حقوق الامتياز
حق الامتياز حق عيني يتقرر بمقتضى نص في القانون ضمانا للوفاء بدين معين مراعاة لصفته على جميع أموال المدين، أو على منقول أو عقار معين عنها، فيكون للدائن أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من المقابل النقدي لهذه الأموال.
وقد عرفه الفصل 1243 من قانون الالتزامات والعقود بأنه ” حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين” ، وفي نفس الاتجاه فقد سارت مدونة الحقوق العينية التي نظمت أحكام حقوق الامتيازات وذلك في المواد من 142 إلى 144.
وهكذا فقد عرفت المادة 142 حق الامتياز بكونه ” حق عيني تبعي يخول للدائن حق الأولوية على باقي الدائنين ولو كانوا مرتهنين” .
ونلاحظ أن المشرع من خلال مدونة الحقوق العينية قد كرس حق أولوية الدائن على كافة الدائنين حتى ولو كانوا مرتهنين، وذلك في نطاق حقوق الامتياز، وذلك مراعاة منه أن بعض الحقوق تستوجب نوعا من الرعاية الخاصة استنادا لصفات في الديون المستندة إليها، ومن ثم لا بد من إيلائها العناية التشريعية اللازمة بإفرادها بميزة الامتياز والأفضلية.
أولا : خصائص حقوق الامتياز :
من خلال الفصل 1243 من قانون الالتزامات والعقود والمادة 142 من مدونة الحقوق العينية يتضح أن حق الامتياز يتصف بالخصائص الآتية:
1- أنه حق عيني فهو كالرهن، إذ يولي صاحبه حق التتبع والألوية.
2- أنه حق عيني تبعي فهو لا يقوم إلا إذا قام الدين، وهو يتبعه في مصيره، إذ يتبعه وجودا وعدما، صحة وبطلانا، حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 161 من مدونة الحقوق العينية على أنه “يعتبر الرهن تابعا للدين المضمون و يدور معه وجودا و عدما. ينقضي الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون به بتمامه “.
3- حق الامتياز يرد على جميع الأموال المنقولة منها والعقارية، المادية منها والمعنوية، إذ يجوز للدائن أن ينفذ على أي مال منها لاستيفاء حقه.
4- أنه حق لا يقبل التجزئة فهو يبقى كاملا على الشيء المحمل به حتى ينقضي الدين المضمون به تمامه.
5- حق الامتياز لا يتقرر إلا بمقتضى نص قانوني، ومفاد هذا أنه لا يمكن التمسك بدين ممتاز إن لم يقرر بنص قانوني ابتداء، وهو بهذا يتميز عن الرهن بنوعيه، ويترتب على كون القانون مصدرا للامتياز نتيجتان:
أولهما: أنه لا يمكن إنشاء الامتياز مبدئيا على عقارات المدين إلا بنصوص خاصة كما هو الشأن بالنسبة للمادة 144 من مدونة الحقوق العينية.
ثانيهما: أنه لا يجوز التوسع في تفسير النصوص التي تقرر الامتياز، لأن هذه النصوص بمثابة استثناء من القاعدة العامة القائمة على وجوب مساواة الدائنين في الحقوق على أموال مدينهم والاستثناء يجب أن يفسر بصورة ضيقة ولا يقاس عليه.
6- أن حق الامتياز يقرره القانون مراعاة منه لصفة الدين أو لسببه، وهو ينتج أثره ولو لم يقيد بالرسم العقاري.
فالمشرع عندما يقرر حقا ممتازا لا يأخذ بعين الاعتبار شخص الدائن، بل ينظر إلى طبيعة الدين وصفته وسببه، فبعض الديون تتطلب رعاية خاصة ويجب أن تكون محمية بنصوص قانونية، وأن تدفع لأصحابها قبل غيرها من الديون، فديون الدولة إنما اعتبرت ممتازة نظرا للفائدة التي يجنيها الجميع من تغذية خزينة الدولة وضمان سير الأعمال العامة، وبعض الديون جعلت ممتازة لاعتبارات إنسانية كما هو الشأن بالنسبة لأجور العمال والخدم لأنها لازمة لمعيشتهم…
ثانيا : أنواع حقوق الامتياز :
إن حقوق الامتياز على ثلاثة أنواع:
حقوق امتياز منقولة عامة ترد على جميع ما يملكه المدين من منقولاته وحقوق امتياز خاصة تثقل منقولا أو منقولات معينة، وحقوق امتياز خاصة تثقل عقارا أو عقارات معينة.
1) حقوق الامتياز المنقولة العامة :
حقوق الامتياز المنقولة العامة هي الحقوق التي تقع على جميع أموال المدين المنقولة وقد حدد الفصل 1248 من قانون الالتزامات والعقود هذه الحقوق وسنقتصر على ذكر بعضها فقط كما يلي:
أ – مصروفات الجنازة: أي نفقات غسل الجثة وتكفينها ونقلها ودفنها مع مراعاة المركز المالي للمدين الميت.
ب – الديون الناشئة عن مصروفات مرض الموت: أيا ما كانت وسواء كانت قد أنفقت في منزل المريض أو في مؤسسة علاجية عامة أو خاصة، وذلك خلال الستة أشهر السابقة على الوفاة أو افتتاح التوزيع.
ج – المصروفات القضائية المنفقة للمحافظة على الضمان العام وبيعه: وذلك كمصروفات وضع الاختتام على أموال المدين المنقولة وإجراء الإحصاء والبيع.
د – الأجور والتعويضات: عن العطل المستحقة الأجرة والتعويضات المستحقة بسبب الإخلال بوجوب الإعلام بفسخ العقد داخل المهلة القانونية، والتعويضات المستحقة إما عن الفسخ التعسفي لعقد العمل وإما عن الإنهاء السابق لأوانه لعقد محدد المدة متى كانت مستحقة:
– للخدام،
– للعمال المستخدمين مباشرة من المدين.
– للكتبة والمستخدمين والمكلفين سواء كانت لهم رواتب محددة أو كانت أجورهم محددة بعمولة نسبية.
– للفنانين وغيرهم من الأشخاص المستخدمين في مؤسسات المشاهدة العمومية، وكذلك للفنانين وغيرهم من الأشخاص المستخدمين في المحلات الخاصة بإنتاج الأفلام السينمائية.
هـ – الدين المستحق للمصاب في حادثة شغل أو لخلفائه: والمتعلق بالمصروفات الطبية والجراحية والصيدلية ومصروفات الجنازة.
ز – الديون المستحقة لصندوق الإسعاف الاجتماعي وغيره من المؤسسات التي تقوم بتقديم التعويضات العائلية للمشاركين فيها.
2) حقوق الامتياز المنقولة الخاصة :
حقوق الامتياز المنقولة الخاصة هي الحقوق التي ترد على منقول أو منقولات معينة للمدين، وقد أورد المشرع المغربي تعداد هذه الحقوق في الفصل 1250 على سبيل الحصر، وهي تشمل ما يأتي:
أ – المبالغ المستحقة من أجل البذور وأعمال الزراعة وأعمال الحصاد التي لها امتياز عن الغلة فقط.
ب – أجرة كراء الأراضي الفلاحية وغيرها من العقارات والمبالغ المستحقة لصاحب الأراضي.
ج – المصروفات المنفقة لحفظ الشيء وهي التي لولاها لهلك الشيء وأصبح غير صالح لما أعد له، فهذه المصروفات لها امتياز على المنقولات التي تم حفظها.
د – أجر الصانع عن عمله وما أنفقه من أجل المصنوع له امتياز على الأشياء التي سلمت إليه ما دامت في حوزته.
خ – المبالغ المستحقة للوكيل بالعمولة.
و -المبالغ المستحقة للناقل من أجل ثمن أقل.
ز – ديون أصحاب الفنادق والنزل، ومن يسكنون غيرهم بسبب ما قدموه للنزل أو صرفوه لحسابهم.
ن – الديون الناشئة عن حادثة لصالح الأشخاص الذين تضرروا منها أو لخلفائهم، لها امتياز على مبلغ التأمين الذي يستحق عن المسؤولية المدنية.
3) حقوق الامتياز العقارية الخاصة :
وهو امتياز يثقل عقارا أو عقارات معينة دون سائر العقارات الأخرى التي يملكها المدين وهذه الحقوق الممتازة كانت محددة من المشرع المغربي في الفصل 155 من ظهير 19 رجب وفقا لما وقع تعديله بمقتضى ظهير 12 شوال 1354 الموافق بـ 7 يناير 1936 حيث حصر هذه الحقوق الممتازة في حقين اثنين وهما:
أ – المصاريف القضائية المنفقة لبيع العقار وتوزيع ثمنه.
ب – حقوق الخزينة كما تقررها القوانين المتعلقة بها.
لكن بعد صدور مدونة الحقوق العينية وبالرغم من تكريسها لهذه الحقوق في الصنفين السالفي الذكر فإنها أكدت أن مباشرة حق الامتياز على العقار لا يتم عند وجود منقولات، بمعنى أن وجود هذه الأخيرة يغني من اللجوء إلى العقارات.
تم الاستفادة من عدة مراجع لإعداد هذا المقال، منها:
- محمد بن أحمد بونبات: الحقوق على العقارات دراسة شاملة لواقع العقار والحقوق العينية على ضوء التشريع المغربي، سلسلة آفاق القانون، رقم 17 سنة 2009.
- خالد عبد الله عيد: مدخل لدراسة القانون، أسس ومبادئ نظرية القانون والحق مطبعة النجاح الجديدة 1987.
- زيد قدري الترجمان: مدخل لدراسة القانون الجزء الثاني نظرية الحق مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1987.
- إدريس العلوي العبدلاوي: المدخل لدراسة القانون الجزء الثاني، نظرية الحق مطبعة فضالة 1975.
- مأمون الكزبري: التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، مطبعة الساحل بالرباط.
- دنيا مباركة: دروس في القانون الاجتماعي المغربي، مطبوعات الهلال، وجدة 2006-2007.
- إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08.
Share this content: