المجال الدستوريقانونيات

خصائص الدولة

بعد اجتماع الأركان والعناصر السوسيولوجية اللازمة لقيام الدولة وخاصة عنصر السلطة السياسية المنظمة أهم أساس يتم بناء عليه تمييز الدولة عن مجموعة من الكيانات والجماعات الأخرى . فالسلطة السياسية للدولة لها ذاتية خاصة وتتميز عن كل السلط التي تتمتع بها الجماعات، وهي سلطة سيدة بمعنى أنها لا تخضع إلا لنفسها، وهي مستقلة عن كل السلط الأخرى سواء كانت داخلية أو خارجية، وعنصر السيادة هذا يضفي على الدولة صبغة خاصة ويجعل منها كيانا ذا شخصية قانونية تترتب عنها مجموعة من النتائج.

السيادة :

إن أهم ما يميز الدولة عن مختلف التنظيمات والتجمعات المماثلة والمشابهة لها، هو عنصر السيادة وهذه الأخيرة هي التي تجعل من الدولة مؤسسة متماسكة، قوية وقادرة على فرض هيئتها داخليا وفي علاقاتها الخارجية على الأقل من الوجهتين القانونية والنظرية ، إلا أن تمتع الدولة بسيادة مطلقة وخاصة على المستوى الخارجي أصبح مسألة فيها نظر، لكون سيادة الدول أصبحت أمرا نسبيا بحكم المتغيرات الدولية الجديدة خاصة في ظل نظام العولمة الذي لا يعترف في مجموعة من القضايا والأمور بالحدود الجغرافية للدول، ولكن على الرغم من كل ما يمكن أن يقال عن مفهوم سيادة الدولة، فإنها تشكل أحد أهم خصائص الدولة، وتترتب عنها مجموعة من النتائج وهي:

– أن الدولة هي المؤسسة الوحيدة التي تحتضن سلطة متأصلة لا تستمدها من أية سلطة أخرى تسبقها أو تلتحق بها.

– أن هذه السيادة المتمثلة في تلك السلطة، سيادة عليا لا تسمو عليها أية سلطة أخرى لا داخل الدولة ولا خارجها.

– أن الدولة مالكة تلك السيادة هي التي تحدد وتقيم على طول ترابها الوطني تنظيمها القانوني بما يحتويه من مبادئ معنوية وقواعد مادية، دون أن تتأثر في ذلك بمؤثرات غير مقتضيات السيادة الوطنية.

– أن الدولة هي منطلق ومصدر جميع السلطات التي تتولد من ذلك التنظيم السياسي والقانوني.

– أن الدولة تنفرد بتحديد اختصاصاتها ومشمولات نفوذها.

– أن الدولة وكنتيجة لما سبق تحتكر مظاهر السيادة التي تستأثر بها، فتحتكر القوة العمومية من جيش وشرطة، وضرب العملة إلى غير ذلك من رموز السيادة.

1) المظهر الداخلي للسيادة :

يقصد به أن للدولة كسلطة عليا هيمنة على كل المتواجدين فوق إقليمها من أفراد وهيئات وأن إرادتها تعلو على غيرها من الإرادات، وأن للدولة كامل الصلاحية في وضع الضوابط والقوانين التي تنظم المجتمع وتؤطر العلاقات في إطاره، وفي جعل تلك الضوابط والقوانين محترمة من قبل جميع المحكومين سواء بالرضا أو عن طريق استعمال وسائل الجبر والإكراه، وللدولة أيضا الحق في التصرف في الأملاك والثروات العمومية، وفي احتكار كل مظاهر السيادة الأخرى من وضع القوانين، وسك العملة، والإشراف المباشر على الجهاز القضائي، واحتكار مهام الدفاع الداخلي والخارجي وتولي مهمة الحفاظ على الأمن والنظام العام.

ولا تخضع الدولة في كل ذلك إلا لإرادتها المستقلة والمنفردة، نظرا لعلو وسمو سلطتها ولعدم وجود سلطة أعلى منها أو موازية لها.

2) المظهر الخارجي للسيادة :

ويتجلى في حرية الدولة واستقلالها المطلق في تنظيم علاقاتها الخارجية وتحديد موقفها وذلك بناء أولا على خاصية السيادة ذاتها، واستنادا ثانيا على مبدأ المساواة بين الدول، الذي أصبح عنصرا قارا في العلاقات الدولية المعاصرة .

وتعنى سيادة الدولة الخارجية أيضا استقلال الدولة وعدم خضوعها لغيرها من الدول، وعدم إلزامها بغير ما التزمت به بمحض إرادتها من التزامات وتعهدات سواء مع غيرها من الدول أو مع المنظمات الدولية.

والسيادة الخارجية للدولة قد تكون تامة وقد تكون ناقصة ، فهي تامة إذا كانت الدولة مستقلة استقلالا تاما وغير خاضعة لدولة أخرى وهذا ما يسمى بالدول الكاملة السيادة . وتكون السيادة ناقصة إذا ما احتفظت الدولة ببعض مظاهر سيادتها الخارجية وفقدت بعضها الآخر، نتيجة خضوعها لعلاقة تبعية لدولة أخرى مثل الدول المحمية والدول الواقعة تحت الانتداب أو الوصاية، وهذا ما يطلق عليه بالدول الناقصة السيادة.

وبصفة عامة، يمكن القول بناء على المظهرين الداخلي والخارجي للسيادة بأنها تعني استقلال الدولة الخارجي وعدم خضوعها لغيرها من الدول، وعلو سلطتها في الداخل بحيث تسمو إرادتها على كل المتواجدين فوق إقليمها من أفراد وجماعات.

الشخصية المعنوية :

يقصد بالشخصية المعنوية للدولة قدرتها على ممارسة الحقوق وتحمل الالتزامات، وبمعنى آخر إمكانيتها للتصرف والقيام بأعمال تنتج آثار قانونية كما هو الحال بالنسبة للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المتواجدين بالمجتمع كالأفراد أو الشركات والجمعيات .

وقد أقر أغلبية فقهاء القانون بأن للدولة شخصية قانونية معنوية تخول لها الحق في اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وهذا الإقرار يعني بأن وجود الدولة ( كشخص معنوي) مستقل عن وجود الأشخاص الطبيعيين الأفراد، رغم كون الأفراد هم الذين يمارسون السلطة داخل الدولة و يحكمون باسمها.

والاعتراف بالشخصية المعنوية للدولة وباستقلالها عن الأشخاص الطبيعيين يهدف إلى التأكيد على خاصية استمرارية الدولة رغم اختفاء أو تغيير الأشخاص الطبيعيين، فموت رئيس الدولة أو تغييره مثلا لا يعني موت الدولة وزوالها، كما أن تغير الحكومات لا يؤثر على وجود الدولة واستمراريتها لهذا يقال بأن الحكومات تمر وتبقى الدولة.

وبصفة عامة فإن الاعتراف والإقرار للدولة بالشخصية المعنوية تترتب عنه عدة آثار ونتائج نوجز أهمها فيما يلي:

– أن الدولة هي وحدة قانونية متمايزة عن أشخاص الحكام وأن هؤلاء الأخيرين يزاولون السلطة نيابة عن الدولة أي باسم الجماعة ولصالح الجماعة.

– لا يترتب على تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو تغيير أشخاص الحكام تعطيل نفاذ القوانين التي أصدرتها الدولة قبل التغيير، وإنما يبقى العمل بها قائما إلى أن يتم إلغاؤها أو تعديلها إما بطريق صريح وإما بطريق ضمني.

– لا يترتب على تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو أشخاص الحكام بها أي مساس بالمعاهدات أو بالاتفاقات أو الالتزامات التي ارتبطت بها الدولة وإنما تظل قائمة ما دامت الدولة باقية.

– لا يترتب على تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو أشخاص الحكام أي مساس بحقوق الدولة وإنما تظل هذه الحقوق قائمة طالما بقيت الدولة قائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى