المجال الأسريقانونيات

التطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق

خصصت مدونة الأسرة القسم الرابع من الكتاب الثاني الخاص بانحلال ميثاق الزوجية وآثاره للتطليق وعالجت في الباب الأول منه التطليق بطلب من أحد الزوجية بسبب الشقاق! وهي مقتضيات جديدة جاءت بها المدونة وتوسيعا لدائرة الإرادة في إنهاء العلاقة الزوجية، وهو حق يتساوى فيه الزوج مع الزوجة، وبالتالي فهو وسيلة بيد الزوجة أساسا يضاف إلى الوسائل الأخرى التي أتاحتها لها لجعل حد لحياة زوجية لا ترى فيها الأنس المنشود والرحمة المبتغاة التي من المفروض أن تسود العلاقات الزوجية.

إن التطليق بسبب الشقاق يجد سنده القانوني في المواد 94 و 95 و 96 و 97 من مدونة الأسرة وهي المواد المنظمة له حيث تعتبر هذه المواد مسطرة أصلية يمكن الالتجاء إليها مباشرة لطلب التطليق، وهو حسب المادتين 45 و 100 الشقاق مسطرة تابعة بمعنى أن اللجوء إليه لاحق على مسطرة سابقة، فالفقرة الأخيرة من المادة 45 تنص على أنه: “إذا تمسك الزوج بطلب الإذن. بالتعدد ولم توافق المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 بعده” ، أما المادة 100 فقد نصت بدورها في الفقرة الأخيرة على أنه: “إذا لم تثبت الزوجة الضرر، وأصرت على طلب التطليق. يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق”.

والشقاق يجد سنده الشرعي في قول الله سبحانه وتعالى “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” (سورة النساء الآية 35)،ومن هنا نفهم حرص المشرع على تفعيل مؤسسة الحكمان الوارد عليها النص في القرآن الكريم، فالمواد الأربع المخصصة لحق الزوج أو الزوجة طلب الفراق بسبب الشقاق تتضمن كلها الدور المنوط بالحكمين للقيام بجميع المحاولات من أجل إصلاح ذات البين، باستقصاء أسباب الخلاف وبذل الجهد لإنهاء النزاع وتضمين النتيجة الإيجابية في وثيقة موقع عليها من قبل الحكمان والزوجان ورفع هذه النتيجة إلى المحكمة حيث يتم الإشهاد على ذلك مع تسليم كل واحد من الزوجين اللذين انتهى نزاعهما وشقاقها بالصلح على يد الحكمين نسخة من التقرير ( المادة95).

وفي حالة اختلاف الحكمان في مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية أو لم يقدماه خلال الأجل المحدد لهما، أمكن للمحكمة أن تجري بحثا إضافيا بالوسيلة التي تراها ملائمة (المادة 96). وفي حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 84.83 ، 85 ، مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر (المادة (97).

ويتضح لنا جليا من خلال المادة الأخيرة أن مدونة الأسرة تحمل المسؤولية للطرف المتعسف في المطالبة بإنهاء الرابطة الزوجية للشقاق حين يتضح للمحكمة بأن طالب الإنهاء للشقاق لم تكن لديه مبررات معقولة لهذا الإنهاء ويمكن للمحكمة الاستئناس في ذلك بتقرير الحكمان وكذا بالاستماع من طرف المحكمة لطالب الشقاق وتكوين قناعة القاضي بمدى وجاهة الأسباب من عدمها وبالتالي الحكم بالتعويض أو عدمه لفائدة الطرف الآخر ويمكن للمحكمة أيضا أن تحكم لصالح الزوجة طالبة إنهاء الزواج للشقاق إذا كان الزوج متعسفا ومتعنتا.

وجدير بالإشارة أن مسطرة الشقاق ثبت فيها المحكمة بمقتضى حكم نهائي غير قابل للطعن في ظرف ستة أشهر من تاريخ رفع الدعوى كما تقضي بذلك الفقرة الأخيرة من المادة 97 ، كما تجدر الإشارة أيضا بأن مدونة الأسرة لم تحدد مفهوم الشقاق ولكن يمكن القول بأن المقصود منه هو شدة الخلافات والمنازعات والخصومات واستمرارها بين الزوجين.

وخلاصة القول إن التطليق بسبب الشقاق من الأسباب الرئيسية والهامة المستحدثة في مدونة الأسرة حيث خصصت له المدونة الباب الأول من القسم الرابع بمقتضى أربع مواد (المواد 94 إلى 97) كمسطرة أصلية يمكن ولوجها بشكل مباشر، أو بمقتضى نصوص أخرى كمسطرة تابعة كما إذا لم تستطع الزوجة إثبات الضرر وأصرت على طلب التطليق (المادة 100 ).

وإذا كان التطليق للشقاق أيضا، وسيلة هامة بيد الزوجة يضاف للوسائل الأخرى التي أتاحتها مدونة الأسرة للمرأة المتزوجة لإنهاء الرابطة الزوجية التي لم تجد فيها الأنس المنشود. فيمكن لها أن تسلك نفس المسطرة في حالات خاصة افترض فيها المشرع قيام الشقاق بين الزوجين، كما في حالة رفض الزوجة للتعدد وعدم تمسكها بالتطليق من زوجها، وحالة فشل الزوجة في إثبات الضرر في دعوى التطليق للضرر ،وحالة الإخلال بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وحالة رفض الزوج لطلب الخلع المقدم من طرف الزوجة، وفي حالة رفض الزوجة لمراجعتها من طرف الزوج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى