عقد رهن بعض المنتوجات والمواد
|

عقد رهن بعض المنتوجات والمواد: أركانه، آثاره، وإجراءات تحقيق الرهن

رغبة من المشرع في توسيع دائرة رهن المنقول دون التخلي عن الحيازة لما لذلك من فائدة للمدين، نظم بأحكام خاصة ما يسمى “رهن بعض المنتوجات والمواد”، وبما أن الحيازة تبقى بيد المدين الراهن، فإن المشرع راعى مصلحة الدائن المرتهن أيضا، فقرر حمايته من أعمال المدين التي من شأنها أن تضعف الضمان المقدم له، وفرض عقوبات زجرية على المدين إذا ما بدد أو أتلف محل الرهن أو أدلى بتصريح كاذب.

أولا – أركان إنشاء رهن المنتوجات والمواد :

بما أن الحيازة في رهن المنقول، وفقا للقواعد العامة، تنتقل إلى الدائن المرتهن لما في ذلك من حماية لحقوقه، فإن المشرع لما خرج عن هذه القاعدة وسمح بوقوع الرهن على بعض المنتوجات والمواد مع بقاء الحيازة بيد المدين الراهن، فإنه اشترط لإبرام الرهن شروطا موضوعية (1) و أخرى شكلية (2) وهو ما يوفر الحماية القانونية للطرفين معا.

1) الأركان الموضوعية لرهن المنتوجات والمواد :

باعتبار رهن أدوات ومعدات التجهيز عقدا فهو يخضع للأركان والشروط العامة للعقد (أ)، ويجب أن يرد على المنتوجات المحددة بقرار وزيري (ب) :

أ – وجوب توافر الشروط الموضوعية العامة :

رهن المنتوجات والمواد عبارة عن عقد يخصص بمقتضاه المقترض المنتوجات والمواد المحددة بقرار وزيري كضمان لأداء مبلغ القرض للمقرض في تاريخ الاستحقاق دون أن يتخلى عن حيازتها له.

يتضح من هذا التعريف أن رهن المنتوجات والمواد يتم بعقد بين المقرض، وهو الدائن المرتهن، والمقترض، وهو المدين الراهن، وباعتباره عقدا من العقود يجب أن تتوافر فيه الأركان الموضوعية العامة اللازمة لانعقاد العقد من رضاء صحيح ومحل وسبب وأهلية.

وهكذا، يجب أن تتوفر في المقترض مانح الرهن أهلية الأداء، وأن يكون مالكا للمواد والمنتوجات المرهونة لأن رهن ملك الغير لا يجوز إلا إذا تم في إطار النيابة أو أقره مالك الشيء المرهون أو اكتسب الراهن في تاريخ لاحق ملكية المرهون.

ويجوز أن تسحب سندات الأمر أو كمبيالات، وفق الأحكام المتعلقة بالسندات لأمر والكمبيالات، مقابلة للمبلغ المقترض كله أو بعضه؛ ويشار في محرر القرض إلى هذه الأوراق، كما يشار أيضا في الأوراق إلى محرر القرض ويجب ألا يكون تاريخ استحقاق هذه الأوراق أبعد من التاريخ المحدد في العقد، تظهير هذه الأوراق ينقل إلى المظهر إليه الانتفاع من ضمانات الدين.

ولا يصح الرهن إلا إذا ورد على المنتوجات والمواد المحددة من طرف الإدارة، وكل رهن وقع خارج هذه المواد لا يعتد به في هذا النطاق. ولما كان محل الرهن هو المنتوجات والمواد المحددة من طرف الإدارة وليس كل المنتوجات والمواد، فإنه يجب توضيح محل الرهن وترك باقي الشروط الموضوعية للقواعد العامة.

ب – المحل :

يتضح من المادة 378 من م.ت أن رهن المنتوجات والمواد لا يقع صحيحا إلا إذا ورد على المنتوجات أو المواد المبينة في القائمة المحصورة من طرف الإدارة، و بالتالي، كل رهن وقع على إحدى المواد غير المذكورة في هذه القائمة لا يخضع لأحكام رهن بعض المنتوجات والمواد المنصوص عليه في المواد من 378 إلى 392 من م.ت، وإنما يخضع لأحكام الرهن الحيازي التجاري العادي.

وضعت أول لائحة للمواد والمنتوجات القابلة للرهن الذي يتم في إطار الفصل الثاني من القسم الأول من الكتاب الرابع من مدونة التجارة بموجب قرار مدير المالية الصادر بتاريخ 20 يوليوز 1951 المتمم عدة مرات كان آخرها القرار الصادر بتاريخ 2 يوليوز 1972.

ج – مدة الرهن :

تنص الفقرة الأولى من المادة 380 من م.ت على عدم جواز منح القرض المثبت والمضمون برهن بعض المنتوجات والمواد لمدة تفوق سنة ويجوز تجديده داخل أجل ثلاثة أشهر تبتدئ من يوم استحقاقه.

وإذا كانت المادة 380 تتحدث عن مدة القرض وحصرتها في سنة واحدة قابلة للتجديد داخل ثلاثة أشهر من يوم استحقاق الدين، فمعنى ذلك أن مدة الرهن ذاته لا ينبغي أن تفوق سنة، وأن استمرار امتياز الدائن المرتهن يستوجب تجديد الرهن داخل نفس الأجل المذكور.

وبالفعل جاءت المادة 384 من م.ت بأن الرهن المقيد الذي لم يتم تجديده قبل انقضاء سنة وثلاثة أشهر يشطب عليه تلقائيا، وفي حالة تجديده داخل هذا الأجل يحافظ الدائن على امتيازه الأصلي، و بالتالي فمدة القرض هي ذاتها مدة الرهن التي يجب ألا تتجاوز سنة.

2) الأركان الشكلية لرهن المنتوجات والمواد :

أ – الكتابة :

تنص المادة 379 من م.ت على أنه “يجب أن يثبت الرهن بمحرر رسمي أو عرفي يبين فيه اتفاق المتعاقدين على اتباع المقتضيات المنصوص عليها في هذا الباب… “.

ويجب أن يتضمن محرر الرهن الأسماء الشخصية والعائلية، وصفة وموطن كل من المقرض والمقترض ومبلغ ومدة القرض، ونسبة الفائدة المتفق عليها ونوعية ومواصفة ومقدار وقيمة المنتوجات المرهونة، والتحديد الدقيق لمكان إيداعها، بالإضافة إلى إسم وعنوان المؤمن في حالة ما إذا كان المنتوج مؤمنا عليه.

وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 379 من م.ت على أنه “ويتعين على المقترض أن يبين في محرر الرهن ذاته الرهون السابقة التي ترتبت على ذات المنتوجات”، وإذا أدلى بتصريح كاذب أو رهن سلعا كان قد وقع رهنها من قبل دون سابق إشعار للمقرض الجديد يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 389 من م.ت.

ويتضح من نص المادة 379 أن المشرع يتطلب توثيق عقد الرهن كتابة، ويبدو أن الكتابة ضرورية لشهر عقد رهن المنتوجات والمواد، مما يوحي بأنها شرط لانعقاد العقد، ولا تقوم لهذا الأخير قائمة إلا إذا كان مكتوبا لأنه يصعب الاعتماد على اتفاق شفوي لإتمام إجراءات الشهر.

وعلى الرغم من ذلك، فالمشرع استخدم تعبيرًا يدل بوضوح على أن الكتابة مطلوبة للإثبات وليس للانعقاد ” يجب أن يثبت الرهن بمحرر رسمي أو عرفي “، فلو أراد المشرع أن يجعل من عقد رهن المنتوجات والمواد عقدا شكليا لا ينعقد صحيحا إلا بالكتابة لقام بالنص على ذلك بشكل صريح كما فعل بالنسبة لرهن أدوات ومعدات التجهيز، أو بيع الأصل التجاري.

وعليه، لا يصح الاستنتاج من كون الكتابة ضرورية لشهر‏ ‏العقد، أن هذه الكتابة شرط لانعقاد العقد، وأن عقد الرهن عقد شكلي ولو أراد المشرع ذلك لنص عليه بوضوح، على أن عقد رهن المنتوجات والمواد من العقود الشكلية، ويرى الفقه في هذا السياق أن الكتابة هنا ليست إلا شرطا لازما لجواز قيد الرهن أي شرطا لسريانه على الغير.

وبالتالي، فإن غياب كتابة عقد الرهن وعدم إمكانية تقييده، لا يؤثر على الحقوق والالتزامات التي ينشئها العقد في ذمة طرفيه، وإنما يتعذر على الدائن المرتهن التمسك بحقه في مواجهة الغير، كما يحق للغير التمسك في مواجهته بالوقائع والتصرفات التي لم يقع قيدها في السجل الخاص بالتقييدات.

والكتابة التي يفرغ فيها العقد يمكن أن تكون رسمية أو عرفية، ولم يوجب المشرع استخدام المحرر الرسمي لزاما لأنه قدر أن المدين الراهن سيكون على بينة من طبيعة تصرفه و آثاره و مخاطر الرهن.

ب – تقييد الرهن :

يتم شهر رهن المنتوجات والمواد عن طريق تسجيله في سجل خاص تمسكه كتابة ضبط المحكمة الواقع بدائرتها المنتوجات والمواد المرهونة، وهو ما تم التنصيص عليه في المادة 381 من م.ت ” يقيد كل عقد أبرم وفق الشروط المبينة في هذا الباب في سجل خاص يمسك بكتابة ضبط المحكمة التي توجد بدائرتها المنتوجات والمواد المرهونة”.

ويتبين أن المشرع لم يقيد الدائن المرتهن بمدة محددة لإتمام التقييد، على عكس ما هو الحال بالنسبة لرهن الأصل التجاري ورهن أدوات ومعدات التجهيز، كما لم ينص على من يلزم باتخاذ المبادرة لإجراء التقييد، ولذلك يمكن لكل طرف القيام بإجراء التقييد، ولعل صاحب المصلحة الملحة في انجاز التقييد هو الدائن المرتهن طالما أن التقييد يحفظ له درجة امتيازه و يمكنه من الاحتجاج بالرهن في مواجهة الغير.

لإتمام التقييد، يتعين الإدلاء لكتابة الضبط بنسخة من محرر الرهن إذا كان عرفيا أو نظيرا منه إذا كان رسميا، ويرفق العقد بجدولين محررين على ورق عادي يمكن تعويض أحدهما بإشارة على نسخة أو نظير المحرر وفقًا لما هو معمول به بكتابة الضبط ولو في غياب نص صريح مماثل للمادة 358 من م.ت الخاصة بتقييد رهن أدوات ومعدات التجهيز.

ويستوفى عن الإيداع القانوني لمحرر الرهن رسم قضائي محدد في مبلغ 150 درهما، يضاف إلى ذلك مبلغ نسبي قدره 0,5 في المائة من مبلغ القرض.

وتنطبق ذات الأحكام على كل تقييد لكل ملحق تكميلي يتضمن زيادة في الرهن، وفي حال احتوى الملحق على تعديلات فقط في بنود العقد الأخرى، واحتفظ بالمبلغ المضمون بالرهن كما هو فيكفي استيفاء المبلغ الثابت المحدد في 150 درهما، بينما لا يستوفى عن القيد بكتابة ضبط المحكمة التابع لها موطن الغير الحائز إلا رسما ثابتا قدره 50 درهما إذا سبق أداء الرسم النسبي المذكور أعلاه.

قبل أن يقوم كاتب الضبط بإجراء التقييد يتحقق من توافق رقم السجل التجاري لاسم المدين الراهن، ويتأكد من صفة وعنوان موقع الرهن والبيانات العامة لعقد الرهن، ويتحقق كذلك من سداد الرسوم القضائية وقابلية المنتوجات والمواد للرهن في إطار الرهن الخاص بالمنتوجات والمواد.

بعدما يتأكد كاتب الضبط من هذه المعطيات، يقوم بنقل مضمون جدولي الرهن بالسجل الخاص بالرهن، ويقدم للطالب نظير العقد مع أحد الجدولين يشهد بأسفله على إجراء التقييد على غرار ما يجري به العمل بالنسبة لرهن أدوات ومعدات التجهيز.

ويلاحظ أن المشرع لم يرتب جزاء البطلان على عدم إنجاز التقييد، وهو ما يشكل سببا إضافيا للتأكيد على أن الكتابة المطلوبة مجرد أداة إثبات وليست وسيلة لصحة انعقاد العقد، وهي بذلك إذن وسيلة لإنجاز القيد كما سبق توضيحه.

ومن ثم، إذا تخلف القيد بتخلف أو عدم تخلف الكتابة فإن الدائن المرتهن يفقد درجة امتيازه الأصلية تجاه الغير، وبالتالي إذا ما تم إبرام رهن جديد على نفس المنتوجات والمواد الخاضعة لرهن سابق وتم تقييد الرهن الجديد فإن امتياز الرهن يتقرر لصالح الدائن المرتهن الجديد، وإن كان الدائن المرتهن القديم لا يفقد صفته كدائن مرتهن حتى في غياب التقييد أو تجديد التقييد.

تجب الإشارة إلى أن احتفاظ الدائن المرتهن بصفته كدائن مرتهن في غياب تقييد الرهن أو تجديد التقييد لا تفيده هذه الصفة في مواجهة الدائنين المرتهتين المقيدين لأن رهنه في هذه الحالة يصبح في حكم المعدوم طالما لم يحقق له الامتياز المطلوب، وبالتالي يُعتبر مجرد دائن عادي بالنسبة لهؤلاء الدائنين.

وهكذا، للحفاظ على امتياز الدائن المرتهن بدرجته الأصلية، يتعين تجديد تقييد الرهن داخل أجل سنة و ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ توقيع العقد، ذلك أن الفرض المثبت والمضمون برهن بعض المنتوجات والمواد لا يجوز أن تتجاوز مدته سنة، وبالتالي فالرهن ذاته المنصب على هذه المنتوجات والمواد لا يجوز أن يتجاوز نفس المدة، و مع ذلك سمح المشرع بتجديد الرهن حسب نفس الشكليات داخل أجل ثلاثة أشهر من يوم الاستحقاق.

وتتبع في التجديد ذات الإجراءات والشروط المتبعة في إنجاز التقييد الأصلي فيما يتعلق بالإيداع والوثائق المطلوبة والمصاريف الواجب دفعها لانجاز التقييد؛ وبعدما يتحقق كاتب الضبط من أن التجديد ثم داخل الأجل، يشير في طرة التقييد الأصلي إلى إجراء التجديد وتاريخه، ثم يسلم للدائن المرتهن أحد جدولي التجديد يشهد في أسفله على إجراء التجديد، ويحفظ الجدول الآخر الذي يحمل نفس البيانات بكتابة الضبط.

وقد رتبت المادة 384 من مدونة التجارة على عدم التجديد داخل الأجل المذكور عقوبة صارمة هي التشطيب التلقائي على الرهن.

ثانيا – آثار رهن المنتوجات والمواد :

يترتب على رهن المنتوجات والمواد آثار هامة سواء في مواجهة المدين الراهن (1) أو الدائن (2).

1) آثار الرهن بالنسبة إلى المدين الراهن :

أ – الإبقاء على الحيازة :

رهن المنتوجات والمواد من الرهون التي يحتفظ فيها المدين بالحيازة، وبالتالي يمكن للراهن أن يستبقي حيازته للمنتوجات والمواد المرهونة فيصبح حارسا لها، كما يمكن أيضًا الاتفاق مع الدائن على تسليمها إلى طرف ثالث قصد حراستها، وهو ما تم النص عليه في الفقرة الثانية من المادة 378 من م.ت التي جاء فيها ما يلي “يمكن بقاء هذه المنتوجات والمواد إما بين يدي المقترض الذي يصبح حارسا لها وإما أن تسلم للغير قصد حراستها بموجب اتفاق صريح”.

وقد يكون بحوزة حارس المنتجات المرهونة منتوجات أخرى مماثلة لها، ففي هذه الحالة لا يلزم الحارس بفصل المنتوجات والمواد المرهونة فعليا عن المنتوجات الأخرى مشابهة لها، والتي هي ملك للمقترض طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 378 من م.ت.

ب – المحافظة على الشيء المرهون :

بما أن حيازة المنتوجات المرهونة تظل في حوزة المدين الراهن أو بيد الغير الحارس لها والمعين بموافقة الدائن المرتهن، وبما أن المدين له الحق في استعمالها واستغلالها والتصرف فيها، فإنه يخشى أن يأتي من الأعمال ما من شأنه أن ينقص من قيمة ضمان الدائن المرتهن إما عن طريق سوء استعماله أو إتلافه.

ولذلك عاقب القانون المدين الذي يختلس أو يهدر أو يتلف المنتوجات المرهونة عن عمد، قصد الإضرار بالدائن المرتهن بعقوبة حبسية تتراوح من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية تتراوح بين 2,000 درهم و 10,000 درهم.

ويعني ذلك التزام المدين بالحفاظ على الشيء المرهون في حالة سليمة دون أن يكون له الحق في الرجوع على الدائن المرتهن بما أنفقه من مصاريف في هذا الصدد، كما يلزم بألا يقوم بالأعمال التي من شأنها أن تؤثر سلبًا على قيمة المنتوجات المرهونة.

بالإضافة إلى ذلك، إذا أخل المدين بالتزامه بالمحافظة على الشيء المرهون يتعرض لسقوط مزية الأجل وفقًا للمادة 390 من مدونة التجارة.

ج – الحق في استعمال المرهون والتصرف فيه :

بما أن المدين يظل محتفظا بحيازة المنتوجات والمواد المرهونة، يمكنه استعمالها فيما أعدت له، وفي كل ما يمكن أن تستعمل فيه دون أن يتعسف في استعمالها، وذلك مثل استخدام الصوف أو نسيج الصوف أو المعلبات الغذائية أو السكر الخام أو المواد المخصصة لصناعة الحديد أو غيرها حسب الغرض المخصص لها.

كما يحق للمدين استغلال المنتوجات والمواد المرهونة وذلك من خلال الحصول على العوائد الناتجة عنها بشكل دوري، ويلاحظ أن المشرع اكتفى في المادة 385 من مدونة التجارة بالإشارة إلى الاستعمال دون الاستغلال، ومرد ذلك فيما نعتقد أن الاستعمال في هذه الحالة يشكل استغلالا، وأن الاستعمال يستغرق الاستغلال، وما يثبت ذلك هو ما ورد في المادة 385 من مدونة التجارة “وفي حالة استعمال المنتوجات ينتقل الرهن بقوة القانون إلى المنتوج المترتب عن هذا الاستعمال”، علما أن انتقال الرهن إلى المنتوج المترتب على الاستعمال يقتضي وجود اتفاق بين طرفي الرهن.

ويحق للمدين أيضًا بيع المنتوجات المرهونة قبل سداد الدين ولو بدون تدخل المقرض، ومع ذلك لا يجوز تسليم المنتوجات والمواد المبيعة إلى المشتري إلا بموافقة الدائن المرتهن على البيع، ما لم يستوف دينه قبل البيع.

د – رد الدين المضمون قبل أجل الاستحقاق :

استحقاق الدين المضمون مرتبط بأجل، وهو ما يعتبر مقررا لفائدة المدين، ذلك أن هذا الأخير يمكنه أن يرد مبلغ الدين المضمون بالمنتوجات المرهونة ولو قبل أجل الاستحقاق، ولا يُطلب في هذه الحالة سوى سداد المبلغ الأصلي للدين دون الفوائد التي كانت ستترتب إلى تاريخ انتهاء القرض ما عدا ما يستحق منها عن عشرة أيام.

وبهذه الأحكام يُمنع المقرض الذي يفضل الإبقاء على عقد الرهن إلى حين تاريخ الاستحقاق مادام يوجد في وضعية دائن مرتهن وحقه مضمون بالرهن من جهة، وأن استمرار العقد من شأنه أن يكسبه المزيد من المداخيل في شكل فوائد من جهة أخرى، وقد يفرض على المدين الذي يريد رد الدين المضمون قبل تاريخ الاستحقاق أداء الدين الأصلي والفوائد عن المدة المتبقية من مدة القرض.

ويظهر من خلال السماح للمدين بسداد الدين قبل موعد الاستحقاق أن المشرع راعى مصلحته باعتباره مدينا التجأ إلى الاقتراض نظرا لحاجته إلى السيولة النقدية، وقد يكون أو لا يكون في حاجة ملحة لفك الرهن، فيعبر عن استعداده لرد الدين دون انتظار حلول الأجل، فيظهر بمظهر التاجر الحريص على شؤون تجارته، ومن ثم يجب تمكينه من سداد الدين دون مطالبته بكافة الفوائد المتبقية لأن مطالبته بأدائها يعتبر إجحافا في حقه، وقد يفضل معه الإبقاء على القرض إلى أن تنتهي مدته رغم عدم حاجته إليه.

ومع ذلك فالمشرع حافظ على نوع من التوازن بين الطرفين حينما ألزم المدين الراغب في رد الدين قبل حلول الأجل بأداء الفائدة عن عشرة أيام فقط من المدة المتبقية من الرهن.

2) آثار الرهن بالنسبة إلى الدائن المرتهن :

أ – الحق في الإعلام :

إذا كانت المنتوجات والمواد مرتبطة برهن سابق، يتعين على المقترض إبلاغ الدائن المرتهن الجديد بهذا الرهن، وإذا قدم له معلومات غير صحيحة عن الرهون السابقة، أو لم يقم بإبلاغه بهذه الرهون قبل إبرام الرهن الجديد، تعرض للعقوبات المنصوص عليها في المادة 389 من م.ت والتي تتمثل في عقوبة حبسية تتراوح ما بين ستة أشهر وسنتين وغرامة مالية تتراوح من 2000 درهم إلى 10.000 درهم.

ويتعين كذلك على المدين إعلام الدائن المرتهن بالبيع الذي قد تكون المنتوجات والمواد المرهونة موضوعا له، وعند استلام الدائن للإشعار، يكون له الحق في قبول أو رفض البيع، وإذا قام المدين بتسليم الشيء المرهون إلى المشتري دون موافقة الدائن المرتهن على البيع، فإن المدين يفقد مزية الأجل إذ يعتبر الدين حالا، يضاف إلى ذلك إمكانية متابعته بجنحة تبديد الشيء المرهون ومعاقبته بالعقوبات المذكورة أعلاه.

ب – الحق في معاينة الشيء المرهون :

من ضمن الوسائل القانونية لحماية حقوق الدائن المرتهن ما نصت عليه المادة 390 من م.ت التي تسمح للدائن في أي وقت بتقديم مقال إلى رئيس المحكمة لمكان حفظ الأشياء المرهونة يطلب بمقتضاه الحكم له بتعيين وكيل قضائي من أجل معاينة حالة المخزون محل الرهن.

وإذا ثبت من خلال المعاينة التي يقوم بها الوكيل القضائي أن المخزون من البضائع المرهونة قد أصابه نقصان جاز للدائن المرتهن أن يقيم دعوى أمام نفس القاضي بصفته قاضي المستعجلات لطلب إصدار حكم بالاستحقاق الفوري للدين، ولا يغني الحكم بالاستحقاق الفوري للدين عن إمكانية تطبيق العقوبات المنصوص عليها في المادة 389 من م.ت.

ج – الحق في التنفيذ على الشيء المرهون :

يترتب أيضا عن رهن المنتوجات والمواد حق الدائن المرتهن في التنفيذ على الشيء المرهون إذا لم يوفِ المقترض بالدين المضمون في موعد استحقاقه أو إذا تحققت حالة حلول الدين وفقا للمادتين 389 و 390 من م.ت.

وبما أن الرهن مقيد في سجل خاص لدى كتابة ضبط المحكمة التي توجد بدائرتها المنتوجات والمواد المرهونة، فإنه ينشئ لفائدة المرتهن الحق في تتبع الشيء المرهون في يد من انتقل إليه لاستيفاء دينه، فإذا تصرف المدين الراهن في المنتوجات الواقع عليها الرهن دون موافقة الدائن المرتهن أو دون استيفائه لدينه، ثم تخلف عن الوفاء بالدين عند حلول أجله، كان للدائن المرتهن الحق في مباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهة حائز المنتوجات.

ثالثا – تحقيق الرهن والتشطيب عليه :

تضمنت المادة 386 من م.ت إجراءات خاصة للتنفيذ على المنتوجات والمواد المرهونة بناءً على طلب الدائن المرتهن في حالة الإخلال بسداد الدين وإذا لم يكف ثمن البيع لسداد الدين أمكن للدائن المرتهن الرجوع على المقرض أو المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين.

1) إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون :

تبدأ إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون باستصدار أمر قضائي يقضي ببيع السلع المرهونة (ا)، واستلزم المشرع إعلام المدين والعموم بالبيع (ب)، وبعد تمام البيع يستوفي الدائن المرتهن دينه من ثمن البيع (ج)، وإذا لم يكف ثمن البيع لسداد الدين يكون من حق الدائن الرجوع على المدين (د).

أ – استصدار أمر قضائي بالبيع :

يختلف الرهن التجاري عن الرهن المدني في إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون لاستيفاء الدائن المرتهن حقه، ويتجلى هذا الاختلاف واضحا في تسهيل خطوات التنفيذ بالنسبة للرهن التجاري، ذلك أن الدائن في الرهن المدني ملزم برفع دعوى بالطرق العادية على المدين والحصول على حكم واجب النفاذ حتى يمكنه التنفيذ على الشيء المرهون،

بينما يكتفي الدائن في الرهن التجاري للمنتوجات والمواد، إذا حل ميعاد الوفاء بالدين الذي خصص له الرهن ولم يقم المدين بالوفاء بالتوجه مباشرة إلى رئيس المحكمة بعد مرور 10 أيام من تاريخ الاستحقاق لاستصدار أمر بالبيع بالمزاد العلني للسلع المرهونة.

وهكذا، يصدر الرئيس أمرا بانقضاء مهلة خمسة عشر يوماً من يوم رفع المقال يحدد فيه اليوم والمكان والساعة التي ستباع فيها عموما السلع المرهونة، وعلاوة على ذلك، يأذن الأمر القضائي بهذا البيع في حالة عدم توفر الدائن على سند تنفيذي.

ولا يلزم الدائن، قبل عرض الأمر على رئيس المحكمة، بإشعار المدين بحلول الأجل وبضرورة الأداء تفاديا للجوء إلى المحكمة، فبمجرد حلول تاريخ الوفاء يمكن للدائن التوجه إلى رئيس المحكمة للمطالبة بالتنفيذ على الشيء المرهون والشرط الوحيد هو انقضاء 10 أيام من تاريخ الاستحقاق.

ولا يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين على تملك الأول للأشياء المرهونة إذا ما امتنع المدين عن الوفاء بالدين في ميعاد الاستحقاق، كما يمتنع عليهما الاتفاق على إعفاء الدائن المرتهن من إتباع الإجراءات المحددة قانونا لتحقيق الرهن، وذلك حماية للمدين الراهن في مواجهة الدائن المرتهن ويعد هذا المقتضى تطبيقا للقواعد العامة.

ب – إعلام المدين والعموم بالبيع :

استلزمت الفقرة الثانية من المادة 386 من م.ت إحاطة المدين علما بأمر رئيس المحكمة برسالة مضمونة قبل 15 يومًا من تاريخ البيع على الأقل دون أن تبين على عاتق من يقع هذا الإعلام، كما استلزمت نفس الفقرة إحاطة العموم علما بهذا الأمر عن طريق ملصقات تعلق في الأماكن التي يعينها الرئيس، وأجازت لهذا الأخير الأمر بنشر الأمر في الجرائد أيضا، وأوجبت معاينة إلمام الشهر بالإشارة إليه في محضر بيع المنتوجات المرهونة، كما يشار في المحضر ذاته إلى حضور المدين أو غيابه.

أما فيما يتعلق بإجراءات البيع بالمزاد العلني فهي تخضع لقواعد قانون المسطرة المدنية.

ج – استيفاء مبلغ الدين من ثمن البيع :

يستوفي المقرض دينه من ثمن البيع بعد طرح المصاريف بمجرد أمر من رئيس المحكمة، فمصروفات بيع المرهون تقع على عاتق المدين طبقا للقواعد العامة، والمقصود بالمصاريف تلك المرتبطة بالبيع بالمزاد العلني والنشر في الجرائد وغيرها مما ينفق لإتمام البيع، أما مصاريف حفظ الأشياء التي يكون المدين قد أنفقها فلا تؤدى من محصول البيع، وبذلك فالمصاريف تؤدى من ثمن البيع بالأولوية على مبلغ الدين.

ويلاحظ أن المشرع استلزم استصدار أمر ثان يسمح للدائن باستيفاء دينه من ثمن بيع المنتوجات المرهونة ولم يكتف بالأمر الأول القاضي بالبيع بالمزاد العلني، ولكن الشيء الذي يخفف من وقع هذا التوجه على الدائن المرتهن هو تقصير المشرع لآجال تحقيق الرهن بما يسمح للدائن باقتضاء حقه بسرعة، ومنح الاختصاص في هذا الشأن لرئيس المحكمة باعتباره قاضي المستعجلات يسير في نفس الاتجاه، كما أن الحكم يكون واجب النفاذ فورا.

وتجدر الإشارة إلى إشكال قانوني يمكن أن يثار بشأن ما إذا كان الدائن المرتهن مجبرا على إتباع أحكام مدونة التجارة المحددة في المادة 386 دون أن يكون بإمكانه الالتجاء إلى الاختصاص الأصلي، أم يمكنه الخيار بين إجراءات المادة 386 وسلوك طريق الاختصاص الأصلي.

يعتقد بعض الفقه أن إجراءات المادة 386 تتميز بالسرعة والبساطة، وبذلك فالمشرع يقصد من هذه الإجراءات تمكين الدائن من استيفاء حقه بسرعة ومعنى ذلك أن هذه الإجراءات أتت لفائدة الدائن المرتهن، وبالتالي لا يوجد ما يمنع من إعطاء الخيار للدائن في سلوك إجراءات المادة 386 أو سلوك الطريق الأصلي خاصة وأن المشرع استعمل عبارة “يجوز” في مستهل المادة 386 من م.ت التي تتحدث عن مسطرة تحقيق الرهن.

د – الرجوع :

إذا لم يكف منتوج البيع لسداد الدين، يمكن للبائع الرجوع بما تبقى من الدين على المقترض والمظهرين أو الضامنين الاحتياطيين، ويجب أن يثبت الدائن حقوقه على ثمن المنتوجات المرهونة، وأن يستنفذ حقوقه على البضاعة، وألا يكفي محصول البيع للوفاء بالدين وأن يتم الرجوع على من يجب خلال الأجل الوارد أدناه.

إضافة إلى الشروط الواردة أعلاه يتعين على الدائن المرتهن الرجوع على المقترض والمظهرين والضامنين الاحتياطيين خلال أجل ثلاثين يوما يحسب من يوم بيع المنتوج والمواد المرهونة، ويترتب على عدم احترام هذا الأجل سقوط حق الدائن في الرجوع على المدينين المذكورين أعلاه.

2) التشطيب على الرهن :

بعدما تستنفد جميع إجراءات تحقيق الرهن، ويستوفي المقرض الدين المضمون لا يبقى إلا التشطيب على الرهن، ويمكن أن يتم التشطيب على الرهن تلقائيا (أ) أو بناء على إثبات رد الدين المضمون (ب) أو بمقتضى رفع اليد أي برضا الطرفين (ج) أو بناء على حكم قضائي (د).

أ – التشطيب على الرهن تلقائيا :

نص المشرع على حالة واحدة يقع فيها التشطيب تلقائيا على التقييد من طرف كاتب الضبط، وهو ما تم التنصيص عليه في المادة 384 من م.ت “يشطب تلقائيا على التقييد بعد مضي سنة وثلاثة أشهر إذا لم يقع تجديده قبل انقضاء الأجل المذكور”، ومعنى ذلك أن كاتب الضبط ملزم بتتبع التقييدات التي يجريها في السجل الخاص برهن بعض المنتوجات والمواد والتشطيب على كل التقييدات التي لم يتم تجديدها داخل أجل سنة وثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ العقد.

ب – التشطيب بناء على إثبات رد الدين :

من أجل تيسير سبل التشطيب على الرهن سمح المشرع للمدين بأن يطلبه بناء على أية وثيقة تثبت رد الدين المضمون، فطالما أن الرهن أنشئ من أجل ضمان الوفاء بدين معين، فإنه عندما يتم الوفاء بهذا الدين، يصبح من حق المدين طلب التشطيب على التقييد.

ينتقد بعض الفقه هذه الطريقة في التشطيب على التقييد بالقول إنها تثير إشكالا قانونيا لكاتب الضبط حين يقدم المقترض وثائق تثبت الأداء، فقد يتحول كاتب الضبط إلى جهة قضائية حين يعمد إلى التشطيب خاصة عندما ينازع الدائن المرتهن في مبدأ الأداء،

ويتابع هذا الرأي قائلا بأن الصواب هو أن ” يتقدم المدين الراهن بدعوى أصلية إلى المحكمة من أجل التشطيب على غرار ما يجري به العمل بالنسبة لرهن الأصل التجاري ورهن أدوات ومعدات التجهيز، ولا يشطب كاتب الضبط على التقييد إلا بعد حيازة الحكم القاضي بالتشطيب لقوة الشيء المقضي به “.

صحيح، إن التشطيب يمكن أن يتم بمقتضى حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، ومع ذلك قد لا يتطلب الأمر اللجوء إلى القضاء لما في ذلك من إطالة للنزاع خاصة عندما تكون الأمور واضحة ولا يستشكل فيها الأمر على كاتب الضبط، ولذلك يستحسن أن نأخذ بالمرونة والبساطة التي عبر عنها التشريع حينما سمح بالتشطيب بناء على الإدلاء بما يثبت رد الدين المضمون، فقد يتوفر المدين على وثائق تثبت بصفة قطعية أداء الدين المضمون بكل ملحقاته، وبالتالي لن يكون هناك داع للجوء إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، ثم الإدلاء به إلى كاتب الضبط لإتمام التشطيب على التقييد.

حينما سمح المشرع بالتشطيب على التقييد بناء على الإدلاء بما يفيد إثبات رد الدين، كان يتصور الحالة التي لا تثير إشكالا حول براءة ذمة المدين من الدين المضمون، ولم يبق إلا التشطيب على هذا الدين دون حاجة لانتظار صدور حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به.

ج – التشطيب برضا الطرفين :

قد يتم التشطيب على التقييد برضا الطرفين و ذلك عن طريق تقديم شهادة رفع اليد المسلمة بصفة صحيحة من طرف الدائن المرتهن وقد يسلمها إلى كاتب الضبط مباشرة، ولكن غالبا ما يسلمها إلى المدين الراهن الذي يدلي بها بدوره إلى كاتب الضبط كسند يعتمد عليه في التشطيب الكلي أو الجزئي، ويتعين أن تكون شهادة رفع اليد مصادقا عليها ومسجلة.

د – التشطيب بناء على حكم قضائي :

لم ينص المشرع على إمكانية التشطيب على التقييد بمقتضى حكم قضائي كما فعل بالنسبة لرهن أدوات ومعدات التجهيز ورهن الأصل التجاري، ومع ذلك فاللجوء إلى القضاء حق دستوري، وبالتالي يمكن للمدين اللجوء إليه للمطالبة بالتشطيب، وهو ما يحدث حينما يكون هناك موجب قانوني للتشطيب على التقييد كوفاء المدين بالتزامه الأصلي كاملا وامتناع الدائن المرتهن عن تسليمه رفع اليد، أو عدم توفر المدين على الوثائق الكاملة المثبتة لوفائه بالالتزام الأصلي كاملا في هذه الحالة يمكن للمدين الراهن رفع دعوى أصلية أمام المحكمة التي ثم التقييد بدائرتها، ولا يشطب كاتب الضبط على التقييد إلا بعد حيازة الحكم القاضي بالتشطيب لقوة الشيء المقضي به.


المواجع :

مدونة التجارة.

المهدي شبو: الدليل العملي في السجل التجاري

الظهير رقم 1.84.54 الصادر بتاريخ 27 أبريل 1984

بوعبيد عباسي: العقود التجارية.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *