النفقة حق من حقوق الزوجة على زوجها ما دامت الزوجية قائمة بينهما حقيقة أو حكما. وإذا امتنع الزوج عن الإتفاق جاز للزوجة رفع دعوى أمام المحكمة للمطالبة بها أو تطليقها من زوجها، إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم التطليق لعدم الإنفاق.
موقف الفقه الإسلامي من التطليق لعدم الإنفاق
يمكن تقسيم رأي الفقه الإسلامي في هذا الموضوع إلى فريقين :
الفريق الأول لجمهور الفقهاء ومنهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد، ويقولون بجواز التفريق بين الزوجين إذا امتنع الزوج عن الإتفاق وذلك استنادا إلى قول الله تعالى “وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضراراً لتَعْتَدُوا” فقد نهت الآية الكريمة عن إمساك الزوجة على وجه الإضرار بها، وفي إمساكها مع الامتناع عن الإنفاق عليها إضرار بها واعتداء عليها. وعلى القاضي دفع الضرر بتطليقها إذا طلبت ذلك واستدلوا أيضا بقوله تعالى “فَإِمْسَاكٌ بِمَعرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بإِحْسَانٍ” فالله تعالى أمر الزوج بإمساك الزوجة بالمعروف أو مفارقتها بالإحسان والإمساك بالمعروف لا يتحقق مع الامتناع عن الإنفاق عليها.
أما الفريق الثاني ويمثله الأحناف، وهو يرى عدم جواز التفريق بين الزوجين لعدم الإتفاق ودليلهم قول تعالى “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا” (سورة الطلاق، الآية 7) .فقد دلت الآية الكريمة على أن الزوج لا يكلف بالإنفاق على زوجته في حالة فقره، ومن ثم لا يعد آثما بالامتناع عن القيام به، واستدلوا أيضا بقوله تعالى “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ” (سورة البقرة، الآية 279) . والآية تشير إلى أن صاحب الدين عليه أن ينظر المدين المعصر إلى الميسرة، والنفقة لا تعدو أن تكون دينا للزوجة فتكون مأمورة بانتظار الزوج الموسر.
التطليق لعدم الانفاق في مدونة الأسرة
أبقت مدونة الأسرة على بعض المقتضيات واستحدثت مقتضيات أخرى بالنسبة لحق الزوجة في طلب التطليق لعدم الإتفاق ( المادتين 102 و 103)،
ونصت المادة 102 من مدونة الأسرة على الأحكام الخاصة بالتطليق لعدم الإنفاق بقولها: “للزوجة طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الحالة الواجبة عليه، وفق الحالات والأحكام الآتية
1. إذا كان للزوج مال يمكن أخذ النفقة منه، قررت المحكمة طريقة تنفيذ نفقة الزوجة عليه ولا تستجيب لطلب التطليق.
2. في حالة ثبوت العجز تحدد المحكمة حسب الظروف إخلال للزوج لا يتعدى ثلاثين يوما لينفق خلاله وإلا طلقت عليه، إلا في حالة ظرف قاهر أو استثنائي
3. تطليق المحكمة الزوجة حالا، إذا امتنع الزوج عن الإنفاق ولم يثبت العجز”.
يمكن إيجاز المستجدات الخاصة بالتطليق لعدم الإنفاق فيما يلي:
أولا: في حالة ثبوت عجز الزوج عن الإنفاق تحدد له المحكمة أجلا لا يتعدى شهرا (ثلاثين يوما) لينفق خلاله وإلا طلقت عليه زوجته (الفقرة الثانية من المادة 102) ، بينما الفصل 53 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة كان يمهل القاضي الزوج في مثل هذه الأحوال مدة مناسبة لا تتجاوز ثلاثة أشهر،
و بخصوص هذا الموضوع جاء في قرار للمجلس الأعلى بأن: “.. المحكمة التي استخلصت من وثائق الملف و من محضر عدم وجود ما يحجز على الزوج المحكوم عليه بنفقة زوجته وأولادها منه، و بعد أن أمهلته لأداء النفقة مدة ثلاثة أشهر عجز عن الإنفاق على زوجته و أولاده، وقضت بطلاقها منه لعدم الإنفاق تكون قد طبقت الفصل 53 من مدونة الأحوال الشخصية تطبيقا سليما” (قرار عدد 298 صادر بتاريخ 1999/09/21 في ملف الأحوال الشخصية عدد 96/574).
وعلى ما يبدو أن أجل ثلاثة أشهر طويل نسبيا، ولذلك حسنا فعلت مدونة الأسرة بتحديد مدة الشهر لأن النفقة تقوم بوظيفة معيشية لا تحتمل طول الانتظار وخاصة في حالة وجود أبناء و الزوجة لا تتوفر على دخل أو معيل.
ثانيا : إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده وكانت الأم موسرة وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب (المادة 199 من مدونة الأسرة)، ومن ثم ترفض دعوى الزوجة لعدم الإنفاق كما كانت ترفض هذه الدعوى طبقا لأحكام الفصل 129 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والذي يقضي بأنه إذا عجز الأب عن الإنفاق على ولده وكانت الأم غنية وجبت عليها النفقة.
ثالثا: إن المشرع المغربي سواء في المدونة القديمة أو في ظل النصوص الحالية لمدونة الأسرة أخذ بما اتفق عليه الفقه الإسلامي حيث تقاضي المرأة زوجها من أجل الإنفاق عليها، كما يجوز لها أن ترفع دعوى التطليق لعدم الإنفاق، والمحكمة تقرر الوسيلة المناسبة لتنفيذ نفقة الزوجة عليه إذا كان له مال ظاهر يمكن استخلاص مبلغ النفقة منه كأن يكون موظفا ذو أجر شهري وفي هذه الحالة لا تستجيب المحكمة لطلب التطليق ما دامت الزوجة تستلم مبلغ النفقة.
ويعتبر التطليق لعدم الإتفاق طلاقا رجعيا حيث يجوز للزوج مراجعة زوجته بعد أن يثبت يسره واستعداده للإنفاق وذلك طبقا للمادة 122 من مدونة الأسرة التي تعتبر بأن كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن إلا في حالتي التطليق للإيلاء وعدم الإنفاق.
وتطبق أمام التطليق لعدم الإنفاق في حالة غياب الزوج طبقا لأحكام المادة 103 من مدونة الأسرة إذا كان غيابه في مكان معلوم وبعد توصله بمقال الدعوى الرامية إلى طلب التطليق لعدم الإنفاق. أما إذا كان محل غيبة الزوج مجهولا لعدم وجود عنوانه فإن المحكمة تعمل بمساعدة النيابة العامة على التأكد بأنه فعلا غائب في مكان مجهول كما تتأكد من مدى صحة دعوى الزوجة الرامية إلى التطليق لعدم الإنفاق ثم تبت في الدعوى على ضوء نتيجة البحث .
وبالنسبة لواقع التطليق بسبب عدم الإنفاق بعد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق نجد بأنه في تراجع مستمر و ربما يعزى ذلك إلى وجود مساطر مدنية و أخرى جنحية تساعد على تنفيذ الأحكام القاضية بالنفقة وتسهيل عملية استخلاصها كما هو الشأن بالنسبة لمسطرة اقتطاعها من المنبع و خاصة بالنسبة لمن له دخل قار، كما إذا كان الملزم بها موظفا عموميا، وكذا مسطرة إهمال الأسرة التي غالبا ما تلجأ إليها طالبة النفقة بعد امتناع الملزم بها عن الأداء و عدم وجود ما يحجز لاستخلاص مبلغ النفقة منه، كما يمكن تفسير تراجع نسبة التطليق لعدم الإنفاق بلجوء الراغبات في إنهاء الرابطة الزوجية لدعاوى أخرى أبسط كدعوى التطليق للشقاق.