضمنتها المادة 115 من مدونة الأسرة بالنص على أنه للزوجين أن يتراضيا على الطلاق بالخلع طبقا لأحكام المادة 114.

الأصل في الخلع قول الله تبارك وتعالى “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ”(سورة البقرة الآية 229).

وفي السنة النبوية روى الإمام البخاري عن أبي عباس رضي الله عنهم أنه: «جاءت امرأة ثابت بن قيس رسول الله صلى الله وسلم، فقالت يا رسول الله أني ما اعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت : نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل الحديقة وطلقها تطليقة”، ويتجلى من الحديث أن هذه المرأة ذكرت للرسول عليه السلام بأنها تكره زوجها ثابت. بالرغم من أنه يحسن معاملتها، ولكنها تخاف أن تؤدي كراهيتها له إلى التقصير في الحقوق الزوجية التي فرضها الله على الزوجة نحو زوجها.

فالخلع إذن هو طلاق يقع في مقابل عوض تبذله الزوجة للزوج بناء على التراضي بينهما ولا يحصل من جانب واحد، وهذا ما أكدته المدونة الملغاة في الفصل 61 منها، وأكدته أيضا المادة 115في مدونة الأسرة.

الفقرة الثانية :شروط الخلع

يشترط لصحة الخلع الشروط الآتية:

1) يجب أن يقع الخلع حال قيام الزوجية الصحيحة بين المتخالعين، أو في فترة عدة من طلاق رجعي، ويصح الخلع ولو لم يحصل الدخول.

2) يجب أن يكون الزوج متمتعا بأهلية تامة إذ لا يصح الخلع إذا كان الزوج صغيرا أومجنونا أو معتوها.

3) يجب أن تكون الزوجة عاقلة رشيدة، فالرشيدة تخالع عن نفسها طبقا للمادة 116 من المدونة وإذا كانت عاقلة ولكنها لم تبلغ بعد سن الرشد القانوني يقع طلاقها صحيحا، غير أن الزوجة لا تلتزم ببدل الخلع إلا بموافقة نائبها الشرعي، وذلك طبقا للمادة 116 من المدونة الذي ينص على أنه : “تخالع الرشيدة عن نفسها والتي دون سن الرشد القانوني إذا خولعت وقع الطلاق ولا تلزم ببدل الخلع إلا بموافقة النائب الشرعي”.

4) يجب أن يكون الخلع اختياريا من الزوجة بغير إكراه ولا ضرر، وهذا ما نص عليه الفصل 63 من المدونة الملغاة بقولها : يشترط لاستحقاق الزوج ما خولع به أن يكون خلع المرأة اختياريا منها لفراق الزوج من غير إكراه ولا ضرر.

هذا الشرط الذي تضمنته المدونة هو رأي الجمهور والذي يرى بأن: “الفدية لا تحل دينيا المزوج إلا إذا كانت الزوجة هي الراغبة في الفراق باختيار منها وطواعية دون أن يكون الزوج هو الذي دفعها إلى المخالعة بإضراره بها. وقد نصت المادة 117 من مدونة الأسرة على أنه: “للزوجة استرجاع ما خالعت به، إذا ثبت أن خلعها كان نتيجة إكراه أو إضرار الزوج بها وينفذ الطلاق في جميع الأحوال”.

وعليه إذا استعمل الزوج وسائل وأساليب مختلفة للضغط على الزوجة من أجل أن تدفع له الفدية مقابل الطلاق فإن الطلاق يقع بائنا دون التزام الزوجة ببدل الخلع إن كانت لم تؤده إليه، وإذا أدته ثبت لها الحق في استرداده منه.

الفقرة الثالثة : العوض الذي يقع به الخلع وحماية الأولاد

أولا : العوض الذي يقع به الخلع

يشترط في العوض الذي يقع به الخلع أن يكون مما يصح تملكه وبيعه، أو بعبارة أخرى مما يصح الالتزام به شرعا كما نصت عليه المدونة الملغاة في الفصل 64 بقولها : “كل ما يصبح التزامه شرعا صلح أن يكون بدلا في الخلع”، ونصت المادة 118 من مدونة الأسرة على نفس المقتضيات مع إضافة عدم التعسف والمغالاة بقولها : “كل ما صح الالتزام به شرعا صلح أن يكون بدلا في الخلع دون تعسف ولا مغالاة”،

وبناء عليه يمكن أن يكون البدل في الخلع الأشياء المادية، كالنقود والمنقول والعقار، ولا يستثنى من ذلك إلا الأشياء المحرمة شرعا كالخمر والخنزير … كما يمكن أن يكون البدل حقوقا وخدمات تقوم بالمال كأن تتعهد الزوجة بالدفاع عنه في قضية أمام المحكمة إذا كانت محامية، أو تجري له عملية جراحية إذا كانت طبيبة، أو التنازل عن أصل تجاري الخ.

كما أن الفقهاء أجازوا الغرر في الخلع، ومن الأمثلة التي تجدها في الفقه الخلع بجنين حيوان ما يزال في بطن أمه أو بغلة شجر أو أرض قبل ظهور صلاحها، أو تخالفه على ما في يدها فيعتقد الزوج أنه ياقوتة فإذا هو درهم … وعليه يصح الخلع حتى ولو كان الحيوان غير حامل.

ثانيا : الخلع وحماية حقوق الأولاد

نص الفصل 65 من المدونة الملغاة على أنه : “لا يجوز الخلع بشيء تعلق به حق الأولاد إذا كانت المرأة معسرة”، ونصت المادة 119 من مدونة الأسرة على أنه لا يجوز الخلع بشيء تعلق به حق الأطفال أو نفقتهم إذا كانت الأم معمرة إذا أعسرت الأم المختلعة بنفقة أطفالها وجبت النفقة على أبيهم دون مساس بحقه في الرجوع عليها”.

والمشهور في الفقه المالكي أن الخلع إذا وقع على نفقة الأولاد أو على أجرة الرضاع أو أجرة الحضانة كان الخلع صحيحا ونافذا، ويبطل ما وقع عليه الخلع ويتضح من النص التشريعي السابق أن الخلع كقاعدة عامة يجوز أن يمس بحقوق الأولاد، ومن ثم تستطيع الزوجة أن تخالع زوجها بالحقوق المالية لأولادها كالنفقة وأجرة الحضانة والسكن الخ… ما دامت الزوجة موسرة،

وإذا كان الزوج عالما عند الخلع أن زوجته معسرة ومع ذلك رضي بالخلع على نفقة الأولاد فإن الطلاق يمضي ويبقى الزوج مسؤولا عن النفقة، كذلك إذا كانت الزوجة غير معسرة وتحملت بنفقة الأولاد مقابل الطلاق ثم عجزت أثناء المدة ولو في بدايتها على تلك النفقة وثبت عجزها فعلا فإنه يتعين على الأب أن ينفق على الأولاد مع الاحتفاظ بحقه في الرجوع عليها فيما بعد إذا أصبحت موسرة، ويأخذ الموت حكم الإعسار إذا لم تترك الزوجة ما يتعيش به الأولاد.

الفقرة الرابعة : اختلاف الزوجين حول مقابل الخلع

إذا حصل الاتفاق بين الزوجين على مبدأ الخلع ولكنهما اختلفا في المقابل الذي تدفعه الزوجة فإنه طبقا لأحكام المادة 120 من مدونة الأسرة يتعين رفع الأمر إلى المحكمة لمحاولة الصلح بينهما وإذا تعذر الصلح حكمت المحكمة بنفاذ الخلع بعد تقدير مقابله مراعية في ذلك مبلغ الصداق وفترة الزواج وأسباب حكم الخلع والحالة المادية للزوجة، إذا أصرت الزوجة على طلب الخلع ولم يستجب لها الزوج يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق.

ومعلوم أن مسطرة الشقاق منصوص عليها بمقتضى المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة ومن شأن هذه المسطرة حصول الزوجة على التطليق دون مقابل بل تستحق مستحقات أطفالها طبقا للمواد 83 و 84 و 85 من مدونة الأسرة والمحال عليها بالمادة 97 من نفس المدونة، كما تستحق التعويض إذا ثبت للمحكمة ما يوجب ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى