أولا: تعريف الولاية وأقسامها
الولاية لغة من باب ولى الشيء و ولي عليه ولاية، يطلق هذا اللفظ ويراد به المحب والصديق كما يطلق عليها النصرة، والولي النصير والظهير ، قال تعالى “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا” (سورة المائدة الآية 57) وقوله تعالى “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ” (سورة التوبة الآية 72).
واصطلاحا الولاية هي القدرة على مباشرة العقود والتصرف من غير توقف على إجازة أحد.
والوالي في باب النكاح عند الفقهاء : هو الذي يلي أمر امرأة في عقد الزواج ويتولى شؤونها وإسداد النصح لها بما يملكه من صلاحيات على المولى عليها في إنشاء العقد. ويسمى هذا الذي يلي شؤون المرأة ” الولي”. ويقسم فقهاء المالكية الولاية إلى قسمين ولاية عامة وولاية خاصة:
فالولاية العامة هي ولاية الإسلام، عرفها ابن نجيم الحنفي بأنها : “استحقاق تصرف عام في الدين، والدنيا على المسلمين”. والولاية متعلقة بتصرف الراعي في تدبير شؤون الرعية؛ لا أنه أصبح مستحقاً ولأنه يتصرف فيهم، والمستحق عليهم طاعة الإمام، لا تصرفه فيهم. والأصل فيها قوله تعالى ” اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمُ فِيهَا خَالِدُونَ” (سورة البقرة الآية 257 ) وقال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”(سورة المائدة الآية 51).
أما الولاية الخاصة فهي ولاية النسب والقرابة والأصل فيها قوله تعالى :” وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.” وهذا النوع من الولاية يثبت لأناس معيني.
أما بالنسبة لأولياء المرأة الذين لهم الحق في تزويجها فلا توجد نصوص تدل على الأولى بالولاية، ولذا فإن الفقهاء في ترتيبهم للأولى والأقرب قد يتفقون وقد يختلفون لعدم علمهم بالأقرب وفي ذلك يقول رب العزة “آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا”(سورة النساء الآية 11).
والراجح أن الأب هو الأولى في تزويج المرأة ويأتي بعده الجد وهذا مذهب الشافعية والحنابلة. أما المشهور في مذهب مالك تقديم الابن على الأب، وتقديم الإخوة على الجد، وبعد الجد الولاية للأعمام ثم أبناؤهم.
ثانيا :الحكمة من تشريع الولاية
- الحرص على مستقبل المرأة وحفظ كرامتها فضلا عن مراعاة مجامع الحياء في شخصيتها .
- قطع الطريق على الانتهازيين من الرجال لئلا يستغلوا الفرصة الناجمة عن ضعف المرأة.
- الحرص على تماسك الأسرة، وسد كل طريق يؤدي إلى الخلاف داخل الأسرة وتفرقها .
- حماية المرأة من سوء الاختيار لعدم معرفتها بالرجال لأن الغاية من الولاية أن لا تضع المرأة نفسها في غير كفء.
- دفع العار عن الأسرة، لأنه لو وضعها في غير كفء كان ذلك عار عليه وعليها، فشرع الولي لحفظ كرامة المرأة ومصالحها ودفع الضرر عنها، فتصرف المرأة في نفسها بغير إذن وليها يخشى منه العار على الأسرة.
- حرص الإسلام على بر الوالدين وطاعتهم في المعروف واستشاراتهم تطييبا لخاطرهم.
- منع نشوء العلاقات المشبوهة بين الرجل والمرأة.
فهذه الحكم كلها تحقق مصلحة معتبرة شرعا، فالأولى مراعاتها في زواج المسلمين واشتراط الولي عند الجمهور، لا يعني تقييد حرية المرأة، ولا إسقاط حقها في اختيار من ترضی به زوجا، فهي أحق بنفسها من وليها في الإذن والرضا، فلها الحرية في قبول أو رفض من تقدم بطلب يدها، كما لا يجوز للأب أو غيره أن يجبر المرأة البالغة العاقلة، أويكرهها بالزواج بمن لا ترضى به زوجا، كما لا يجوز له أن يمنعها من الزواج بمن رغبت فيه ورغب فيها بشرط الكفاءة في الدين والخلق.
ثالثا: الولاية في مدونة الأسرة
تطرقت مدونة الأسرة إلى الولاية في الزواج في مادتين المادة 24 التي نصت على أن “الولاية حق للمرأة تمارسه الراشدة حسب اختيارها ومصلحتها”، والمادة 25 التي نصت على أنه “للراشدة أن تعقد زواجها بنفسها، أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها”.
ويلاحظ أن الولاية في مدونة الأسرة حسب المادة 24 منها أصبحت حقا للمرأة الرشيدة، تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها، فلها أن تختار من يتولى أمر زواجها، وبالتالي فقد تحول طبيعة الولاية من شرط لصحة عقد الزواج إلى حق للمرأة الراشد. أما القاصر التي لم تصل إلى سن الرشد القانوني ( 18 سنة) فتخضع لمقتضيات المادة 20 من المدونة.
كما أن المشرع في المادة 25 أعلاه ترك الاختيار للمرأة لممارسة الولاية، بحيث تمكنها لأبيها ولمن شاءت من أقاربها، دون مراعاة لأي ترتيب، كما يمكنها أن تعقد على نفسها، فالمدونة أخذت بالمذهب الحنفي، وهجرت ما قالت به المالكية من أن الولاية شرط صحة في عقد الزواج.
فالمشرع المغربي وقع له تشويش في موضوع الولاية، فقد نزل بين منزلتين الإبقاء على الولاية وتركها في ذات الوقت، فالراشدة لها أن تزوج نفسها بنفسها أو أن تفوض ذلك لأبيها أو أحد أقاربها. وهذا التوجه الذي سار عليه المشرع قد انتقده مجموعة من الفقهاء باعتباره أن زواج المرأة نفسها بنفسها يؤدي إلى شرخ في الأسرة ويلحق بها أضرارا بليغة تعكس على المجتمع، وقد تنخدع أثناء العقد.
وبتجاهل الولي في مدونة الأسرة يكون المشرع قد هجر المذهب المالكي وأخذ بنسبة ضئيلة من الأقوال الشاذة في الولاية، بل نجده يتناقض مع نفسه يبيح للرشيدة زواج نفسها بنفسها ويقر بضرورة انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين في مسطرة الطلاق لإجراء الصلح.
ويبقى في الأخير أن نشير إلى شروط الولاية في حالة تمسك المرأة بها على حسب الفقه المالكي وهي:
- أن يكون الولي ذكرا، وهذا بخلاف ما لو تعلق الأمر بالولاية على المال في التشريع المغربي ، حيث تثبت الولاية للأم في حالة عدم وجود الأب أو فقد أهليته بنص المادة 231 من مدونة الأسرة.
- أن يكون الولي مسلما، ويصح أن يكون الكتابي وليا متى كانت المولى عليها كتابية، فلا تثبت ولاية غير المسلم على المسلم إعمالا بقوله تعالى: (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) .
- وأن يكون الولي مكلفا، ويندرج في التكليف العقل والرشد، ومن ثم لا يصح للصبي ولا المجنون ولا المعتوه أن يكون وليا على المرأة. أما بالنسبة لولاية السفيه فهي جائزة عند جمهور المالكية لأن الحجر في حقه إنما يمس تصرفاته المالية دون غيرها .