حينما يتم انتهاء العمل بالدستور بمناسبة تعديله وإلغاء أحكامه بشكل شامل، إما رغبة في تجاوز عجز الدستور عن مسايرة ركب التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أو بمناسبة استبدال فلسفة الدولة السياسية بأخرى مغايرة لها بواسطة الإطاحة بالدستور عن طريق الثورة مثلا فالمقصود بنهاية الدستور، هو التعديل الكلي لأحكامه وليس مجرد تعديل بعض مقتضياته، وقد ينتهي العمل بالدستور بطريقتين.
الأسلوب العادي لنهاية الدستور:
يقصد بالأسلوب العادي لإنهاء العمل بالدستور، إلغاء جميع أحكامه وتوقف العمل بها، بطريقة سلمية، وفي هدوء تام، واستبداله بدستور جديد يتضمن مقتضيات وأحكام جديدة تتلائم مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
وانتهاء حياة الدستور بالإلغاء، يختلف بحسب ما إذا كان الدستور عرفيا أو مكتوبا، فإذا كان عرفيا فينتهي العمل به إما بواسطة دستور عرفي جديد، وإما بواسطة إصدار دستور مكتوب يحل محل الدستور العرفي، أما إذا كان الدستور مكتوبا فيجب أن نميز في إطاره بين الدساتير الجامدة والدساتير المرنة.
فالدساتير المرنة، لا تطرح أية صعوبة فيما يخص تعديلها بصفة كلية وشمولية، حيث لا تتطلب أية إجراءات خاصة في ذلك، ومن ثم يمكن للمشرع العادي أن يعدل الدستور برمته. أما الدساتير الجامدة، فلا يمكن تعديل مقتضياتها إلا بإجراءات خاصة، ولا تملك السلطة التي لها الحق في تعديل الدستور جزئيا السلطة التأسيسية الفرعية الحق في تعديله كليا. وبالرجوع إلى مختلف الدساتير المكتوبة الجامدة، نجدها عادة ما تنص على كيفية تعديلها جزئيا،في حين لا تتضمن غالبا أية مقتضيات متعلقة بتعديلها بصفة كلية أو بالغائها.
وعموما، فقد اختلفت الدساتير في هذا الخصوص، فمنها من أجاز للسلطة التأسيسية الفرعية إمكانية تعديل الدستور تعديلا شاملا، كالدستور الفرنسي لسنة 1875 ، والدستور الإسباني لسنة 1978.
وإذا كانت السلطة القائمة على أمر التعديل لا تملك كأصل عام الإلغاء الكلي لنصوص الدستور، فإن السلطة التأسيسية الأصلية التي تمثل الشعب، وتعبر عن سيادة الأمة تملك إلغاء الوثيقة الدستورية برمتها وإحلال أخرى محلها، وقد يتم ذلك بنفس طرق وضع الدساتير (المنحة أو العقد أو الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الدستوري).
والإلغاء الكلي لأحكام الوثيقة الدستورية قد يكون ضمنيا، وذلك في حالة ما إذا كانت الفكرة التي يقوم عليها الدستور الجديد متناقضة مع تلك التي قام عليها الدستور القديم، أو في حالة ما إذا تناول الدستور الجديد جميع الموضوعات الواردة في الدستور الملغي، وقد يكون صريحا وذلك في حالة ما إذا تضمن الدستور الجديد فصلا ينص بشكل صريح على إلغاء الدستور السابق، وكمثال على ذلك دستور المغرب لسنة 1972 الذي ينص في الفصل 103 منه على “أن يلغى الدستور الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 70-1-177 بتاريخ 27 جمادى الأولى 31 يوليوز 1970 ، فهذا الفصل ينص بشكل صريح على إلغاء كلي لمقتضيات دستور 1978، وقد يتم إنهاء العمل بالدستور نتيجة ذوبان الشخصية القانونية للدولة في إطار اتحاد فدرالي مثلا.
الأسلوب غير العادي لنهاية الدستور:
تمثل الطرق غير العادية لإلغاء الدستور احدى الوسائل التي يتم اللجوء اليها لوضع حد للدستور القائم، ويبين لنا التاريخ أن كثير من الدساتير العالمية قد انتهت بأسلوب غير عادي عن طريق ثورة أو انقلاب.
والثورة أو الانقلاب وسيلتان واقعيتان لنهاية الدساتير لا وسيلتين قانونيتين، لان الدساتير لا تنص عادة على أي من هاتين الوسيلتين كآلية مشروعة لوضع حد لسريانها، وذلك رغم أن الواقع يبرز دورها الأساسي في نهاية الدساتير في مختلف الأمكنة والفترات التاريخية، ويفرق الفقه الدستوري بينهما في المفهوم والمعنى، فبعض الفقه يميز بين الثورة والانقلاب على أساس اختلاف الهيئة التي تقوم بالحركة الثورية، فالثورة يقوم بها الشعب في حين أن الانقلاب يقوم به بعض الأشخاص ينتمون للسلطة الحاكمة مثل رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة، أو قائد الجيش.
و هذا الأسلوب يؤدي الى إنهاء العمل بالدساتير أو إلغائها عن طريق الثورة أو الانقلاب وبمعنى آخر انتهائها بالطريق الفعلي لا بالطريق القانوني، وتكون نهاية الدستور في هذا الإطار مرتبطة بنهاية النظام المرتبط به، وتشكل هذه الحالة السبب الأساسي لنهاية الدساتير ذلك أن الدستور كمجموعة قواعد للحكم والمشروعية المرتبطة بحياته ووجوده بالنظام السياسي الذي أقره، فإذا ما قضى على هذا النظام إثر ثورة أو انقلاب، فإن الملاحظ أن أول بلاغ للانقلابين أو الثوار يعلن عن إلغاء دستور النظام المطاح به.
وثمة فارق جوهري بين الثورة والانقلاب، فإذا كان هدف الحركة الثورية هو تغيير النظام السياسي أو تغيير النظام الاجتماعي، أو العمل على إعادة تنظيم العلاقات بين مختلف الطبقات الاجتماعية وذلك بتقليص الفوارق بين الطبقات فالحركة الثورية تعد ثورة، أما إذا كان هدف هذه الحركة هو الاستئثار والتفرد بالسلطة فإنها تعد انقلابا، كأن يعمد أحد رجال الحكم إلى إنهاء أو إلغاء الدستور أو تعديله من أجل تحقيق مصلحة خاصة، وبعبارة أخرى، فإن الانقلاب يهدف تحقيق مصلحة فرد أو جماعة صغيرة، أما الثورة فتهدف إلى استبدال النظام السياسي أو الاجتماعي أو هما معا بأنظمة جديدة من شأنها تحقيق المصلحة العامة، إلا أن ما ينبغي عدم إغفاله هو أن الثورة والانقلاب يؤديان معا إلى إلغاء الدستور وإنهاء العمل به.
وإذا كانت الدساتير لا تنص عادة على هذا الأسلوب في انتهاء العمل بها، فإن هذا الأسلوب يلعب دورا رئيسيا في الحياة العملية، إذ انتهت معظم الدساتير في العديد من الدول بواسطة الأسلوب الثوري.
ومن أمثلة الدساتير التي انتهت بأسلوب الثورة، دستور مصر لسنة 1923 الذي ألغي بقيام ثورة 23 يوليوز 1952 ، ودستور ليبيا لسنة 1951 الذي ألغي بثورة الفاتح من شتنبر 1969 ، ومن الأمثلة الحديثة للدساتير التي ألغيت عن طريق الثورة، نذكر دستور مصر لسنة 1971 فبعد قيام ثورة 25 يناير 2011 ، وتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانا دستوريا، وبعد الانتخابات الرئاسية التي عرفتها مصر في سنة 2012 ، تم وضع دستور جديد في نفس السنة، وبتاريخ 30 يونيو 2013، قامت ثورة جديدة ضد حكم الرئيس محمد مرسي على إثرها عطل العمل بدستور 2012، وتم تشكيل لجنة الخمسين التي كلفت بإعداد مشروع دستور جديد، وقد عرض على الشعب المصري للاستفتاء يومي 14 و 15 يناير 2012 و من بين الدساتير التي تم إنهاؤها عن طريق الثورة أيضا، دستور تونس لسنة 1959 الذي تم تعليق العمل به بعد ثورة 14 يناير 2011 وذلك بصدور المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية، ثم تقرر إنهاء العمل به بمقتضى الفصل 27 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 دجنبر 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية.
أما الدساتير التي انتهت بطريق الانقلاب، فتذكر منها، دستور الجزائر لسنة 1963 الذي الغي بانقلاب 19 أكتوبر 1965 ، والدستور الموريتاني لسنة 1964 الذي ألغي بانقلاب 1978 . وتجدر الإشارة إلى أن إلغاء الدستور وإنهاء العمل بأحكامه سواء كان ذلك عن طريق الأسلوب العادي أو عن طريق الثورة أو الانقلاب، لا يترتب عنه إلغاء العمل بالقوانين العادية الجاري بها العمل، حيث تظل سارية المفعول ما لم تلغى صراحة، أو تكون متعارضة مع أحكام الدستور الجديد او مع شكل الحكومة الجديد، فتلغى ضمنيا، وبعد ذلك من أهم مظاهر مبدأ استمرارية وديمومة الدولة التي تبقى قائمة رغم اختلاف أنظمة الحكم المتعاقبة عليها، واختلاف الدساتير المعمول بها.