إن الشريعة الإسلامية تأمر بحسن المعاشرة وتوطيد أواصر المحبة والرحمة بين الزوجين. والزوجة التي يسيء الزوج عشرتها بالقول أو بالفعل ويضر بها ضررا ماديا أو معنونا يجوز لها أن تطلب من القاضي تطليقها من هذا الزوج. وقد اختلف الفقهاء في التفريق للضرر وسوء العشرة ويمكن إجمالا رد هذا الخلاف إلى مذهبين:
مذهب الأحناف والشافعية وعندهم أن المرأة ليس لها أن تطلب التطليق للضرر ولها فقط الحق في رفع أمرها إلى القاضي ليأمر الزوج بحسن عشرته لزوجته وقد يؤدبه القاضي بما يراه مناسبا
أما المذهب الثاني فهو للمالكية والحنابلة ويجوز عندهم للزوجة طلب التفريق إذا أضرالزوج بها وأذاها بما لا يليق بأمثالها، لأن الحياة الزوجية تصبح بالأذى جحيما وبلاء يتحتم معه خلاصها من هذا الشقاء وذلك بإزالة أسبابه، وبهذا الرأي أخذت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة.
أما مدونة الأسرة فقد نصت في المادة 99 على ما يلي: “يعتبر كل إخلال بشرط في عقد الزواج ضررا مبررا لطلب التطليق. يعتبر ضررا مبررا لطلب التطليق كل تصرف من الزوج أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية”.
أما الفصل 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة فقد ورد فيه ما يأتي : “إذا أدعت الزوجة على زوجها إضراره بها بأي نوع من أنواع الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها وثبت ما أدعته وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه. إذا رفض طلب التطليق وتكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين للسداد بينهما. على الحكمين أن يتفهما أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما في الإصلاح فإن أمكن على طريقة معينة قرراها، وإذا عجزا عن الإصلاح رفع الأمر إلى القاضي لينظر في القضية على ضوء تقريرهما”.
ونجمل الحديث عن التطليق للضرر فيما يلي:
أولا : الفصل 56 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم يحدد نوع الضرر المبرر لطلب التطليق واعتبر كل ضرر لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثال الزوجة، بينما المادة 99 من مدونة الأسرة أعطت بعض الأمثلة للأضرار التي تجعل الاستمرار في العلاقة الزوجية غير مقدور عليه وذلك بالنص على كل تصرف أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة، وسواء كانت الإساءة مادية كالضرب أو معنوية كالسب والقذف والخيانة الزوجية أو الشدود.. إلخ
ثانيا : المادة 99 اعتبرت الضرر المبرر لطلب التطليق أمام المحكمة هو ذلك الصادر من الزوج وحده دون غيره … والضرر قد يصدر بكيفية مباشرة من الزوج وقد يصدر بإيعاز ورغبة من الزوج دون أن يحرك ساكنا كما إذا صدر من أفراد عائلته أو بعض أصدقائه، ونعتقد بأن السب أو الإهانة بحضور الزوج قرينة على قبوله للأذى الذي لحق بزوجته يتعين تمكين الزوجة من مطالبة التطليق بسببه.
ثالثا : لم يعد هناك أي مبرر للاستمرار في تكريس بعض الاجتهادات القضائية في ظل النصوص السابقة للحيلولة دون الاستجابة لدعوى الزوجة لطلب التطليق للضرر كاشتراط تكرار الضرر، وأن يكون الضرر ما زال مستمرا وغير منقطع وإثبات عدم مشروعية سبب الضرر.
رابعا : في ظل مدونة الأسرة فإن واقعة الضرر يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات ولا يشترط تكرار الضرر، وهذا ما ذهبت إليه ابتدائية فاس بقولها: “وحيث إن المدعية قد أكدت خلال جلسة الصلح بغرفة المشورة أن المدعى عليه يسيء عشرتها ويعتدي عليها بالسب والشتم والضرب والجرح. . وحيث أن الشاهد خال الزوج المدعى عليه أكد بأن والد الزوجة أحضره إلى بيت الزوجية بعدما أخبرته زوجته بأن زوجها اعتدى عليها .. وحيث أنه بناء على ما ذكر ثبوت الضرر حاصل للمدعية يستحيل معه دوام العشرة بين الطرفين خاصة وأن عقد الزواج يقوم على الاحترام المتبادل بين الزوجين مما يكون معه الطلب مؤسسا ويتعين الاستجابة” (حكم صادر عن قسم فضاء الأسرة بفاس رقم 2917 في الملف رقم 04/2/2752 بتاريخ 2005/6/16).
خامسا : واقعة الضرر في ظل المدونة الجديدة يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود الذين تستمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة طبقا للمادة 100 ، وإذا لم تستطع الزوجة إثبات الضرر وأصرت على طلب التطليق فإن الفقرة الثانية من المادة 100 فتحت أمام الزوجة إمكانية إنهاء الرابطة الزوجية عن طريق اللجوء إلى مسطرة الشقاق وتطبيق مقتضيات هذه المسطرة الجديدة انطلاقا من المادة 94 وما بعدها،
وهذه الإمكانية لم تكن متاحة في بنود مدونة الأحوال الشخصية السابقة حيث شكل الإثبات عينا حقيقيا وعقبة أساسية في وجه العديد من الحالات لصعوبته ولتشدد القضاء في الموضوع خاصة إذا علمنا بأن أغلب حالات الضرر بالزوجة تقع بعيدا عن الشهود وبالأخرى عن الشاهدين العدلين، وأحيانا يرفض القضاء المغربي الإثبات بواسطة اللفيف والذي يشهد فيه الشهود بأنهم سمعوا سماعيا فاشيا أن الزوج يضر بزوجته وهو موقف المجلس الأعلى في بعض قراراته سابقا.
سادسا : لأول مرة في تاريخ قانون الأسرة المغربي تتحدث المدونة عن تعويض الطرف المتضرر، إذ نصت المادة 101 على أنه ” في حالة الحكم بالتطليق للضرر للمحكمة أن تحدد في نفس الحكم مبلغ التعويض المستحق عن الضرر” . إذ يمكن للزوجة بالإضافة إلى الحكم بالتطليق لفائدتها تعويضها عن الأضرار التي أصابتها من جراء إضرار الزوج بها بجميع أنواع الضرر وسواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا فالضرر يزال وفقا للقواعد العامة، ولا ضرر ولا ضرار، وإزالة الضرر لا يتأتى إلا من خلال التعويض العادل الذي تقدره المحكمة.
ومعلوم أن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تكن تتضمن نصا مماثلا يمنح للزوجة تعويضا عادلا عن الضرر الذي أصابها نتيجة انهيار الرابطة الزوجية وكان لها الحق في المتعة فقط وهي مبلغ من المال يحدده قاضي التوثيق، وغالبا ما كان هذا المبلغ هزيلا ولا يمكن اعتباره تعويضا حقيقيا عن الضرر الذي أصاب الزوجة. وفي ظل نصوص مدونة الأسرة الحالية أصبحت الزوجة المطلقة للضرر تتمتع بحق المتعة أيضا الذي هو حق ثابت للمطلقة إلى جانب إمكانية المطالبة بالتعويض،
والقضاء المغربي يعمل على تطبيق هذه المقتضيات الجديدة من خلال منح تعويض عادل للزوجة المطلقة من زوج أضر بها متى استطاعت إثبات هذا الضرر، وهكذا ذهبت المحكمة الابتدائية بقسم قضاء الأسرة بطنجة إلى أن …. “حيث أنه بمقتضى المادة 113 من مدونة الأسرة ثبت المحكمة أيضا عند الاقتضاء في مستحقات الزوجة وفق المادتين 84 و 85 من مدونة الأسرة …. وحيث تطبيقا للمادة 101 من مدونة الأسرة فإنه في حالة التطليق للضرر للمحكمة أن تحدد في نفس الحكم مبلغ التعويض المستحق عن الضرر ،وحيث أن التعويض لجبر الضرر يرجع للسلطة التقديرية للمحكمة التي ارتأت تقديره في مبلغ ثلاثة آلاف درهم والمتعة في عشرة آلاف درهم ” (حكم صادر عن المحكمة الابتدائية قسم قضاء الأسرة بطنجة رقم 659 في الملف عدد 06/285 بتاريخ 2006/3/22).
وإذا عجزت الزوجة عن إثبات الضرر فإن المحكمة ترفض طلبها وهكذا ذهبت ابتدائية بركان إلى أن إدانة المدعى عليه من أجل العنف ضد الزوجة والضرب والجرح وإعطاء القدوة السيئة للأبناء يعتبر مبررا لتطليق المدعية منه للضرر، ولكن المدعية لم تثبت الأضرار اللاحقة بها والتي تطالب من أجلها التعويض، وما إذا كانت هذه الأضرار مادية أو معنوية حتى يتسنى للمحكمة تقدير التعويض المناسب لجبر الضرر (حكم المحكمة الابتدائية قسم قضاء الأسرة ببركان الحكم عدد 04/1091 في الملف عدد: 04/458 بتاريخ 2004/10/14).