القانون الدستوري – تعريفه ومصادره
أولا – مفهوم القانون الدستوري :
لقد استأثر موضوع القانون الدستوري باهتمام الكثير من الدارسين والفلاسفة والباحثين، وكان من نتائج هذا الاهتمام تعدد وجهات النظر في هذا الموضوع . وقد أدى هذا الأمر إلى وجود عدة تعاريف أعطيت لمصطلح القانون الدستوري وتختلف هذه التعاريف في مضمونها بالنظر لاختلاف الزوايا التي يتم من خلالها النظر إلى موضوع الدراسة وعموما فقد تبنى الفقه عدة معايير لتعريف القانون الدستوري وهي : المعيار التاريخي والمعيار اللغوي والمعيار الشكلي ثم المعيار الموضوعي.
وبالرجوع إلى محتويات التعاريف التي أعطيت لمصطلح القانون الدستوري بناءا على هذه المعايير، يمكن القول بأن المعايير الثلاثة الأولى وهي : المعيار التاريخي والمعيار اللغوي ثم المعيار الشكلي، هي معايير منتقدة، تجانب الصواب، ولا تصلح كأساس لإعطاء تعريف دقيق لمفهوم القانون الدستوري.
ويبقى المعيار الموضوعي هو المعيار المفضل من قبل أغلبية الفقه القانوني وطبقا لهذا المعيار، فجميع الموضوعات المتعلقة بنظام الحكم تعتبر دستورية ومن اختصاص القانون الدستوري سواء وردت في الوثيقة الدستورية أم لم ترد فيها، وهذا يعني أن القانون الدستوري لا يهتم فقط بالمؤسسات المنصوص عليها رسميا بمتن الدستور، بل يتعداها ليشمل القوى المجتمعية الأخرى، أو ما يسمى أحيانا بالهيئات الواقعية.
فموضوع القانون الدستوري إذن هو الدولة والحكم، وتنظيم العلاقات بين من يتولون في المجتمع السياسي مهمة التسيير والقيادة، وبين من هم موضوع التسيير والقيادة، أو بعبارة أخرى بين الحاكمين والمحكومين، وعلى هذا الأساس يمكن تعريف القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة، وترسم قواعد الحكم فيها وتضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد، وتنظيم سلطاتها العامة، مع بيان اختصاصات هذه السلطات.
وكخلاصة لما سبق يمكن القول بأن القانون الدستوري هو مجموع القواعد القانونية المتعلقة بشكل الدولة وبطبيعة نظام الحكم فيها، وباختصاص السلطات العامة، وعلاقاتها ببعضها من جهة وعلاقاتها مع الجماعات والأفراد من جهة ثانية حفاظا على حقوق وحريات المواطنين.
وإذا كانت القاعدة القانونية تتميز بارتباطها واقترانها بعنصر الجزاء الذي يكفل إطاعتها واحترامها، الشيء الذي يجعلها متميزة عن غيرها من القواعد الأخرى كقواعد الأخلاق والآداب، فإن الخلاف قد ثار بخصوص طبيعة قواعد القانون الدستوري، هل تتميز هذه القواعد بوجود جزاء يضمن احترامها والامتثال لأحكامها أم لا؟
يتحدث الأستاذ عبد الهادي بوطالب عن هذا الخلاف في ثلاثة اتجاهات:الاتجاه الأول: استخلص استنتاجا سلبيا أكد بمقتضاه أن القانون الدستوري ليست له طبيعة قانونية وأنه مجرد قواعد أدبية لا إلزام لها، ولا يترتب على مخالفتها أي جزاء.
الاتجاه الثاني: يؤكد الطبيعة القانونية للقانون الدستوري، ومن أجل ذلك يلغي من تعريف القانون ركني الجزاء والإلزام ليندمج فيه القانون الدستوري.
الاتجاه الثالث: وهو أوجه الاتجاهات أكد الطبيعة القانونية للقانون الدستوري مع اشتراط ركني الجزاء والإلزام في تعريف القانون.
ونخلص إلى تأكيد الطبيعة القانونية للقانون الدستوري، وإلى كون قواعده تتمتع بجميع خصائص القانون، فقواعد القانون الدستوري هي قواعد اجتماعية عامة ومجردة، وهي أيضا قواعد ملزمة، وكل مخالفة لها أو انتهاك لمقتضياتها يترتب عنه جزاء.
ثانيا – مصادر القانون الدستوري :
يقصد بمصادر القانون بوجه عام، الأصل الذي تستمد منه القاعدة القانونية مضمونها وصفتها الإلزامية، وتنقسم مصادر القانون الدستوري إلى مصدرين أساسيين، مصدر رسمي ويتجلى في التشريع والعرف. و مصدر تفسيري يتجلى في الفقه والقضاء.
وتختلف أهمية هذه المصادر من دولة لأخرى، كما قد تختلف من وقت لآخر، وذلك حسب اختلاف ظروف وأحوال كل بلد على حدة وسنقتصر نحن في هذا الصدد على دراسة المصادر الرسمية فقط وذلك على الشكل التالي:
1 – التشريع :
يعد التشريع أهم مصدر من مصادر القانون بصفة عامة، وهو يعني مجموع القواعد القانونية المكتوبة، والتي تقوم بإصدارها السلطات المختصة وفق الإجراءات المحددة بشكل مسبق.
وفي إطار القانون الدستوري، يقصد بالتشريع مجموع القواعد القانونية الواردة في نطاق الوثيقة الدستورية ومن ثم فالدستور المكتوب يعد أهم مصدر للقانون الدستوري، وأحد ركائزه الأساسية.
وإلى جانب الدستور، وأخذا بالمعيار الموضوعي في تعريف القانون الدستوري، تعد القوانين التنظيمية أو ما يطلق عليها في مجموعة من الدول بالقوانين الأساسية أو القوانين العضوية أحد أهم مصادر القانون الدستوري.
وتجدر الإشارة إلى كون الدساتير المكتوبة أو الوثائق الدستورية المكتوبة، أصبحت تشكل المصدر الأول لقواعد القانون الدستوري التي تمثل طبقا لمبدأ الشرعية أسمى القواعد القانونية في الدولة . كما أن التشريع أصبح يحتل مكانة كبيرة تتزايد أهميتها في الدول ذات الدساتير المكتوبة، وأيضا حتى في الدول ذات الدساتير العرفية كالمملكة المتحدة (بريطانيا).
2 – العرف :
على الرغم من الأهمية التي أصبح التشريع يحتلها في الوقت الحاضر كمصدر أساسي للقانون الدستوري، فإنه لم يؤد إلى القضاء على العرف الدستوري، حيث أن هذا الأخير مازال يلعب دورا مهما في خلق القاعدة الدستورية، ومن ثم فهو يعد من أهم مصادر القانون الدستوري.
وتنشأ القواعد العرفية نتيجة لإتباع هيئة من الهيئات الحاكمة في دولة معينة لعادة ما بصدد موضوع من موضوعات القانون الدستوري، دون معارضة غيرها من الهيئات، حتى يستقر في أذهان أفراد الجماعة ضرورة احترام هذه القواعد، مما يضفى عليها صفة الإلزام.
والمقصود بالعرف الدستوري هو أن تتصرف إحدى الهيئات الحاكمة في مسألة دستورية على نحو معين، فتنشأ من تكرار هذه التصرفات على مر الزمن قاعدة غير مكتوبة يكون لها إلزام قانوني .
ولاكتساب القواعد العرفية الدستورية الصفة القانونية الملزمة، لابد أن تتوفر على ركنين أساسيين وهما:
الركن المادي : ويتمثل في العمل أو التصرف الصادر عن إحدى السلط العامة الحاكمة في الدولة ويشترط أغلب الفقه لتوفر هذا الركن عدة شروط، أهمها، أن يتكرر التصرف أكثر من مرة واحدة، وأن يكون صادرا عن سلطة عامة، وأن يكون عاما، وألا يعترض عليه من قبل السلطات الأخرى أو من قبل الجماعة.
الركن المعنوي : ويقصد به أن يقوم ويستقر في ذهن الجماعة وضميرها القانوني، أن القاعدة العرفية واجبة الاحترام، وأن لها جزاء، فلا يكفي أن يتكرر إتباع قاعدة معينة بصفة عامة لمدة طويلة ثابتة لكي تنشأ القاعدة الدستورية العرفية، بل يجب فضلا عن ذلك أن يقوم في ذهن الجماعة اعتقاد بإلزامية القاعدة العرفية، وبأنها واجبة الإتباع باعتبارها قاعدة قانونية لها ما لسائر القواعد القانونية من الاحترام.
ومن خلال هذين الركنين، نخلص إلى كون نشوء العرف الدستوري يتطلب ضرورة تحول العمل أو التصرف الصادر عن إحدى الهيئات الحاكمة إلى عادة عامة ثابتة ومطردة وواضحة، كما يتطلب ضرورة إيمان الرأي العام وجميع السلط العمومية والهيئات الحاكمة في الدولة، بإلزامية هذه القاعدة العرفية، وبأن كل خرق لها أو مخالفة لمقتضياتها ويترتب عنه جزاء.
وللعرف الدستوري أهمية كبيرة، فهو يشكل المصدر الرئيسي للدساتير العرفية، كما يلعب عدة أدوار في إطار الدول ذات الدساتير المكتوبة، حيث يقوم أحيانا بتفسير نصوصها، ويقوم أحيانا بتكملة النقص الوارد فيها، كما يقوم أيضا في بعض الحالات بتعديل بعض مقتضياتها.
وانطلاقا من ذلك، يمكن الحديث عن عدة أنواع من العرف الدستوري وهي :
العرف الدستوري المفسر: هذا النوع من العرف يبرز في حالة وجود غموض وعدم وضوح في الوثيقة الدستورية، وعليه فهو لا ينشأ قواعد دستورية وإنما يبين التطبيق السليم أو المعنى الحقيقي للنص المكتوب. مما يعنى أن النص الدستوري المفسر لا يخرج عن دائرة النصوص المكتوبة وإنما يعمل في إطارها.
العرف الدستوري المكمل: ينشأ هذا العرف ليكمل المجالات التي لم تنظم في الوثيقة الدستورية حيث تظهر نصوص عرفية جديدة الى جانب الوثيقة المكتوبة لاستكمال نقص معين غفل عنه المشرع الدستوري ومن الأمثلة التي تقدم على هذا النوع من العرف اكتفاء الدستور الفرنسي لسنة 1875 باشتراط أن يكون مجلس النواب منتخبا بطريق الاقتراع العام دون ان يبين شكل هذا الاقتراع، قبل ان يأتي العرف ويفسر هذا النقص عندما تم اتباع طريقة الاقتراع المباشر.
العرف الدستوري المعدل: لا يقتصر العرف الدستوري على تفسير الغموض الذي قد يكتنف بعض بنود الدستور أو اكمال النقص الذي قد يعتريه، وإنما يمكن أن يذهب إلى حد تعديل نصوص الدستور لذلك يقصد بالعرف الدستوري المعدل ذلك العرف الذي ينصرف أثره الى تعديل حكم ورد في الدستور سواء باستحداث قاعدة دستورية جديدة أو بحذف قاعدة دستورية قائمة.
وقد اختلف الفقهاء بخصوص القيمة القانونية لهذه الأنواع من العرف وخاصة فيها يتعلق بالعرف المعدل، أما العرف المفسر والعرف المكمل، فقد ذهبت أغلبية الفقه إلى جعلهما في نفس مكانة ومرتبة النصوص الدستورية المكتوبة، وبالتالي فهما يتمتعان بنفس قيمتها القانونية.
Share this content: