جريمة الرشوة: تعريفها، عناصرها، وعقوباتها في التشريع الجنائي
تعد ظاهرة الرشوة من الجرائم التي أرقت كل المجتمعات سواء القديمة أو الحديثة منها، كما ورد تحريمها في آيات قرآنية عديدة كقوله تعالى: “وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” وفي قوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ…” أي يقبلون الرشي فيأكلونها بكذبهم على الله.
فالإسلام حرم الرشوة، وجعلها من باب أكل أموال الناس بالباطل الذي يوجب العقوبة في الدنيا والآخرة، كما لعن الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كلاً من الراشي والمرتشي، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو قال: “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِي”. وجاء في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلاً ، فَجَاءَهُ العَامِلُ حِينَ فَرَغْ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أَهْدِي لِي. فَقَالَ لَهُ: (أَفَلا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لا ) ؟!
ولقد تجنبت العديد من التشريعات إعطاء تعريف للرشوة وترك هذه المهمة على عاتق الفقه والاجتهاد القضائي تفاديا لأي تحديد يضر بماهية تجريم هذه الآفة الخطيرة، ولم يشذ المشرع المغربي عن هذه القاعدة وجاء بفصول تحدد أركان جريمة الرشوة فقط.
وتعرف الرشوة، لغة فيقال: رَشُوَةً، رُشُوَةً أو رِشوة وجمعها رشوات و رَشَوات و رَشََاوى وهي مال أَوْ هِبَةً تُعطى لِمَسْؤُولِ لِقَضاءِ حَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ حَقًّا أو باطلاً، كما يطلق العرب لفظ الرشوة على رش الدلو ، يقال: رشا الدلو، اي جعل له حبل يتوصل به الى الماء، وفي هذا السياق قد تعني في معناها الاصطلاحي، مال أو منفعة تعطى لأحد المسؤولين من أجل الوصول إلى قضاء حاجة ما كانت لتقضى لولا هذه الرشوة.
وقد عرفها البعض بأنها هي عرض من جانب وقبول من جانب آخر لأي فائدة أو منفعة كانت مقابل القيام أو الامتناع عن العمل من أعمال وظيفته.
فالرشوة إذن، مال أو منفعة تعطى لشخص ذي سلطة أو يوجد في موقع مسؤولية،من أجل القيام بقضاء حاجة أو القيام بفعل أو الامتناع عن القيام به سواء كان هذا الأمر قانوني أم غير قانوني إما لمصلحة الراشي أو لشخص آخر.
وتعتبر الرشوة من أشد أنواع الفساد فهي طريقة غير مشروعة لكسب المال باستغلال المنصب أو المركز أو المكانة الاجتماعية من طرف الموظف أو من في حكمه ولو كان في القطاع الخاص، وخطورتها تتجاوز الفرد الذي يقدمها أو يقبلها بل تمس المجتمع والدولة على السواء بحيث تؤدي إلى فقدان الثقة في المصالح العامة للدولة، وآثارها تمتد إلى كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية بل تطال بشكل كبير حتى المستوى السياسي. وقد شددت جميع الشرائع والقوانين على تحريمها ومعاقبة مقترفها بعقوبات مشددة، وقد قسم المشرع جريمة الرشوة إلى جريمتين الأولى جريمة المرتشي والثانية جريمة الراشي.
أولا – أركان جريمة المرتشي :
لا بد لقيام جريمة الرشوة من توفر العناصر الكاملة التي نص عليها القانون والمتمثلة في النصوص المتعلقة بتجريم هذه الجريمة وعقابها وما يلحق بها من نصوص مساعدة، وللإشارة فإنه قبل التعديل الذي جاء به القانون رقم 79.03 المؤرخ في 15 شتنبر 2004 كانت جرائم الرشوة تتابع أمام محكمة العدل الخاصة وأصبحت الآن تقع تحت طائلة النصوص الواردة في مجموعة القانون الجنائي وهي 2/256. 1/256. 256. 255. 253. 252. 251. 249. 248. 224. وبالرجوع إلى الفصول 248 و 249 من ق ج م نستنتج أن هذه العناصر هي: أولا “شرط الصفة” ثانيا “الركن المادي” ثالثا “الركن المعنوي” ..
1) صفة المرتشي :
لتحقق جريمة الرشوة لا بد من توفر شرط الصفة، أي لابد من أن يتوفر مقترفها على صفة الموظف أو من في حكمه حسب ما نصت عليه فصول القانون الجنائي من 248 إلى 256.
ينص الفصل 248 على ما يلي:” يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:
1 – القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع طالما أنه غير مشروط بأجر. وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله.
2 – إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده، وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف.
3 – الانحياز لصالح أحد الأطراف أو ضده، وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو أحد أعضاء هيئة المحكمة.
4 – إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة.
إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم، دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة”.
كما نص الفصل 249 على أنه: ” يعد مرتكبا لجريمة الرشوة، ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم؛ كل عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو بمقابل من أي نوع كان طلب أو قبل عرضا أو وعدا، أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافأة، مباشرة أو عن طريق وسيط، دون موافقة مخدومه ودون علمه، وذلك من أجل القيام بعمل أوالامتناع عن عمل من أعمال خدمته أو عمل خارج عن اختصاصاته الشخصية ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله.
إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون عقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات، والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم، دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة”.
من خلال هذين النصين يتبين لنا أن المشرع اشترط بعض الصفات التي يجب توفرها في الجاني لقيام جريمة الرشوة ونحدد هذه الصفات فيما يلي:
– الموظفون العموميون :
حدد المشرع المغربي في الفصل 248 بعض الوظائف التي يمكن أن يقترف أصحابها الرشوة حيث قرر رشوة القضاة والموظفين العموميين والمتوالين لمراكز نيابية، وكل هذه الطوائف تدخل تحت تعريف الموظف العمومي عملا بالفصل 224 من القانون الجنائي ومن في حكمهم كالخبراء والمحكمين والأطباء، وتشكل الجريمة المرتكبة من طرف هؤلاء جنحة تأديبية لكن قد تصبح جناية إذا قام بها الموظف أو من في حكمه تنفيذا لفعل يعد جناية في القانون، كالموظف الذي يتلقى رشوة من أجل التزوير في محرر رسمي أو القاضي الذي يتلقى رشوة من أجل تبرئة مدان في جناية أو تحريف شهادة الشهود.
ويتنازع تعريف الموظف العام في القانون المغربي تعريفان، الأول وهو السائد في القانون الإداري وقد أتى به الفصل الثاني من ظهير24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يقول: “يعد موظفا عموميا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة” .
الثاني وهو السائد في القانون الجنائي وقد أخذ به الفصل 224 من المجموعة الذي يقول: “يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام. وتراعى صفة الموظف في وقت ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية له بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها”.
ومن الملاحظ من خلال النصين السابقين أن المشرع الجنائي في الفصل 244 ق.ج نبذ صراحة التعريف السائد في القانون الإداري للموظف العام، ذلك أن هذا الأخير يضيق في مدلول الموظف العام بينما هذا المدلول في ضوء الفصل 224 ق.ج أوسع، بحيث يمكن القول في ظله بأن كل موظف عام بالمفهوم الإداري يعد كذلك بالمفهوم الجنائي لكن العكس غير صحيح، وهذا الأسلوب في التعريف يجد سنده في استقلالية القانون الجنائي عن غيره من فروع القانون الأخرى.
وطبقا للفصل 224 لا يشترط في الموظف العمومي أن يكون من الأطر العليا أو الدنيا للوظيفة العمومية، أو أن يكون رسميا أو متمرنا، مؤقتا أو مياوما، مدنيا أو عسكريا، يرتبط مع الدولة بعقد من العقود، أم كان خاضعا لنظام الوظيفة العمومية،
ذلك أن المشرع في الفصل 224 المذكور قال عن الشخص كيفما كانت صفته، كما أن تقاضيه للأجر غير ذي تأثير على صفته كموظف عام إذا ما عهد إليه بمباشرة مهمة مساهما بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام، ولكن يشترط أن يكون هذا الشخص موظفا في الإدارة الوطنية المغربية أو يباشر مهمة، مساهما بذلك، في خدمة الدولة المغربية أو المصالح العمومية الوطنية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية الوطنية أو مصلحة ذات نفع عام، وهذا ما يؤدي إلى استبعاد إطلاق صفة موظف عام على الأشخاص التابعين لإدارة أجنبية، كموظفي السفارات الأجنبية في المغرب.
– القضاة والمحلفون وأعضاء هيئة المحكمة :
لقد أورد النص القانوني لفظ “القضاة” مطلقا، لذلك فهو يشمل كل أعضاء الهيأة القضائية من قضاة للحكم والتحقيق وأعضاء النيابة العامة لأنهم يشكلون جزءا من الهيأة القضائية، وبمقتضى التنظيمات القضائية المعمول بها حاليا، لم يعد للمحلفين وجود أمام المحاكم الجنائية. أما المقصود بأعضاء هيئة المحكمة فهم باقي الأشخاص الذين يشكلون هيئتها من غير الذين يعتبرون موظفين عموميين كالمستشارين في القضايا الاجتماعية.
– المتولون لمراكز نيابية :
تشمل هذه الطائفة نواب الشعب في البرلمان، وأعضاء المجالس البلدية أو القروية ومجالس العمالات والأقاليم، وأعضاء الغرف التجارية والصناعية (العصرية والتقليدية والغرف الفلاحية….) كما يدخل تحت حكم هذه الطائفة عند بعض الفقه الأعضاء المكونون لمجالس بعض الهيئات المهنية كأعضاء مجالس نقابة المحامين أو الأطباء أو المهندسين، أو المجلس الإداري للنقابة الوطنية للتعليم… إلخ.
– المحكمون والخبراء :
إذا كان الأصل هو أن فض النزاعات يرجع أمره للسلطة القضائية، فإن هناك حالات أباح فيها المشرع للأطراف اللجوء إلى التحكيم( الفصل 306 مسطرة مدنية) ، وهذا يظهر بأن المحكم يقوم بالمهمة التي يعهد بها بحسب الأصل للقضاء، ولذلك رأى المشرع التشديد عليه وإدخاله في جملة الطوائف من الأشخاص التي يمكن أن ترتكب جريمة الرشوة.
كما أنه ولو أن القاضي – أو الإدارة عموما – له كامل الصلاحية للبت في النزاع من دون اللجوء إلى الخبرة فإنه يكون أحيانا مضطرا للجوء إلى الفنيين من الخبراء ولذلك وتأكيدا لحياد هؤلاء اللذين يفترض أنهم يمهدون أو يعبدون الطريق للقاضي أو جهة الإدارة بقصد إصدار حكم – أو قرار – عادل ونزيه مطابق للحقيقة، ارتأى المشرع إدخال الخبراء، سواء كانوا معينين من قبل الأطراف أو المحكمة أو إحدى السلطات الإدارية أو من قبل محكمين، ضمن الأشخاص الذين يمكنهم الإرتشاء.
– الأطباء والجراحون وأطباء الأسنان والمولدات :
الملاحظ أن الأطباء والجراحين وأطباء الأسنان والمولدات إذا كانوا موظفين عموميين تابعين للدولة فهم سيدخلون حكما ضمن طوائف الأشخاص التي يمكن أن ترتكب الرشوة، ولذلك يكون المشرع في الفقرة الرابعة من الفصل 248 قد قصد بالأطباء والجراحين والمولدات أولئك الذين يعملون في القطاع الخاص والذين قد يقدمون وبمقابل شهادات كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو سبب وفاة.
– العمال والمستخدمون والموكلون بأجر أو بمقابل :
هذه الطائفة التي أتى على ذكرها المشرع في الفصل 249 ق.ج، تعمل بدون شك في القطاع الخاص غير قطاع الوظيفة العمومية ولا تتحقق لها صفة الموظف العام بمفهوم الفصل 224 ق.ج وقد ارتأى إدخال هؤلاء الأشخاص الذين يعملون كأجراء في المقاولات الخاصة ضمن طائفة الذين يرتكبون جريمة الرشوة حين يطلبون أو يتسلمون هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافأة أو يقبلون عرضا أو وعدا بدون علم المؤاجر ودون موافقته صيانة لهاته المقاولات الخاصة وعدم تركها للتدمير من الداخل.
2) الاختصاص بالعمل أو الامتناع :
يقصد باختصاص الموظف – أو من في حكمه- بالعمل أو الامتناع الذي تلقى عنه رشوة، صلاحيته للقيام بهذا العمل أو الامتناع، وهذه الصلاحية قد تكون واضحة لا يشوبها لبس أو غموض، كما في الحالة التي يوجب فيها القانون على الموظف القيام بالعمل، ومثال ذلك مدير المدرسة الذي تلزمه المذكرة الوزارية بتسجيل كل طفل بلغ سن التمدرس أو الامتناع عن القيام بعمل ومثال ذلك ضابط الشرطة الذي يمنع عليه قانونا الدخول إلى المنزل في أوقات معينة من أجل القيام بالتفتيش.
وفي بعض الحالات يمنح القانون للموظف سلطة تقديرية في القيام بالعمل أو الإمتناع عنه كممثل النيابة العامة الذي خوله القانون سلطة تقديرية للقيام بالمتابعة أو ترك الملف محفوظا ومعرفة ما إذا كان الموظف مختصا بالعمل أو الامتناع عنه مرده إلى القانون إما بكيفية مباشرة وواضحة، كان يحدد القانون حصرا المختص بإجراء معين،
كتسجيل الحقوق العينية، فيحصره في المحافظ أو نائبه مثلا، أو بكيفية غير مباشرة كان يعقد الإختصاص إلى إدارة معينة من إدارات الدولة التي تتولى بدورها توزيع العمل بحسب تخصصات الموظفين وتكوينهم، فيكون والحالة هذه كل موظف يأخذ مقابلا عن القيام بعمله أو الامتناع عنه في الحدود المكلف بها مرتشيا،
ومع ذلك فإن المشرع الجنائي أعطى مدلولا خاصا للاختصاص في الميدان الجنائي فوسع منه لما اعتبر في الفصل 248 ق.ج أن الموظف يعد مرتشيا ولو كان العمل أو الامتناع الذي أخذ عنه مقابلا لا يدخل في اختصاصه فعلا إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله. ذلك أن علاقاته كإداري بقسم من شأنها أن تؤثر على من يرجع لهم الاختصاص مباشرة.
3) الركن المادي في جريمة المرتشي :
بما أن جريمة المرتشي والراشي من جرائم الخطر فلا يلزم لقيام ركنها المادي توافر العناصر المتطلبة لقيام الركن المادي في جرائم النتيجة، وإنما يكفي لذلك إتيان الفاعل لأي نشاط من شأنه أن يلوث سمعة وشرف الوظيفة العمومية التي ينتسب إليها الموظف، أو تلطيخ سمعة المقاولة الخاص الذي يقوم بخدمته المستخدم وتعريضه الثقة فيه، للزعزعة من طرف الأغيار، وهذا دون اشتراط لأي مساس فعلي كان بالوظيفة العامة أو المقاولة.
أما الأنشطة التي يتحقق بواحد منها فقط على الأقل الركن المادي في هذه الجريمة فقد تعرض لها الفصلان 248 و 249 من المجموعة الجنائية والتي تنحصر في الطلب والقبول والتسلم:
– الطلب :
طلب الموظف أو من في حكمه لفائدة ما من أجل قيامه بعمل أو امتناع يدخل في اختصاصه، أو تكون وظيفته سهلته له، من الأمور الأكثر رواجا في جريمة الرشوة ذلك أن الذي يريد رخصة من الرخص، مثلا غالبا ما يواجه بالتماطل من طرف الموظف المكلف بإمداده بها،
إلى أن يقابله مرارا، ويحدث أن يعبر الموظف عن رغبته في الحصول على قدر من المال – وهذا هو الغالب- أو أية فائدة أخرى من أجل إنجاز هذا العمل الذي يدخل في اختصاصه، إما صراحة وإما ضمنا.
وفي كل حال فمجرد طلب الموظف أو من في حكمه لمنفعة من صاحب الحاجة يكون كافيا لقيام جريمة المرتشي، وسواء استجاب الموجه إليه الطلب أو لم يستجب على اعتبار أن الموظف الذي يطلب المقابل للقيام بواجبه أو للإخلال به يكون مستحقا للعقاب بغض النظر عن موقف الموجه له الطلب.
كما أن قيام الجريمة غير مرتبط بوجوب أن يكون طلب المنفعة لمصلحة الموظف شخصيا – وإن كان هذا هو الأصل- وإنما العبرة بطلب الموظف للفائدة حتى ولو كان ذلك من أجل إفادة الغير كالزوجة أو أي أصل من الأصول.
ويجب التنبيه إلى أن الطلب ينبغي أن يكون جادا، بأن لا يكون الموظف مازحا مع صاحب الحاجة، وعدم الجدية هذا يظهر من خلال الظروف وقرائن الأحوال، فالذي يطلب مقابل الترخيص له بإقامة مشروع سكني ضخم بثمن علبة شكولاتة صغيرة لا يعد طلبا جادا.
– القبول :
إن هذه الصورة من صور الركن المادي في جريمة المرتشي تكون عبارة عن نشاط سلبي، عكس حالة الطلب من طرف الموظف، ذلك أن الذي يأتي النشاط الإيجابي في هذه الصورة هو الجانب الآخر، أن صاحب الحاجة التي تقتضي تدخل الموظف الموجه له العرض أو الوعد،
والمشرع في النص لم يشترط ورود القبول في شكل من الأشكال، وهذا يفيد حتما أنه قد يتم قولا أو كتابة أو بأي موقف لا يدع مجالا للشك في كونه رشوة، ونحو ذلك سكوت الموظف عند وضع صاحب الحاجة في جيبه أو فوق مكتبه مبلغا من المال.
كما ينبغي كذلك أن يكون العرض أو الوعد الذي يلحقه القبول من طرف الموظف جادا وإلا لما تحققت الجريمة، وفي هذا المعنى جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية (بأنه إذا وعد شخص موظفا بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل ما، فإن هذا القول لا يفيد أن هناك عرضا جديا بإعطائه رشوة، إذ هو لم يعرض شيئا على الموظف بل عرضه أشبه بالهزل منه بالجد).
ومع ذلك وجبت الإشارة إلى كفاية جدية العرض في ظاهرة، وليس في حقيقته، لقيام الجريمة، فهكذا يكون الموظف الذي يقبل عرضا وجهه إليه صاحب الحاجة للإيقاع به مرتكبا لجريمة الرشوة ولو أنه عرض غير جاد في حقيقته، وفي هذا الصدد جاء في حكم المحكمة النقض المصرية بأنه لا أهمية لأجل أن يعد الموظف مرتشيا أن يكون الراشي جادا في عرضه،
بل المهم أن يكون العرض جديا في ظاهره وقبله الموظف على هذا الإعتبار ناويا العبث بأعمال وظيفته بناء عليه، وذلك بأن الجريمة التي شرع العقاب من أجلها تتحقق بالنسبة للموظف بهذا القبول لأنه يكون اتجر فعلا بوظيفته، وتكون مصلحة الجماعة قد هددت فعلا بالضرر الناشئ من العبث بالوظيفة.
– التسلم :
ويعني التسلم قيام الموظف أو من في حكمه بأخذ هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى، وذلك كله نظير قيامه بعمل أو الإمتناع عنه. وفي هذه الحالة تتحقق الجريمة في صورتها الواقعية مع صورتها القانونية ولذلك يسهل إثباتها. كما لا يشترط أن يكون التسليم واقعا قبل أو بعد إنجاز العمل أو الإمتناع عنه، أو حصول التسليم من طرف الراشي مباشرة، وفي هذا الصدد يكون التسليم صحيحا، ولو كان عن طريق وسيط كسمسار أو إدارة البريد حيث الجريمة واقعة شريطة اكتمال باقي عناصرها.
تلك كانت باختصار بعض صور النشاط الذي يتحقق به الركن المادي لجريمة المرتشي الذي تتحقق به الجريمة زيادة على الركن المعنوي أو القصد الجنائي.
4) القصد الجنائي (الركن المعنوي) :
الرشوة من الجرائم العمدية فلا يتصور والحالة هذه قيامها نتيجة خطأ كإهمال أو تقصير أو رعونة وإنما لابد من توافر القصد الجنائي عند الموظف العام، أو من في حكمه، المتلقي للمقابل ويتحقق هذا القصد بمجرد اتجاه نيته إلى الطلب أو القبول أو التسلم لهدية أو لأية فائدة مادية أو معنوية أخرى كيفما كان نوعها وهو يعلم تمام العلم، أن هذا المقابل أو الفائدة إنما أعطيت له نظير اتجاره بالوظيفة العامة، سواء قبل الطرف الآخر ما طلب منه أو لم يقبل،
وبناء على ما سبق لا يتحقق القصد الجنائي إذا تظاهر الموظف أو المستخدم أو الموكل بأجر بالطلب أو القبول أو التسليم لأية فائدة وذلك من أجل كشف الراشي متلبسا بجريمته حيث لا يعد والحالة هذه مرتشيا أبدا، لتخلف القصد الجنائي عنده، وهو نفي الحكم فيما إذا وضع صاحب الحاجة مبلغا من النقود في درج مكتب مسؤول أو دسه في جيب معطف دون علمه فإذا ضبطت هذه النقود بالفعل بحوزته فإنه لا يعتبر مع ذلك مرتشيا لأن نيته لم تتجه إلى الطلب أو القبول أو التسلم من أجل قضاء الحاجة،
ويأخذ نفس الحكم الموظف المكره على الارتشاء إكراها ماديا حيث لا يعد قاصدا للفعل طبقا للقواعد العامة والقصد الجنائي يتخلف تماما عند الموظف الذي لم يقصد بإرادته الإتجار بوظيفته ولو أنه قام بعمل أو امتناع يدخل في اختصاصه، إذا هو تسلم مبلغا من النقود من صاحب حاجة وهو يعتقد أنه دفع المبلغ مستحق عن التزام لا علاقة له بالوظيفة فالجريمة تتخلف في هذه الصورة حتى ولو كان مقدم المبلغ قاصدا إرشاء الموظف.
ثانيا – عناصر جريمة الراشي :
جاء في الفصل 251 من مجموعة ق.ج بأن من استعمل عنفا أو تهديدا، أو قدم وعدا أو عرضا أو هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى لكي يحصل على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو على مزية أو فائدة مما أشير إليه في الفصول 243 إلى 250، وكذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون اقتراح من جانبه، يعاقب بنفس العقوبات المقررة في تلك الفصول، سواء كان للإكراه أو للرشوة نتيجة أم لا”.
فمن خلال هذا الفصل يتضح أن جريمة الراشي مستقلة عن جريمة المرتشي بحيث يمكن أن يدان الراشي وحده أو يبرأ باستقلال تام عن الموظف أو من في حكمه.ومرد ذلك كما أشرنا إليه سابقا يكمن في كون المشرع المغربي نظر إلى جريمة المرتشي بكيفية مستقلة عن جريمة الراشي.
1) صور الركن المادي :
وتتمثل في استعمال العنف أو التهديد و الإستجابة لطلب الرشوة وتقديم وعد أو عرض.
– استعمال العنف أو التهديد :
والمقصود به توليد حالة إكراه عند الموظف الغاية منها دفعه إلى مخالفة واجبات وظيفته، والمشرع في الفصل 251 لم يقم بتحديد وسائل العنف أو التهديد ولا درجتهما، ولذلك فإن هذه الصورة من صور الركن المادي في جريمة الراشي تقوم بغض النظر عن طبيعة الإكراه المستعمل على الموظف بغرض إكراهه على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل يدخل في إطار وظيفته ماديا كان هذا الإكراه أو معنويا، ويترتب عن ذلك أنه إذا كان الإكراه على القيام بعمل أو الامتناع عنه لايدخل في اختصاصه فالجريمة لا تقوم.
فالواضح أن الإكراه بالتهديد لابد وأن يكون بأمر غير مشروع كقتل الزوجة أو الطفل … إلخ، اما إذا كان هذا التهديد بأمر مشروع، لكل الناس الالتجاء إليه كاشتكاء الموظف أمام رؤسائه، أو مطالبة المحكمة بإلغاء قراره للشطط في استعمال السلطة، إن هو لم يتراجع عنه، فلا يقوم صورة من صور الركن المادي في هذه الجريمة.
وختاما نود الإشارة إلى أن هذه الصورة مكان العقاب عنها ليس جريمة الراشي، إذ كان من الأليق إدراجها ضمن المخصص لعقاب الجنايات والجنح التي يرتكبها الأفراد ضد النظام العام ، ذلك أن استعمال الإكراه من طرف أي كان من أجل إجبار الموظف على القيام بالعمل أو الامتناع عنه لا علاقة له إطلاقا بالرشوة على اعتبار أن فعل الارتشاء من جانب الموظف العام، أو من في حكمه، هو استغلال لوظيفته واتجاره فيها، وجني للربح من عمل أو امتناع كان عليه واجب القيام به بدون تلقي أي مقابل،
ومن جانب الراشي هو تشجيع للموظف العام بالإغراء، وليس بالوعد أو الوعيد أو الإكراه عموما، على جعل وظيفته تجارة تغدق عليه أرباحا بسبب ما يقدمه الراشي له من مقابل وبذلك فإذا أكره الموظف على القيام بعمل أو الامتناع عنه إكراها ماديا بالعنف الفعلي أو معنويا (بالتهديد) فإنه في هذه الحالة إذا هو نفذ بالفعل ما طلب منه فلا يعد أبدا مرتشيا لسقوط الجريمة عنه من جهة ولانتفاء أي اتجار من جانبه بالوظيفة العامة من جهة أخرى لانتفاء القصد الجنائي.
– الإستجابة لطلب الرشوة :
في هذه الصورة من صور الركن المادي لجريمة الراشي لا يقوم هذا الأخير، أي صاحب الحاجة بعرض الرشوة من نقود، أو مقابل من أي نوع كان، ولكن الموظف الذي سيقوم له بعمل أو امتناع هو الذي طلبها منه، فيقبل ذلك منه مختارا وعلى بينة من الأمر، فيعتبر والحالة هذه مرتكبا لجريمة الراشي لأنه بسلوكه الشائن قد ساعد الموظف على الإخلال بواجباته المهنية ودفعه ولو بطريق سلبي، إلى الإتجار بوظيفته التي ينبغي عدم جعلها مطية للكسب الحرام، وضرب الثقة العامة في الصميم.
على أن يكون هذا الخضوع لطلب الموظف قد جاء عن علم بطبيعة المقابل المطلوب الذي يتعين أن يكون غير واجب عليه، أما إذا هو وقع في غلط في هذه الطبيعة كأن اعتقد بأنها ضريبة تتقاضاها المصلحة العمومية التي ينتمي إليها الموظف وأداها مدفوعا بهذا الغلط، فإنه لا يعتبر مرتكبا لجريمة الراشي خلافا للموظف الذي يعتبر مرتكبا لجريمة أخرى هي جريمة الغدر.
– تقديم وعد أو عرض :
هذه الصورة تقوم على إغراء الموظف على الإتجار بالوظيفة المسندة إليه ودفعه إلى طريق الجريمة، ولذلك كان مجرد تقديم الوعد أو العرض كافيا بذاته لقيام الجريمة في جانب الراشي بغض النظر عن قبول أو رفض الموظف المختص بالعمل أو الامتناع للوعد كوعده بإسكانه في إحدى شقق عمارته، أو التوسط له عند مسؤول من أجل ترقيته أو وعده بمبلغ مالي أو العرض (كوضع ظرف يحتوي مبلغا من المال في درج مكتبه مباشرة، أو إعطاء مبلغ من النقود لوالدته أو زوجته … إلخ)
ومع ذلك ينبغي التنبيه إلى أن تقديم العرض من طرف صاحب الحاجة يجب أن يكون جادا فيه أما إن هو أراد فقط كشف الموظف أمام رجال الشرطة بقصد ضبطه متلبسا بجريمته فإنه لا يعد والحالة هذه راشيا و لا يتحقق الركن المادي في حقه تماشيا مع مضمون الفص 256-1 من ق.ج.
2) الركن المعنوي :
هذا وإذا كان النص السابق يركز بكيفية ظاهرة على الركن المادي لجريمة الراشي دون الركن المعنوي لها فإن ذلك لا يعني قطعا اعتبار هذه الجريمة (جريمة غير عمدية) لأن القصد الجنائي فيها متطلب لكونها من الجنح التي لا يعاقب عن إتيانها خطأ أبدا.
فجريمة الراشي جريمة عمدية يلزم فيها توافر القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة. أي أن الشخص يعلم بكون ما يقبل عليه من إكراه أو تهديد أو إغراء الموظف عمومي أو مستخدم من أجل القيام بالعمل أو الإمتناع عنه يعد جريمة في نظر القانون، مع اتجاه إرادته إلى تحقيق الفعل المكون لها ونتيجته ولو لم يتحقق بالفعل.
وعليه فيما يتعلق بالركن المعنوي لهذه الجريمة فحكمه يرجع إلى القواعد العامة التي تحكم القصد الجنائي عموما.
ثالثا – عقاب جريمة الرشوة :
عاقب المشرع الجنائي المغربي مرتكب الرشوة (بموجب الفصول 248 و 249 و 251 و 252 و 253 ومن ق.ج) العائدة لهذه الجريمة بعقوبات أصلية. وأخرى إضافية، وبمناسبة مراجعته لنصوص الرشوة وحذف محكمة العدل الخاصة عمد إلى تقرير عذر خاص بهذه الجريمة وذلك في الفصل 256 مكرر من المجموعة.
1) العقوبات الأصلية للرشوة :
– العقوبات الجنحية الأصلية :
ثم النص على هذه العقوبات في الفصول 248 و 249 و 251 من مجموعة القانون الجنائي.
وهكذا وعملا بمقتضيات الفصل 248 ق.ج فقد عاقب المشرع الموظف العام أو من في حكمه المرتشي بعقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم وهي نفس العقوبة التي فرضها المشرع على الراشي في الفصل 251 ق.ج.
أما إذا ارتكبت الرشوة في نطاق المقاولات الخاصة فإن العقوبة التي تطبق على الراشي والمرتشي هي عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات (الفصلان 249و 251 ق.ج) وإلى جانب العقوبة السالبة للحرية نجد المشرع قد فرض إلى جانبها، وبكيفية وجوبية غرامة مالية من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم (جريمة المرتشي الفصل 248 ق.ج) ونفس الغرامة في جريمتي الراشي والمرتشي في المقاولات الخاصة (في الفصلين 249 و 251 ق.ج).
– العقوبات الجنائية الأصلية :
رأى المشرع أن يغلظ عقوبة الرشوة ليجعل منها جناية في الحالات الآتية:
إذا كان الغرض من الرشوة القيام بعمل يكون جناية في القانون: وقد وردت هذه الحالة في الفصل 252 من مجموعة القانون الجنائي الذي يقول:”إذا كان الغرض من الرشوة أو استغلال النفوذ هو القيام بعمل يكون جناية في القانون فإن العقوبة لتلك الجناية تطبق على مرتكب الرشوة أو استغلال النفوذ”.
والملاحظ في هذا النص هو كفاية حصول الرشوة لتوقيع عقوبة الجناية التي وقع الإتفاق بصددها، وهكذا فلو اتفق عدل وآخر على تزوير في محرر رسمي في مقابل أن يأخذ هذا العدل مبلغا كرشوة، فإن المتفقان يعاقبان بعقوبة “جنائية” هي السجن المؤبد وسواء ارتكبت جريمة التزوير أو محاولتها أم لم يقع شيء من ذلك، وليس العقوبة المقررة في الفصل 248 من المجموعة،
لأن الرشوة التي حصلت كان الغرض منها ارتكاب جناية التزوير في محرر رسمي. وكذا رجال الأمن الذين يأخذون مبلغا من المال من أجل التسهيل لبعض اللصوص السرقة في محطة أو ميناء أو مطار ليلا، يعاقبون بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة بمجرد وقوع الاتفاق السابق حتى ولو عدل اللصوص عن هذه السرقة.
إذا كانت رشوة أحد رجال القضاء قد أدت إلى صدور حكم بعقوبة جناية ضد المتهم: حكم التشديد في هذه الحالة جاء في الفصل 253 من المجموعة الذي يقول: “إذا كانت رشوة أحد رجال القضاء أو الأعضاء المحلفين أو قضاة المحكمة قد أدت إلى صدور حكم بعقوبة جناية ضد متهم، فإن هذه العقوبة تطبق على مرتكب جريمة الرشوة”.
إذا كان مبلغ الرشوة يفوق مائة ألف درهم: غلظ المشرع عقوبة الرشوة في الفقرة الأخيرة من الفصل 248 ق.ج المضافة بالتعديل بالقانون 79.03 التي جاء فيها: ” إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة. “
حيث يتبين بأن المشرع غير نوع الجريمة كلما فاق مبلغ الرشوة عتبة المائة ألف درهم، فيجعلها جناية تخضع في محاكمتها لأقسام الجرائم المالية المحدثة لدى بعض محاكم الاستئناف، وليس للمحاكم الابتدائية.
2) العقوبات الإضافية :
تعرض المشرع لهذه العقوبات في الفصلين 255 و 256 من المجموعة الجنائية وهي:
– المصادرة “الفصل 255” :
جاء في الفصل 255 ق.ج بأنه: “لا يجوز مطلقا أن ترد للراشي الأشياء التي قدمها ولا قيمتها بل يجب أن يحكم بمصادرتها وتمليكها لخزينة الدولة باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفصل 1-256 أسفله. تمتد المصادرة إلى كل ما هو متحصل من ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفصول 248 و 249 و 250 من هذا القانون من أي شخص كان وأيا كان المستفيد منه”.
اعتمادا على هذا النص الذي عرف تعديلات بمقتضى القانون 79.03 يلاحظ بأن المصادرة لا تقع فقط على النقود التي تقدم رشوة كما هو الغالب وإنما تنصب على كل ما قدمه الراشي فعلا كمقابل أيا كان (عقارات، جواهر، ذهب، فضة، أسهم أو حصص في شركات… إلخ)، وبذلك لا يمكن توقيع المصادرة قانونا على أشياء يكون الراشي قد وعد المرتشي بتقديمها له، بحيث لم يتعد الأمر الاتفاق بتقديمها كمقابل للعمل أو الامتناع.
كما لا يكفي بداهة لتوقيع المصادرة على مقابل الرشوة التصريح بثبوت حيازة هذا المقابل إن فعلا وإن حكما من طرف الجاني، وإنما يلزم زيادة على ذلك أن يكون هذا المقابل قد ضبط فعلا، ولذلك إذا كان المال المقدم رشوة قد سرق أو فوت بأي تصرف أو هلك فلا يمكن الحكم بمصادرته لأنه لم يضبط.
وعلى كل حال فإن المصادرة في هذه الحالة وإن كانت وجوبية فإنها وطبقا للفصل 45 من نفس المجموعة لا تمس إلا الأموال والأشياء المملوكة للشخص الذي قدمها، أما إن كانت مملوكة لعدة ملاك على الشيوع، فإن المصادرة لا تقع إلا على نصيبه الذي يتحدد حتما بالقسمة أو التصفية عن طريق المزايدة.
– الحرمان من بعض الحقوق المشار إليها في الفصل 40 :
جاء في الفصل 256 ق.ج بأنه: “في الحالات التي تكون فيها العقوبة المقررة طبقا لأحد فصول هذا الفرع عقوبة جنحية فقط يجوز أيضا أن يحكم على مرتكب الجريمة بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر كما يجوز أن يحكم عليه بالحرمان من مزاولة الوظائف أو الخدمات العامة مدة لا تزيد عن عشر سنوات”.
والملاحظ أنه لم يقع التعرض لهذا النص بالتعديل أو التتميم كما حصل للفصل 255 السابق، وكان الأليق ربما هو أن يكون الحرمان من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 وجوبيا وليس اختياريا اعتبارا لخطورة الرشوة.
3) الإعفاء من العقاب بالنسبة للراشي :
استحدث المشرع بموجب القانون 79.03 الذي تمم وعدل بعض المقتضيات من القانون الجنائي آلية، طالما شجع على تقريرها بالنص الصريح ما تردد في كل الندوات المقامة بمناسبة البحث عن سبل أخرى جديدة تفيد في محاربة الرشوة تجسدت في إعفاء الراشي من العقاب في حدود معينة حددها الفصل 256 مكرر الذي ينص على أنه يتمتع بعذر معف من العقاب الراشي بالمعنى الوارد في الفصل 251 من هذا القانون الذي يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة، إذا قام بذلك قبل تنفيذ الطلب المقدم إليه، أو إذا أثبت في حالة تقديمها أن الموظف هو الذي طلبها وأنه كان مضطرا لدفعها”.
حيث يتضح بأن الإعفاء لا يستفيد منه غير الراشي، وهو مقيد بشرط التبليغ إلى السلطات القضائية (النيابة العامة) قبل التنفيذ، أما إذا كان قد نفذ الطلب فعليه إثبات أن ذلك كان بطلب من الموظف وأنه كان مضطرا للدفع.
وحسنا فعل المشرع عندما نص على هذا الإعفاء، لأنه في بعض الحالات يضطر الشخص لدفع الرشوة وإلا تحمل كارثة معينة أو تعطل شغله وخسر وقتا و مالا كثيرين خصوصا بالنسبة للمستثمرين، لذلك جاء هذا الإعفاء من أجل الحفاظ على مصالح الناس أولا، ثم الكشف عن من يتاجر في وظيفته أو عمله ومن يعطل مصالح المواطنين والمستثمرين مما يؤدي إلى فقدان الثقة في المصالح العامة وتخريب للإقتصاد الوطني.
رابعا – الوساطة والمحاولة في الرشوة :
لم يتحدث المشرع المغربي عن الوسيط في الرشوة رغم خطورتها، كما أضاف بتعديل خاص تجريم المحاولة في هذه الجريمة.
1) الوساطة في الرشوة :
فيما يخص الوساطة في الرشوة لم يتعرض المشرع المغربي صراحة لحكمها على الرغم من خطورتها عكس التشريعات المقارنة. ويعتبر الوسيط متدخلا في عملية الرشوة ومسهلها وهو كل شخص يتدخل بين الراشي والمرتشي ممثلا أحدهما لدى الآخر في القيام بدوره لإتمام جريمة الرشوة. ويقترب هذا العمل من المشاركة في الجريمة لذلك وجب تطبيق الفصل 129 ق.ج المتعلق بالمشاركة أمام غياب نص خاص بالوساطة في الرشوة حتى لا ينجو هؤلاء الأشخاص من العقاب، خصوصا إذا علمنا أن أغلب الرشاوى تقضى على أيديهم حيث يتربصون بالمواطنين أمام المحاكم وفي الإدارات العمومية وفي المستشفيات وغيرها من المرافق العامة مدعين أنهم سيقضون حاجاتهم لأنهم يعرفون هذا المسؤول أو ذاك وأنه يقبل الرشاوى لذلك وجب التشدد معه من أجل التقليل من جريمة الرشوة.
ويجب الإشارة كذلك أن المستفيد من الرشوة لم يحظ بدوره بالتفاتة خاصة من قبل المشرع، مع أن دوره خطير في ستر الجريمة إن لم يكن المرتشي نفسه مستفيدا فإنه قد يعين شخصا آخر للاستفادة من الرشوة، إما الزوجة أو الأخ أو الأبناء أو صديق. فإن كان هذا الشخص المستفيد عالما بكون هذا المال أو الفائدة متحصلة من رشوة وجب إخضاعه للفصل 571 من القانون الجنائي المتعلق بإخفاء أشياء متحصلة من جناية أو جنحة، كما ينبغي للمشرع أن يتدخل بنص خاص ينضاف لنصوص الرشوة يعاقب فيها خصوصا الوسيط والمستفيد من الرشوة مع تشديد عقابهما إن هو أراد مكافحة هذه الآفة الخطيرة وليتحقق التضييق على المرتشي.
2) المحاولة في الرشوة:
نعلم أن المحاولة في الجنح لا يعاقب عليها إلا بنص خاص، لذلك تدخل المشرع في جريمة الرشوة بنص خاص وهو الفصل 256- بقوله: “يعاقب على المحاولة في الجنح المنصوص عليها في الفرعين الثالث والرابع بالعقوبة المقررة للجريمة التامة”.
إلا أن بعض الفقهاء استبعد قيام المحاولة في جريمة رشوة الموظف العمومي أو من في حكمه لكونها تتحقق بمجرد صدور طلب أو قبول أو تسلم المقابل من صاحب الحاجة، لكون العلة في التجريم هي إرادة الموظف المرتشي الاتجار في أعمال وظيفته. لكن هنا يجب التمييز بين صور النشاط الإجرامي في الرشوة من أجل تقريب الفهم لإمكانية حدوث المحاولة في جريمة الرشوة خصوصا في التسلم ومثاله كمن يهم بتسلم مبلغ من المال فيحول حائل دون إتمام القبض، أما إذا تدخلت الشرطة بعد التسليم فالجريمة مكتملة رغم أن الشخص لم يبرح مكانه.
ومثال المحاولة عند الراشي، الشخص الذي يهم بدفع مقدار من المال لموظف او من في حكمه فإذا به يتراجع لاكتشافه أن المكان تحت مراقبة الكاميرات، وغيرها من الحالات التي لا يكون فيها الإحجام عن ارتكاب الجريمة إرادي.
Share this content: