محكمة النقض : التنظيم الداخلي والإداري لمحكمة النقض

أولا // التنظيم الداخلي لمحكمة النقض :

1 – مكتب محكمة النقض :

إذا نص المشرع بموجب قانون التنظيم القضائي على إنشاء مكتب للمحكمة في كل من محاكم الدرجة الأولى ومحاكم الدرجة الثانية، فإن الحاجة إلى إنشاءه في محكمة النقض تزداد أهمية نظرًا لطبيعة هذه المحكمة التي تُصنف كمحكمة قانونية. لذلك، يجب أن تكون منظمة بشكل أكبر وأكثر تناغمًا من خلال وضع نظام داخلي محكم وبرنامج عمل منظم يتم إعداده بعناية ودقة مسبقًا قبل تقديمهما إلى الجمعية العامة للمصادقة عليهما، ومن ثم اعتمادهما رسميًا في المحكمة خلال السنة القضائية التالية.

وقد نص المشرع في المادة 90 من قانون التنظيم القضائي على أنه ” يحدث بمحكمة النقض مكتب يتولى وضع برنامج تنظيم العمل بمحكمة النقض وذلك بتحديد الهيئات وتأليفها وتعيين رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات التي تشكلها، وتوزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة، وتحديد عدد الجلسات وأيام وساعات انعقادها”.

تُؤَسِّس هذه المادة جهازًا جديدًا بمحكمة النقض يُعرف باسم مكتب المحكمة. وقد اختار المشرع تنظيمه من خلال مواد خاصة، منفصلة عن الأحكام التي تناولت مكتب المحكمة في محاكم الدرجة الأولى والثانية، وذلك نظرًا لاختلاف طبيعة هذه المحاكم. فمحاكم الدرجة الأولى والثانية تُعد محاكم موضوع، في حين أن محكمة النقض تُعتبر محكمة قانون.

وكذلك لما أسنده المشرع إلى مكتب محكمة النقض من مهام إضافية لم تُمنح لمكاتب محاكم الدرجة الأولى والثانية. إضافة إلى ذلك، فإن تخصيص أجهزة محكمة النقض بمقتضيات مستقلة واردة في فصل خاص يُبرز الأهمية البالغة لهذه المحكمة ومكانتها الرفيعة ضمن المنظومة القضائية المغربية. وهذا من شأنه أن يُحفز مسؤوليها وقضاتها، ولو بشكل غير مباشر، على تعزيز مكانتها والارتقاء بأدائها عبر الحرص على التفعيل الأمثل لعمل هذه الأجهزة.

وأول هذه الأجهزة، كما سبق ذكره، هو مكتب المحكمة، الذي أسند إليه المشرع مهمة إعداد برنامج لتنظيم العمل داخل محكمة النقض. ويُفترض أن يركز هذا البرنامج بشكل أساسي على تحديد الهيئات المكونة للغرف وتشكيلها، واقتراح رؤساء الغرف لتولي هذه المسؤوليات، بالإضافة إلى تعيين المستشارين لرئاسة الهيئات. كما تشمل مهامه توزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة، إلى جانب تحديد عدد الجلسات الأسبوعية وأيام وساعات انعقادها.

وذلك من خلال استحضار التحديات التي واجهتها المحكمة في السنوات الماضية والسنة الحالية، مع العمل على صياغة تصورات مستقبلية للسنة القادمة. تُبنى هذه التصورات على دراسة شاملة للنتائج والإحصائيات المسجلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الإكراهات المتوقعة التي قد تواجه المحكمة.

وفقًا للمادة 91 من قانون التنظيم القضائي ” يرأس مكتب محكمة النقض رئيسها الأول، ويضم في عضويته بالإضافة إلى الوكيل العام للملك لديها:

– نائب الرئيس الأول لمحكمة النقض؛

– رؤساء الغرف وأقدم مستشار بكل غرفة وأصغرهم سنا بها؛

– المحامي العام الأول وأقدم محام عام؛

يحضر رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة أشغال مكتب المحكمة بصفة استشارية “.

يبين المشرع في هذه المادة تركيبة مكتب محكمة النقض، الذي يرأسه الرئيس الأول لمحكمة النقض، ويضم في عضويته الوكيل العام للملك، نائب الرئيس الأول، رؤساء الغرف، أقدم وأصغر مستشار في كل غرفة، والمحامي العام الأول، وأقدم محام عام بالمحكمة. كما يحضر “بصفة استشارية” كل من رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة، مما يعكس أهمية التنسيق بين مختلف مكونات المحكمة لضمان فعالية التنظيم وسير العمل.

وأضافت المادة 92 من نفس القانون بأنه ” يستطلع الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها كل فيما يخصه، و قبل اجتماع مكتب المحكمة، آراء المستشارين والمحامين العامين بشأن توزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة، ويطلع المكتب عليها.

يجتمع المكتب بدعوة من الرئيس الأول لمحكمة النقض خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من كل سنة، وكلما دعت الضرورة لذلك.

يخصص الاجتماع لإعداد برنامج تنظيم العمل بالمحكمة خلال السنة القضائية الموالية. ينجز رئيس كتابة الضبط محضرا بأشغال المكتب، تدون فيه المناقشات والقرارات المتخذة، ويوقعه الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، ورئيس كتابة الضبط “.

تُلزم هذه المادة الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها بالتحضير المسبق لاجتماع مكتب المحكمة. ويشمل ذلك استطلاع آراء المستشارين والمحامين العامين حول توزيع القضايا والمهام على قضاة المحكمة. ويتم هذا الإجراء من خلال توجيه طلب كتابي إلى كل فرد منهم، يتيح لهم تقديم آرائهم وملاحظاتهم كتابيًا بالطريقة التي يرونها مناسبة.

ويُفضل اعتماد استبيان مُعد مسبقًا لهذا الغرض، وفقًا لضوابط ومعايير واضحة، يتضمن أسئلة مباشرة حول مدى رضا المستشار أو المحامي العام أو عدم رضاهم عن توزيع المهام والقضايا خلال السنة الماضية. كما يتطرق الاستبيان إلى آرائهم بشأن برمجة الجلسات، وأيام وساعات انعقادها، بالإضافة إلى عدد القضايا التي يرون أنهم قادرون على البت فيها خلال السنة الواحدة. ويُستحسن أيضًا تخصيص جزء من الاستبيان لتدوين الآراء والمقترحات الإضافية التي يراها المستشار أو المحامي العام مفيدة ومناسبة لإعداد مشروع برنامج العمل بالمحكمة.

يمنح كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة، للمستشارين والمحامين العامين مهلة للرد يجب الالتزام بها، على أن يُستبعد أي رأي يُقدم بعد انقضاء هذه المهلة، وذلك لتجنب تأثير التأخير على عقد اجتماع مكتب المحكمة في الموعد المحدد.

على أنه يجتمع مكتب محكمة النقض في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من كل سنة بناءً على دعوة من الرئيس الأول، أي خلال الأيام السبعة الأولى من الشهر الأخير للسنة القضائية التي أوشكت على الانتهاء، وذلك ليكون برنامج العمل جاهزًا في النصف الأول من هذا الشهر، تمهيدًا لعرضه على الجمعية العامة التي تنعقد في النصف الثاني من الشهر نفسه للمصادقة عليه، مما يتيح بدء العمل به مع افتتاح السنة القضائية الجديدة. ويمكن أيضًا دعوة مكتب محكمة النقض للاجتماع كلما دعت الضرورة لذلك.

وبعد توجيه الدعوة لانعقاد اجتماع المكتب، التي يجب أن تُرسل إلى أعضائه قبل مدة كافية من التاريخ المحدد له، لتمكينهم من التحضير المناسب، وجمع الوثائق والمعطيات والإحصائيات والبيانات التي قد تكون ذات فائدة في أعمال الاجتماع، يُفتتح الاجتماع في اليوم والساعة المحددين برئاسة الرئيس الأول وبحضور بقية الأعضاء. يتم خلال الاجتماع عرض جدول الأعمال، الذي ينبغي أن يتركز بشكل أساسي وإلزامي على إعداد برنامج تنظيم العمل بالمحكمة للسنة القضائية المقبلة، وذلك وفقًا لما نصت عليه الفقرة الثالثة من هذه المادة موضوع الشرح.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أنه قد يُفهم من عبارة الفقرة الثالثة من هذه المادة: “يُخصص الاجتماع” المسبوقة بالألف واللام، أن المقصود هو اجتماع وحيد وفريد يُعقد مرة واحدة خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من السنة القضائية الجارية.

والحال أن المقصود من تعريف “الاجتماع” ينصرف إلى تحديد الغرض منه، وهو إعداد برنامج تنظيم العمل بالمحكمة خلال السنة القضائية الموالية، بحيث يمتنع تخصيص الاجتماع لأي غرض آخر قد يؤثر أو يحول دون تحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، يمكن عقد أكثر من اجتماع خلال هذا الأسبوع إذا لم يتوصل المكتب إلى صيغة نهائية، أو إذا رأى ضرورة تعميق النقاش حول نقطة معينة، أو وجد فائدة في تأجيل الحسم في البرنامج إلى اجتماع قريب للاطلاع على بعض الإحصائيات أو البيانات، بهدف تكوين رؤية واضحة حول بعض الجوانب.

وبخصوص كيفية اتخاذ مكتب محكمة النقض لقراراته، فقد أقر المشرع في هذه المادة موضوع الشرح مقتضًى ينص من خلاله على أن “القرارات تُتخذ بأغلبية أعضائه، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس”.

وقد دلت بدلالة الاقتضاء على اعتماد نظام التصويت، الذي يستوجب، بعد العرض والمناقشة، الانتقال إلى مرحلة التصويت، حيث يُلزم كل عضو من أعضاء المكتب بالتعبير عن موقفه من البرنامج، سواء بالموافقة عليه، أو رفضه، أو حتى الامتناع عن التصويت.

وبناءً على ذلك، يُفترض أن تُجرى عملية التصويت وفق ما هو معمول به في المحاكم المغربية، حيث يبدأ برفع أيدي الموافقين أولاً عند طلب التصويت على البرنامج، ثم يُحصى عددهم. وبعد ذلك، يُرفع مشروع برنامج تنظيم العمل بمحكمة النقض إلى الجمعية العامة للمحكمة للمصادقة عليه، ليتم اعتماده والعمل به في السنة القضائية الموالية.

2 – الجمعية العامة لمحكمة النقض :

تنص المادة 93 من قانون التنظيم القضائي 38.15 على ما يلي : ” تتكون الجمعية العامة لمحكمة النقض، بالإضافة إلى الرئيس الأول والوكيل العام للملك بها، من جميع المستشارين والمحامين العامين العاملين بها.

يحضر رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة أشغال الجمعية العامة بصفة استشارية “.

خصص المشرع هذه المادة لتوضيح تشكيل الجمعية العامة لمحكمة النقض باعتبارها جهازًا تنظيميًا وتقريريًا مكملًا لمكتب المحكمة المشار إليه سابقًا، حيث تم تحديد مكوناتها على النحو التالي:

– الرئيس الأول المحكمة النقض.

– الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.

– جميع المستشارين العاملين بمحكمة النقض.

– جميع المحامين العامين العاملين بمحكمة النقض.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن عبارة المشرع “جميع المستشارين”، تدفعنا إلى التأمل والتساؤل عن مدى اعتبار المستشارين المساعدين المعينين للقيام بهذه المهمة بمحكمة النقض، داخلين في عموم العبارة أم أن عمومها ينصرف إلى استغراق جميع أفراد المستشارين المعينين بهذه المحكمة بصفة مستمرة؟

بعبارة أخرى، هل يشمل عموم عبارة “المستشارين” في النص المذكور النوع، بحيث يعتبر كل من يحمل هذا اللقب، بغض النظر عن صفته سواء كان مستشارًا أو مستشارًا مساعدًا، عضوًا في الجمعية العامة؟ أم أن العموم يتعلق بالجنس، أي أن المشرع عندما أشار إلى “المستشارين” دون تحديد أو تقييد بالوصف “مساعدين”، فإن المقصود هو أن العضوية في الجمعية العامة للمحكمة تقتصر فقط على المستشارين المعينين بشكل دائم في المحكمة من بين القضاة المعينين في الدرجة الأولى على الأقل؟

إن التدقيق في صياغة المادة يوضح بجلاء أن المقصود بالمستشارين الذين يتم تكوين الجمعية العامة للمحكمة منهم هم المستشارون المعينون بشكل دائم في المحكمة، دون أن يشمل ذلك المستشارين المساعدين.

إن ما يدعم هذا الاستنتاج هو أن المشرع استخدم في النص صيغة “المستشارين” مع الألف واللام، وهي أداة تعريف تفيد تخصيص المستشارين المعينين بصفة دائمة في المحكمة، دون أن تشمل المستشارين المساعدين الذين يتم تعيينهم بشكل مؤقت. ولو كان المشرع يريد شمول المستشارين المساعدين، لكان من الأجدر أن يستخدم صيغة أخرى، مثل حذف الألف واللام، فيقول: “تتكون الجمعية العامة لمحكمة النقض، بالإضافة إلى الرئيس الأول والوكيل العام للملك بها، من جميع مستشاريها…”

فبما أن المشرع استخدم الصياغة المشار إليها مع الألف واللام التي تفيد العهد، فإن ذلك يشير إلى أن الجمعية العامة للمحكمة تتألف فقط من المستشارين المعهود لهم بهذا الوصف المجرد، أي المستشارين المعينين بصفة دائمة في محكمة النقض. وهذا يدل على أن المستشارين المساعدين، لا يدخلون في تشكيل الجمعية العامة.

ويعزز هذا الاستنتاج طبيعة الجمعية العامة التقريرية، التي تقتضي أن يكون العضو المؤثر في اتخاذ القرارات داخلها هو المستشار المعين بصفة مستمرة، وليس المستشار المعين لفترة محدودة.

وتنص هذه المادة على أن رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة في محكمة النقض يحضران أعمال الجمعية العامة بصفة استشارية.

وأضافت المادة 94 من قانون التنظيم القضائي على أنه ” يرأس الجمعية العامة لمحكمة النقض الرئيس الأول. تنعقد الجمعية العامة لمحكمة النقض وفق الكيفيات المنصوص عليها في المادتين 30و 31 من هذا القانون. يتضمن جدول أعمال الجمعية العامة لمحكمة النقض المواضيع المنصوص عليها في هذا القانون.

ينجز رئيس كتابة الضبط بمحكمة النقض محضرا بأشغال الجمعية العامة، تدون فيه المناقشات والقرارات المتخذة ويوقعه الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها ورئيس كتابة الضبط.

يوجه الرئيس الأول لمحكمة النقض نسخة من المحضر إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة والوزير المكلف بالعدل، وتوزع نسخ منه على جميع المستشارين والمحامين العامين لمحكمة النقض. ينشر برنامج تنظيم العمل بمحكمة النقض على موقعها الإلكتروني “.

أسند المشرع في هذه المادة رئاسة الجمعية العامة لمحكمة النقض إلى الرئيس الأول، وأحال في شأن كيفية انعقادها إلى المادتين 30 و31 من هذا القانون، اللتين تشير دلالتهما إلى أن الجمعية العامة تنعقد بدعوة من الرئيس الأول بعد التنسيق مع الوكيل العام للملك، وذلك في النصف الثاني من شهر دجنبر من كل سنة.

وذلك بعد توجيه دعوة لأعضاء الجمعية العامة قبل ثمانية أيام على الأقل من التاريخ المحدد، للحضور إلى اجتماعها. وتُرفق هذه الدعوة بجدول الأعمال الذي يعده الرئيس الأول لمحكمة النقض، ويتم الإعلان عن الاجتماع باستخدام كافة الوسائل المتاحة. ويشمل جدول الأعمال المواضيع المنصوص عليها في المادة 33 من هذا القانون، وهي:

– عرض النشاط القضائي للمحكمة خلال السنة القضائية المنصرمة من قبل الرئيس الأول للمحكمة والوكيل العام للملك لديها حسب الحالة، كل فيما يخصه.

– عرض الرئيس الأول لبرنامج تنظيم العمل بالمحكمة، المعد من قبل مكتب المحكمة على المصادقة.

– دراسة الطرق الكفيلة بالرفع من الأداء بالمحكمة وتحديث أساليب العمل بها.

– دراسة البرنامج الثقافي والتواصلي للمحكمة، وحصر مواضيع التكوين المستمرة.

– تحديد حاجيات المحكمة من الموارد البشرية والمادية.

تنعقد الجمعية العامة بحضور أكثر من نصف أعضائها، وإذا لم يكتمل النصاب القانوني، يُؤجل الاجتماع إلى أول أيام العمل. وفي هذه الحالة، يعتبر الاجتماع صحيحًا بمن حضر.

وسواء توفر النصاب القانوني خلال الاجتماع الأول وانعقد اجتماع الجمعية العامة بمن حضر، فإنها تصادق على برنامج تنظيم العمل بأغلبية أعضائها.

وما يمكن ملاحظته في هذا السياق هو أن المشرع حينما نظم عمل مكتب محكمة النقض، حدد كيفية اتخاذ قراراته بأغلبية أعضائه، كما وضح الحل في حالة تعادل الأصوات. أما في ما يخص تنظيم الجمعية العامة، رغم أهمية دورها في المصادقة على برنامج العمل الذي يعده مكتب المحكمة والذي لا يمكن اعتماده دون موافقتها، فقد اكتفى المشرع بالإحالة على المواد 30 و31 و33، التي لم تحدد هي الأخرى طريقة اتخاذ القرارات.

وإذا كانت موافقة أغلبية الأعضاء على برنامج العمل لا تثير أي إشكال، فإن الإشكال قد يظهر في حال عدم موافقة هذه الأغلبية على البرنامج، أو في حال تساوي الأعضاء بشأنه إلى فريقين متساويين في العدد. في مثل هذه الحالة، يصبح السؤال مفتوحًا حول كيفية التصرف واتخاذ القرار.

نظرًا لأهمية الحسم في برنامج العمل من قبل الجمعية العامة المنعقدة في نهاية السنة القضائية، واقتراب افتتاح السنة الجديدة التي يفترض أن تنطلق وفق البرنامج الجديد لضمان السير العادي والسلس للعمل بالمحكمة، فإنه من المناسب في حالة تعادل الأصوات اعتماد مبدأ “صوت الرئيس مرجحًا”، وذلك لضمان اتخاذ القرار بشكل فعّال وعدم تعطيل سير العمل.

وهو المبدأ الذي يختلف عن مبدأ “تغليب الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس”، الذي يقضي بأن يدلي الرئيس بصوته، وفي حالة التعادل يتم الترجيح بناءً على انتمائه إلى أحد الجانبين، سواء كان مؤيدًا أو معارضًا. هذا يعني أنه في حالة تعادل الأصوات، مثلًا 20 صوتًا موافقًا مقابل 20 صوتًا معارضًا، لا يتم الترجيح بناءً على معيار عددي بإضافة صوت الرئيس إلى جهة معينة، بل يتم استنادًا إلى معيار معنوي انتمائي، حيث يُرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس.

وفي الختام، يقوم رئيس كتابة الضبط بمحكمة النقض بإعداد محضر لأشغال الجمعية العامة، يتضمن تدوين المناقشات والقرارات المتخذة. ويُوقع المحضر من قبل الرئيس الأول لمحكمة النقض، والوكيل العام للملك، ورئيس كتابة الضبط.

بعد تحرير المحضر وتوقيعه، يقوم الرئيس الأول بتوجيه نسخة منه إلى كل من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس النيابة العامة، والوزير المكلف بالعدل، لإحاطتهم علمًا بالقرارات المتخذة. كما يتم توزيع نسخ من المحضر على جميع المستشارين والمحامين العامين بمحكمة النقض، استعدادًا للعمل بها خلال السنة القضائية المقبلة.

وسعيًا لضمان العلم ببرنامج تنظيم العمل بالمحاكم المصادق عليه من قبل الجمعية العامة، لدى جميع القضاة والموظفين وأصحاب المهن القضائية الأخرى، يقوم الرئيس الأول بنشره على الموقع الإلكتروني للمحكمة قبل انتهاء السنة القضائية الجارية، وفي أقصى الأحوال عند افتتاح السنة القضائية المقبلة.

ثانيا // التنظيم الإداري لمحكمة النقض :

تنص المادة 95 من قانون التنظيم القضائي على ما يلي : تطبق بشأن وضعية رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة بمحكمة النقض وموظفي كتابة الضبط وموظفي كتابة النيابة العامة بها مقتضيات المادتين 19 و 23 من هذا القانون “.

يتعرض المشرع في هذه المادة لوضعية رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة بمحكمة النقض وموظفي كتابة الضبط وموظفي كتابة النيابة العامة بها، محيلا على مقتضيات المادتين 19 و 23 من هذا القانون.وأضافت المادة 96 من نفس القانون على انه ” يشرف الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها على حسن إدارة المحكمة وسير مصالح كتابة الضبط بها، كل في حدود اختصاصه”.

بموجب المادة 21 من هذا القانون، تتولى الوزارة المكلفة بالعدل مسؤولية الإشراف الإداري والمالي على المحاكم، وذلك بتنسيق وتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمسؤولين القضائيين والإداريين في المحاكم، بالإضافة إلى ممثلي مصالحها اللاممركزة. ويتعلق الإشراف هنا بالمهام المنوطة بالوزارة باعتبارها جهة حكومية مكلفة بإدارة هذا القطاع على مستوى المملكة بأسرها، وذلك ضمن الصلاحيات التنفيذية المخولة لها.

والتي تُحمّلها المسؤولية الأساسية في توفير المناصب المالية اللازمة لسد الخصاص في مجال الموارد البشرية، سواء بالنسبة للقضاة أو موظفي المحاكم بشكل عام. كما تلتزم الوزارة بتوفير الاعتمادات المالية الضرورية لإدارة المحاكم المغربية، سواء على مستوى ميزانية الاستثمار أو ميزانية التسيير، وذلك لضمان سير العمل بشكل عادي ومنتظم من قبل المسؤولين القضائيين.

وهذا التسيير العادي والسلس من قبل المسؤولين القضائيين هو الذي يتم مباشرته تبعا لمقتضى هذه المادة على مستوى محكمة النقض من خلال إشراف الرئيس الأول لمحكمة النقض على جناح الرئاسة بأطره القضائية والإدارية التابعة له، وإشراف الوكيل العام للملك لديها على جناح النيابة العامة بأطره القضائية والإدارية التابعة له أيضا، في إطار التكامل والتعاون الذي يفرض عليهما دائما استحضار أن عمل كل واحد منهما في مجال اختصاصه وبما أوتي من أطر قضائية أو إدارية تابعة لمصالح كتابة الضبط التي يشرف عليها كل من رئيس كتابة الضبط ورئيس كتابة النيابة العامة، لا يعدو كونه خدمة لمصلحة واحدة هي محكمة النقض.

ونصت المادة 97 على أنه ” ينجز رؤساء الغرف ورؤساء الهيئات تقارير دورية ترفع إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض، تتضمن نشاط هذه الغرف والهيئات وأهم مبادئ القرارات الصادرة عنها، والمقترحات المناسبة لحل ما يثار أمامها من إشكاليات قانونية، وتضمن هذه التقارير بالتقرير السنوي لمحكمة النقض. تنشر أهم القرارات والاجتهادات القضائية الصادرة عن محكمة النقض “.

تُلزم هذه المادة رؤساء الهيئات بإعداد تقارير دورية على أساس شهري أو شهريين أو ثلاثة أشهر، يتم رفعها إلى رؤساء الغرف. وبناءً على هذه التقارير، يقوم رؤساء الغرف بدورهم بإعداد تقارير دورية عن سير العمل في غرفهم، ثم يرفعونها إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض.

تتضمن هذه التقارير تفاصيل نشاط الهيئات والغرف خلال الفترات المحددة، وتشمل: عدد الملفات المعروضة، وعدد القضايا التي تم البت فيها، وعدد الجلسات التي تم عقدها، والساعات التي استغرقتها تلك الجلسات. كما يتضمن التقرير أسماء المستشارين والمحامين العامين وكتاب الضبط الذين شاركوا في تلك الجلسات، إضافة إلى العراقيل والصعوبات التي واجهوها أثناء عملهم، مع تقديم المقترحات المناسبة لمعالجة تلك التحديات. كما يتطرق التقرير إلى أهم المبادئ القانونية التي تضمنتها القرارات الصادرة عن الهيئات، بالإضافة إلى الندوات واللقاءات التي تم عقدها أو التي شاركت فيها الهيئات أو أحد أعضائها.

وبعد اجتماع هذه التقارير الدورية لرؤساء الغرف والهيئات بين يدي الرئيس الأول عن نشاط سنة قضائية كاملة يضمنها بالتقرير السنوي لمحكمة النقض، ويتخذها قاعدة بيانات أساسية لإعداده.

يتضمن التقرير السنوي لمحكمة النقض أبرز المبادئ التي استقر عليها الاجتهاد القضائي، بالإضافة إلى الدراسات القانونية والقضائية التي أنجزها قضاة المحكمة وأطرها. كما يستعرض التقرير الأنشطة الهامة التي تم تنظيمها أو المشاركة فيها خلال السنة، مثل الندوات واللقاءات الدراسية، فضلا عن إحصائيات عمل المحكمة بجميع غرفها وهيئاتها، وكذا محاضر اجتماعات مكتب المحكمة ومقترحات التعديلات التشريعية التي ترى فائدة في إجرائها من أجل توحيد الاجتهاد القضائي والحد من تضارب الأحكام خصوصاً في القضايا والمسائل التي يتم التنازع بشأنها بشكل متكرر.

يتولى الرئيس الأول مهمة نشر التقرير السنوي باستخدام كافة الوسائل المتاحة لضمان وصوله إلى الجميع، سواء من خلال النسخ الورقية أو الرقمية. كما يتم نشر أبرز القرارات والاجتهادات القضائية الصادرة عن محكمة النقض، مع مراعاة الحفاظ على المعطيات الشخصية للأفراد.

ويمكن نشر هذه القرارات على شكل مقتطفات في النشرة الإخبارية الخاصة بمحكمة النقض أو في مجلة القضاء الخاصة بالمحكمة، التي تهتم بنشر قرارات المحكمة الصادرة عن جميع غرفها، وكذا عندما يتعلق الأمر باجتماع الغرف؛ أو بنشرة قرارات الغرف، وهي سلسلة تتضمن أهم القرارات الصادرة عن كل غرفة من غرف محكمة النقض، كما ينبغي أن تنشر أيضا بطريقة إلكترونية على منصة خاصة لهذا الغرض.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *