|

حق الانتفاع

حق الانتفاع هو من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية بموجبه يتمتع المنتفع بسلطة استغلال العقار واستعماله مع بقاء سلطة التصرف بيد المالك ونظرا لأهمية هذا الحق فقد نظمه المشرع من المادة 79 إلى المادة 104 من القانون رقم 39.08.

أولا – تعريف حق الانتفاع :

عرفت المادة 79 من مدونة الحقوق العينية حق الانتفاع بأنه ” حق عيني يخول للمنتفع استعمال عقار على ملك الغير واستغلاله، وتنقضي مدته لزوما بموت المنتفع” ، فحق الانتفاع وفقا لهذا التعريف يعطي للشخص الحق في استعمال واستغلال عقار مملوك لشخص آخر لذلك فإن حق الانتفاع يقسم عناصر الملكية إلى شطرين، فعنصر الاستعمال والاستغلال يثبتان للمنتفع أما العنصر الثالث الخاص بحق التصرف فإنه يبقى خالصا لمالك الرقبة.

ثانيا – خصائص حق الانتفاع :

يستفاد من التعريف السابق لحق الانتفاع أنه يتميز بخصائص ثلاثة وهي:

أ – حق الانتفاع حق عيني يحتج به في مواجهة سائر الناس: وبذلك يختلف عن الحقوق الناشئة بعقد الكراء التي تعتبر حقوق شخصية لا تتعدى أطراف عقد الكراء ( المكري والمكتري)، ويختلف عنه كذلك من زاوية أن حق الانتفاع يمكن المطالبة به في شكل تعرض إذا صار العقار موضوع مطلب تحفيظ.

ب – حق الانتفاع يعطي لصاحبه إمكانية الاستفادة بشيء مملوك للغير: إذ للمنتفع حق استعمال واستغلال الشيء دون حق التصرف الذي يبقى في يد مالك الرقبة، ويترتب على ذلك أن للمنتفع الحق في استخدام الشيء وفقا لما أعد له فإن كان منزلا سكنه وإن كان بناء اتخذه مقرا لعمله … كما أن له الحق في جميع ما يغله الشيء من ثمار سواء كانت ثمارا طبيعية أومدنية.

ج – حق الانتفاع حق مؤقت: فهو ينتهي حتما بوفاة المنتفع إن لم ينته قبل وفاته، كما إذا كان مقرونا بأجل وانتهى الأجل قبل الوفاة فقد نصت المادة 80 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” ينشأ حق الانتفاع بإرادة الأطراف أو بحكم القانون ويمكن أن يكون مقيدا بأجل أو بشرط” . وهذا بخلاف حق الملكية الذي هو حق دائم وليس مؤقت.

د – أن حق الانتفاع متى كان واردا على عقار محفظ لا يعتد به إلا اذا تم تقييده في الرسم العقاري، وهو ما كرسته محكمة النقض حينما قضت بأن “حق الانتفاع المدعى به لا أثر له إلا إذا كان مسجلا بالرسم العقاري المتعلق بالعقار المدعى فيه …”.

ثالثا – إنشاء حق الانتفاع :

ينشأ هذا الحق وفقا لأحكام المشرع المغربي بإحدى الطرق الأربعة التي هي: إرادة المشرع، حق الشفعة، التقادم، وإرادة الإنسان.

أ – قد ينشأ حق الانتفاع بنص قانوني:

ويطلق عليه حق الانتفاع القانوني، كانتفاع الأبوين على أموال أبنائهما القاصرين حتى يبلغوا سن الرشد القانوني طبقا للفصل 384 من القانون المدني الفرنسي، وكالانتفاع المقرر لورثة الموصي لحمل معين إلى أن ينفصل الموصي له حيا فتكون له العين ( المادة 304 من مدونة الأسرة ).

ب – وقد ينشأ حق الانتفاع بطريق الشفعة:

وذلك في حالة ما إذا كان الانتفاع يعود لعدة أشخاص على الشيوع ويبيع أحد المنتفعين للغير حصته الشائعة فيجوز للمنتفعين الشركاء جماعة أو فرادى ممارسة حق الشفعة وانتزاع الحصة المتصرف فيها من المشتري مقابل أداء الثمن بطبيعة الحال بالإضافة إلى مصروفات العقد.

ج – وقد ينشأ حق الانتفاع بطريق التقادم المكسب:

والتقادم في المغرب لا يسري على العقارات المحفظة لأنها تكتسي مناعة مطلقة تجعلها لا تقبل التقادم بنوعيه التقادم المكسب والتقادم المسقط وذلك طبقا للفصل 63 من القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري.

والواقع أن كسب حق الانتفاع بالتقادم المكسب قليل الحدوث في الحياة العملية ذلك لأن الحائز للشيء يتمسك بحق الملكية وليس بحق الانتفاع، ولكن يمكن تصور هذه الحالة فيما إذا اكتسب شخص حق الانتفاع بسند صادر عن غير المالك الأصلي، فإذا أبطل سند المنتفع لهذا السبب في المستقبل يمكنه الاحتفاظ بحق الانتفاع استنادا للتقادم.

د – وينشأ حق الانتفاع بإرادة الإنسان:

أي بالعقد مثال ذلك أن يتنازل مالك الرقبة للغير عن الانتفاع ويحتفظ لنفسه بملكية الرقبة بمقتضى عقد أو وصية ولتحقيق ذلك يجب أن يكون مقرر الانتفاع مالكا للشيء الوارد عليه حق الانتفاع وأن يكون أهلا لإجراء هذا التصرف. كما يجب أن يكون الشخص المقرر لفائدته حق الانتفاع موجودا على قيد الحياة عند إنشاء حق الانتفاع.

وإذا كانت هذه هي طرق إنشاء حق الانتفاع فإننا نتساءل عن الأموال التي يجوز إنشاء انتفاع عليها؟ بالرجوع إلى المادة 81 من مدونة الحقوق العينية نجدها تنص على أنه ” يمكن أن يترتب حق الانتفاع:

أولا : على الملكية العقارية

ثانيا: على حق السطحية

ثالثا: على حق الزينة

رابعا: على حق الهواء أو التعلية”.

ومن ثم يكون المشرع قد حصر الأموال الممكن أن تكون محلا لحق الانتفاع في الحقوق السابق الإشارة إليها، في حين أنه في الفصل 37 من ظهير 19 رجب 1333 فحق الانتفاع يمتد إلى حق الكراء الطويل الأمد، والرهن الرسمي والحيازي.

وإذا كانت مدونة الحقوق العينية قد رتبت حق الانتفاع على بعض الحقوق العرفية الإسلامية دون الأخرى وهي الزينة والهواء، فظهير 19 رجب جعل هذا الحق يشمل جميع الحقوق العرفية الإسلامية ( الجلسة والزينة والجزاء والهواء).

وقد تساءل الفقه قبل صدور مدونة الحقوق العينية وفي ظل ظهير 19 رجب عما إذا كان هذا التعداد لهذه الحقوق الواردة في الفصل السابق على سبيل الحصر أم على سبيل المثال؟ وبعبارة أخرى هل يجوز إنشاء حقوق إنتفاع على غير الأموال المذكورة في النص أم يجب التقيد بما ورد فيه فقط؟

وقد كان الرأي الراجح هو الذي يرى ضرورة التقيد بنص الفصل 37 من ظهير 19 رجب وبالتالي حصر إنشاء حق الانتفاع على الحقوق السالفة الذكر لأن المشرع لو أراد إضافة حقوق غير تلك التي ورد تعدادها لنص على ذلك صراحة.

وبصدور القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية يمكن أن نقول أن هذا النقاش قد حسم بناء على ما جاء في الفصل 10 من هذه المدونة والذي نص على أنه لا يمكن إنشاء أي حق عيني إلا بقوة القانون، ومن ثم لا يجوز إنشاء حقوق إنتفاع على أموال أو حقوق غير واردة في المادة 81 من مدونة الحقوق العينية.

رابعا – انقضاء حق الانتفاع :

ينقضي حق الانتفاع بأحد الأسباب التالية:

أ – بانتهاء أجل الانتفاع :

من الطبيعي أن ينتهي حق الانتفاع بانتهاء الأجل المحدد في العقد بحيث يلتزم المنتفع بإعادة الشيء إلى مالك الرقبة، فالمادة 80 من مدونة الحقوق العينية نصت على أن ” حق الانتفاع يمكن أن يكون مقيدا بأجل، فإذا حل الأجل المعين في العقد انقضى الانتفاع”.

ب – بموت المنتفع :

حق الانتفاع هو في الأصل حق مؤقت ينتهي لزوما بموت المنتفع طبقا للمادة 79 من مدونة الحقوق العينية حتى لو حصلت الوفاة قبل أن ينتهي الأجل الذي حدد له وإذا كان حق الانتفاع لعدة أشخاص على التعاقب فإذا مات أحدهم انتقل هذا الحق إلى الآخرين حتى يموت المنتفعين جميعا وإذا كان الانتفاع مقررا لعدة أشخاص بصفة مشتركة فإن وفاة أحدهم يترتب عليها انقضاء هذا الحق بنسبة نصيبه وتعود حصته إلى مالك الرقبة ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك في العقد فيطبق هذا الاتفاق.

ج – باتحاد الحقوق :

ينقضي حق الانتفاع باتحاد الحقوق أي بجمع صفتي المنتفع ومالك الرقبة في شخص واحد كما إذا اشترى المنتفع ملكية الرقبة وكما إذا مات المالك ولم يكن له وريث غير المنتفع وحده.

د – بتلف الشيء تلفا كليا :

بحيث لا يستفيد المنتفع بشيء من بقايا العين المصابة بالتلف. كما في حالة تهدم البناء الذي يرد عليه حق الانتفاع، أما في حالة ما إذا كان التلف جزئيا فإن حق الانتفاع لا يسقط عن الجزء أو عن الأجزاء الصحيحة الباقية ( المادة 101 من مدونة الحقوق العينية).

ويشترط لانقضاء حق الانتفاع بالهلاك الكلي أن يكون التلف أو الهلاك نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي كالحريق والزلازل، كما يشترط أن لا يكون الشيء مؤمنا ضد القوة القاهرة أو الحادث الفجائي وإذا لم يتحقق الشرطين فحق الانتفاع لا ينقضي بل يتحول من الانتفاع بالشيء إلى الانتفاع بالتعويض الذي يلتزم به الشخص المسؤول عن التلف في الحالة الأولى وتلتزم به شركة التأمين في الحالة الثانية.

هـ – بتنازل المنتفع عنه :

وينقضي حق الانتفاع أيضا بتنازل المنتفع عن حقه في الانتفاع لمالك الرقبة، وقد اشترط المشرع لصحة هذا التنازل بأن لا يؤدي إلى إيقاع ضرر بدائني المنتفع وإلا كان من حق الدائنين الطعن على تنازل المنتفع وإبطاله وذلك طبقا للمادة 103 من مدونة الحقوق العينية.

و – بسوء الاستعمال :

ويكون المنتفع متعسفا في استعمال حقه إذا استعمله استعمالا لا يخرج به عن الحد المألوف، كما إذا قام بإتلاف العقار أو عرضه للتلف نتيجة عدم القيام بالإصلاحات الضرورية واللازمة للحفاظ عليه، ولمالك الرقبة رفع دعوى أمام القضاء للمطالبة بإنهاء حق الانتفاع لسوء الاستعمال.

ويمكن للقاضي حسب خطورة الموقف وحسب الأحوال أن يصدر حكمه إما بانتضاء حق الانتفاع كليا أو أن يأمر باسترجاع الانتفاع لمالك الرقبة شريطة أن يدفع سنويا للمنتفع أو لمن انتقل إليه هذا الحق مبلغا معينا وذلك إلى الوقت الذي كان من المقرر انتهاء الانتفاع فيه ( المادة 104 من مدونة الحقوق العينية).


تم الاستفادة من بعض المراجع لإعداد هذا المقال، منها:

  • عمر ازوکار: مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء القانون رقم 14.07 ومدونة الحقوق العينية، دراسة عملية ورصد للمواقف القضائية لمحكمة النقض منشورات دار القضاء بالمغرب البيضاء، طبعة 1، 2012.
  • مامون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء الثاني شركة الهلال العربية للطباعة والنشر الرباط الطبعة الثانية 1987.
  • إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *