الشغل : الهيئات القضائية المتدخلة في علاقة الشغل
إذا كان قانون الشغل يوصف بأنه قانون ذو طبيعة حمائية، يهدف إلى إعادة التوازن للعلاقة الشغلية بين عنصر الإنتاج الرأس المال والعمل، وذلك من خلال ما يمنحه لهذا الأخير من حقوق وضمانات، فإنه ومهما بلغت درجة تقدمية قواعده فإن هذه الأخيرة ستبقى حبرا على ورق، إذا لم يكن هناك جهاز قضائي يكفل تطبيق ما تقرره هذه القواعد من حقوق وضمانات على أرض الواقع، في ظل إجراءات مسطرية بسيطة، هدفها تحقيق العدالة لأكبر شريحة اجتماعية.
تعددت العوامل التي ساهمت بشكل كبير في إحداث قضاء متخصص يُعنى بقضايا الشغل في المغرب، حيث كان من أبرز هذه العوامل التطور الكبير الذي شهده القطاع الصناعي، والذي أدى بدوره إلى تزايد الحاجة إلى يد عاملة بشكل ملحوظ، الأمر الذي نتج عنه توافد أعداد كبيرة من العمال إلى مختلف القطاعات الصناعية والتجارية. وقد صاحب هذا التوسع ظهور وانتشار الأفكار النقابية التي أصبحت تُطالب بتحسين ظروف العمل وضمان حقوق العمال، مما استدعى ضرورة وجود نظام قضائي متخصص قادر على التعامل مع النزاعات المتعلقة بالشغل بشكل عادل ومنصف.
الفقرة الأولى // اختصاص المحكمة الابتدائية في المادة الاجتماعية (الشغل) :
الاختصاص هو توزيع العمل بين المحاكم، وقد نشأت فكرة الاختصاص بسبب تعدد المحاكم ووجوب تقسيم العمل بينها، إما بحسب نوع القضية ويسمى الاختصاص النوعي، أو بحسب المكان الذي توجد به المحكمة ويسمى الاختصاص المحلي.
أولا // الاختصاص النوعي:
تختص المحاكم الابتدائية حسب المادة 18 من قانون المسطرة المدنية مع مراعاة الاختصاصات الخاصة المخولة إلى أقسام قضاء القرب بالنضر في جميع القضايا المدنية وقضايا الأسرة والتجارية والإدارية والاجتماعية ابتدائيا وانتهائيا أو ابتدائيا مع حفظ حق الاستئناف أمام غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية في جميع الطلبات التي تتجاوز عشرين ألف درهم (20.000 درهم).
وبالنسبة للقضايا الاجتماعية وانطلاقا من المادة 20 من نفس القانون تختص بالنظر فيما يلي:
– النزاعات الفردية المتعلقة بعقود الشغل والتدريب المهني والخلافات الفردية التي لها علاقة بالشغل أو التدريب المهني.
– التعويض عن الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
– النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي.
ثانيا // الاختصاص المحلي:
أما فيما يتعلق بالاختصاص المحلي، فإنه يختلف باختلاف طبيعة النزاع المرفوع أمام المحكمة، حيث يتم تحديد الجهة القضائية المختصة بناءً على نوع القضية المطروحة وظروفها وفق الآتي:
– في دعاوى عقود الشغل والتدريب المهني أمام محكمة موقع المؤسسة بالنسبة للعمل المنجز بها، أو محكمة موقع إبرام أو تنفيذ عقد الشغل بالنسبة للعمل خارج المؤسسة، (وتطبق هذه الحالة على عمال الأوراش وعلى الممثلين والمتجولين والتجاريين والصناعيين الذين يشتغلون خارج المؤسسة، وكذلك على بعض المستخدمين الذين يشتغلون لدى مؤسسة لها فروع متعددة واقعة في عدة دوائر قضائية في حين أن عملهم يشمل كل تلك الفروع أو البعض منها).
– في دعاوى الضمان الاجتماعي، أمام محكمة موطن المدعى عليه، أما إذا كان موطن المؤمن له بالخارج فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة الدار البيضاء.
– في المنازعات المتعلقة بحوادث الشغل أمام المحكمة التي وقعت الحادثة في دائرتها، لكن يجوز للأجير أو لذوي حقوقه رفع الدعوى أمام محكمة الموطن إذا وقعت الحادثة في دائرة لا يقطنها الأجير المصاب. لكن إذا وقعت الحادثة خارج المغرب فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة محل إقامة الضحية أو ذوي حقوقه عند الاقتضاء.
– في دعاوى الأمراض المهنية أمام محكمة محل إقامة الأجير أو ذوي حقوقه، أما إذا كان موطن الأجير أو ذوي حقوقه بالخارج فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة المحل الذي وقع إيداع التصريح بالمرض فيه.
الفقرة الثانية // خصائص المسطرة في المادة الاجتماعية:
أولا //المساعدة القضائية :
لرفع كل حاجز مادي يحول دون مطالبة الأجير بحقه أمام القضاء، نص المشرع في المادة 273 من قانون المسطرة المدنية على استفادة الأجير أو ذوو حقوقه من المساعدة القضائية بحكم القانون سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، حيث يعفى من أداء مصاريف التقاضي، كرسم الدعوى وأتعاب المحامي، أو الخبير،
ويسري مفعول هذه المساعدة القضائية على الاستئناف وكذلك على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية، لكنه لا يسري على مرحلة النقض، إلا إذا تقدم طالب النقض بملتمس من أجل الحصول على المساعدة القضائية وهو ما سبق للمجلس الأعلى أن كرسه في إحدى القضايا التي لم يؤدي فيها طالب النقض الرسوم القضائية بحجة أن الدعوى الاجتماعية معفاة من الرسوم.
ثانيا // إجبارية محاولة الصلح:
يجب على المحكمة وهي تنظر في المادة الاجتماعية، أن تجري محاولة الصلح بين طرفي الدعوى قبل إصدار الحكم، الأمر الذي يفرض على الطرفين الحضور شخصيا في الجلسة الأولى مع السماح للمشغل ومؤمنه في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وللمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن يعينوا من ينوب عنهم، كما يمكن لباقي الأطراف أن يعينوا من يمثلهم بعد إذن من القاضي إذا تعذر حضورهم الشخصي.
ومحاولة الصلح قاصرة على المرحلة الابتدائية دون الاستئناف، حسب اجتهاد للمجلس الأعلى الذي رفض عريضة النقض التي رفعها الطاعن بدعوى أن محكمة الاستئناف خرقت مقتضيات المادة 277 من قانون المسطرة المدنية لعدم قيامها بإجراء محاولة التصالح بين طرفي النزاع.
فإذا حصل صلح أثبت شروط الاتفاق حسب الأحوال إما بمحضر وإما بأمر قضائي. وإثبات الاتفاق يضع حدا للنزاع وتكون الوثيقة التي تضمنته قابلة للتنفيذ بقوة القانون ولا تقبل أي طعن. وإذا لم يحصل صلح أمكن للقاضي إما البت فورا إذا كانت القضية جاهزة للحكم، وإما الأمر بإجراء بحث وبعد ذلك يصدر الحكم.
ثالثا // التنفيذ المعجل بقوة القانون :
التنفيذ المعجل يُقصد به تنفيذ الحكم القضائي قبل أن يكتسب قوة الشيء المحكوم به، أي حتى في الحالات التي قد يقدم فيها أحد الأطراف طعنًا في الحكم. ويُعتبر هذا النوع من التنفيذ استثناءً يهدف إلى تحقيق العدالة السريعة ومنع المماطلة التي قد تُضر بالمستفيد من الحكم. وينقسم التنفيذ المعجل إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
– التنفيذ المعجل الاختياري : هو نوع من التنفيذ المعجل الذي يتم بناءً على طلب صريح يتقدم به المدعي المحكوم له بالنفاذ أثناء سير الدعوى. ويُمنح هذا النوع من التنفيذ بقرار من المحكمة، التي تتمتع بسلطة تقديرية في الموافقة على الطلب أو رفضه، وفقًا لتقييمها لظروف وأهمية القضية المطروحة أمامها.
-التنفيذ المعجل الوجوبي: يكون بحكم القضاء في الحالات التالية: إذا كان الحكم مبنيا على سند رسمي؛ إذا كان الحكم مبنيا على تعهد معترف به؛ إذا كان الحكم قد صدر بتنفيذ حكم سابق.
– التنفيذ المعجل بقوة القانون: مفاده أن النص الشرعي هو الذي يفرضه، فيتقرر عمليا ولو لم يطلبه الأطراف ولو لم يشر إليه القاضي في حكمه.
وطبقا للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 285 من قانون المسطرة المدنية المغربي يكون الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وفي قضايا الضمان الاجتماعي وقضايا عقود الشغل والتدريب المهنى، رغم كل تعرض أو استئناف.
ففي القضايا المشار إليها أعلاه يستطيع الأجير الاستفادة من الحقوق والتعويضات المحكوم له بها حتى لو تقدم الخصم بطعن في ذلك الحكم أمام الهيئة المختصة قانونا.
Share this content: