مفهوم التركة ومضمونها.
مفهوم التركة
التركة لغة من ترك يترك تركاً، وتركة الرجل ما يتركه من التراث المتروك. والترك الإبقاء، وفي القرآن الكريم “وتركنا عليه في الآخرين” أي أبقينا عليه، وتركت الشيء خليته.
تنص المادة 768 من القانون المدني الفرنسي على انه ” يجوز للوارث أن يقبل التركة أو أن يتنازل عنها بدون قيد، ويجوز أيضا أن يقبل التركة في حدود موجوداتها الصافية عندما يكون صاحب حق ارثي عام أو بشكل عام. ويكون باطلا الخيار المشروط أو المؤجل”.
والتركة اصطلاحا: كل ما يتركه الميت من أموال، وحقوق مالية، بقطع النظر عن المستحق لها وارثا كان أو غير وارث.
و عرفت مدونة الأسرة التركة في المادة 321 بقولها ” التركة مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية”.وعليه تكون التركة مشتملة على كل متخلف الهالك، سواء كان مديناً أم لا، دیونه عينية متعلقة بأعيان الأموال، أو شخصية متعلقة بالذمة فقط.
واختارت اغلب التشريعات العربية عدم وضع تعريف لها، وكذلك المشرع الفرنسي حين تناوله الحديث عنها وصفتها وتسلمها، في الباب الأول من الكتاب الثالث، في الطرق المختلفة لاكتساب الملكية.
وتعريف المدونة فيه إشارة قوية إلى أن انتقالها إلى الورثة منفصل تماما عن قبولها من طرفهم، فالحقوق المالية تنتقل تلقائيا من الموروث إلى الوارث، كملكية عين التركة، والحقوق العينية الأصلية والتبعية المتفرعة عن حق الملكية، دون حاجة إلى شكليات معينة، المتطلبة في عقود المعاوضات والتبرعات، وهو معنى قول المدونة في المادة 323 “بلا تبرع ولا معاوضة” أي إنها لا ترد بالرد، ولكن تقبل النقل بعد الثبوت، بأي من العقود الناقلة للملكية.
فالتركة بمعنى المتروك، وترك الميت تراثه، وهو الميراث، ويشمل ذلك المال كالنقود، والمتمول كالعقارات والمنقولات، كما يتناول الحقوق المالية كحق الشفعة، فمن وجبت له شفعة في عقار مثلا، وقبل أن يأخذ بالشفعة مات انتقل الحق فيها إلى ورثته عملا بقاعدة “من مات عن حق فلورثته”.
وهذه القاعدة ليست على عمومها، بل من الحقوق ما ينتقل ومنها ما لا ينتقل، والضابط لما ينتقل إلى الورثة كل ما كان متعلقا بالمال فينتقل ويدخل ضمن موضوع التركة، أما ما كان متعلقا بنفس الموروث وعقله وشهواته فلا ينتقل للورثة ولا يعد ضمن موضوع التركة.
والسر في الفرق بين هذه الحقوق التي تنتقل، وبين التي لا تنتقل أن الورثة إنما يرثون المال فيرثون ما يتعلق به من الحقوق المالية، ولا يرثون عقله، ولا نفسه، وشخصيته، فلا يرثون ما يتعلق بذلك، كالحضانة، والولاية على النفس والمال، والوكالة، والوظيفة، فمثل هذه الحقوق لا تورث إطلاقا.
وخلافة الوارث عن المورث في الفقه الإسلامي خلافة إجبارية في الحقوق دون الواجبات، وهي السبب الوحيد من أسباب الملكية الإجبارية، ذلك أن الوارث يخلف مورثه فيما في التركة من أموال أو حقوق تصح الخلافة فيها.
وجمهور الفقهاء، يرون أن التركة إذا أحاط الدين بها، لم تنتقل لوارث حتى توفى جميع الديون، التي تبقى بذمة المتوفى حكما، حتى تصفى التركة، فإذا سددت الديون، انتقلت إلى الورثة من تاريخ السداد، عملا بقاعدة: (لا تركة قبل سداد الديون).
وهو معنى قول مدونة الأسرة في الفقرة الأولى من المادة 393 ” يتسلم الورثة بعد تنفيذ التزامات التركة ما بقي منها كل بحسب نصيبه الشرعي…”.
وللورثة أن يقبلوا التركة أو يرفضونها، ولا يجبرون على قبولها، ولا على تحمل ديونها، التي ترتبت عليها بموجب العلاقة الدائنية التي كانت تربط المتوفى بدائنيه، والذين يبقى لهم الحق في مباشرة حقوقهم ضد التركة في حالة رفض الورثة لها، مع مراعاة مقتضيات المادة 329 من مدونة الأسرة السالف الذكر،الذي منع إسقاط صفة الإرث أو التنازل عنه للغير.
كما يجب مراعاة مقتضيات قانون المسطرة المدنية، والقسم التاسع من الكتاب السادس من مدونة الأسرة المتعلق بتصفية التركة، وقانون 16/03 المتعلق بخطة العدالة، والفصل 229 من قانون الالتزامات والعقود، ونصه: ” تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب، ولكن أيضا بين ورثتهما وخلفائهما، ما لم يكن العكس مصرحا به، أو ناتجا عن طبيعة الالتزام، أو عن القانون، ومع ذلك، فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة، وبنسبة مناب كل واحد منهم.
وإذا رفض الورثة التركة، لم يجبروا على قبولها، ولا تحمل ديونها، وفي هذه الحالة، ليس للدائنين إلا أن يباشروا ضد التركة حقوقهم”.
أما في حالة قبول الورثة التركة ووضعهم اليد عليها، والتصرف فيها، من خلال إجراء تقييد اراثة موروثهم باسمهم لدى المحافظة العقارية إن كان المال عقارا محفظا، أو إعداد رسم إحصاء المتروك، إذا كان العقار غير محفظ، أو عند وجود أموال غير عقارية كالأسهم والأصول التجارية، والحساب البنكي وقاموا بالإجراءات والقواعد القانونية الجاري بها العمل، فللدائنين في هذه الحالة مباشرة حقوقهم ضد الورثة كل حسب نصيبه في التركة.
فإذا تصرف الورثة في عين من أعيان التركة فان للدائن أن يتتبع هذه العين وينفذ عليها، فقبل واقعة الموت كان الضامن هو مال المدين، وبعد الموت أصبحت التركة هي الضامنة لديون الميت ، وسواء كانت التركة أموالا عقارية أو منقولة، وسواء كانت الأموال العقارية غير محفظة أو محفظة ، فان هذه الأخيرة لكي يكون لها أثر قانوني يجب أن تسجل في الرسم العقاري ، فبمجرد وفاة المورث وإعداد رسم الاراثة، يتم وضع نظيرها لدى المحافظة العقارية قصد تقييدها بالرسم العقاري في اسم الورثة وفق الفريضة الشرعية ، التي يجب أن يتضمنها رسم الاراثة تحت مسؤولية العدلين ؛ لان بيان الفريضة من تمام رسم الاراثة، الذي هو من اختصاصهما.
ونرى عدم قبول تقييد أي رسم اراثة لا يتضمن بيان الفريضة الشرعية بجميع توابعها، حفاظا على حقوق الخلف العام، الذين هم ملزمون بآثار انتقال التركة في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم، تطبيقا لمقتضيات المادة 394 من مدونة الأسرة التي تنص على انه ” لكل وارث الحق في أن يتسلم من العدلين نسخة من الاراثة ونسخة من إحصاء التركة تبين مقدار نصيبه في الإرث وتعين ما آل لكل واحد من أموال التركة”.
ونتساءل عن طبيعة رسم إحصاء المتروك من حيث حجيته؟
جاء في قرار لمحكمة النقض ما نصه: ” الحكم الذي قضى بإرجاع المتروك للمدعي بناء على الإحصاء الذي لا يكون حجة ضد الطاعن ولا يلزمه دون تقييم اللفيف المدلى به، يكون قد قضى بمجرد الدعوى والقرار معلل تعليلا ناقصا يوازي انعدامه ومعرض للنقض”(قرار رقم 614 بتاريخ 9 يونيو 1992).
وجاء في قرار آخر ما نصه: ” الإبراء بين الورثة في التركات يشترط فيه إحصاء التركة أو العلم بها بما يكفي، إذا فقد أحد الشرطين، يكون الإبراء غيرعامل لأنه منصب على مجهول” (قرار رقم 1165 بتاريخ 27 شتنبر 1994).
وحول إثبات التركة والوفاة جاء في قرار ما نصه: “لما كان المدعي لم يطلب إرثا بل قطعة ارض انجرت له بالإرث استولى عليها المدعى عليه فانه لا يكلف بإثبات الوفاة والتركة. وحيث إن من ادعى على غيره على أن الذي بيده كان يتصرف فيه بالإرث من أبيه مثلا إلى أن وقع غصبه من طرف المدعى عليه فانه لا يكلف بإثبات الموت وعدة ورثته،
لان المقصودة بزيادة ورثته إنما هو لبيان طريقة ملكيته لا نسبته لأبيه … وحيث إن ما سلكته المحكمة من عدم تكليف المدعى بالإراثة هو الذي يجب إتباعه في مثل هذه النازلة كما أشير، وبالتالي كان حكمها معللا تعليلا قانونيا وان الوسيلتين لا أساس لها ” (قرار رقم 809 بتاريخ 14 يوليو 1987).
وإطلاق صفة الخلف العام على الورثة؛ لأنهم يخلفون موروثهم ويقومون مقامه في جميع الحقوق المالية، فتنتقل إليهم ملكية أعيان التركة والحقوق العينية ،إلا ما كانت ملكيته ناقصة، كحق العمرى وحق الانتفاع المقيد بالموت فبمجرد وفاة الشخص تصبح كافة حقوقه مملوكة على الشياع لورثته جبرا، كل حسب نصيبه في التركة.
أما وقت انتقال ملكية التركة إلى الورثة ففي ذلك نظريتان مختلفتان، وقد ترتب على اختلاف هاتين النظريتين الفقهيتين، اختلاف في أحكام عديدة، منها:
إن نماء التركة يكون للورثة من تاريخ وفاة المورث عند الشافعية في كل الأحوال، فإذا كانت التركة بستاناً فأثمر، أو آلة فأنتجت… كان ذلك النماء خالصاً للورثة، ولا حق للدائنين فيه مطلقاً.
أما على مذهب الجمهور، فيكون النماء للورثة إذا كانت التركة خالية عن الدين، فإذا كانت مستغرقة بالدين، كان النماء كله للغرماء، فإذا كانت التركة مشغولة بدين غير مستغرق، كان النماء موزعاً بين الغرماء والورثة، كل على قدر حصته فيها.
وعلى هذا إذا كانت قيمة التركة عند وفاة المورث عشرة آلاف، وهي مدينة بأحد عشر ألفاً، ثم نمت قبل سداد الدين فأصبحت أحد عشر ألفاً، كانت كلها للدائنين وفاء لدينهم، عند الجمهور، ولا شيء فيها للورثة.
ويرى الشافعية أن مئونة التركة تكون على الورثة وحدهم، من تاريخ وفاة المورث، سواء أكانت التركة مدينة أم لا.
أما الجمهور فالمئونة عندهم بحسب الملك، فإن كانت التركة مدينة فالمؤونة كلها على الغرماء، ولا شيء على الورثة، لعدم تعلق حقهم فيها، فإذا كانت الديون غير مستغرقة للتركة، وجبت المؤونة على الغرماء والورثة، كل على قدر حقه فيها. فإذا كانت التركة مواشي أو زروعاً … كانت نفقاتها من طعام وشراب وسقاية وحماية….
أما ما يجد من الملك بسبب المورث يعتبر كالنماء، ويكون للورثة وحدهم عند الشافعية، ويكون للغرماء والورثة، كل على قدر حصته في التركة، عند الجمهور.
أما حق الشفعة يكون للورثة مطلقاً عند الشافعية، ويكون للورثة وحدهم إذا كان لهم حق في التركة عند الجمهور، ولا يكون للغرماء بحال عند الجميع، أما عند الشافعية فلعدم ملكيتهم للتركة أصلاً، وأما عند الجمهور فلأن التركة على ذمة المورث، وليسوا هم خلفاءه في تركته.
لا يجوز عند الجمهور قسمة التركة المدينة قبل سداد الدين، لتعلق حق الدائنين، وتجوز القسمة لدى الشافعية، وتكون حصة كل وارث مرتبط بها من الدين بمقدارها. أما الديون التي عليه، فلا يخلفه فيها باتفاق الفقهاء، إلا أن يتبرع هو بذلك.
ولكن ما هي طبيعة هذه الخلافة، أو طبيعة تعلق حق الورثة بالتركة؟ ، أهو تعلق كامل في عين المتروكات، أم تعلق ناقص بقيمة التركة؟
إذا كانت التركة غير مدينة، تعلق حق الورثة بأعيان التركة تعلقاً كاملاً، فلا حق لأحد أياً كان أن يأخذها منهم مهما دفع من المال، إلا أن يوافقوا هم على ذلك، إذا كانوا أهلاً للتبرع.
فإذا كانت التركة مدينة، كان حق الدائنين متعلقاً بقيمة التركة دون أعيانها، أما حق الورثة فمتعلق باعيان التركة أيضاً، ولهذا فإن للورثة تسديد الديون من أموالهم الخاصة، وعندها تسلم لهم التركة جبراً عن الدائنين، ولا خيار للدائنين في ذلك.
هذا ولا يلزم الورثة بسداد الدين إلا في حدود قيمة التركة، لكن إذا كانت الديون تزيد عن التركة، لم تسلم التركة للورثة بدفع قيمتها فقط، ولكن بدفع الدين كله، لتعلق حق الغرماء بكامل الدين، فالورثة بالخيار هنا، بين دفع كل الدين وأخذ التركة، أو التخلي عن التركة للغرماء إذا طلبوا ذلك.
هذا في حق الورثة في التركة بعد وفاة المورث، وهل يثبت للورثة حق في التركة قبل ذلك؟
اتفق الفقهاء على أنه ليس للورثة حق في مال المورث مطلقاً إذا كان صحيحاً، فإذا مرض مرض الموت، تعلق حق الورثة بماله.
ورغم الاختلافات الفقهية حول مضمون التركة ومشمولاتها، إلا أنهم توصلوا إلى الاتفاق على الحد الأدنى لمكونات التركة التي تنتقل من المورث إلى الوارث، وهي كل الحقوق المالية المحضة، والحقوق التابعة للمال، كما اتفقوا على انه لا يعد من مضمون ومكونات التركة الحقوق غير المالية.
سبقت الإشارة إلى أن حق الانتفاع من الوجهة الفقهية، هو محل تردد بين الفقهاء من حيث اعتباره من مشمولات التركة، فمن رجح الجانب المالي اقر بالتوريث، ومن رجح الجانب الشخصي استبعده.
وبالنسبة للمشرع المغربي فقد اقر صراحة بمالية حق الانتفاع، وعده من الحقوق العينية الأصلية من خلال المادة التاسعة من مدونة الحقوق العينية وأضافت المادة 99 على انه ” ينقضي حق الانتفاع بموت المنتفع …”وبمقتضى هذه المادة فإن حق الانتفاع ينقضي بموت المنتفع، لأن الانتفاع حق مؤقت، لا يمكن أن يستمر بقاؤه أكثر من حياة المنتفع.
وبالرجوع إلى المادة 774 من القانون المدني الجزائري، نجدها أحالت أحكام المواريث إلى قانون الأسرة ونصها: تسري أحكام قانون الأحوال الشخصية على تعيين الورثة، وتحديد أنصبتهم في المواريث، وعلى انتقال أموال التركة”.
وأشارت المادة 682 من نفس القانون إلى أن كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصلح أن يكون محلا للحقوق”.
فالمال وفق القانون المدني الجزائري هو الحق ذو القيمة المالية، فالأشياء التي لا تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها المالية، وأما الخارجة بحكم القانون فهي التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية.
أما المشرع التونسي فقد نص الفصل الأول من مدونة الحقوق العينية على أن المال هو : ” كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون ومن شانه أن يكون موضوع حق ذي قيمة نقدية”.
يمكن القول بان المشرع التونسي استوعب الأصناف المتفق على توريثها فقها، فالعقارات والمنقولات التي كانت على ملك المورث تعد من ضمن مكونات التركة، سواء كانت عقارات بالطبيعة أو بالتخصيص المنصوص عليها في الفصل الرابع من مدونة الحقوق العينية التونسية، وكذلك المنقولات سواء بطبيعتها أو بحكم القانون، وفق ما نص عليه أيضا الفصل 15 من نفس القانون.
فالأشياء الخارجة عن التعامل بطبيعتها هي كل الأشياء التي لا يمكن لأحد أن يستأثر بحيازتها، مثل الهواء وأشعة الشمس، أما الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون، فهي كل ما منع القانون التعامل فيه، مثل المعاملات المتعلقة بالمخدرات والسموم، ومثل منع بعض التصرفات بين المسلمين
(ينص الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود على أن ” اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه، سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية، أو أي نفع آخر للمقرض أو لأي شخص غيره يتخذ وسيطا له”)، والتصرف في التركة المستقبلية.
ينص الفصل 484 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أنه “يبطل بين المسلمين بيع الأشياء المعتبرة من النجاسات وفقا لشريعتهم، مع استثناء الأشياء التي تجيز هذه الشريعة الاتجار فيها، كالأسمدة الحيوانية المستخدمة في أغراض الفلاحة”.
من المراجع المعتمدة نذكر :
- مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية، 1987 شركة الهلال.
- علي التسولي: البهجة شرح التحفة 410/2.
Share this content: