|

الشغل “خصائص قانون الشغل”

كان لتقدم الحركات العمالية وتطورها وانتشار المبادئ الاشتراكية، الفضل في نشأة قانون الشغل قرابة منتصف القرن التاسع عشر، وهو ما يوحي بكون هذا الفرع من فروع القانون حديث النشأة نسبيا بالمقارنة مع فروع القانون الأخرى.

وعلى الرغم من حداثة قانون الشغل استطاع أن يقفز إلى الرتبة الأولى من حيث الأهمية، وذلك بالنظر إلى تأثيره الكبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكثرة عدد المستظلين بقواعده وأحكامه، وتقريره لدعائم السلم الاجتماعي، فأصبحنا نطالع قواعده الأساسية في صلب دساتير الدول، وفي الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة.

وقد توحي عبارة قانون الشغل على الظن بأن هذا القانون ينظم القواعد القانونية التي تحكم كل أنواع العمل التي يزاولها الأفراد في المجتمع، بغض النظر عن طبيعة هذه الأعمال أو نوعها أو مجالها. غير أن هذا القول ليس صحيحا على إطلاقه، إذ إن أعمال الأفراد في الغالب تختلف فيما بينها، إما بالنظر إلى طبيعة العمل في حد ذاته، أو إلى حالة الشخص المكلف بتنفيذه، أو إلى صفة الشخص الذي ينفذ العمل لمصلحته.

أورد الفقه عدة تعريفات لقانون الشغل، بحيث بدا الاختلاف بينها واضحا غير ضيق النطاق، فعرفه البعض بأنه مجموع القواعد القانونية التي تحكم العلاقات القانونية المتعلقة بالعمل التابع المأجور؛ أي بالعمل الذي يقوم به أشخاص مقابل أجر لحساب أشخاص آخرين وتحت توجيههم ورقابتهم.

وعرفه البعض الآخر بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين رب العمل أو من يمثله من جهة والعامل أو من يمثله من جهة أخرى.

كما تم تعريفه بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الروابط الناشئة عن أداء عمل لحساب الغير كلما كان تنفيذ هذا العمل يقترن بنوع من التبيعة قبل صاحب العمل، وتم تعريفه كذلك بأنه عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الفردية والجماعية التي تخص العمل التابع المأجور.

وعلى ضوء مجموعة من التعاريف الفقهية ، يمكن تعريف قانون الشغل بأنه مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الشغلية الفردية والجماعية الناشئة بين مشغل أو مشغلين خواص من جهة، وبين من يشتغلون تحت إمرتهم ويتوجيه منهم من جهة ثانية لقاء أجر. أو بصيغة أقل اختصارا هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الفردية والجماعية المتعلقة بالعمل التبعي الخاص المأجور.

ويهدف قانون الشغل إلى حماية الأجير، الذي يُعتبر الطرف الضعيف في علاقة الشغل، ويسعى إلى تحقيق السلم الاجتماعي من خلال خلق توازن بين عنصري الإنتاج: العمل والرأسمال. ولتحقيق هذا الهدف، يتميز قانون الشغل بمجموعة من الخصائص التي تجعله أداة فعالة في تنظيم العلاقة بين الأطراف المعنية. من أبرز هذه الخصائص تتجلى في طابعها الواقعي والتقدمي، وإضفاء الصفة الآمرة على قواعده إلى جانب كونه قانون حديث، وقابل للتدويل.

أولا // الطابع الواقعي لقانون الشغل :

يتميز قانون الشغل بطابع واقعي يمكنه من التكيف مع الظروف المحيطة بكل واقعة على حدى أخذا بعين الاعتبار نوع الشغل المراد إنجازه، وطبيعته، وصفة القائم به، وسنه وغيره من المؤثرات. هكذا نجد القانون المتعلق بمدونة الشغل المغربية قد أفرد أحكاما خاصة بالأجراء تختلف حسب جنسهم، فوضع أحكاما تطبق على المرأة دون الرجل، حيث يمنع تشغيل النساء في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم،

كما يتعين أن تتوفر كل قاعة من قاعات المؤسسة التي تقوم فيها النساء بنقل البضائع أو عرضها على الجمهور على عدد مقاعد الاستراحة يساوي عدد النساء الأجيرات. كما أفرد قانون الشغل المغربي أحكاما خاصة تختلف حسب سن الأجير، فنجده مثلا يمنع تكليف الأجراء دون 17 سنة بأداء ألعابا خطيرة أو حركات بهلوانية أو التوائية أو تشغيلهم في المقالع أو أغوار المناجم أو في أشغال تعيق نموهم.

ثانيا // الطابع التقدمي لقانون الشغل :

يصف بعض الفقه قانون الشغل بكونه تقدمي، أي أنه يسعى إلى الرفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأجير دون إمكانية المساس أو التراجع عن حقوقه ومزاياه المكتسبة، بمعنى أن التعديلات التي تلحق هذا القانون يجب أن تتحقق معها مكتسبات جديدة للأجراء،

فالتعديلات التي تلحق الحد الأدنى للأجر يجب أن تتجه نحو الزيادة فيه، والتعديلات التي قد تطرأ على الحد الأقصى لساعات العمل لا يمكن أن تكون إلا في اتجاه التقليص منه دون المساس بالأجر، والتعديلات التي تطرأ على إجازة الوضع يجب أن تكون نحو الزيادة في مدتها.

ثالثا // الصفة الآمرة لقواعد الشغل:

لتمكين قانون الشغل من حماية الأجير، الطرف الضعيف في علاقة الشغل، تم إضفاء الصفة الآمرة على قواعده، حتى لا يستطيع المشغل أن يفرض ما شاء من الشروط على الأجير الذي يضطر تحت ضغط الحاجة إلى العمل إلى القبول بتلك الشروط مهما كانت تشكل انتقاصا من الحقوق المخولة له قانونا.

غير أنه إذا كانت الصفة الآمرة لقواعد قانون الشغل تحول دون مخالفة هذه القواعد أو الاتفاق على ما يخالفها، فإنه نظرا لخصوصية قانون الشغل كقانون حمائي لصالح الأجير يمكن مخالفة هذه القواعد إذا كان الهدف من هذه المخالفة منح حقوق أو تقرير ضمانات أكثر للأجير، فهكذا يمكن الاتفاق على الزيادة في الحد الأدنى للأجر مثلا، لكن لا يمكن الاتفاق على النزول عن هذا الحد، والزيادة في مدة العطلة السنوية المؤدى عنها ولا يمكن الاتفاق على الإنقاص منها.

رابعا // قانون الشغل قانون حديث :

الشغل هو قانون فتي لم يبدأ بالبروز كقانون مستقل عن القانون المدني ومتميز بمميزات خاصة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أي بعد الثورة الصناعية، أما في المغرب لم يظهر إلا بعد بسط الحماية.

خامسا // ميل قانون الشغل إلى التدويل :

منذ أواخر القرن التاسع عشر، برز ميل نحو توحيد القواعد القانونية بين الدول في مختلف الميادين من بينها ميدان الشغل والذي ساهمت في تدويله عدة عوامل تمثلت في العامل الاقتصادي والسياسي والنقابي:

1) العامل الاقتصادي:

إن التحسينات الاجتماعية التي تمنح للأجراء كرفع الأجور وتخفيض مدة العمل ومنح تعويضات عائلية إلخ… ترفع ثمن الإنتاج، ولذلك فإن الدول التي تسير على هذا النهج تصبح معرضة لمنافسة البلدان التي توازيها في التقدم الصناعي، في حين أن قوانينها الاجتماعية لا تمنح الأجراء نفس المزايا. ومن هنا يتبين ضرورة تشريع اجتماعي دولي إن لم يكن موحدا، فعلى الأقل متشابها للحد من المنافسة الصناعية بين الدول، وهذا من أهم الأسباب التي أدت إلى إنشاء منظمة العمل العربية.

2) العامل السياسي :

لقد كان لظهور المنظمات الاشتراكية العالمية كالمنظمة التي أنشأها كارل ماركس في لندن سنة 1864 وتلك التي أنشأها لينين في بداية ح ع I وكذا نجاح العمال والفلاحين في الاتحاد السوفياتي، أثر واضح في جعل دول العالم الرأسمالي تعجل بتطعيم قوانينها بقواعد تضمن المزيد من الرعاية والحماية للطبقة العاملة وذلك مخافة انتقال مبادئ الثورة إليها، خاصة ما يتعلق منها بتنظيم الشغل.

3) العوامل النقابية :

إن ظهور الطبقة العاملة بعد الثورة الصناعية كقوة لها وزنها في مختلف دول العالم، وما ينجم عنه من مصالح مشتركة بين مكوناتها، أدى إلى التقارب بين عدة نقابات عمالية على المستوى العالمي، وأسفر عن إنشاء عدة اتحادات دولية منها الكونفدرالية الدولية للنقابات الحرة، والاتحاد النقابي والكونفدرالية الدولية للنقابات المسيحية، وهي نقابات ساهم وجودها في خلق قانون اجتماعي على المستوى الدولي.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *