محتوى المقال
تنظيم زيارة المحضون
تنص المادة 3/9 من اتفاقية حقوق الطفل، المصادق عليها من طرف المغرب، على أن للطفل المنفصل عن والديه أو أحدهما الحق في الحفاظ على علاقات شخصية واتصالات مباشرة ومنتظمة مع كلا والديه، ما لم يتعارض ذلك مع مصلحته الفضلى. كما تقر المادة 2/10 من الاتفاقية ذاتها بحق الطفل، الذي يقيم والداه في دولتين مختلفتين، في التمتع بنفس الحق في التواصل مع والديه. وتلتزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير الملائمة لمنع نقل الأطفال إلى الخارج أو عدم إعادتهم بصورة غير مشروعة.
فبخصوص تنظيم زيارة المحضون – نظمت مدونة الأسرة حق الطفل، ضحية الطلاق أو التطليق، في زيارة أحد أبويه غير الحاضن، بما يضمن مصلحته الفضلى واستمرارية علاقته بأبويه. ويتحمل كل من الأب أو النائب الشرعي، وكذا الأم الحاضنة، مسؤولية العناية بالمحضون، خصوصًا في ما يتعلق بتأديبه وتوجيهه دراسيًا. غير أن المحضون لا يبيت إلا عند الحاضن، ما لم يُقرر القاضي خلاف ذلك إذا تبين له أن مصلحة الطفل تقتضي غير ذلك.
وفي حال نشوء خلاف بين النائب الشرعي والحاضن بشأن شؤون المحضون، يُعرض الأمر على المحكمة المختصة للبت فيه استنادًا إلى مصلحة المحضون، وذلك وفقًا لمقتضيات المادة 169 من مدونة الأسرة. وتجدر الإشارة إلى أن المدونة لا تتضمن أي نص يمنع قاضي الموضوع من اتخاذ القرار الذي يراه مناسبًا بخصوص مبيت المحضون لدى غير الحاضن، بل إنها تؤكد صراحة على سلطة القاضي في تقدير مصلحة الطفل الفضلى عند اتخاذ هذا النوع من القرارات.
كما كرس المشرع المغربي حق الطفل المحضون في الزيارة والاستزارة من طرف الأب أو الأم غير الحاضن، وذلك بموجب المادة 180 من مدونة الأسرة، حيث يتم تنظيم هذا الحق بموجب اتفاق بين الأبوين بعد الطلاق أو التطليق، وفي حالة عدم توصلهما إلى اتفاق، تتولى المحكمة تحديد كيفية ممارسة الزيارة وضبط شروطها.
وفي هذا السياق، أفردت مدونة الأسرة الباب الرابع لزيارة المحضون، متضمناً المواد من 180 إلى 186، حيث نصت على أنه في حال إسناد الحضانة لأحد الأبوين، يحتفظ الطرف الآخر بحقه في زيارة واستزارة المحضون، فضلاً عن مراقبة أحواله والتأكد من رعاية مصالحه، وذلك في إطار يراعي المصلحة الفضلى للطفل.
وتندرج مسألة زيارة المحضون ضمن إطار صلة الرحم بين الأصول والفروع، باعتبارها قاعدة ذات بعد أخلاقي وديني قبل أن تكون مسألة قانونية صرفة. وانطلاقًا من هذا الاعتبار، حرص المشرع المغربي على تنظيم هذا الحق من خلال إعطاء الأولوية لاتفاق الأبوين بشأن كيفية الزيارة، وفي حالة عدم اتفاقهما، يتدخل القضاء لضبطها وتحديدها وفقًا لما تقتضيه المصلحة الفضلى للمحضون. ويتم النص على ذلك بشكل صريح ومفصل في منطوق الحكم القاضي بإسناد الحضانة إلى أحد أبوين.
هل تحتاج لمساعدة قانونية؟
فريقنا من المستشارين القانونيين والمحكمين جاهز لمساعدتك في جميع القضايا القانونية بخبرة ومهنية عالية
1 – إمكانية الزيارة باتفاق الأبوين:
تنص المادة 181 من مدونة الأسرة على أنه يجوز للأبوين المطلقين تنظيم حضانة المحضون بموجب اتفاق بينهما، يُبلّغانه إلى المحكمة، ويُدرج مضمونه في مقرر إسناد الحضانة، ويلتزم به الطرف الحاضن. ويُعتبر هذا الاتفاق بمثابة حُجّة قانونية ملزمة للطرفين، وقد أتاحه المشرع تفاديًا للجوء المباشر إلى القضاء، وتجنبًا للمشاكل والخلافات التي قد تؤثر سلبًا على نفسية وسلوك المحضون.
وبناءً على هذا، يمكن للأبوين أن يتفقا بحرية على مكان الزيارة وتوقيتها وعدد مرات الزيارة، بما يحقق المصلحة الفضلى للمحضون، ويقدّمها على أي اعتبار شخصي متعلق بالأبوين المفترقين. غير أن التجربة العملية أبانت أن كثيرًا من الآباء والأمهات يجدون صعوبة في التواصل والتشاور بشأن أبنائهم بسبب الخلافات الحادة والتوترات الناتجة عن مرحلة الطلاق أو التطليق، الأمر الذي جعل المشرع يُنيط مهمة تنظيم الزيارة بـالقضاء، عند تعذر التوافق، ضمانًا لاستقرار وضعية الطفل المحضون وحمايته من تداعيات الصراع الأسري.
2 – تدخل القضاء لتنظيم الزيارة:
في حالة عدم توصل الأبوين إلى اتفاق بشأن زيارة المحضون، تتولى المحكمة تنظيم هذه الزيارة قضائيًا، حيث تعمل على تحديد فتراتها وضبط توقيتها ومكانها، بما يمنع أي شكل من أشكال التحايل أو التعسف في التنفيذ. ويتم ذلك مع مراعاة ظروف الأبوين المطلقين ومصلحة المحضون، فضلاً عن خصوصيات كل حالة على حدة، وذلك بهدف الحفاظ على صلة الرحم وضمان استمرار علاقة المودة والارتباط الأسري بين المحضون وأبويه.
وفي حال غياب اتفاق بين الطرفين حول الزمان والمكان المناسبين للزيارة، فإن المحكمة، عند إصدار القرار المنصوص عليه في المادة 88 من مدونة الأسرة، تُحدد بشكل دقيق أوقات الزيارة ومكانها، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة عمل الطرف الزائر، أو ظروفه الشخصية، وكذا الملابسات المحيطة بكل ملف.
ويجب أن يتضمن الحكم القضائي القاضي بحق الزيارة كافة التفاصيل المتعلقة بكيفية تنفيذ هذا الحق، ضمانًا لفعاليته. وتجدر الإشارة إلى أن للأطراف حق الطعن في مقرر المحكمة، متى تبين لهم أن المقتضيات المحددة لا تتلاءم مع أوضاعهم أو لا تراعي مصلحة المحضون بالشكل الكافي، كأن يكون توقيت الزيارة غير مناسب أو عددها غير كافٍ…
يُمكن لأحد الأبوين أو لكليهما، في حال حدوث مستجدات تؤثر سلبًا على تنفيذ الاتفاق المبرم بينهما بشأن زيارة المحضون، أو القرار القضائي الصادر في هذا الشأن، التقدم بطلب إلى المحكمة من أجل تعديل أوقات أو مكان الزيارة، إذا ثبت أن استمرار العمل بالتنظيم السابق يُلحق ضررًا بأحد الطرفين أو بالمحضون نفسه، أو إذا أصبح الالتزام به متعذرًا نتيجة ظروف طارئة أو تحول جوهري في الوضعية العائلية أو الاجتماعية.
ويخول هذا الوضع للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في اتخاذ ما تراه مناسبًا من إجراءات، بما في ذلك تعديل نظام الزيارة أو حتى إسقاط الحضانة في حال ثبت إخلال أحد الأبوين ببنود الاتفاق أو بعدم تنفيذ مقتضيات القرار القضائي المنظم للزيارة، خاصة إذا اقترن ذلك بتحايل واضح يضر بمصلحة المحضون.
ومثال ذلك، احتفاظ الأب بالمحضون ومنع أمه من ممارستها لحق الحضانة بناءً على إرادته المنفردة، بدعوى زواجها من غير ذي محرم، دون استصدار حكم قضائي يسقط الحضانة عنها، يعد تصرفًا مخالفًا للقانون، ويُرتب عليه وجوب إرجاع المحضون إلى والدته. وفي هذا الإطار، لا يُعمل بمسطرة الغرامة التهديدية عند امتناع الأب عن التسليم، ما دام أن القانون الجنائي قد خص هذا الفعل بعقوبة جنحية مستقلة (محكمة الاستئناف بالرباط، قرار عدد 178 الصادر بتاريخ 20 فبراير 2006).
من جهة أخرى، فإن حق زيارة المحضون، كما نظمته مدونة الأسرة، يقتصر على الأبوين فقط (الحاضن والزائر)، دون أن يمتد تلقائيًا إلى باقي أفراد أسرتيهما، كالأجداد. غير أنه في حال وفاة أحد الأبوين، ينتقل حق الزيارة إلى أصله؛ فإذا توفيت الأم، يُخَوّل والداها (الجد والجدة) حق زيـارة المحضون نيابة عنها، وإذا توفي الأب، يَحل والداه محله في هذا الحق.
فصلة الرحم تعتبر حقًا طبيعيًا وشرعيًا يكفله القانون لكل من الطرفين بعد انحلال الزواج سواء بالطلاق أو التطليق، كما يمتد هذا الحق إلى الأصول في حالة وفاة أحد والدي المحضون. ومن هذا المنطلق، يُختص القضاء الاستعجالي باتخاذ التدابير اللازمة التي تُمكّن الطرف المحروم من حق الاتصال بالأبناء أو الأحفاد من الوصول إليه، وحماية هذا الحق من الانتهاك.
وقد ساهم الاجتهاد القضائي في ترسيخ حق صلة الرحم مع المحضون، عبر اتخاذ إجراءات فورية لضمان ممارسة هذا الحق. وفي هذا الإطار، قضت بعض المحاكم بأن منع الأم لجد الطفل، عقب وفاة والده، من الاتصال بحفيده يشكل إزعاجًا فادحًا وغير مشروع، مما يبرر تدخل قاضي المستعجلات لوضع حد لانتهاك هذا الحق الطبيعي، استنادًا إلى توفر عنصر الاستعجال (الابتدائية بالدار البيضاء، حكم عدد 27 يوليوز 1968).
ومع اختلاف الترتيبات التي تضمنها مدونة الأسرة المغربية، فإن مجلة الأحوال الشخصية التونسية منحت بدورها للجد والجدة حق زيارة الحفيد المحضون حتى في حياة أبوي الأخير، مما يعكس تفاوتًا تشريعيًا في هذا الجانب.
ويتضح من ذلك أن مدونة الأسرة قد أدرجت العديد من المستجدات التي تعنى بحضانة الأطفال، مُركزًة على مصلحة المحضون باعتبارها المعيار الأسمى، وذلك انسجامًا من جهة مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة المغربية مع تحفظها على بعض مقتضيات المادة 14، ومن جهة أخرى مع أحكام الفقه المالكي. كما أعطت المدونة للسلطة القضائية صلاحيات واسعة في مراقبة والإشراف على حسن تطبيق مقتضيات الحضانة، من خلال اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان نمو المحضون وسلامته تحت رعاية من يوفر له الحماية والرعاية الضرورية.
هل تحتاج لمساعدة قانونية؟
فريقنا من المستشارين القانونيين والمحكمين جاهز لمساعدتك في جميع القضايا القانونية بخبرة ومهنية عالية
- محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.
Share this content: