|

أراضي الجموع (الجماعات السلالية)

الفقرة الأولى // الإطار التشريعي لأراضي الجموع :

لقد عرف الدكتور محمد خيري أراضي الجموع بأنها أراضي ترجع ملكيتها إلى جماعات سلالية تتمثل في قبائل أو دواوير أو عشائر، وتتميز هذه الجماعات بروابط عائلية أو عرقية أو اجتماعية ودينية تربط أفرادها ببعضهم البعض. هذه الأراضي تُعد ملكية جماعية تُدار وفقًا للمصالح المشتركة للجماعة السلالية، حيث تكون الحقوق المتعلقة بهذه الأراضي غير متميزة عن حقوق الأفراد، مما يعني أن الأفراد لا يملكون حق التصرف أو التملك الخاص في الأرض بشكل منفصل عن الجماعة.

لقد عرف الإطار التشريعي المنظم لأراضي الجموع تطورات عديدة، حيث حاول المشرع المغربي مواكبة التغيرات الاقتصادية والسياسية التي مر بها المغرب عبر فترات تاريخية متعددة، بدءًا من مرحلة ما قبل الحماية، مرورًا بفترة الحماية، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الاستقلال. هذه التغيرات انعكست بشكل واضح على كيفية تنظيم وإدارة أراضي الجموع، مما أدى إلى تعدد الهيئات المتدخلة في تدبير هذه الأراضي، سواء من حيث الرقابة أو التسيير أو توزيع المنافع.

وتمثل هذه التطورات التشريعية في نهاية المطاف محاولة لخلق توازن بين الحفاظ على حقوق الجماعات السلالية في أراضي الجموع وبين الحاجة إلى تحديث إدارة هذه الأراضي وفقًا لمتطلبات العصر ومقتضيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع مراعاة دور الهيئات المتعددة في هذا المجال.

ولقد كان استغلال هذه الأراضي قبل الحماية يتميز بطابع التضامن والتكافل الاجتماعي، إلا أنه ومع دخول الحماية عمد سكان القبائل إلى إقامة رسوم الملكية للأراضي الجماعية التي ينتفعون بها في إطار القسمة القبلية.

وللحد من تفاقم هذه التجاوزات أقدمت سلطات الحماية على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على هذا النظام وضبطه، وإن كانت هذه الإجراءات توحي في مظهرها بأنها تهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث الجماعي، إلا أنها كانت تمهيدا للأوضاع للاستيلاء على هذه الأراضي وتمليكها لمستوطنيها.

وتمثلت هذه الإجراءات في إصدار أول منشور بتاريخ فاتح نونبر 1912 عن الصدر الأعظم الموجه إلى الباشوات والقواد والقضاة يمنع فيه تفويت الأراضي الجماعية ويلح على أن تبقى هذه الأراضي جماعية خاضعة للعرف والعادات المحلية كما تم تأكيد ذلك بمقتضى المنشور الصادر بتاريخ 6 مارس 1914 الذي يمنع على القضاة تحرير رسوم تمليك الأراضي الجماعية كما ينص على عدم قابلية هذه الأراضي للبيع.

ولقد توالت بعد ذلك مجموعة من القوانين المنظمة للأراضي الجماعية توجت بصور ظهير 27 أبريل 1919 الذي يعد بمثابة ميثاق للأراضي الجماعية، والذي بدوره عرف مجموعة من التعديلات كان من أبرزها التعديل الذي تم بعد الاستقلال بمقتضى الظهير الصادر بتاريخ 6 فبراير 1963.

حيث تم بموجبه وضع هذه الأراضي تحت سلطة الوصاية الإدارية لوزير الداخلية يمارسها بمساعدة مجلس الوصاية ، ثم بعده ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الظهائر والمناشير والدوريات المنظمة لهذه الأراضي ولطرق استغلالها.

الفقرة الثانية // هيئات تدبير أراضي الجماعات السلالية :

لقد أعهد المشرع مهمة تدبير هذه الأراضي لمجموعة من الهيئات هي : الجماعات السلالية، جماعة النواب، ومؤسسة الوصاية.

فبموجب الفصل الثاني من ظهير 27 أبريل أسند المشرع للجماعات السلالية الحق في تدبير الأملاك الجماعية وأن تقبض جميع المبالغ التي تكون لها بذمة الغير وتعطي عنها إبراء تاما صحيحا، ولها الحق كذلك في إقامة الدعاوى للمحافظة على مصالحها.

ومن الثغرات التي طالت ظهير 27 أبريل 1919 وكذا النصوص المعدلة له هو عدم تعريفه لذوي الحقوق المستفيدين من هذه الأراضي، أو على الأقل وضع معايير لتحديد صفة ذوي الحقوق وترك الأمر للأعراف والعادات المتداولة داخل كل جماعة.

الأمر الذي ترتب عنه في بعض الجماعات إقصاء لفئات معينة من الاستفادة من هذه الأراضي كما هو الحال بالنسبة للنساء السلاليات، حيث وجدن أنفسهن ضحية أعراف تقصيهم من الاستفادة من هاته الأراضي أعراف مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية، وللدستور المغربي الذي ساوى بين الرجل والمرأة.

ولقد نص الفصل الثاني من ظهير 27 أبريل 1919 على أنه يحق للجماعات السلالية أن تنقل سلطاتها إلى أشخاص نختارهم ويسمى الأشخاص المختارون بجمعية المندوبين أو جماعة النواب وتتمثل اختصاصات جماعة النواب في توزيع الانتفاع بصفة مؤقتة بين أعضاء الجماعة حسب الأعراف وتعليمات مجلس الوصاية ودراسة طلبات الطعون المقدمة إليه واتخاذ القرارات بشأنها، والسهر على تنفيذ المقررات المتخذة من طرف مجلس الوصاية.

وبالإضافة إلى جماعة النواب توجد أيضا مؤسسة الوصاية حيث نص الفصل الثالث من ظهير 27 أبريل 1919 على أنه: “يعهد بالوصاية على الجماعات إلى وزير الداخلية، ومؤسسة الوصاية هي التي لها سلطة الإذن بتقسيم الأراضي الجماعية والإذن للجماعات بتقديم مطالب التحفيظ، والبت في الطعون المقدمة ضد مقررات جمعية المندوبين”.

الفقرة الثالثة // الحماية القانونية والقضائية لأراضي الجموع :

من أجل تطهير الأراضي الجماعية من كل منازعة وتحديد الوضعية القانونية والمادية لها مكن المشرع الجماعات السلالية من إتباع مسطرتين من أجل تحقيق ذلك.

الأولى سلوك مسطرة التحديد الإداري طبقا لظهير 18 فبراير 1924 إذا كانت مساحة الأرض الجماعية تساوي أو تفوق 500 هكتار أو تعلق الأمر بعقارات يمكن ضمها لبعضها البعض فتصبح ذات مساحة هامة تفوق أو تساوي 500 هكتار، والمسطرة الثانية تتمثل في سلوك مسطرة التحفيظ العقاري طبقا لمقتضيات ظهير 14.07 إذا كانت مساحة الأرض الجماعية تقل مبدئيا عن 500 هكتار.

ولحماية هذه الأراضي أوكل المشرع فض المنازعات المرتبطة بها إلى جماعة النواب للبت في الطعون الموجهة إليها ، فإذا قبل الأطراف بالقرار النيابي يتم تنفيذه، أما إذا رفض الأطراف تنفيذ القرار النيابي واختاروا الطعن فيه أمام مجلس الوصاية فالاختصاص ينتقل إلى هذا الأخير وليس إلى أي جهة قضائية أخرى، غير أن الواقع العملي يبين طول مسطرة المصادقة على القرارات النيابية من طرف مجلس الوصاية مما ينعكس سلبا على كل تنمية أو استثمار يمكن أن تكون أراضي الجموع موضوعا لها.

كما أن النزاعات الواقعة حول هذه الأراضي مازال يتم تصفيتها خارج أي رقابة قضائية ، فاختصاص القضاء محصور في حالات استثنائية ، حيث مهمة فض النزاعات المرتبطة بهذه الأراضي موكولة لمجلس الوصاية ، وذلك بناء على المنشور الوزاري رقم 62/3 المشترك بين وزير الداخلية ووزير العدل الصادر بتاريخ 62/3/12 الذي حدد الحالات التي تختص بها المحاكم والحالات التي تختص بها الجماعات النيابية.

وهو المنشور الذي يعتمده المجلس الأعلى من أجل منع المحاكم من البت في النزاعات المتعلقة بأراضي الجموع والمسندة بمقتضى المنشور لمجلس الوصاية. بل أبعد من ذلك يذهب المجلس الأعلى إلى إلزام المحاكم عندما يعرض عليها نزاع يتعلق بأراضي الجموع يدخل ضمن اختصاص مجلس الوصاية أن تصرح بعدم اختصاصها وتحيله على الجهة المختصة.

ولعل ما يقزم دور القضاء في فض النزاعات المرتبطة بأراضي الجموع هو ما نص عليه الفصل 12 من ظهير 27 أبريل 1919 حيث منع الطعن في قرارات مجلس الوصاية، وهو التوجه الذي عبرت عنه الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في مجموعة من قراراتها.


تم الاستفادة من عدة مراجع قانونية لإعداد هذا المقال، منها:

– عيسى كتب: تدبير أراضي الجموع بين الإطار القانوني والواقع العملي، مجلة المقال – العدد 2 ،2010.

-عبد الوهاب رافع: أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية، الطبعة الأولى 1999 المطبعة الوراقة مراكش، الطبعة 1. 1999.

– محمد العايش صغيري، أراضي الجماعات السلالية بين الواقع والأفاق رسالة لنيل الماستر في قانون العقود والعقار كلية الحقوق جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2009-2008.

– ادريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08، سلسلة المعارف القانونية والقضائية.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *