قرارات المحافظ العقاري بشأن التعرضات : 2 قبول ورفض التعرض
تختلف صلاحيات المحافظ في التعرضات عن صلاحياته في التحفيظ، حيث يمتلك سلطة تقديرية لقبول أو رفض طلبات التعرض. فعند تقديم طلب التعرض، يتوجب على المحافظ اتخاذ قرار بشأنه، سواء بقبوله أو رفضه، وفقًا للشروط القانونية المحددة.
قبول طلب التعرض:
يقبل المحافظ طلب التعرض إذا تم تقديمه خلال الأجل القانوني المحدد، واستوفى جميع الشروط المطلوبة في مسطرة التعرضات.
رفض طلب التعرض:
في حال عدم استيفاء الشروط القانونية، يحق للمحافظ رفض طلب التعرض. ومع ذلك، يمكن للمتعرض الطعن في هذا القرار أمام المحكمة في بعض الحالات.
أولا – قرارات قبول التعرض :
عندما يقبل المحافظ طلب التعرض، فهذا يعني أن الطلب استوفى جميع الشروط القانونية المطلوبة، سواء من الناحية الشكلية أو الجوهرية. كما يدل ذلك على أن المطالب المقدمة من المتعرض جادة، خاصة إذا كانت مدعومة بوثائق وحجج قوية، مما يجعل المحافظ يتخذ قراره بقبول التعرض دون تردد.
قبول التعرض لا يعني إثبات حقوق المتعرض أو نفي حقوق طالب التحفيظ، بل يؤكد فقط وجود نزاع حول العقار أو الحق موضوع التحفيظ. هذا النزاع يلزم المحافظ ببدء إجراءات جديدة، أهمها تبليغ طالب التحفيظ بمحتوى التعرض. ويجب أن يتم هذا التبليغ فورًا، وفقًا للقانون، حتى يتمكن طالب التحفيظ من تحديد موقفه خلال شهر من تاريخ التبليغ.
من حق طالب التحفيظ أيضًا الاطلاع على الوثائق والمستندات التي قدمها المتعرض، وذلك لدراسة الموقف بشكل كامل. بعد ذلك، يكون لطالب التحفيظ خياران: وذلك إما بإثباته رفع التعرض أو التصريح بقبول التعرض.
ومع ذلك، في بعض الحالات، لا يتم احترام إجراءات التبليغ بشكل صحيح، مما قد يؤثر على سير العملية القانونية. لذلك، من المهم التأكيد على ضرورة الالتزام بالإجراءات المحددة لضمان حقوق جميع الأطراف وحل النزاعات بشكل عادل.
1) إثبات رفع التعرض أو التنازل عن التعرض :
يمكن لطالب التحفيظ أن يتقدم إلى المحافظة لإثبات أنه قام برفع التعرض، مما يدل على أنه أنهى حالة التعرض وحل النزاع بشكل ودي مع المتعرضين. ولتأكيد رفع التعرض، يتعين على المتعرضين تقديم طلب خطي يفيد بتنازلهم أو سحبهم للتعرض، أو أن يصرحوا شخصياً أمام المحافظ بتراجعهم عن التعرض. يُفضل أن يطلب المحافظ من المتعرضين تقديم تصريح كتابي موقع ومصحح الإمضاء، يوضحون فيه تنازلهم النهائي والاختياري عن التعرض، مع ذكر تفاصيل مطلب التحفيظ ومراجع التعرض المطلوب التنازل عنه.
في بعض الحالات، يكون رفع التعرض سهلاً ولا يشكل عائقاً لأي من الأطراف، بما في ذلك المحافظ، مما يسمح باستكمال إجراءات التحفيظ وإنشاء الرسم العقاري. ومع ذلك، توجد حالات أخرى يصعب فيها إزالة التعرض، خاصة إذا كان التعرض مقدمًا من قبل وصي أو نائب قانوني أو وكيل. في مثل هذه الحالات، يتعين على هؤلاء الأفراد الحصول على إذن من السلطة التي منحتهم الصلاحية لإزالة التعرض.
