لقد أصبح الطلاق في ظل نصوص مدونة الأسرة حق مشترك للزوج والزوجة يمارس وفق مسطرة وشروط محددة تحت مراقبة القضاء :
الفقرة الأولى : طلب الإشهاد على الطلاق
لقد تم إخضاع مسطرة الطلاق لرقابة القضاء سواء كان الطلب مقدما من طرف الزوج أو الزوجة أو بالاتفاق معا على إنهاء الرابطة الزوجية. وباستقراء المواد المنظمة للطلاق بطلب من الزوج وهي من المادة 78 إلى 88 من مدونة الأسرة فإننا نلاحظ بأن هذه المواد نقلت الاختصاص للإذن بالطلاق من قاضي التوثيق إلى المحكمة.
وقد نصت المادة 79 على أنه: “يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية. أو موطن الزوجة أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب”.
من النص السابق يتضح بأنه يتعين على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن بذلك من المحكمة حيث لا تصدر هذا الإذن إلا بعد استيفاء المجموعة من الإجراءات حماية لحقوق المطلقة والأولاد، وعند صدور هذا الإذن يشهد العدلان على الطلاق.
إن طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق يقدم أولا أمام المحكمة التي يوجد بدائرة اختصاصها بيت الزوجية وإذا لم يتوفر فإنه يقدم أمام المحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها موطن الزوجة وإلا قدم أمام المحكمة التي يوجد بدائرة نفوذها محل إبرام عقد الزواج مع مراعاة الترتيب السابق.
وطلب الإذن بالإشهاد على الطلاق يجب أن يتضمن طبقا للمادة 80 من مدونة الأسرة: هوية الزوجين ومهنتهما وعنوانها، وعدد الأطفال إن وجدوا، وسنهم ووضعهم الصحي والدراسي. ويرفق الطلب بمستند الزوجية والحجج المثبتة لوضعية الزوج المادية والتزاماته المالية حتى يتمكن القاضي من تحديد مستحقات الزوجة والأطفال.
الفقرة الثانية : استدعاء المحكمة للزوجين
تنص المادة 81 من مدونة الأسرة على ما يلي:” تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح. إذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه. إذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر، ولم تقدم ملاحظات مكتوبة. أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف. إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول، استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة، وإذا ثبت تحايل الزوج، طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة”.
ويدخل استدعاء الزوجية في إطار التبليغ الذي يقصد به تلك الإجراءات التي يتم من خلالها إعلام المبلغ إليه بالإجراءات القضائية التي تتخذ ضده تجنبا للطلاق الغيابي الذي يقع دون علم الزوجة، فمدونة الأسرة عملت على تجاوز النقص الذي اعترى مدونة الأحوال الشخصية السابقة لأن هذه الأخيرة لم تقنن مسطرة معينة لاستدعاء الزوجين حيث كانت قواعد المسطرة المدنية هي الواجبة التطبيق.
وهكذا حرصت مدونة الأسرة على الاستدعاء الشخصي، وخرجت عن الأصل العام المقرر في قانون المسطرة المدنية. وفي ذلك ضمانة للزوجين، خاصة الزوجة حيث تتوصل بالاستدعاء ومنحها مهلة زمنية لإعداد دفاعها، لأن أساس التبليغ هو المواجهة الذي يبنى على عدم اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص دون إخباره ومنحه فرصة للدفاع عن نفسه، وحضور الزوجين يصبح أكثر إلحاحا لإجراء محاولة الصلح وتمكين الزوجة من حقوقها حالة الفشل.
إن التوصل الشخصي يقتضي بأن يسلم الاستدعاء إلى الشخص نفسه بعد التأكد من هويته بواسطة الوثائق الإدارية المعتمدة لذلك مع الإشارة إلى رقمها وتوقيعه على شهادة التسليم وإذا رفض المتسلم التوقيع فإنه يشار إلى ذلك من طرف عون التبليغ، ورغبة في تفعيل إجراءات التبليغ أسند المشرع إلى النيابة العامة دورا حيويا في قضايا التبليغ من خلال المقتضيات التالية:
1- إخطار الزوجة بأن عدم حضورها إلى المحكمة للصلح رغم توصلها الشخصي بالاستدعاء وعدم تقديمها لملاحظاتها الكتابية فإن المحكمة ستبت في الملف.
2- إذا اتضح للنيابة العامة تعذر معرفة عنوان الزوجة فإنها تتولى البحث عن مكان تواجدها لاستدعاتها فيه، وإذا تعذر ذلك ثبت المحكمة في طلب الزوج.
3- إذا تبين للنيابة العامة في إطار البحث عن عنوان الزوجة تحايل الزوج بإدلائه متعمدا بمعلومات خاطئة كإدلائه بعنوان غير العنوان الحقيقي قصد تضليل العدالة، فإن النيابة العامة تفتح ملف المتابعة الجنائية ضد الزوج بتحريك الدعوى العمومية في إطار الفصل 361 من القانون الجنائي، وذلك بناء على طلب من الزوجة بحيث متى تنازلت عن الشكاية أو تم سحبها اعتبر ذلك مانعا للنيابة العامة في مواصلة إجراءات المتابعة الجنائية.
الفقرة الثالثة : إجراء محاولة الصلح بين الزوجين
للصلح أهمية كبيرة في نظر الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لأن الصلح هو خلاف الفساد، والإسلام إنما جاء لمحاربة الفساد، قال النووي: الصلح والإصلاح والمصالحة هو قطع المنازعة وهو مأخوذ من صلح الشيء وهو بخلاف الفساد”.
ويعتبر الصلح وبصفة خاصة في مجال قانون الأسرة من طبيعة الوظيفة القضائية وقد حظي الصلح بين الزوجين بأهمية بالغة من طرف المشرع المغربي إذ حاول من خلال دعوى التطليق للشقاق إشاعة ثقافة التصالح بين أفراد الأسرة حيث حث المشرع على إجراء الصلح من طرف المحكمة، والحكمان وكل من تراه المحكمة مؤهلا للقيام بالصلح.
وقد أعطت مدونة الأسرة للمحكمة صلاحيات واسعة لإجراء الصلح وسلطة تقديرية لاختيار الوسيلة الأكثر نجاعة لرأب الصدع والخلاف وجمع شتات الأسرة، وهكذا تم تنظيم مسطرة الصلح من خلال المواد 81 82 83 95 96 من مدونة الأسرة وباستقراء هذه المواد يتبين بأن عملية الصلح تمر بثلاث مراحل، الصلح الذي تجريه المحكمة، والصلح من خلال بعث الحكمين، والصلح من خلال مجلس العائلة،
أولا : الصلح بواسطة المحكمة
يعتبر استدعاء الزوجين أمام المحكمة من أهم الإجراءات الكفيلة بضمان حضور الأطراف قصد إجراء محاولة الصلح، والمادة 81 من مدونة الأسرة أخذت بالتبليغ اليقيني حيث اشترطت التبليغ الشخصي ،وقد أسندت مدونة الأسرة إصلاح ذات البين إلى المحكمة بعدما كانت في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مستندة القاضي التوثيق،
وهكذا نصت المادة 82 على أنه: “عند حضور الطرفين تجرى المناقشات بغرفة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، لما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين. وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة”.
ومن هنا يتعين وجوباً تحت طائلة البطلان إجراء المحكمة للصلح وعلى محكمة الأسرة أن تعمل كل ما في وسعها للحفاظ على كيان الأسرة ولم شملها لأن الصلح في العمل القضائي الأسري يحقق الاستقرار والطمأنينة للأسرة والمجتمع ولذلك يتعين على القاضي الأسري أن يتخذ كل الإجراءات اللازمة ويقرر كل ما يراه مناسبا من وسائل البحث خاصة وأنه قد تكون هناك أسرار بين الزوجين يصعب البوح بها. فالقاضي المكلف بالصلح في القضايا الأسرية علاوة على كونه رجل قانون فإنه يتعين أن يكون أبا صالحا ويتوفر على درجة عالية من اللباقة والفطنة لكي ينجح في المهمة التصالحية بين الزوجين.
وهكذا تعمل المحكمة على إجراء الصلح في غرفة المشورة من تلقاء نفسها لأن الصلح من النظام العام تجربه المحكمة ولو لم تطلبه الأطراف وعادة ما يتكلف بالصلح القاضي المقرر ومن ثم يرفع التقرير للمداولة بشأنه لدى هيئة الحكم ،كما أنه ومن أجل تحقيق الهدف المتوخى من إجراء الصلح لا بد من الحضور الشخصي للمعنيين بالأمر،
حيث جعل المشرع المغربي الحضور الشخصي للزوجين إلزامها في جلسات الصلح، بمعنى وجوب إجراء مسطرة تواجهية لمعرفة أسباب الخلاف وحقيقة النزاع بهدف تدليل العقبات وإصلاح ذات البين. وتجدر الإشارة إلى أن وجود الأولاد له أثر على العملية الصلحية من حيث تكرارها وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 82 من مدونة الأسرة بحث تجرى محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما، لأن الطفل هو الضحية الأولى للطلاق،
وهذه الجهود المبذولة من طرف المحكمة، إما أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، حيث يتوصل الطرفان إلى الصلح، وتحرر به المحكمة محضرا، ويتم الإشهاد به من طرفها وينفذ بقوة القانون ولا يقبل أي طعن، وخلافا لذلك فقد تفشل المحكمة في التوصل إلى إصلاح ذات البين.
ثانيا : بعث الحكمين
بالرجوع إلى المواد 82 95 96 نجد المشرع المغربي قد خول المحكمة صلاحيات واسعة للقيام بإصلاح ذات البين بما فيها انتداب الحكمين. وقد حددت المادتان 195 و 296 من مدونة الأسرة حدود ونطاق عمل الحكمان،
إن بعث الحكمين يقتضي بذل الجهد في استقصاء أسباب النزاع ومحاولة التوفيق بين الزوجين وتذويب الخلافات بينهما. ولم يحدد المشرع مهمة الحكمين في هذا المقام وكيفية ممارسة مهامها، غير أن عمل الحكمين يجري وفق المسطرة المحددة في المادتين 95 و 96 المتعلقتين بالتطليق للشقاق، حيث يقوما ببحث أسباب الشقاق المؤدى إلى طلب الطلاق والسعي إلى إنهائه، ومتى توصل الحكمان إلى إيقاع الصلح حررا ذلك في محضر من ثلاث نسخ يوقعها كل واحد منهما بالإضافة إلى الزوجين ويرفعاتها على المحكمة للإشهاد على الصلح.
ثالثا : مجلس العائلة
لقد أشارت المادة 251 من مدونة الأسرة إلى إحداث مجلس العائلة ولقد صدر بتاريخ 14 يونيو 2004 مرسوم تطبيقي يحدد تكوين ومهام مجلس العائلة، ومن بين أهم المهام المسندة إليه القيام بالتحكيم لإصلاح ذات البين وإبداء رأيه في كل ما له علاقة بشؤون الأسرة؛ ورغم الأهمية القصوى التي من المفروض أن يقوم بها مجلس العائلة، فإن المشرع تنبأ له بالفشل وأحبط مهامه عندما اعتبر اقتراحاته الاستشارية غير ملزمة بالمرة، لذلك فما هي الجدوى العملية من التنصيص عليه في مدونة الأسرة، وفي إيراد المرسوم المحدد لتكوينه وتسير مهامه.
وعلاوة على الوسائل المذكورة ، فالمحكمة تتمتع بالسلطة التقديرية في اختيار الأساليب المعتمدة لإجراء الصلح وفق ما تراه مفيدا لكل حالة حسب ظروفها وملابساتها، فالقضاء وهو يحاول الإصلاح بين الزوجين لابد أن يتمتع بدرجة عالية من اللباقة والفطنة لاختيار الوسيلة الناجعة للوصول إلى كنه الخلاف بين الزوجين ، والذي قد يصعب التوصل إليه نظرا لما يتسم به من طابع شخصي، ولصعوبة البوح بالأسرار العائلية.
الفقرة الرابعة : إيداع المستحقات
تنص المادة 83 من مدونة الأسرة على أنه إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين حددت المحكمة مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم، وإذا لم يقدم الزوج على إيداع مستحقات الزوجة والأطفال إن وجدوا داخل الأجل المحدد له اعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق، ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة بمقتضى المادة 86 من مدونة الأسرة.
إن انحلال الرابطة الزوجية يرتب حقوقا مالية للزوجة والأطفال سواء كان الطلاق بإرادة من الزوج أو بطلب من الزوجة وهذه الحقوق عرفت توسعا في مدونة الأسرة عما كان عليه الوضع في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وهكذا نصت المادة 84 من مدونة الأسرة. على أن مستحقات الزوجة تشمل الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه.
وهكذا لا يتم الإذن بالطلاق إلا بعد إيداع هذه المستحقات في كتابة ضبط المحكمة حماية لحقوق المطلقة وحقوق أطفالها من الضياع وحتى تستحق المطلقة هذه الحقوق يجب أن يكون الطلاق ناتجا عن زواج صحيح تم فيه البناء، وهذه الحقوق منها ما هو مخول للمطلقة بقوة القانون ومنها ما يكون متوقف على مطالبتها ويملك القضاء بهذا الشأن سلطة تقديرية واسعة؛ ومن شأن ضمان هذه الحقوق تحقيق مبادئ العدل والإنصاف ليس للمطلقة فقط بل لجميع الأطراف زوجا أو زوجة أو أطفالا خاصة وأن مدونة الأسرة تضمن إمكانية منع التعويض للطرف المتضرر من انهيار الرابطة الزوجية زوجا كان أم زوجة إضافة إلى إمكانية الاستفادة من ممتلكات الأسرة أثناء الحياة الزوجية طبقا للمادة 49 من مدونة الأسرة.
الفقرة الخامسة : الطعن في قرار المحكمة
إذا كانت مدونة الأسرة قانون موضوع تتضمن أساسا بيان الحقوق والواجبات وتنظيم الشأن الأسري وهي قواعد موضوعية إلا أنها تتضمن العديد من المقتضيات الإجرائية إلى جانب قانون المسطرة المدنية، ولعل أهم مستجد إجرائي جاءت به مدونة الأسرة فإنه يتعلق بموضوع الطعن حيث نصت في بعض مقتضياتها على قابلية أو عدم قابلية بعض الأحكام الصادرة عن قضاء الأسرة للطعن.
وهكذا نصت الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة على أن المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية. فجميع الأحكام الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ تكون غير قابلة لأية وسيلة من وسائل الطعن ولا تقبل أي طريق من طرق الطعن سواء منها العادية أو غيرها وذلك في الجزء المتعلق بإنهاء الرابطة الزوجية فقط،
أما القضايا ذات الطبيعة المالية فإن الأحكام الصادرة فيها عند حل الرابطة الزوجية تكون قابلة للطعن كمستحقات الزوجة والنزاعات الناشئة عن الممتلكات الزوجية المكتسبة أثناء الحياة الزوجية، ذلك أن المشرع ألزم المحكمة عند تعذر الإصلاح الحكم بمستحقات الزوجة التي تشمل الصداق المؤخر إن وجد ونفقة العدة والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيع الطلاق وكذلك الحكم بالتعويض لصالح المضرور من أحد الزوجين. كما أن مستحقات الأطفال تشمل النفقة والسكن فهذه المستحقات تقبل الطعن طبقا للمادة 128 من مدونة الأسرة، كما أنه يحق لأحد الزوجين مطالبة الزوج الآخر بنصيب من ممتلكات الأسرة ويكون الحكم الصادر في هذا الشأن قابلا للطعن طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية.