|

حق العمرى – حق السطحية

أولا – حق العمرى :

يعتبر حق العمري من الحقوق العينية الأصلية التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية فهذا الحق لم يكن معروفا في ظل ظهير 19 رجب 1333 هـ وهكذا نصت المادة التاسعة من مدونة الحقوق العينية على أن الحق العيني الأصلي هو الحق الذي يقوم بذاته من غير حاجة إلى أي حق آخر يستند إليه. والحقوق العينية الأصلية هي :

1 – حق الملكية.

2 – حق الارتفاق والتحملات العقارية.

3- حق الانتفاع.

4 – حق العمرى ( وهو ما يهمنا في هذا المقال)

5 – حق الاستعمال.

6 – حق السطحية.

7 – حق الكراء الطويل الأمد.

8 – حق الحبس.

9 – حق الزينة.

10 – حق الهواء والتعلية.

11 – الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ.

وبهذا التحديد، تُعتبر المادة التاسعة نقلة نوعية في تنظيم الحقوق العينية، حيث أضافت وضوحًا قانونيًا لهذا النوع من الحقوق، مما يسهل التعامل معه سواء من حيث التوثيق أو القضاء.

1 – تعريف حق العمرى :

العمري هو الحق العيني الرابع من الحقوق العينية الأصلية، وقد أجملت مدونة الحقوق العينية الكلام حول هذا الحق من خلال أربع مواد فقط ( من المواد 105 إلى المادة 108). رغم ما لهذا الحق من أهمية ضمن عقود التبرع الذي هو باب من أبواب التضامن والتكافل، فان المشرع لم يخصص له سوى أربع مواد، اعتمادا منه على الفقه الإسلامي الذي نظم كليات وجزئيات هذا الحق، عبر بوابة المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية.

وقد عرفت المادة 105 من مدونة الحقوق العينية حق العمرى بأنه ” حق عيني قوامه تمليك منفعة بغير عوض يقرر طول حياة المعطى له أو المعطي أو لمدة معلومة” .

انطلاقا من هذه المادة يمكن القول إن حق العمرى هو تمليك لمنفعة عقار مع بقاء حق الرقبة بيد المالك الذي له وحده التصرف في ذلك الملك، أما المستفيد من هذا الحق – المعطى له – فليس له إلا حق الاستعمال والاستغلال وحق العمرى يمكن أن يرد على عقار محفظ ولا يكون له أي أثر سواء بين المتعاقد أو في مواجهة الغير ( الفصلان 67 و 66، كما وقع تغييرهما وتتميمها بالقانون رقم 14.07) كما يمكن أن يرد على العقار غير المحفظ.

ومن صور الفوائد الاجتماعية لهذا الحق، أنه قد يكون للزوجين عقار ( منزل مثلا) وليس لهما أولاد ، ويخشى أحدهما إن قضى الله بوفاته، فيأتي الورثة يطالبون بحقهم، فيتعرض للضياع، فيريد اكرامه والتبرع عليه بإبقائه في ذلك المنزل مدة عمره. ومن أجل ذلك يعمد الزوجين لإنشاء حق العمرى لدفع ضرر التعجيل بإنهاء الشياع حين وفاة أحدهما.

2 – إنشاء حق العمرى :

نصت المادة 106 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” تنعقد العمرى بالإيجاب والقبول. يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم عقد العمرى في محرر رسمي. لا تشترط معاينة الحوز لصحة عقد العمرى”.

فحق العمرى ينشأ عن طريق العقد وحتى يقع صحيحا منتجا لكافة آثاره لابد من إبرامه في محرر رسمي من طرف العدول أو الموثقين ولقد استغنت مدونة الحقوق العينية عن شرط الحوز الذي كان مقررا بمقتضى المادة 257 من مشروع القانون رقم 19.01 المتعلق بمدونة الحقوق العينية واعتبرت أن الشرط الوحيد لصحة حق العمرى هو تحريره في محرر رسمي دون الحاجة إلى الإشهاد على الحوز من طرف الموثقين أو العدول.

3 – التزامات صاحب حق العمرى :

يجب على المعطى له أن يعمر العقار موضوع الحق بأن يقيم فيه بنفسه أو يأخذ غلته ولا يجوز نقل هذا الحق إلا للمعطى أو لوارثه ( المادة 106 من مدونة الحقوق العينية).

كما يجب على المعطى له أن يبذل في المحافظة على العقار موضوع العمرى العناية التي يبذلها الشخص الحريص على ملكه وتقع عليه النفقات اللازمة لحفظه وصيانته ويتحمل أيضا التكاليف العادية المفروضة على هذا العقار ( المادة 107 من مدونة الحقوق العينية).

4 – انقضاء حق العمرى :

إذا كان حق العمرى هو تمليك لمنفعة عقار فإنه لا يكون على سبيل التأبيد وإنما ينقضي بإحدى الحالات الواردة في المادة 105 من مدونة الحقوق العينية أو وفق ما هو مضمن في القواعد العامة، ومن ثم فإن هذا الحق ينقضي في الحالات التالية:

1 – ينتهي حق العمرى بحلول الأجل إذا تم الاتفاق في العقد على أن يكون لمدة معلومة.

2 – ينتهي بموت المعطى له ولا يمكن للورثة الاستمرار في الاستفادة من منفعة العقار لأن هذه الإمكانية غير ممكنة في إطار هذا الحق إلا في حالة إبرام عقد جديد.

3 – ينتهي هذا الحق بوفاة المعطى ويتم تسليم العين لورثة المعطى له.

4 – كما ينتهي هذا الحق وفقا للقواعد العامة في حالة عدم احترام المعطى له لواجباته وأدى ذلك إلى الإضرار بالعين ضررا بليغاً.

ثانيا – حق السطحية :

يعتبر حق السطحية من الحقوق العينية الأصلية الوارد عليها النص في البند السادس من المادة التاسعة من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية ، وقد أفرد له المشرع المغربي خمس مواد من المادة 116 إلى المادة 120 ويتميز هذا الحق بأنه مستقل بذاته عن الملكية وليس متفرع عنها كحق الانتفاع والارتفاق.

1 – التعريف بحق السطحية :

عرفت المادة 116 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية حق السطحية بأنه ” حق عيني قوامه ملكية بنايات أو منشآت أو أغراس فوق أرض الغير، وينتقل بالشفعة أو بالإرث أو بالوصية” ، ويتضح من التعريف أن حق السطحية عبارة عن تملك شخص لأبنية وأغراس على أرض مملوكة للغير.

ولم يتناول القانون المدني الفرنسي هذا الحق إلا أن الفقه الفرنسي يرى إمكانية استنتاج هذا الحق في المادة 222 التي تنص على أن ” كل بناء أو غرس فوق الأرض يعتبر ملكا لصاحب الأرض ما لم يقم الدليل على العكس، وهذا الكلام يفهم منه أن المشرع الفرنسي يجيز بأن تكون الثمار أو المباني الموجودة فوق الأرض مملوكة لشخص آخر غير صاحب الأرض”.

كما أن المشرع المصري لم ينص على حق السطحية كما فعل المشرع المغربي ولكن الفقرة الثالثة من المادة 803 من القانون المدني المصري أجازت بأن تكون ملكية سطح الأرض منفصلة عن ملكية ما فوقها ، ويمنع في سوريا إنشاء حق السطحية طبقا للفصل 997 من القانون المدني السوري، ونؤيد الرأي الذي يرى بأن هذا الحق يخالف القاعدة الأساسية القائلة بأن ملكية الأرض تشمل ملكية ما فوقها وما تحتها.

فحق السطحية يقيد سلطة المالك كما أن التجارب دلت على عدم جدوى هذا الحق من الناحية العملية ففصل ملكية الأرض عن ملكية ما فوقها من بناء وأغراس لا ينسجم مع طبيعة الاستثمار العقاري.

2 – خصائص حق السطحية :

يتميز حق السطحية بالخصائص التالية:

1 – يعتبر حق السطحية حق قائم بذاته مستقل عن حق ملكية الأرض وبالتالي فهو ليس متفرع عن حق الملكية كحق الانتفاع وحق الارتفاق ، ولا يقوم حق السطحية إلا إذا وافق مالك العقار وأذن للغير في إمتلاك بنايات وأغراس في ملكه.وقد جاء في قرار المحكمة النقض مايلي : “….. العقد المبرم بين الطرفين يتعلق بأرض بورية وان إقامة بناء أو غرس دون موافقة المكري لايعطي للمكتري أي حق عيني على العقار، وأن حق السطحية المحتج به لا يمكن إنشائه على حق ملكية الغير …

وعلى الأطراف إدلاء بحججهم بصفة تلقائية تكون سليمة من كل عيب، ولذلك فإن القرار حين علل بأن المتعرض لم يدلي بأية حجه تثبت له الحق المطالب به وأن علاقته مع المالك كمكتري لا تخول له حق الملكية، فإنه يكون نتيجة لذلك معللا ومرتكزا على أساس قانوني والوسيلتين معا بالتالي غير جديرتين بالإعتبار”.

2 – يعتبر صاحب حق السطحية مالكا مستقلا عن صاحب الأرض ولذلك لا يجوز لأحدهما طلب إجراء القسمة لأنهما ليسا مالكين على الشيوع بل إن كل منهما مالك أجنبي عن الآخر.

3 – أن حق الملكية الذي يتمتع به صاحب السطحية على البناء، أو الغرس هو حق دائم مثل صاحب الرقبة على الأرض.

4 – يمكن لصاحب حق السطحية أن يفوته أو يرهنه رهنا رسميا، كما يمكن أن يرتب له أو عليه حقوق ارتفاق في الحدود التي يجوز له فيها مباشرة هذا الحق وفقا لمقتضيات المادة 117 من مدونة الحقوق العينية.

5 – يعتبر صاحب حق السطحية حارسا للبناء أو الغراس الواقع عليه هذا الحق، وذلك طبقا للفصلين 88 و 89 من قانون الالتزامات والعقود وعليه إذا لحق هذا البناء أو الغراس ضررا بالغير فإن صاحب حق السطحية مسؤولا عن هذا الضرر وليس مالك البناء.