وبالمثل، إذا كان التعرض مقدمًا من قبل وصي أو مقدم نيابة عن قاصر، فإن رفعه يتطلب إذنًا من القاضي، وفقًا للفصل 271 من مدونة الأسرة، الذي يحدد التصرفات التي يتعين على الوصي أو المقدم الحصول على إذن من القاضي للقيام بها، بما في ذلك التنازل عن حق أو دعوى.
يجب على المحافظ أن يتخذ احتياطات إضافية للتأكد من صحة رفع التعرض في هذه الحالات. وقد يكون رفع التعرض كليًا، مما ينهي النزاع بالكامل ويسمح للمحافظ بمتابعة إجراءات التحفيظ، أو جزئيًا، حيث يرفع التعرض عن جزء من العقار ويبقى قائمًا على الأجزاء الأخرى. في هذه الحالة، يمكن لطالب التحفيظ أن يطلب إنشاء رسم عقاري للجزء الذي لا يشمل النزاع، وذلك بعد أن يقوم المحافظ بإجراء تحديد معدل للتحديد الأول طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من ظهير التحفيظ العقاري، بينما يبقى التعرض ساريًا على الأجزاء المتنازع عليها، وتتبع فيه المسطرة القضائية إذا لم يقع أي صلح بين الأطراف.
وقد أصدرت محكمة النقض قرارًا في هذا الشأن، قضت فيه بأنه إذا قبل طالب التحفيظ التعرض أو تنازل المتعرض عن تعرضه أثناء سير الدعوى، فإن المحكمة تقتصر على الإشهاد بهذا القبول أو التنازل.
2) التصريح بقبول التعرض :
قد يتبين لطالب التحفيظ أن المتعرض محق في تعرضه، خاصة إذا اطلع على الوثائق والرسوم التي قدمها المتعرض إلى المحافظة العقارية. في مثل هذه الحالة، يكون من مصلحة طالب التحفيظ قبول التعرض إذا كانت الأدلة تدعم صحة ادعاءات المتعرض، وذلك لتجنب اللجوء إلى المحكمة وإطالة أمد النزاع دون فائدة.
على طالب التحفيظ أن يقدم تصريحًا بقبول التعرض خلال شهر من تاريخ توصله بنسخة من محتوى التعرض واطلاعه على المستندات التي قدمها المتعرض لدعم تعرضه. يقوم المحافظ بتسجيل هذا التصريح في محضر ويوقع عليه طالب التحفيظ. ويجدر بالذكر أن قبول التعرض من قبل طالب التحفيظ يكون عادةً في حالات التعرض الجزئي، أي عندما يشمل التعرض جزءًا من العقار أو بعض الحقوق العينية القابلة للتسجيل، مثل حق الانتفاع أو الارتفاق أو المرور، أو بعض الحقوق العينية التبعية كحق الرهن.
أما إذا كان التعرض يشمل العقار بأكمله، فإن طالب التحفيظ غالبًا ما يرفض قبول التعرض، مفضلاً اللجوء إلى المحكمة، سواء كان التعرض مبررًا أو مجرد ادعاء بلا أساس. وذلك لأن قبول التعرض الكلي يعتبر تنازلاً كاملاً عن مطلب التحفيظ لصالح المتعرض.
إذا انقضت مهلة الشهر دون أن يقدم طالب التحفيظ أي دليل على صحة التعرض أو قبوله، فإن المحافظ يحاول إجراء صلح بين الأطراف قبل إحالة الملف إلى المحكمة. وفي حالة قبول التعرض، يتعين على المحافظ تصحيح المطلب الأساسي من خلال خلاصات إصلاحية يتم نشرها في الجريدة الرسمية، وإجراء تحديد تعديلي، ثم متابعة الإجراءات العادية للتحفيظ.
يجب على المحافظ أن يسعى إلى حل النزاع إما عن طريق الصلح بين الأطراف أو من خلال تصريح طالب التحفيظ بقبول التعرض. وإذا لم يتخذ طالب التحفيظ أي إجراء رغم تبليغه بالتعرض، يتم إرسال ملف التعرض إلى المحكمة للفصل فيه.
من الملاحظ أن بعض المحافظات لا تتابع هذه التعرضات بشكل كافٍ، مما يؤدي إلى تجميد مطالب التحفيظ لفترات طويلة دون مبرر. وقد حاول المشرع معالجة هذه المشكلة في التعديل الأخير لقانون التحفيظ العقاري، حيث تم تحديد أجل لبعث ملف التعرض إلى المحكمة. وفقًا للفقرة الأخيرة من الفصل 32، يتعين على المحافظ إرسال مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية المختصة خلال ثلاثة أشهر من انقضاء الأجل المحدد في الفصل 23. ومن المتوقع أن يساهم تفعيل هذه المقتضيات في الحد من العديد من التعرضات المهملة في بعض المحافظات.
ثانيا – قرارات رفض أو إلغاء التعرض :
المحافظ ملزم بقبول التعرضات التي تتم بشكل نظامي وتتوافق مع الشروط والآجال المحددة قانونًا. وهذا يعني أن أي تعرض لا يستوفي هذه المتطلبات يُخوّل للمحافظ الحق في رفضه أو إلغائه. وتختلف قرارات المحافظ بشأن رفض أو إلغاء التعرضات من حيث قابليتها للطعن، حيث يمكن الطعن في بعضها عن طريق الاستئناف، بينما تكون أخرى نهائية ولا تقبل أي طعن. وفيما يلي توضيح للحالات التي يمكن فيها للمحافظ إلغاء أو رفض التعرض:
1) رفض التعرض لتقديمه خارج الأجل :
إذا لم يتقدم المتعرض بتعرضه خلال الأجل القانوني ألا وهو شهران ابتداء من تاريخ نشر الإعلان بانتهاء التحديد بالجريدة الرسمية، يسقط حقه في التعرض بعد هذا التاريخ طبقًا لما ورد في الفصل 27 الذي نص على أنه لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل قدره شهران يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا الظهير بالجريدة الرسمية.
ويتضح من خلال هذا النص أنه يجوز للمحافظ رفض أي تعرض لم يقدم في الأجل القانوني. إلا أن المشرع قد أورد استثناءً لهذه القاعدة، حيث خوَّل للمحافظ قبول التعرض ولو خارج الأجل، ما دام لم يبعث بالملف إلى المحكمة. وقرار قبول التعرض خارج الأجل لا يحتاج إلى أي تعليل، ما دام أنه يستجيب لرغبة المتعرض، فهذا الأخير هو الملزم بتبرير عدم تقديم تعرضه داخل الأجل.
إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: هل يحق لطالب التحفيظ الطعن في قرار المحافظ لكونه قبل تعرضًا خارج الأجل؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن قرار المحافظ بقبول التعرض خارج الأجل يتعارض مع مقتضيات الفصل 23، الذي أقر بسقوط حق التعرض بعد انقضاء الأجل القانوني. كما أن هذا القرار قد يلحق ضررًا بطالب التحفيظ، حيث يؤخر إجراءات تأسيس الرسم العقاري. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن طالب التحفيظ لا يحق له الطعن في مثل هذا القرار، وذلك لأن المشرع منح المحافظ صلاحية استثنائية لقبول التعرضات خارج الأجل، بموجب الفقرة الأولى من الفصل 29، شريطة أن يكون الملف لم يُوجه بعد إلى المحكمة الابتدائية، وأن يدلي المتعرض بتبريرات معقولة عن تأخره في تقديم تعرضه داخل الأجل المحدد.
ولا ينبغي فهم هذا الاستثناء على أنه يلزم المحافظ بقبول أي تعرض خارج الأجل لمجرد وجود الملف بالمحافظة. بل إن هذا الاستثناء يمنح المحافظ سلطة تقديرية لقبول التعرض بعد التقصي والبحث، كما يحق له رفضه وفقًا لما نص عليه الفصل 27: “لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل قدره شهران يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا الظهير بالجريدة الرسمية”.
هل قبول التعرض خارج الأجل من طرف المحافظ العقاري مشروط بوجود تعرضات أخرى؟
مقتضيات الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري لا تشترط وجود تعرضات سابقة لقبول التعرض خارج الأجل. إذ تبقى للمحافظ سلطته التقديرية في قبول أو رفض التعرض دون ربط ذلك بوجود تعرضات أخرى. الحالة الوحيدة التي تمنع المحافظ من قبول التعرض خارج الأجل هي حالة تأسيس الرسم العقاري. أما في غير هذه الحالة، فإن الأمر يبقى جوازيًا للمحافظ، ويخضع للتقييم الشخصي بناءً على التبريرات التي يقدمها المتعرض، مع مراعاة ألا يكون القصد من التعرض هو تعطيل مسطرة التحفيظ أو الإضرار بطالب التحفيظ.
سلطة المحافظ وحدودها:
من ناحية أخرى، لا ينبغي للمحافظ أن يتعسف في استخدام سلطته التقديرية بقبول أو رفض التعرض دون مبرر مقبول. فقبول التعرض خارج الأجل في حال عدم وجود تعرضات سابقة قد يلحق ضررًا بطالب التحفيظ، حيث يؤدي إلى تأخير وتعطيل مسطرة التحفيظ. وفي المقابل، فإن رفض التعرض خارج الأجل دون مبرر كافٍ قد يلحق ضررًا بالمتعرض ويحرمه من فرصة المطالبة بحقوقه المحتملة على العقار موضوع مطلب التحفيظ.
وبالتالي، فإن قرار المحافظ بقبول أو رفض التعرض خارج الأجل يجب أن يكون مبنياً على توازن دقيق بين مصلحة طالب التحفيظ في إنجاز المسطرة دون تأخير غير مبرر، ومصلحة المتعرض في حماية حقوقه المشروعة على العقار.
مدى قابلية قرار رفض التعرض للطعن القضائي :
وفقًا للفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن قرار المحافظ برفض التعرض المقدم خارج الأجل يعتبر قرارًا نهائيًا ولا يقبل أي طعن قضائي. هذا التعديل الذي أدخله المشرع في قانون التحفيظ العقاري يهدف إلى ضمان استقرار الإجراءات وعدم تأخيرها بسبب الطعون المتكررة. وعلى المتعرض أن يتحمل نتائج إهماله أو تأخيره، خاصة بعد الإشهار والنشر الواسعين اللذين يتمان بشأن العقار موضوع مطلب التحفيظ.
ونص الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري، كما تم تعديله بموجب القانون 07-14، ينص على أنه يكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي. هذا المقتضى القانوني أثار انتقادات واسعة من قبل الفقهاء وحتى من بعض الجهات القضائية، وذلك للأسباب التالية:
الفصل 118 من الدستور ينص على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة. وبالتالي، فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 29 التي تحرم المتعرض من حق الطعن القضائي تتعارض بشكل صريح مع هذه المبادئ الدستورية.
بناءً على ما سبق، فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري، والتي تنص على عدم قابلية قرار المحافظ برفض التعرض للطعن القضائي، تعتبر غير دستورية. فهي تتعارض مع مبادئ الدستور التي تكفل حق التقاضي وحق الدفاع عن الحقوق. لذلك، يتعين على المشرع تعديل هذه الفقرة أو إلغائها لضمان انسجام التشريع مع المقتضيات الدستورية وحقوق الأفراد.
2) إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية :
إن عدم دفع المتعرض للوجيبة القضائية رغم الإنذار من المحافظ، وانتهاء الأجل المحدد في (ثلاثة أشهر)، يؤدي حتماً إلى إلغاء تعرضه. كما يُعتبر التعرض لاغياً إذا طلب المتعرض المساعدة القضائية ولم يحصل عليها. وقرار المحافظ بإلغاء التعرض بسبب عدم دفع المصاريف القضائية يُعد نهائياً وغير قابل للطعن، مما يثير تساؤلات حول عدالته، خاصة بالنسبة للمتعرضين الذين لم يتمكنوا من الدفع أو لم يعرفوا كيفية طلب المساعدة القضائية.
ومن المنطقي أن يُوجد المشرع استثناءً يسمح للمحافظ بقبول التعرض في حالات العجز المالي للمتعرض، وذلك لضمان ألا تكون المصاريف القضائية عقبة تحول دون حصول المعسرين على حقوقهم. ورغم أن المساعدة القضائية متاحة للجميع، إلا أن جهل العديد من الأشخاص بإجراءاتها لا ينبغي أن يكون عائقاً يحول دون مطالبتههم بحقوقهم، خاصة في القضايا العقارية.
3- إلغاء التعرض لعدم تقديم الحجج :
إذا تم تقديم التعرض دون إرفاق الوثائق أو المستندات التي تدعمه، يقوم المحافظ بتوجيه إنذار إلى المتعرض يطلب فيه تقديم هذه الوثائق خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
وفي حال انقضاء المدة المحددة في (ثلاثة أشهر) دون أن يقدم المتعرض المستندات المطلوبة أو يثبت استحالة تقديمها بسبب وضعه الخاص، فإن للمحافظ بعد إجراء البحث والتحري خيارين: إما الإبقاء على التعرض أو إصدار قرار بإلغائه.
وتبقى للمتعرض إمكانية تقديم الوثائق المؤيدة لتعرضه حتى أمام المحكمة، خاصة إذا لم يسبق له تقديمها للمحافظة، أو إذا أبدى تحفظاً بتقديم وثائق أخرى حاسمة أثناء النظر في القضية. وقد أكد المجلس الأعلى (محكمة النقض) هذا المبدأ في قراره رقم 3280 الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 2002 في الملف المدني رقم 116/2002/1/1، حيث قضى بأنه: “للمحكمة الحق في أن تبني قرارها على الوثائق المدلى بها مباشرة أمامها، دون الاقتصار على ما تم تقديمه أمام المحافظة.”
ومن الملاحظ أن المحافظ يتمتع بصلاحية الإبقاء على التعرض أو إلغائه بعد إجراء البحث والتحري. ومع ذلك، تثار تساؤلات حول طبيعة هذا البحث وحدوده، خاصة في الحالات التي تكون فيها المستندات المؤيدة للتعرض غير متوفرة. كما أن المشرع لم يحدد بشكل واضح المجال الذي يمكن للمحافظ أن يبحث فيه، مما قد يعرضه لصعوبات في عملية البحث والتحري، ويجعله يواجه تحديات في تقدير مدى جدية التعرض. إضافة إلى ذلك، فإن قرار المحافظ بإلغاء التعرض المقدم في الأجل المحدد وغير المصحوب بالوثائق يجب أن يكون قراراً معللاً، نظراً لأنه قابل للطعن استئنافياً أمام المحكمة الابتدائية.
وصعوبة تعليل قرار إلغاء التعرض غالباً ما تدفع المحافظين إلى قبول التعرض رغم عدم تقديم المتعرض للحجج أو المستندات المؤيدة، وبدون إجراء أي بحث أو تقصي. وحتى لا يصبح المحافظ في موقف المدعى عليه، ومهما يكن من أمر فمن حق المحافظ أن يتخذ قرارا بإلغاء التعرض إذا لم يقم المتعرض بتقديم الوثائق المطلوبة خلال المدة المحددة.
وعند إصدار قرار الإلغاء، يقوم المحافظ بتبليغ المتعرض بالقرار وإعلامه بحقه في استئنافه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ التبليغ. فإذا قرر المتعرض الاستئناف خلال هذه المدة، يتوجب عليه تقديم مقال استعجالي إلى المحكمة الابتدائية التي يقع العقار ضمن دائرتها القضائية. تقوم حينها المحكمة بالنظر في القضية بشكل استعجالي، ويكون قرارها نهائياً وغير قابل لأي طعن.
فإذا قضت المحكمة بإلغاء قرار المحافظ وأصبح هذا القرار نهائياً، فإن التعرض يعود إلى وضعه الأصلي ويعتبر قائماً منذ تاريخ تقديمه الأول، وليس من تاريخ صدور الحكم. في هذه الحالة، يتحتم على المحافظ الامتثال لقرار المحكمة وإحالة ملف طلب التحفيظ، مع الوثائق وقرار الحكم الاستعجالي، إلى المحكمة المختصة للنظر في النزاع موضوع التعرض.
أما إذا قضت المحكمة بتأييد قرار المحافظ بإلغاء التعرض، سواء بسبب عدم تقديم المتعرض للمستندات المؤيدة لتعرضه، أو عدم إبداء أسباب مقنعة لعدم تقديمها، أو عدم حضوره جلسة الحكم رغم استدعائه وتوصله بالاستدعاء، فإن قرار المحكمة يصبح نهائياً ولا يحق للمتعرض الطعن فيه مرة أخرى. في هذه الحالة، يقوم المحافظ بإتمام إجراءات التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري، بشرط ألا تكون هناك تعرضات أخرى معلقة.
ثالثا – إمكانية المصالحة بين الأطراف :
في الحالة التي يتم فيها قبول التعرض من قبل المحافظ، وقبل إحالة الملف إلى المحكمة، يمكن للمحافظ أن يبدأ في إجراء صلح بين مقدم طلب التحفيظ والمتعرضين، إذا كانت طبيعة النزاع تتيح ذلك، مثل حالات التعرض المتعلقة بمسائل الحدود، حيث يمكن حل النزاع دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحكمة. أما في حال رفض المحافظ للتعرض لأي سبب كان، فإن إجراء الصلح يفقد معناه.
ويمكن أن تنطلق مبادرة التصالح من المحافظ، أو من طالب التحفيظ، أو من المتعرض. كما يُسمح لأطراف خارجية بالتدخل لتسهيل إجراء التصالح أو تهيئة الظروف المناسبة لإتمامه.
وبغض النظر عن الجهة التي ترغب في تبني هذا الحل، فإن المحافظ يتولى دائمًا قبول طلب الصلح. ويقوم باستدعاء الأطراف المعنية إلى جلسة صلحية في مكتبه، حيث يبذل أقصى جهده لتحقيق التوفيق بينهم. وإذا تطلب الأمر، يمكن له التوجه مع الطرفين إلى موقع النزاع لدراسته بشكل أكثر تفصيلًا ووضوحًا، دون أن يتحمل الأطراف أي تكاليف مالية.
وفي حال كان النزاع بين طالب التحفيظ والمتعرض يتعلق بالحدود، فقد يتفقان على إبرام اتفاق ودي دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء. يكون الطرفان متفقين على ملكية كل منهما لأرضه، ولكنهما غير متأكدين من الحدود الفاصلة بين أراضيهما. في هذه الحالة، يمكن لهما الاتفاق على تعيين خبير عند الضرورة، أو أن يطلبا من المحافظ تعيين مهندس لتحديد هذه الحدود بناءً على المستندات المقدمة من كل طرف.
يقوم المهندس برسم الحدود الفاصلة بين العقارين ووضع علامات واضحة لتمييزها، ويتم تحرير محضر بذلك يوقعه طالب التحفيظ والمتعرض. يُعتبر هذا المحضر وثيقة ملزمة للطرفين، ويمكن الرجوع إليه لإعادة وضع علامات التحديد في حال اختفاء أو انطماس هذه العلامات.
ويُعتبر محضر الصلح الموقع من الطرفين وثيقة ذات قوة إثباتية، حيث يكون ملزماً لهما ولا يجوز لهما الطعن فيه إلا بالطرق التي يُطعن بها في العقود عموماً. وبشكل خاص، يمكن للطرفين الطعن في المحضر بالإبطال لأسباب مثل نقص الأهلية، أو وجود عيب في الرضا كالغلط، أو التدليس، أو الإكراه.
وفي حال تم التوصل إلى الاتفاق المنشود بين الأطراف، يمكن للمحافظ إعداد تقرير حضور يوضح فيه النقاط التي تم التصالح بشأنها، ويتم توقيعه من قبل الأطراف. بعد ذلك، يتم إدراج هذا التقرير في ملف التحفيظ، حيث يكون لهذا الاتفاق قوة الالتزام العرفي. بناءً على هذا التصالح، يتخذ المحافظ قراره بتحفيظ العقار وتأسيس الرسم العقاري وفقًا لما تم الاتفاق عليه، بشرط ألا يكون هناك أي تعرض آخر.
ومن الملاحظ أن هذا الاتفاق لا يتمتع بأي صبغة رسمية، على الرغم من أنه تم تحت إشراف موظف عمومي، بل وحتى بمبادرة منه وفي إطار اختصاصه. ومع ذلك، فإن هذه الاتفاقات تُلزم الطرفين وتعتبر بمثابة القانون الذي يحكم علاقتهما، وذلك تطبيقًا للمبدأ المعروف “العقد شريعة المتعاقدين”. وبالتالي، لا يجوز نقض هذه الاتفاقات أو تعديلها بمجرد تأسيس الرسم العقاري، حتى لو كانت هذه الاتفاقات غير ذي صيغة رسمية.
وسعيًا لتسوية العديد من المشكلات الناشئة حول التعرضات بشكل ودّي، قامت المحافظات العقارية بعدة مرات بتنظيم حملات إعلامية عبر نشرات تهدف إلى تشجيع الأطراف المعنية على حل النزاعات القائمة بينهم فيما يتعلق بتحفيظ العقارات. وذلك نظرًا لأن النتائج المحققة من خلال المسطرة الصلحية غالبًا ما تكون مشجعة ومرضية، حيث تُظهر أن الوصول إلى حل سريع ومرضي للطرفين يخدم مصلحة الجميع.
ولعل المنافع التي يوفرها التوفيق، كما سيتم عرضها لاحقًا، تُظهر بوضوح أهمية هذا الإجراء:
– يُعتبر الاتفاق بين الطرفين أسهل وأكثر فعالية من رفع الدعوى إلى المحكمة لتسوية النزاع القائم بينهما. فالحكم القضائي، حتى لو كان صحيحًا ومنصفًا، قد لا يُرضي دائمًا أحد الطرفين، مما قد يؤدي إلى استمرار التوتر أو النزاع. في المقابل، يُمكّن التوفيق من إصلاح العلاقة بين الطرفين ويضع حدًا للنزاع بشكل ودي، مما يعزز الرضا المتبادل ويحقق استقرارًا أسرع وأكثر ديمومة.
– عندما يلجأ طالبو التحفيظ والمتعرضون إلى مسطرة التوفيق، فإنهم يتجنبون العديد من التكاليف المرتبطة بالإجراءات القضائية، مثل مصاريف المرافعة، وتكاليف الخبرات، ومصاريف التنقل إلى موقع النزاع، وأتعاب المحامين. وبالتالي، تُعتبر مسطرة التوفيق وسيلة اقتصادية وفعالة لتسوية النزاعات بشكل ودي، مما يسهم في توفير الوقت والجهد والموارد المالية للأطراف المعنية.
– يُعتبر اللجوء إلى مسطرة التصالح من أسهل وأسرع الوسائل لتعجيل تسليم الرسم العقاري النهائي إلى صاحبه. فمن خلال هذه المسطرة، يتم تجنب التعقيدات والإجراءات الطويلة المرتبطة بالتقاضي، مما يسمح بحل النزاعات بشكل ودي وفعال. هذا الأمر يؤدي إلى تسريع عملية تحفيظ العقار وتأسيس الرسم العقاري، مما يضمن لصاحب العقار الحصول على وثيقته النهائية في وقت أقصر وبأقل تكلفة.
ونشير إلى أن إمكانية إبرام صلح بين الأطراف تظل قائمة حتى خلال المرحلة القضائية، حيث يمكن للقاضي أن يبذل جهده لتشجيع الأطراف على الوصول إلى تسوية ودية إذا كانت هناك مؤشرات تسمح بذلك. تمت الإشارة إلى هذه الإمكانية في الفقرة الرابعة من الفصل 37 من التنظيم القضائي، حيث نصت على ما يلي:
” إذا قبل التعرض أثناء جريان الدعوى من طرف طالب التحفيظ أو المستفيد من حق تم التصريح به طبقا للفصل 84 أو تنازل المتعرض عن تعرضه، فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تشهد بذلك القبول أو التنازل، وتحيل الملف على المحافظ على الأملاك العقارية والذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأطراف أو تصالحهم”.
تم الاستفادة من مراجع لإعداد هذا المقال، منها:
- محمد خيري: العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، من خلال القانون الجديد رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة 2014.
- مامون الكزبري : التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، طبعة 1980.
- إدريس الفاخوري: نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون 14.07، سلسلة المعارف القانونية والقضائية،
Share this content: