للزوج أن يتنازل عن حق الطلاق المخول له شرعا لفائدة زوجته فيملكها هذا الحق سواء كان ذلك عند إبرام عقد الزواج أو بعده. ويذهب جمهور الفقهاء إلى أن تمليك الطلاق للزوجة يجد سنده الشرعي في قوله تعالى “أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)(سورة الأحزاب الآية 28 و 29).إذ شكت زوجاته صلى الله عليه وسلم من قلة النفقة وشظف العيش فأمر الله الرسول أن يخيرهن بين البقاء في عصمته والاقتناع بما يجدنه من نفقة، وبين أن يطلقن أنفسهن ويذهبن للبحث عن العيش الرغيد، وقد ثبت أنه صلى الله عليه خيرهن فعلا فاخترن كلهن البقاء في عصمته.
ويميز الإمام مالك بين التوكيل والتمليك والتخيير في الطلاق:
أولا – التوكيل أو التفويض في الطلاق :
ويقصد به أن يفوض الرجل لزوجته في أن توقع الطلاق على نفسها نيابة عنه وبصفتها وكيلا عنه في ذلك، ويحق للزوج التراجع عن هذه الإنابة متى أراد قبل توقيع الطلاق ويستثنى من ذلك حالة واحدة لا يجوز فيها للزوج عزل زوجته عن هذه الوكالة، وهي إذا كان لها في هذه الوكالة، كأن يصرح عند الزواج أنه يوكلها على تطليق نفسها إذا تزوج عليها، وأنه إن فعل فلها أن تطلق نفسها.
ثانيا – التمليك:
وهو أن يجعل الزوج أمر زوجته بيدها بحيث تصبح مالكة لعصمتها ولها الحق في أن توقع الطلاق متى أرادت ولا يجوز للزوج أن يرجع في ذلك. وعندما يطلع القاضي على هذا التمليك يأمر الزوجة بأن تصرح فورا بموقفها في الفراق أو في البقاء في عصمة الزوج، فإن لم تصرح يحكم القاضي بسقوط حقها في التمليك.
ثالثا – التخيير :
وهو أن يخير الزوج زوجته بين البقاء معه أو الفراق ولها حرية الاختيار وليس للزوج الرجوع عن هذا التخيير ويعتبر اتصالها جنسيا بزوجها بمثابة اختيار البقاء معه. كما أن افتراق الزوجين عن مجلس التخيير قبل أن تعبر الزوجة عن موقفها يسقط حقها في هذا التخيير.
ولقد نصت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة على حق الزوجة في توقيع الطلاق إذا ملكها زوجها هذا بمقتضى الفصل 44 والذي ينص على أن: “الطلاق هو حل عقد النكاح بإيقاع الزوج أو وكيله أو من فوض له في ذلك أو الزوجة إن ملكت هذا الحق أو القاضي”.
وجاءت المدونة الجديدة وأفردت للتمليك نصا خاصا حيث ورد في المادة 89 أنه: “إذا ملك الزوج زوجته حق إيقاع الطلاق كان لها أن تستعمل هذا الحق عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة طبقا لأحكام المادتين 79 و 80 أعلاه. تتأكد المحكمة من توفر شروط التمليك المتفق عليها بين الزوجين وتحاول الإصلاح بينهما طبقا لأحكام المادتين 81 و 82 أعلاه. إذا تعذر الإصلاح تأذن المحكمة للزوجة بالإشهاد على الطلاق. وثبت في مستحقات الزوجة والأطفال عند الاقتضاء تطبيقا لأحكام المادتين 84 و 85 أعلاه لا يمكن للزوج أن يعزل زوجته عن ممارسة حقها في التمليك الذي ملكها إياه”. فالزوج يمكن له أن ينيب عنه زوجته في طلاق نفسها لتصبح مالكة لهذا الحق والذي لايمكن للزوج بعد ذلك عزل زوجته عن ممارسته.
إن مسألة تفويض الزوج وتمليكها حق توقيع الطلاق بإرادتها المنفردة مسألة ثابتة في الفقه الإسلامي حيث انه يجوز للزوج أن يفوض زوجته في طلاقها منه، لأن من ملك حقا كان له أن يتصرف فيه بنفسه أو ينيب غيره في التصرف فيه مطلقا أو محددا … وإذا تم التفويض أو التمليك فلا يمكن الرجوع فيه، كما أن الزوجة لا تكون ملزمة بإثبات الضرر ويكفيها إثبات التمليك.
والمرأة التي تريد توقيع الطلاق على زوجها بالتمليك يتعين عليها إتباع مسطرة الطلاق بتقديم الطلب إلى المحكمة والإشهاد لدى العدلين المنتصبين للشهادة بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيها عقد الزواج … وتقوم المحكمة بمحاولة الإصلاح المنصوص عليها في المادتين 81 و 82 من مدونة الأسرة.