6 – حق السطحية قد يكون كاملا وقد يكون جزئيا.أ – فحق السطحية الكامل هو الذي يشتمل كل الأشياء الخارجية فوق الأرض من أبنية وأغراس، وفي هذه الحالة لا يبقى لصاحب الرقبة سوى الحق في إنشاء بعض الارتفاقات القانونية التي تنسجم مع استعمال حق السطحية، كما يجوز له أن يستغل جوف الأرض بفتح مقالع واستثمارها شريطة عدم تعارض عمله مع حقوق صاحب السطحية.

وأخيرا يجوز له الاستفادة من الكنز الذي يكتشف في الأرض لأن الكنز المدفون يعود إلى مالك الرقبة وليس لصاحب حق السطحية.ب – قد يكون حق السطحية جزئيا بحيث لا يشمل سطح الأرض بكاملها بل ينحصر في بعض أجزائها فقط كحق السطحية المقررة على بناء واحد من عدة مباني أو بضعة أشجار.

7 – حق السطحية ينتقل بالشفعة أو الإرث أو بالوصية ، ولا يمكن ترتبيه على حقوق مشاعة إلا باتفاق جميع الشركاء ( الفقرة الثانية من المادة 116 من مدونة الحقوق العينية).

8 – ليس لمالك حق السطحية أن يبني أو يغرس من جديد ما تلاشى لقدمه أو مات أو اقتلع بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة ما لم يكن هناك اتفاق مخالف ( المادة 120 من مدونة الحقوق العينية ) .

9 – يحق لمدعي حق السطحية أن يمارس التعرض على مطلب التحفيظ حيث يأسس صاحب حق السطحية مطالبه على ملكية ما يعلو الأرض ويقر ضمنيا ملكية الرقبة لغيره.

3 – إنشاء حق السطحية وانقضاؤه :

ينشأ حق السطحية إما بالتعاقد أو بالشفعة أو بالتقادم المكسب فقد ينشأ حق السطحية عن طريق العقد كالبيع والهبة والكراء، كما إذا اكرى مالك الأرض أرضه لشخص وأجاز له بمقتضى العقد إنشاء أبنية أو أغراس في هذه الأرض على أن تكون هذه البنايات والأغراس ملكا للمكتري،

كما ينشأ حق السطحية عن طريق الشفعة، كما إذا كان أصحاب حق السطحية مالكين للحق على الشيوع فيما بينهم ويبيع أحدهم حصته في حق السطحية للغير فيجوز لكل من الشركاء على الشيوع أخد الحصة المبيعة بالشفعة.

وأخيرا قد ينشأ حق السطحية عن طريق التقادم المكسب بالنسبة للعقارات غير المحفظة، كما إذا وضع شخص يده على بناء أو غرس قائم على أرض غير محفظة وبعد مضي المدة التي يحددها القانون يصبح مالكا للبناء أو الغراس دون الأرض.

وينتهي حق السطحية بأحد الأسباب الثلاثة الواردة في المادة 118 من مدونة الحقوق العينية:

1) بالتنازل عنه صراحة.

2) باتحاده مع ملكية الرقبة في يد شخص واحد.

3) بهلاك البنايات أو المنشآت أو الأغراس هلاكا كليا، لذلك فإن تلف حق السطحية لا يأذي إلى إنقضاء الحق ما لم يتم تلف أصل الملك،

وفي هذا قضت محكمة النقض في أحد قراراتها، ” تلف الملك الذي هو محل دعوى النازلة إنما يعني تلف ملك الغير الذي قرر فوقه حق السطحية لا مجرد تلف حق السطحية في حد ذاته . الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه مخالفا لمقتضيات الفصل المشار إليه أعلاه مما عرضه بالتالي للنقض والإبطال”.


تم الاستفادة من عدة مراجع لإعداد هذا المقال، منها:

  • محمد بن أحمد بونبات: الحقوق على العقارات دراسة شاملة لواقع العقار والحقوق العينية على ضوء التشريع المغربي، سلسلة آفاق القانون رقم 17 سنة 2009 .
  • خالد عبد الله عيد: مدخل لدراسة القانون، أسس ومبادئ نظرية القانون والحق مطبعة النجاح الجديدة 1987.
  • إدريس العلوي العبدلاوي: المدخل لدراسة القانون الجزء الثاني، نظرية الحق مطبعة فضالة 1975.
  • مامون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء الثاني شركة الهلال العربية للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الثانية 1987.
  • عمر ازوکار: مستجدات التحفيظ العقاري في ضوء القانون رقم 14.07 ومدونة الحقوق العينية دراسة عملية ورصد للمواقف القضائية لمحكمة النقض، منشورات دار القضاء بالمغرب البيضاء، طبعة 1، 2012.
  • زيد قدري الترجمان: مدخل لدراسة القانون الجزء الثاني نظرية الحق مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1987.
  • إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *