الشغل “مصادر قانون الشغل”
يقصد بمصادر القانون الاجتماعي تلك المنابع التي تُستمد منها القواعد والمبادئ التي تنظم العلاقات الاجتماعية والمهنية داخل المجتمع. وتتميز هذه المصادر بتعددها وتنوعها، حيث تشمل مصادر ذات طابع داخلي وأخرى ذات طابع دولي، على النحو التالي:
أولا // المصادر الداخلية لقانون الشغل:
1 -التشريع:
يُعتبر التشريع المصدر الأساسي الذي تُستمد منه قواعد القانون الاجتماعي، حيث يُشكل الإطار القانوني الذي يضبط العلاقات المهنية والاجتماعية بين الأطراف المختلفة. وينقسم التشريع إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
أ – الدستور:
يعتبر القانون الأسمى في كل دولة لا يجوز لأي سلطة أن تخالف أحكامه، ولا يمكن لأي قاعدة قانونية أن تخرج عن مقتضياته، هذه الأهمية التي يحتلها الدستور جعلت العديد من التشريعات تضمنه مجموعة من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة للدستور المغربي الذي نص على حق جميع المواطنين في الشغل، حرية تأسيس النقابات والانخراط فيها، وضمان الحق في الإضراب.
ب – التشريع العادي:
هناك نوعين من القواعد القانونية التي مصدرها التشريع العادي، فهناك أولا القواعد القانونية التي صدرت بها تشريعات خاصة مستقلة عن القانون المدني وغيره من فروع القانون الأخرى ، وهي التشريعات الخاصة بتنظيم أحكام ممارسة الشغل التابع، وهي في معظمها ظهائر ملكية، لأن المغرب لم يدخل المرحلة الدستورية إلا في سنة ،1962 ثم هناك قواعد قانونية أخرى مصدرها التشريع العادي كذلك، ولكنها تندرج في إطار فروع القانون الأخرى، كقانون المسطرة المدنية، الذي يتضمن القواعد التي تسري وفقا لها إجراءات النظر في المادة الاجتماعية،
كما تضمنت مدونة التجارة الأحكام الخاصة بصعوبات المقاولة، كما يتضمن القانون الجنائي كذلك بعض القواعد التي تتعلق بعلاقات الشغل، مثلا المادة 249 منه تعاقب بعض الأفعال التي يأتيها الأجير وتشكل جريمة الرشوة، المادة 288 تناولت الاعتداء على حرية الشغل والأعمال التي قد تصاحبها، وتناولت المادة 447 حماية المشغل من خلال أجرائه بالالتزام بالمحافظة على السر المهني في المجال الصناعي.
ج – التشريع الفرعي:
تشريع تفصيلي كاللوائح والمراسيم والقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية لتنظيم بعض المسائل الواردة في التشريع العادي، كما هو الشأن مثلا بالنسبة للمرسوم المتعلق بتحديد لائحة أيام الأعياد المؤداة عنها الأجور في المقاولات الصناعية والتجارية والمهن الحرة والاستغلاليات الفلاحية والغابوية، والمرسوم المتعلق بمهلة الإخطار لإنهاء عقد الشغل غير المحدد المدة بإرادة منفردة.
2 – الاجتهاد القضائي :
هو مجموع المبادئ القانونية التي تستخلص من استقرار المحاكم على إصدار أحكامها استنادا إليها، وهو يعتبر مصدرا تفسيريا للقاعدة القانونية يساعد على تجلية ما قد يكتنفها من غموض ويوضح ما قد يعتريها من إبهام.
3 – العرف:
هو عبارة عن مجموع القواعد التي تنشأ في الأوساط المهنية، بحيث يعتاد الأجراء والمشغلين اتباعها بطريقة منظمة ومستمرة في وسط ومهنة معينين، بحيث يسود الاعتقاد باعتبارها ملزمة وواجبة الاحترام، كما هو الشأن بالنسبة لتحديد المزايا الإضافية للأجر كالمكافآت مثلا العرف السائد داخل مقاولة أو شركة معينة على منح العمال قبل عيد الأضحى مكافأة مالية كل سنة.
4 -النظام الداخلي للمؤسسة :
يقصد بالنظام الداخلي للمؤسسة تلك القواعد التي يضعها المشغل تحت مراقبة مفتش الشغل، بقصد تنظيم العمل داخل المؤسسة وضمان حسن سير العمل بها، ويتضمن هذا النظام الداخلي التعليمات الواجب اتباعها داخل المشروع أو المؤسسة، كالنص على مواعيد بدء العمل وانتهائه، أوقات الراحة، الاحتياطات التي يجب على الأجراء مراعاتها لضمان السلامة ، وكذلك لضمان الوقاية من أخطار الشغل والآلات. ويشمل النظام الداخلي لائحة الجزاءات التي يتعرض لها العامل عند ارتكابه المخالفات.
5 -الاتفاقية الجماعية :
الاتفاقية الجماعية هي عبارة عن اتفاق يبرم بين نقابة الأجراء أو مجموعة من نقاباتهم من جهة، وبين مشغل واحد أو عدة مشغلين أو تجمعاتهم من جهة ثانية، لتحديد شروط العمل الواجب تطبيقها على جميع الأجراء والمشغلين المشاركين في هذه الاتفاقية الجماعية.
ثانيا // المصادر الدولية لقانون الشغل :
1 -الاتفاقيات الثنائية :
يقصد بالاتفاقيات الثنائية، الاتفاقيات المبرمة بين دولتين قصد تنظيم وضعية مواطنيها حينما ينتقلون للعمل فوق تراب البلد الآخر المتعاقد. وفي هذا الصدد، يلاحظ أن المغرب أبرم مجموعة من الاتفاقيات مع عدة دول أوربية يستقر بها عدد كبير من العمال المغاربة، كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقيات الثنائية المتعلقة باليد العاملة مع كل فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، واسبانيا، هذه الاتفاقية حددت كيفية اختيار المرشحين للهجرة، ونصت على استفادتهم من الحقوق الواردة بقانون الشغل المطبق ببلد العمل، وخاصة المقتضيات المتعلقة بالضمان الاجتماعي، والعطل المؤدى عنها، وتعويضات البطالة، وسياسية الأجور، وحفظ السلامة.
وفي هذا السياق، جاءت المادة 510 من مدونة الشغل المغربية لتؤكد على أهمية مراعاة البُعد الدولي في تنظيم علاقات الشغل، حيث نصت على أنه: “تراعى عند الاقتضاء أحكام الاتفاقية الدولية الثنائية المنشورة طبقا للقانون، والمتعلقة بتشغيل الأجراء المغاربة في الخارج أو بتشغيل الأجراء الأجانب في المغرب.”
ويعكس هذا النص التزام المغرب بتنفيذ الاتفاقيات الدولية الثنائية التي أبرمها مع دول أخرى، بما يضمن تنظيم تشغيل الأجراء المغاربة بالخارج وفق قواعد تحترم كرامتهم وحقوقهم، وأيضًا وضع إطار قانوني واضح يضمن حقوق الأجراء الأجانب العاملين داخل المغرب. ويهدف هذا المقتضى إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال الشغل وتوفير حماية قانونية عادلة لجميع الأطراف المعنية.
2 -الاتفاقيات المتعددة الأطراف :
هي تلك الاتفاقيات التي تبرم بين أكثر من دولتين مع إبقاء الباب مفتوحا أمام الدول الأخرى للانضمام إليها ولو بدون موافقة الأطراف الأصلية أو تلك التي انضمت إليها بعد إبرامها، كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية في مجالات العمل المختلفة، كالاتفاقية الصادرة سنة 1919 حول تشغيل النساء ليلا، والاتفاقية الصادرة سنة 1927 حول الراحة الأسبوعية في المجال الصناعي، والاتفاقية الصادرة سنة 1925 حول الأمراض المهنية. كما أصدرت هذه المنظمة اتفاقيات أخرى تتعلق بقانون الضمان الاجتماعي، كالاتفاقية رقم 102 الصادرة سنة 1952 المتعلقة بالحد الأدنى للضمان الاجتماعي.
وتجدر الإشارة في نهاية حديثنا عن مصادر قانون الشغل إلى أنه قد يحدث تعارض بين مختلف هذه المصادر بشأن مسألة معينة الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول المصدر الواجب التطبيق. هنا نبادر إلى القول على أنه في حالة التنازع بين المصادر الدولية والمصادر الداخلية، ترجح المصادر الأولى في التطبيق استنادا إلى مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي.
أما إذا كان هناك تنازع بين مصادر القانون الاجتماعي الداخلية حول موضوع معين، فيرجح تطبيق مقتضيات الدستور أولا، ثم القواعد الصادرة عن السلطة التشريعية، ثم تليها المراسيم واللوائح والقرارات، ثم المصادر ذات الأصل المهني أي الأعراف والنظام الداخلي للمؤسسة، واتفاقية الشغل الجماعية.
غير أن هذا التدرج الخاص بالمصادر الداخلية لا يمكن تطبيقه على إطلاقه، فإذا كان القانون الاجتماعي يسعى إلى حماية الأجير الطرف الضعيف في علاقة الشغل، فإن الأولوية في التطبيق يجب أن تكون للمصدر الأفيد للأجير، بصرف النظر عن التدرج، كما هو الشأن في الحالة التي تتضمن فيها اتفاقية الشغل الجماعية مزايا أكبر من تلك الواردة في التشريع، حيث يرجح في هذه الحالة تطبيق اتفاقية الشغل الجماعية.
Share this content: