أحكام الحجب عن الميراث

تناولت مدونة الأسرة المغربية أحكام الحجب من الإرث ضمن القسم السادس من الكتاب السادس، وذلك في المواد من 355 إلى 359. ويمكن تلخيص هذه الأحكام من خلال الوقوف على مفهوم الحجب وتأصيله، ثم التطرق إلى أنواعه والآثار القانونية المترتبة عليه.

محتوى المقال

هل تحتاج لمساعدة قانونية؟

فريقنا من المستشارين القانونيين والمحكمين جاهز لمساعدتك في جميع القضايا القانونية بخبرة ومهنية عالية

📞 استشارة قانونية 🤝 فض النزاعات عبر التحكيم

أولا // مفهوم الحجب:

الحجب في اللغة مأخوذ من “حجب الشيء”، أي ستره، ويُقال أيضًا “حجبه” بمعنى منعه، ومنه سُمي الحاجب بوابًا لأنه يمنع الدخول. وقد ورد في الشعر قول أحدهم: “له حاجب عن كل أمر يشينه، وليس له عن طالب العرف حاجب”

أما اصطلاحًا، فقد عرّف فقهاء علم الفرائض “الحجب” بأنه: ” المنع من الميراث كلا أو بعضا أو نوعا”. وقد أوردت مدونة الأسرة هذا التعريف في المادة 355 بقولها: ” الحجب منع وارث معين من كل الميراث أو بعضه بقريب آخر”. ويُعد علم الحجب من الأسس الجوهرية في علم المواريث، لذا أفرده الفقهاء بالبحث والتفصيل لما له من أثر مباشر في تحديد أنصبة الورثة واستحقاقهم.

فالمحجوب هو الشخص الذي توفّر فيه سبب من أسباب الإرث، وانتفت عنه الموانع، وتحققت له أهلية الإرث، غير أنه يُمنع من الميراث كليًا أو جزئيًا بسبب وجود وارث آخر. ومثال ذلك: حجب الإخوة مع الأب، والجد مع الأب، وحجب الزوج من النصف إلى الربع بسبب وجود الفرع.

والممنوع من الإرث يُطلق عليه اسم “محجوب” لا “محروم”، أما الذي يمنع فيُسمى “حاجب”، والحالة التي يؤدي فيها المنع إلى عدم إرث تُعرف بـ”الحجب”. ولهذا، فقد ذهب جمهور فقهاء المواريث إلى أن المحجوب هو الذي يحجب غيره من الورثة، بينما المحروم لا يحجب أحدًا منهم، كما هو الحال بالنسبة للإخوة الذين، إذا وجدوا، قد يُحجبون ويحجبون غيرهم. وهذا المبدأ هو المعتمد والمنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 359 من مدونة الأسرة.

وتعريف الحجب المذكور هو بالمعنى الأخص، حيث يشمل الحجب بشخص فقط، ولا يشمل الحجب بوصف، وهو ما يسمى بالمحروم، ويعبر عنه بالمانع غالبا، ولعل سبب ذلك يرجع إلى تفريق الحنفية بين المحروم والمحجوب، جاء في “رد المختار” : لان أئمتنا اصطلحوا على تسمية ما كان المنع المعنى في نفسه ككونه قاتلا محروما، وما كان لمعنى في غيره سمي محجوبا، فالحجب بالأوصاف هي موانع الإرث السابقة كالقتل واختلاف الدين.

فمفهوم الحجب في علم المواريث يُستخدم وفقًا للمعنى اللغوي حين يكون المنع بسبب وجود شخص آخر، وليس لسبب يتعلق بالممنوع نفسه. فالمحروم، كما سبق بيانه، يفتقد أهلية الميراث من جميع الوجوه، أما المحجوب فله أهلية الإرث من بعض الوجوه وليس كلها، مثل الميت في الاستحقاق أو الحي في حجب غيره.

والحجب بالوصف يؤثر على جميع الورثة، بخلاف الحجب بالأشخاص الذي يرتبط بشخص معين. وعند إطلاق مصطلح الحجب في علم المواريث، يُقصد به عادة الحجب الشخصي، أي المنع المرتبط بشخص محدد، أما الحجب بالوصف فيتعلق بموانع الإرث العامة. فقد يتقدم وارث واحد للمطالبة بالإرث منفردًا، أو يتقدم معه ورثة آخرون للمطالبة بنصيبهم من التركة التي تركها الهالك. هذا التعدد في الورثة ضمن تركة واحدة قد يؤدي إلى تقليل حصص بعضهم أو منعهم من الإرث رغم تحقق شروط الإرث وعدم وجود موانع لديهم، وهذا هو مفهوم الحجب فقهيًا وقانونيًا. فالشرط والمانع يقفان في وجه الوارث عند بداية الطريق، وهو عارض يحدد وضع الوارث في التركة بحسب من تقدم معه من أشخاص آخرين للإرث فيتغير مركزه بسبب وجود شخص آخر.

ثانيا// أنواع الحجب :

أشارت المادة 356 من مدونة الأسرة إلى نوعي الحجب، حيث نصت على أن: “الحجب نوعان: 1. حجب نقل من حصة الإرث إلى أقل منها. 2. حجب الإسقاط من الميراث”. غير أن هذه المادة لا تضيف جديدًا عمّا ورد في المادة 355 السابقة، التي بيّنت مفهوم الحجب بالإشارة إلى حجب الإسقاط، حين نصّت على: “منع وارث من كل الميراث”. والى حجب النقل، ويسمى أيضا حجب نقصان، وهو معنى قول المدونة: “أو بعضه”.

وفيما يلي نُجمِل أحكام حجب الإسقاط وحجب النقل:

كما سبق بيانه، فإن حجب الإسقاط يُقصد به منع الوارث من استحقاق أي نصيب من التركة كليًا، وذلك بسبب وجود وارث آخر تُقدَّم درجته في الاستحقاق. ومن الأمثلة على ذلك: حجب ابن الأخ بالأخ، وحجب الأخ بالابن.

من هم الأشخاص الذين لا يُحجبون حجب إسقاط ؟

ستة من الورثة لا يخضعون لحجب الإسقاط أو الحرمان، وهم ثلاثة من الرجال: الابن، والأب، والزوج، وثلاثة من النساء: البنت، والأم، والزوجة. وقد نصت المادة 357 من مدونة الأسرة على ذلك بقولها: “حجب الإسقاط لا ينال ستة من الوارثين وهم الابن والبنت، والأب والأم، والزوج والزوجة”. وبالتالي، فإن هؤلاء الورثة لا يمكن حرمانهم من الإرث بأي حال من الأحوال، رغم أن بعضهم قد يتعرض لحجب نقصان.

وتتلخص أصول وقواعد الحجب، في أن كل من يدلي إلى الميت بوارث يحجب به سوى الإخوة للأم، فإنهم يدلون بها ومع ذلك يرثون معها. ثم إن الأقرب يحجب الأبعد الذي يستحق بوصفه وسببه، إذا كانوا من أصحاب الفروض، كما هو الحال بين الأم والجدة، أو البنات وبنات الابن، أما بالنسبة للعصبات، فإن الأقرب يحجب الأبعد، سواء اتحد السبب أم لم يتحد، لأن الترجيح بين العصبات بقرب الدرجات إذا اتحدت جهة القرابة، وهي قاعدة عامة وشاملة سبق الإشارة إليها. ثم إن الأقوى قرابة يحجب الأدنى قرابة إذا اشتركا في درجة واحدة، وهذا يحدث في الإخوة والعمومة.

1 – أحكام حجب إسقاط:

تناولت مدونة الأسرة في المادة 358 موضوع الورثة الذين يخضعون لحجب الإسقاط، حيث نصت على ما يلي: “يحجب حجب إسقاط.

1. ابن الإبن يحجبه الإبن خاصة والقريب من ذكور الحفدة يحجب البعيد منهم.

2. بنت الابن يحجبها الإبن فوقها مطلقا، أو بنتان فوقها إلا أن يكون معها إبن في درجتهاأو أسفل منها فيعصبها.

3. الجد يحجبه الأب خاصة والجد القريب يحجب الجد البعيد.

4. الأخ الشقيق والشقيقة يحجبهما الأب والابن وابن الابن.

5. الأخ للأب والأخت للأب يحجبهما الشقيق ومن حجبه، ولا تحجبهما الشقيقة.

6. الأخت للاب تحجبها الشقيقتان إلا إذا وجد معها أخ للأب.

7. ابن الأخ الشقيق يحجبه الجد والأخ للأب ومن حجبه.

8. ابن الأخ للأب يحجبه ابن الأخ الشقيق ومن حجبه.

9. العم الشقيق يحجبه ابن الأخ للأب ومن حجبه.

10. العم للأب يحجبه العم الشقيق ومن حجبه.

11. ابن العم الشقيق يحجبه العم للأب ومن حجيه.

12. ابن العم للأب يحجبه ابن العم الشقيق ومن حجبه.

13. الأخ للأم والأخت للأم يحجبهما الابن والبنت وابن الابن وبنت الابن وإن سفل والأب والجد وإن علا.

14. الجدة للأم تحجبها الأم خاصة.

15. الجدة للأب يحجبها الأب والأم.

16. الجدة القربى من جهة الأم تحجب الجدة البعدى من جهة الأب.”

بعد أن نصّت المادة 357 من مدونة الأسرة على أن ستة من الورثة لا ينالهم حجب الإسقاط، تناولت المادة 358 الورثة الذين يخضعون لهذا النوع من الحجب. ويلاحظ على المدونة أنه لا معنى لقولها في حجب الجد بالأب: “يحجبه الأب خاصة” لقاعدة: “إن من يدلي بشخص لا يرث مع وجوده إلا الإخوة للام” فيدلون بها ويرثون مع وجودها. وقول المدونة في حجب الأخ للأب والأخت للأب: “ولا تحجبهما الشقيقة ” محله ما لم تكن عاصبة مع البنت أو بنت الابن الواحدة منهما أو المتعددة.

كما يلاحظ على مدونة الأسرة عند قولها ” الجدة للام تحجبها الأم خاصة” بأنه لاخصوصية للأم بذلك، فكما تحجب الجدة للأم بالأم، تحجب بالجدة القربي من جهتها. كما أن المدونة تبنّت في الفقرة 16 ظاهر قول الشيخ خليل في مختصره الفقهي الذي ينص على ” وأسقطتها الأم مطلقا، والأب والجدة من جهته، والقربى من جهة الأم البعدى من جهة الأب”. حيث لم ينص على ان القربى من كل جهة تسقط البعدى من نفس الجهة.

وحاصل الأمر أن الجدة تُسقط في حالتين: الأم والجدة القربى من جهة الأم. وان الجدة للاب تسقط باربعة أشياء بالأب والأم والجدة القربى من جهة الأب، والجدة القربي من جهة الأم.

2 – أحكام حجب النقل :

ويُسمى هذا النوع أيضًا “حجب النقصان”، وهو أن يُنقل الوارث من نصيب أكبر إلى نصيب أصغر، أو من نصيب أصغر إلى نصيب أكبر، وحجب النقل كنقل البنت من الإرث بالفرض إلى الإرث بالتعصيب، فالحجب بالنقل أو بالنقصان سببه وجود وارث آخر يقتضي هذا النقص أو النقل، كما هو الحال في حجب الأم بالفرع الوارث أو المتعدد من الإخوة لأم ، من الثلث إلى السدس، أو حجب الزوج من النصف إلى الربع بوجود الفرع الوارث.

من هم الأشخاص الذين يحجبون حجب نقل؟

نصت المادة 359 من مدونة الأسرة على حالات حجب النقل، حيث جاء فيها مايلي: “يحجب حجب نقل:

1. الأم حيث ينقلها من الثلث إلى السدس الابن وابن الابن والبنت وبنت الابن واثنان فأكثر من الإخوة والأخوات سواء كانوا أشقاء أو لأب أو لأم.

2. الزوج حيث ينقله الابن وابن الابن والبنت وبنت الابن من النصف إلى الربع.

3. الزوجة حيث ينقلها الابن وابن الابن والبنت وبنت الابن من الربع إلى الثمن.

4. بنت الابن تنقلها البنت الواحدة من النصف إلى السدس، وتنقل اثنتين فأكثرمن الثلثين إلى السدس.

5. الأخت للأب تنقلها الشقيقة من النصف إلى السدس، وتنقل اثنتين فأكثر من الثلثين إلى السدس.

6. الأب ينقله الابن وابن الابن من التعصيب إلى السدس.

7. الجد عند عدم الأب ينقله الابن وابن الابن من التعصيب إلى السدس.

8. البنت

9. بنت الابن .

10. والأخت الشقيقة.

11. والأخت للأب ينقل كل واحدة منهن فأكثر أخوها من فرضها ويعصبها.

12. الأخوات الشقيقات.

13. والأخوات للأب تعصبهن البنات، فتنقلين البنت الواحدة فأكثر من الفرض إلى التعصيب”.

تطرقت مدونة الأسرة في المادة 359 إلى بيان الورثة الذين يُحجبون حجب نقل، والمحددة في خمسة أنواع:

– أن يكون النقل من فرض أكثر إلى فرض اقل منه، كما هو الحال في انتقال الزوج من النصف إلى الربع.

– أن يكون النقل من فرض أكثر إلى تعصيب اقل، كما في حالة نقل الأخ الشقيق لأخته الشقيقة من النصف إلى التعصيب الذي ينوبها بمقتضاه الثلث.

– أن يكون النقل من تعصيب أكثر إلى فرض اقل، كما في نقل الأب بالابن من التعصيب إلى السدس.

– أن يكون النقل من فرض إلى تعصيب يساويه، كما في الأخت الشقيقة أو التي للأب مع البنت الواحدة فإنها تنقلها من النصف فرضا إلى نفسه تعصيبا،

– أن يكون النقل من فرض اقل إلى تعصيب أكثر منه، كما في عشر أخوات شقيقات مع أخ شقيق، فانه ينقلهن من فرض الثلثين إلى التعصب الذي ينوبهن بمقتضاه خمسة أسداس وهي أكثر من الثلثين.

وتجدر الإشارة إلى أن الأنواع الثلاثة الأولى من حجب النقل تندرج ضمن ما نصّت عليه مدونة الأسرة في المادة 355 عند تعريفها للحجب بعبارة: “… أو بعضه”.

وقد أشارت مدونة الأسرة في المادة 359 إلى مختلف صور حجب النقل، حيث وردت في الفقرات 1 و2 و3 و4 و5 حالات النقل من فرض إلى فرض، وفي الفقرتين 6 و7 حالات النقل من تعصيب إلى فرض، بينما تطرقت الفقرات من 8 إلى 13 إلى صور الحجب التي يتم فيها الانتقال من فرض إلى تعصيب.