جريمة الإيذاء العمدي: عناصرها، الظروف المشددة، والأعذار المخففة
يراد بالايذاء العمدي افعال الاعتداء التي يستهدف بها الجاني المس بسلامة جسم الضحية أو صحته وهي لذلك تشكل جريمة واحدة لايختلف فيها القصد الجنائي من حالة إلى أخرى، وانما يرجع تعدد النصوص التي تعاقب عليها، والأوصاف القانونية التي تكيف بها إلى الاعذار القانونية المخففة وظروف التشديد كما هو الشأن بالنسبة لباقي الجرائم بالاضافة إلى سبب آخر للتعدد خاص بها وهو تدرج العقوبة فيها بحسب درجة خطورة الضرر الذي نتج عنها للضحية.
ولذلك فإننا سنعرض أولا أركان جريمة الإيذاء العمدي، ثم نتائج الايذاء المؤثر على العقوبة أو على الوصف القانوني للجريمة، ونتبعها بالاعذار المخففة، والظروف المشددة وأخيرا المساهمة والمشاركة في جرائم الإيذاء .
أولا – أركان جريمة الايذاء العمدي :
تنحصر عناصر جريمة الايذاء العمدي في ركنين – الركن المادي والركن المعنوي:
2) الركن المادي لجريمة الإيذاء العمدي :
يتحقق الركن المادي في جريمة الايذاء بكل نشاط يترتب عنه ايذاء الضحية في جسمه أو في صحته، وقد أورد القانون للركن المادي الصور التالية : الضرب، الجرح، العنف، الايداء، اعطاء مواد ضارة بالصحة، الحرمان من التغذية أو العناية للاطفال الذين يقل سنهم عن الثانية عشرة، ترك الأطفال أو العاجزين أو تعريضهم للخطر.
لقد كانت جرائم الاعتداء على الأشخاص بما دون القتل تقتصر على الضرب والجرح ثم امتدت إلى وسائل الايذاء الأخرى التي قد لا يكون فيها مساس مادي بجسم الضحية كتهديده بسلاح أو بحيوان سام أو مفترس مثلا، وكان هذا الامتداد في دائرة أعمال الايذاء الايجابية أي التي ترتكب بنشاط ايجابي من طرف الجاني.
غير أن وقائع الحياة حملت إلى المحاكم قضايا اقتصر فيها دور الفاعل على الامتناع الذي سبب ايذاءا خطيرا للضحية، ومع ذلك اضطرت هذه المحاكم إلى الحكم بالبراءة لعدم ثبوت قيام المتهم بنشاط ايجابي ، هكذا ظهرت مرة أخرى ضرورة تجريم وسائل الايذاء السلبية على الأقل في بعض حالات خاصة.
هذا هو التصور الذي مر به التشريع الفرنسي الذي كان يقتصر في بداية الأمر على الضرب والجرح ، ثم أضاف وسائل العنف والايذاء الأخرى ثم حرمان الأطفال من التغذية أو العناية. ومن القانون الفرنسي اقتبس القانون المغربي وسائل الايذاء العمدي السالفة الذكر.
فالضرب يطلق على صدم جسم الضحية بأية وسيلة باعضاء الجاني نفسه كاليد والرجل والرأس ، أو باستعمال اداة أخرى كعصى أو حجر ، أوقطعة جلد أو ثوب أو غير ذلك من عشرات الادوات المختلفة سواء كانت صلبة أو لا، تركت اثرا على الجسم أو لم تترك شيئا.
والجرح يتحقق باصابة انسجة الجسم أو عظامه سواء في ذلك أنسجة الجلد الظاهرية أو الأنسجة الداخلية ولو بقي الجلد صحيحا كالكدمات التي تظهر للعين المجردة من تحت الجلد والاصابات الداخلية التي يتوصل اليها الطبيب بواسطة التصوير الاشعاعي أو غيره من وسائل الكشف الطبية .
والجرح ينشأ عادة عن الضرب ولكن قد يتحقق وحده دون الضرب كما في الايذاء بالاحراق مثلا، اما قطع شعر أو ظفر دون اصابة الانسجة الحية لا يعتبر جرحا، وانما يدخل في العنف والايذاء بصفة عامة، والعنف ينطبق على المساس بالضحية عن طريق استعمال القوة دون ضرب أو جرح كما في قطع الشعر والاظافر، وامساك الضحية من جسمه أو ملابسه أو تغيير اتجاه دابته أو سيارته التي يركبها بالقوة .
اما الايذاء فلفظ عام يراد به كل ما يؤذي الشخص في جسمه أو صحته سواء بالضرب أو الجرح أو العنف، أو بغير ذلك من الوسائل كالتهديد بالسلاح أو بتعريض الضحية أو شخص عزيز عليه لخطر حقيقي أو ظاهري، وتتحقق الجريمة كلما أوذي الضحية بسبب ذلك في نفسه أو صحته ولو كان الإيذاء خفيفا كما إذا تعرض لانزعاج نفسي ظاهر، أوغيبوبة ولو خفيفة.
ولكن الإيذاء الملحق هنا بالضرب والجرح والعنف لا يشمل الايذاء في الشعور أو العاطفة، ففي هذه الحالة تطبق نصوص السب والقذف وما ماثلها كالنصوص المعاقبة على التهديد والاهانة.
والوسيلة الخامسة وهي اعطاء مواد ضارة بالصحة هي مما يشمله لفظ الايذاء وانما خصها القانون ينص مستقل لأنه اعتبر الايذاء بهذه الوسيلة مكونا لظرف مشدد، فجعل منه حالة خاصة، وجريمة مستقلة عن باقي جرائم الايذاء، أما الوسيلتان السادسة والسابعة فسبب تمييزهما كذلك من الحالات العامة للايذاء هو من ناحية اعتبارهما من ظروف التشديد ومن ناحية ثانية ابعادهما صراحة عن الجدل الفقهي في موضوع امكانية أو عدم امكانية ارتكاب الجريمة الايجابية بالامتناع .
ويتبين من هذا ان لفظ الإيذاء هو المصطلح الذي يجمع جرائم الاعتداء على الجسم أو الصحة، وان لفظي الضرب والجرح احتفظ بها باعتبارهما المصطلحين الذين كانا يطلقان على هذه الجرائم، كما أن اعطاء المواد الضارة بالصحة والحرمان من التغذية أو العناية للاطفال وترك الأطفال أو العاجزين أو تعريضهم للخطر ميزها المشرع لاسباب خاصة وجعل منها جرائم مستقلة عن جرائم الضرب والجرح والعنف والايذاء.
2) الركن المعنوي لجريمة الإيذاء العمدي :
يقوم الركن المعنوي في جرائم الايذاء بتوجيه الجاني نشاطه المؤذي إلى ايذاء انسان في جسمه أو صحته، وهذا يتطلب من ناحية قيام الجاني بالنشاط المؤذي عن وعي وإرادة كما يتطلب من ناحية ثانية أن يكون عند قيامه بالفعل أو الامتناع عالما بأنه يوجه نشاطه إلى إيذاء انسان .
وهكذا لا يتوفر القصد الجنائي إذا قام الفاعل بالنشاط المؤذي بدون قصد ولا توجيه لارادته إليه كمن يسير بسيارته فتطير عجلاتها حجرا يصيب شخصا بجروح، أو من ينظف سلاحا فيمس زناده عرضا وتنطلق منه رصاصة تجرح شخصا ما ، إلى غير ذلك من الحالات التي يترتب فيها الايذاء عن نشاط غير مقصود للفاعل على أنه يمكن أن يتابع الفاعل بالتسبب في جرح أو اصابة أو مرض بغير عمد طبقا للفصل 433 من القانون الجنائي.
كما ينتفي القصد الجنائي إذا قام الفاعل بالنشاط المؤذي عن قصد ولكنه لم يوجه نشاطه إلى ايذاء شخص ما ولم يستهدف به المساس بالسلامة الجسمية أو الصحية لأحد، وإنما يرتب عليه الايذاء نتيجة جهل أو غلط أو خطأ كمن يرمي حجرا إلى مكان يجهل وجود انسان فيه فيصادف الحال وجود شخص في ذلك المكان يصيبه الحجر، والصياد يطلق النار على جسم متحرك يعتقده حيوانا فإذا به انسان يصاب بالعيار الناري ويجرح، ومن يضرب حيوانا بحجر، ولكنه يخطئ الحيوان ويصيب شخصا كان بالقرب منه، ولا ينافي عدم وجود القصد امكانية متابعته بالجرح الخطأ .
ولكنه من ناحية أخرى يتحقق القصد الجنائي بمجرد توجيه الجاني ارادته إلى ايذاء شخص ما، ولا يهم بعد ذلك نوع الايذاء الذي قصده بسيطا أو جسيما ، جرحا أو بتر عضو أو احداث عاهة ، فالقانون لا يقيم أهمية لهذا القصد الزائد، لأنه يربط العقوبة بالنتائج الضارة التي ألحقت الضحية فعلا وليس بنوع القصد الذي كان لدى الجاني وقت الاعتداء، فإذا قصد إلحاق اذى خفيفا بالضحية، ولكن هذا الأخير مات أو بتر له عضو أو لحقته عاهة ، فانه يعاقب على النتيجة التي حدثت فعلا وليس بحسب قصده.
وكذلك إذا كان يقصد بتر أحد أعضاء الضحية أو إلحاق عاهة دائمة به ولكن لأسباب خارجة عن ارادته توقف عن اتمام تنفيذ قصده ، فإنه يعاقب أيضا حسب نتائج الايذاء التي لحقت الضحية فعلا، ولا مجال هنا لتطبيق القواعد الخاصة بالمحاولة لأن مجال ذلك الجرائم التي ترتبط فيها العقوبة بالنتيجة الاجرامية المقصودة من الجاني ،
وجرائم الايذاء ليست كذلك حيث إن الجاني فيها يسأل عن النتيجة الاجرامية التي حدثت دون أي اعتبار لما إذا كانت مقصودة له أولا ، بل إن طبيعة جرائم الاعتداء تتنافى مع وجود هذا القصد ، فالجاني الذي يعتدي على الضحية بالضرب أو بالجرح أي بالعنف أو بوسائل الايذاء الأخرى ، يتعذر القول بأنه يحدد مقدما الضرر الذي سيلحق الضحية وهذا الضرر الذي يحدده قبل الاعتداء هو الذي يتحقق فعلا بعد الاعتداء، ان هذا الافتراض بعيد كل البعد عن الواقع لذلك فإن تكييف فعل الاعتداء وبالتالي العقوبة التي يستحقها لا ترتبط أبدا بقصد الجاني وإنما بالنتيجة الفعلية للاعتداء .
وقد يقوم الجاني بجرح شخص أو باستعمال العنف ضده أو بايذائه بوسائل أخرى لا بقصد الايذاء ذاته ، وانما بقصد العلاج أو التجميل مثلا ولكن دون أن يكون الفاعل مرخصا له قانونا بمارسة مثل تلك الأعمال ، كالجروح المرتكبة في الختان والفصد ، والكي ، وخلع الاسنان والوشم وأعمال التدليك التي يقوم بها أشخاص غير مؤهلين ، واعطاء مواد ضارة بالصحة ، وتعريض الضحية لدرجة مفرطة من الحرارة أو البرودة وغير ذلك من وسائل التطبيب الشعبي .
ان الذي يجري عمليا أن النيابة العامة لا تثير المتابعة إذا لم تنشأ عن هذه الأعمال مضاعفات خطيرة ، لأن هذه الوسائل من التطبيب الشعبي ما تزال منتشرة وتمارس بصورة علنية، الأمر الذي يجعلها مباحة عرفا وإن كانت النصوص المكتوبة لا تسمح بها، أما إذا نشأت عنها مضاعفات كمرض الضحية أو اصابته بعجز دائم أو عاهة أو موته ، فلا جدال في قيام الجريمة، ولكن هل تعتبر الجريمة عمدية أم غير عمدية ؟
إن الجاني قام عن قصد بفعل لا يسمح به القانون وهو يعلم أنه يمس به سلامة جسم انسان أو صحته ولذلك فإن القواعد العامة تقضي بمتابعته بجريمة ايذاء عمدية ويعاقب حسب النتائج الضارة اللاحقة بالضحية.
ولكن بما أن للخطورة الاجرامية تأثيرا مهما في المسؤولية الجنائية، فإن الفرق يبدو واضحا في هذه الخطورة بين من يقوم بأعمال الايذاء بقصد الايذاء ذاته وبين من يقوم بها لفائدة الضحية، وبرغبة منه في أغلب الحالات، ولذلك نميل إلى القول بتكييف الأفعال بالقتل الخطأ إذا نشأ عنها موت الضحية أو بالتسبب في جروح أو اصابة أو مرض بدون قصد (ف 432 و 433) وذلك لانتفاء الركن المعنوي للجريمة وهو قصد الايذاء.
ثانيا – نتائج الإيذاء المؤثرة على العقوبة أو على الوصف القانوني للجريمة :
بالاضافة إلى تغير العقوبة أو الوصف القانوني للجريمة الناتج عن ظروف التشديد وفقا للاحكام العامة ، تمتاز جريمة الإيذاء من بين الجرائم الأخرى عموما بتغير العقوبة فيها أو الوصف القانوني ، وتبعا للنتائج الضارة التي تلحق الضحية، وتبعا لهذه النتائج قسم القانون الجنائي جريمة الايذاء إلى الجرائم التالية :
– العنف أو الايذاء الخفيف (م 16 فقرة أولى من القانون رقم 42.10 المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاته).
– الضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء الذي لا ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية ، أو ينتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما (ف 400 من القانون الجنائي ).
– الضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء الذي يخلف عجزا تتجاوز مدته 20 يوما (ف 401 من القانون الجنائي).
– الضرب أو الجرح أو العنف أو الايذاء الناتج عنه فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى (ف 402 من القانون الجنائي).
– الضرب أو الجرح أو العنف أو الإيذاء الناتج عنه موت دون أن يقصده الجاني (ف 403 من القانون الجنائي ).
1) العنف أو الإيذاء الخفيف :
يعتبر العنف أو الايذاء خفيفا إذا لم يخلف أثرا في الجسم ولم يلحق بالضحية ألما، فهو أقرب إلى الاهانة والتحقير منه إلى الايذاء والعنف الجسميين كإمساك الضحية من ثوبه، أو تمزيق طرف من هذا الثوب والبصق عليه والاقتراب منه مع حركات تنبئ بالاعتداء، وتجريده من أداة أو أي منقول كان بيده أو تحت حوزته، وكل ذلك إذا لم يخلف العنف أثرا في جسم الضحية ولم يحدث له ألما ولو لوقت قصير.
و القانون الجنائي في (الفصل 608 الفقرة الأولى) يعاقب على أعمال العنف والايذاء الخفيف بالاعتقال من يوم إلى خمسة عشر يوما وغرامة من عشرين إلى مائتي درهما أو باحدى هاتين العقوبتين فقط .
2) الايذاء غير الخفيف الذي لا يخلف عجزا أو مرضا أو يخلف عجزا لا تتجاوز مدته عشرين يوما :
يقضي الفصل 400 بأن ” من ارتكب عمدا ضد غيره جرحا أو ضربا ، أو أي نوع آخر من العنف أو الايذاء سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الاشغال الشخصية ، أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما ، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة ، وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، أو باحدى هاتين العقوبتين فقط… “.
هذه الحالة هي الصورة العادية لجريمة الايذاء العمدي لأن العقوبة فيها غير مرتبطة بنتيجة معينة مما يلحق الضحية من ضرر ، فكل ما يطلب لقيامها هو توافر الركنين المادي والمعنوي.
الركن المادي هو الضرب أو الجرح أو العنف أو غيرها من وسائل ايذاء السلامة الجسمية أو الصحية للضحية، والركن المعنوي وهو قيام الجاني بذلك عن قصد وهو عالم بأنه يوجه نشاطه إلى إيذاء جسم انسان أو صحته، فإذا توفر هذان الركنان قامت الجريمة بصرف النظر عما إذا كان فعل الايذاء قد خلف مرضا أو عجزا للضحية لا يتجاوز عشرين يوما أو لم تخلف له شيئا.
والقانون قدر العقوبة في هذه الحالة بأسلوب مرن جدا حيث يصل حدها الأقصى إلى سنة حبسا 500 درهم غرامة أما حدها الأدنى فهو 200 درهم، لأن النص خول القاضي حق الاكتفاء باحدى العقوبتين،
ولا شك أن سبب هذه المرونة في تقدير العقوبة راجع إلى طبيعة الجريمة ذاتها فهي تنطبق على الايذاء الذي لم يخلف مرضا أو عجزا كما تنطبق على الايذاء الذي يخلف مرضا أو عجزا لمدة عشرين يوما، فعلى القاضي أن يراعي عند تقدير العقوبة مدى جسامة أعمال الإيذاء وخطورتها، بالاضافة إلى الظروف والملابسات الشخصية والعينية التي يراعيها في باقي الجرائم عموما والايذاء في هذه الصورة وفي الصورة التي قبلها يكون جنحة ضبطية .
3) الإيذاء الذي يخلف عجزا للضحية تتجاوز مدته عشرين يوما :
ينص الفصل 401 على أنه ” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من أنواع العنف أو الايذاء، قد نتج عنه عجز تتجاوز مدته عشرين يوما، فإن العقوبة تكون الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم …”.
إن جنحة الضرب والجرح المعاقب عليها بهذا النص والتي تكون جنحة تأديبية تتميز عن سابقتها بكونها جريمة نتيجة في حين أن الحالة المنصوص عليها في الفصل 400 تكون جريمة شكلية، لأن القانون لم يربط العقاب عليها بحصول نتيجة اجرامية معينة كما رأينا، أما الحالة المنصوص عليها في هذه الفصل 401 فإن العقاب عليها مرتبط بحصول نتيجة اجرامية وهي عجز تتجاوز مدته عشرين يوما
وبناء على ذلك فإن الجريمتين وإن كانتا تقومان معا على ركن مادي وعلى ركن معنوي أي قصد جنائي، إلا أن عناصر الركن المادي في كل من الجريمتين يختلف عنه في الأخرى باعتبار أحداهما شكلية يتكون ركنها المادي من نشاط الجاني بمفرده، والأخرى جريمة نتيجة يتكون ركنها المادي من ثلاثة عناصر، نشاط الجاني ونتيجة اجراميه ، وعلاقة سببية بين ذلك النشاط وهذه النتيجة وبما أن نشاط الجاني، والقصد الجنائي تم عرضها في الجريمة السابقة فإننا نقتصر الآن على عرض النتيجة الاجرامية والعلاقة السببية.
أ – النتيجة الاجرامية :
النتيجة الاجرامية في الجنحة المعاقب عليها بالفصل 401 هي “عجز تتجاوز مدته عشرين يوما” ، وقبل أن نتعرض للمقصود من العجز ، نود أن نشير إلى وجود اختلاف في الصياغة بين الفصلين 400 و 401 فالفصل 400 تقول (في نصها بالفرنسية) سواء لم يتسبب في مرض أو عجز ، أو نتج عنه مرض أو عجز عن العمل الشخصي. ويظهر الفرق بين النصين في كون الفصل 401 لم بتعرض للمرض كما أنها ذكرت لفظ “عجز” دون بيان، بينما الفصل 400 تعرض للمرض وللعجز عن العمل الشخصي.
ويؤخذ من هذا أن المرض يؤخذ في الاعتبار في الفصل 400 ولو كان خفيفا بل ولو كان لا يشعر به الضحية نهائيا، أما في تطبيق الفصل 401 فلا يعتبر المرض إلا إذا كان جسيما بحيث يترتب عنه العجز، فالاكتفاء بالنص على العجز في ف 401 أريد به استبعاد حالات المرض الخفيف الذي لا يرافقه عدم القدرة على العمل .
كما أن ذكر عبارة عجز عن العمل الشخصي في الفصل 400 قصد بها أن تشمل حالات عجز الضحية عن العمل الشخصي أو المهني الخاص به ، ولو كان ذلك لا يعتبر عجزا بالنسبة للشخص العادي ، كالضحية الذي يمارس رياضة العدو أو غيرها من ألعاب القوى فتسبب له الضرب أو الجرح أو العنف أو الايذاء في عدم القدرة على ممارسة رياضته بالرغم من قدرته على القيام بالاعمال العادية الأخرى.
نستخلص مما عرضناه بشأن صياغة الفصلين ومن كون الجريمة في ف 401 هي جنحة تأديبية ، أي أنها أشد خطورة من الجريمة المنصوص عليها في ف 400 ، نستخلص من كل ذلك أن المقصود بالعجز في الفصل 401 هو العجز عن العمل incapacite أي العجز عن الأعمال العادية فلا يدخل فيها العجز عن الأعمال المهنية أو الشخصية، كما لا يدخل فيها المرض الخفيف الذي لا يفقد المريض القدرة على العمل .
والطبيب هو الذي يقدر عمليا على تقدير وجود العجز عن العمل أو عدم وجوده ، وهو حين يفعل ذلك لا يكتفي ببساطة أو جسامة الاصابة أو المرض وانما يضيف إلى ذلك عدة اعتبارات أخرى كنوع المرض الذي حدث للضحية بسبب الاعتداء. ونوع ومكان الاصابة ، والحالة الصحية العامة للضحية، ومدى ونوع العلاج المطلوب ، والمضاعفات المحتملة.
ولذلك فإن العجز لا يرتبط بمدة العلاج ، أو بعدم القدرة الظاهرة على الأعمال العادية كالعجز عن بعض الحركات الجسمية مثلا ، بل أن العجز يعتبر قائما متى قرر الطب ضرورة امتناع الشخص عن العمل سواء اعتمد في ذلك العجز الظاهر أو اعتبر سببا جديا آخر كنوع العلاج الذي يجب أن يتبع ، أو نوع المرض الذي أصاب الضحية نتيجة الاعتداء عليه ، أو تفاديا لمضاعفات خطيرة مؤكدة.
فالنص لم يشترط أن يكون العجز ظاهريا ، ولذلك فإنه يطبق أيضا على حالات العجز غير الظاهر مادام ناتجا مباشرة عن الاعتداء ، ومستندا إلى مبررات جدية واضحة، ومهما يكن من أمر فإن موضوع تحديد العجز اللاحق بالضحية تحديدا سليما يتطلب توافر أمرين لا غنى عنهما :
الأول : تمتع الطبيب بضمير مهني لا ينحرف وتمسكه بشرف القسم الذي أداه قبل بدء عمله الطبي، ثم ادراكه لخطورة تقديره بالنسبة لوضعية المتهم فقد يبدو من الناحية الطبية ان تقرير العجز لمدة عشرين يوما لا يكاد يختلف عن العجز لمدة واحد وعشرين يوما، مع أنه من ناحية القانون يترتب عن رفع مدة العجز إلى واحد وعشرين يوما ، تغير نوع الجريمة، ورفع العقوبة من حبس لا يتعدى سنة وغرامة لا تتعدى خمسمائة درهم أو احدى العقوبتين فقط ، إلى حبس يصل إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى ألف درهم.
والثاني : رقابة قضائية صارمة، فبالرغم من أن التقارير الطبية تعتبر فنية يصعب على القاضي مناقشتها بمعلوماته العامة، إلا أنه مع ذلك قد وضعت المسطرة الجنائية بين يديه عدة وسائل تمكنه من استبعاد التقارير المشبوه فيها. فإذا كانت المحكمة هي التي عينت الطبيب لتحديد مدة العجز، فإنها تطلب منه أن يبين في تقريره الوقائع والمبررات التي يعتمدها في ذلك التحديد.
وخلاصة القول : ان تحديد العجز وان كانت له صبغة فنية ، إلا أنه لا يخرج بذلك عن زمرة الوقائع التي تخضع لتقدير القاضي ولاقتناعه الوجداني، لأن ضميره هو الذي يتحمل في النهاية مسؤولية العقوبة التي يصدرها. وللحفاظ على حقوق المتهم وعلى شرعية العقوبة يفرض عليه استعمال كل الوسائل التي وضعتها المسطرة الجنائية بين يديه لفحص الوقائع والكشف عن الحقيقة.
ب – العلاقة السببية :
الركن الأخير في الجريمة المعاقب عليها بالفصل 401 هو ثبوت العلاقة السببية بين أعمال العنف والايذاء الصادر من المتهم وبين العجز اللاحق بالضحية والذي تفوق مدته عشرين يوما .
وتطبق هنا القواعد العامة المتعلقة بالعلاقة السببية بين نشاط الجاني والنتيجة الاجرامية في الجرائم المادية بصفة عامة، بما في ذلك النظريات الفقهية المختلفة حول تأثير أو عدم تأثير الأسباب الأجنبية التي تؤدي مع نشاط الجاني إلى حدوث نتائج أكثر خطورة لم تكن لتحدث بذلك النشاط بمفرده. وموضع عرض هذه الأحكام والنظريات القسم العام من القانون الجنائي.
والذي يمكن قوله هنا هو أن العجز يعتبر نتيجة مباشرة لأعمال العنف ولو ساهمت في هذا العجز الظروف الشخصية للضحية كما إذا كان مريضا أو شيخا أو طفلا صغيرا، كما لا يؤثر على هذه العلاقة السببية تفاقم العجز بسبب العلاجات الطبية التي استوجبتها أعمال العنف ولو اشتملت هذه العلاجات على أخطاء مهنية بسيطة .
وأخيرا فإن إهمال الضحية للعلاج لا يقطع العلاقة السببية كذلك، ولا يعتبر دفعا جديا يستحق المناقشة ادعاء المتهم أن الضحية تعمد عدم المعالجة بقصد تعريضه لمسؤولية جنائية أشد ، لأن من المستبعد أن يعرض الضحية نفسه للخطر بهدف متابعة الجاني بجنحة تأديبية بدل جنحة ضبطية.
4) الايذاء الناتج عنه فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى :
ينص الفصل 402 على أنه ” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل العنف أو الايذاء قد نتج عنه فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة دائمة أخرى، فإن العقوبة تكون السجن من خمس إلى عشر سنوات” .
وجريمة الإيذاء هنا وإن كانت تعتبر جناية من ناحية التكييف القانوني إلا أنها تقوم على نفس الأركان التي رأيناها في جريمة الايذاء المعاقب عليها بالفصل 401، لأن كلا منهما جريمة نتيجة أو جريمة مادية يتكون الركن المادي فيها من نشاط الجاني ونتيجة اجرامية وعلاقة سببية بينهما، وكل منهما جريمة عمدية يتطلب قيامها توافر القصد الجنائي.
ولذلك فإنه لا حاجة إلى تكرار ما سبق قوله ونكتفي هنا ببيان النتيجة الاجرامية لأنها في الجريمة السابقة كانت عجز تتجاوز مدته عشرين يوما، أما في هذه الجريمة فهي العاهة الدائمة، فما المقصود بهذه العاهة ؟ .
أ – العاهة الدائمة :
مثل المشرع للعاهة الدائمة بفقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته والعمى والعور ، ولذلك تكون العاهة الدائمة هي فقد الشخص لعضو من أعضائه أو فقد منفعته، سواء كان العضو خارجيا كالأصابع والأيدي والأرجل والأذنين والشفتين والعينين، أو كان داخليا كالكليتين والعظام والمصارين وغيرها. ومثل فقد العضو كله فقد جزء منه كفقد جزء من أصبع أو شفة أو اذن، أو عظم أو مصران، كان الفقد بفعل الجاني مباشرة أو نتيجة بتره من طرف الطبيب المعالج تفاديا لمضاعفات أخطر كالتسمم أو انتقال العدوى.
و يسوى ف 402 بين الفقد المادي للعضو وبين الحرمان من منفعته كفقد العين للابصار، والاذن لحاسة السمع، وفقد العضو لحركته العادية بسبب شلل جزئي أو تقلص في العضلات نتيجة جروح أو حروق مثلا، وسواء كان الفقد للمنفعة كليا أو جزئيا كنقص حاسة السمع بالنسبة للاذن، وفقد العضو المتحرك لجزء من حركته العادية كالعنق والرموش والأيدي والأرجل والأصابع التي تفقد جزءا من حركتها أو من قوة تحملها، ومثل ذلك فقد العين لجزء من قوة الابصار.
وان كان القضاء الفرنسي يميل إلى عدم اعتبار ذلك عاهة دائمة، إلا أنه لا يبدو معقولا اعتبار فقد المنفعة الجزئية لإصبع عاهة دائمة ثم القول بأن الفقد الجزئي لمنفعة العين ليس عاهة دائمة.
ويعتبر عاهة من باب أولى فقد الذاكرة أو التعرض لنوبات عصبية والعقم، وفقد سن واحدة لا يكون عاهة لأن تعويضها بسن اصطناعية لا يبقى معه نقص يذكر في اداء مجموع الاسنان لوظيفتها، لكن فقد مجموعة من الأسنان يبدو أنه يكون عاهة دائمة ، وتعويضها بالاسنان الاصطناعية لا يعيد مجموع الاسنان قدرتها على اداء وظيفتها خصوصا اذا كان عدد الاسنان المفقودة كبيرا .والتشويه يكون عاهة دائمة أيضا خصوصا إذا كان ظاهرا وفي عضو بارز كالوجه.
ويرى بعض الفقهاء ان العاهة الدائمة إذا أكد الطبيب علاجها بعملية جراحية ولكن الضحية امتنع من اجرائها ، فإنه يجب اعتبار الجريمة كما لو نجحت العملية، أي كما لو كانت العاهة غير موجودة.
ويبدو هذا الرأي محل نظر اذ لا يمكن تبريره الا على أساس ان العملية المزيلة للعاهة حق للمتهم ، وان الضحية بامتناعه يعتبر سيء القصد ، ولكن هل هذا صحيح ؟
إن الضحية يستفيد من زوال العاهة أكثر بكثير مما يستفيده الجاني، ولذلك فإن سبب امتناعه من اجراء العملية ليس هو سوء القصد وانما هو ما يتوقعه من خطر في العملية ولو كانت غير خطيرة من الناحية الطبية، لذلك فإن قبوله أو رفضه للعملية يبقى من حقه، ومن حقه وحده يقرر هذا أو ذاك حسب مصلحته التي يراها رابحة، ومن التعسف القول إن الجاني له حق ارغام الضحية على تحمل آلام واخطار العملية، فإن امتنع اعتبرت العاهة كأنها غير موجودة .
5) الايذاء المؤدي إلى موت :
ينص الفصل 403 على أنه ” إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكب عمدا ، ولكن دون نية القتل ، ومع ذلك ترتب عنه الموت فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة … “.
هذه الجناية لا تختلف عن سابقتها من حيث الأركان التي تتكون منها وهي الركن المادي ( نشاط الجاني، ونتيجة اجرامية، وعلاقة سببية) والركن المعنوي أو القصد الجنائي الذي هو تعمد الجاني إيذاء انسان في جسمه أو صحته مع العلم بحقيقة ما يقدم عليه، فما قلناه سابقا عن هذين الركنين ينطبق عليهما هنا كذلك .
نعم إن النتيجة الاجرامية المطلوبة هنا هي موت المجني عليه، وقد اشترط الفصل 403 ان يكون الموت قد حدث دون أن يقصده الجاني، وهو شرط بدهي ، لأنه في حالة قصد القتل تكون الجريمة جناية قتل عمد، وليس مجرد عنف أدى إلى موت، وكما رأينا بالنسبة للجريمتين السابقتين، فإن النتيجة الاجرامية (وهي هنا موت الضحية) تعتبر نتيجة مباشرة لنشاط الجاني ولو انضمت إلى هذا النشاط أسباب أخرى ترجع إلى ظروف الضحية أو ظروف العلاج .
أ – متى تعتبر نتائج الايذاء لإعطاء التكييف القانوني للوقائع ؟
الجرائم الثلاثة الأخيرة من أعمال العنف والايذء لا تتحقق إلا إذا حدثت نتيجة اجرامية معينة، وهي العجز لمدة تزيد على عشرين يوما، أو عاهة دائمة، أو موت الضحية، فمتى يعتد بوجود هذه النتائج لاعطاء التكييف القانوني للجريمة ؟
إذا كانت جسامة الإصابة التي لحقت الضحية تعرضه لعجز ، تزيد مدته على العشرين يوما ، ولكن بتدخل العلاج الطبي لم يستمر العجز تلك المدة، أو إذا أصيب الضحية بعاهة كشلل جزئي أو عسر حركة عضو من الأعضاء ، ثم أجريت له عملية جراحية أو نحوها فاختفت العاهة، وعلى العكس من ذلك قد تتطور نتائج الاصابة من البساطة إلى الخطورة ، وفي كلا الحالين قد يحصل هذا التطور قبل صدور الحكم أو بعد صدوره .
في جميع هذه الحالات تكون النتيجة التي يجب أن تكيف الوقائع على أساسها هي القائمة وقت صدور الحكم ، فعلى المحكمة أن تراعي الحالة التي يوجد عليها الضحية في هذا الوقت بالذات لتقرير الوصف القانوني للجريمة ويستوي أن تكون هذه الحالة قد تحسنت أو ساءت بالنسبة لما كانت عليه من قبل .
فإذا توبع الجاني بإحداث عاهة دائمة ولكن بعد المتابعة وقبل صدور الحكم شفي الضحية منها، فإن المحكمة تدينه طبقا لإحدى الفصلين 400 أو 401 حسب مدة العجز الفعلية التي تعرض لها الضحية، أما إذا صدر الحكم فإنه لا يلتفت إلى ما يحدث بعد ذلك سواء كان ما حدث لمصلحة المحكوم عليه أو ضده، فإذا اختفت العاهة بعد الحكم، تعذر على المحكوم عليه طلب مراجعة الحكم لمحاكمته على الجريمة بوصفها الأخف بعد اختفاء العاهة.
وكذلك إذا تفاقمت النتائج كما إذا حدثت العاهة أو مات الضحية بعد الحكم فإنه لا يحق للنيابة العامة ان تتابعه بالوصف الجديد الذي تحقق بعد صدور الحكم. وإذا امتنعت اعادة المتابعة في حالة الحكم بالبراءة أو الاعفاء ، فان نفس الحكم يسري بالأولوية في حالة الحكم بالادانة ، لأن اعادة المحاكمة في هذه الحالة الأخيرة يؤدي إلى عقاب المتهم مرتين على فعل واحد، وهي نتيجة غير مقبولة قطعا.
والمقصود بالحكم الذي تحدد نتيجة الايذاء بوقت صدوره هو الحكم الصادر من محكمة الموضوع. فالمحكمة الابتدائية تكيف الوقائع على أساس حالة الضحية يوم اصدارها للحكم وكذلك تفعل الغرفة الجنحية وغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف والمحاكم الاستثنائية.
ثالثا – الاعذار المخففة في جرائم الايذاء العمدي :
تعرض القانون الجنائي في الفصول من 416 إلى 421 لحالات من الاعذار القانونية المخففة في جرائم الجرح والضرب .
وقد تعرضنا لثلاث حالات منها عند الكلام على جريمة القتل (شاهد المقال) ، وهي المنصوص عليها في الفصول 416 و 417 و 418 وتتضمن حالات الجرح أو الضرب المرتكب في حالة الاستفزاز، أو لدفع تسلق أو كسر نهارا ، أو الذي يرتكبه الزوج أثناء مفاجأته لزوجته متلبسة بجريمة الخيانة الزوجية .
وبالاضافة إلى ذلك نص الفصل 419 على توفر العذر المخفض للعقوبة في جناية الخصاء (عاهة دائمة) اذا ارتكبت فورا نتيجة هتك عرض انسان بالقوة، وظاهر من النص أن العذر يتوفر إذا ارتكبت الجناية عقب الانتهاء مباشرة من هتك العرض أي في الوقت الذي يكون فيه الضحية أو غيره ما يزال في حالة تأثر وانفعال بتصرف الهاتك للعرض بالقوة .
فإذا مضت فترة على الانفعال الناتج عن هتك العرض انتفى العذر أما إذا ارتكب الخصاء أثناء المس بالعرض وقبل الانتهاء منه فيكون المرتكب في حالة دفاع شرعي وليس في حالة عذر مخفف فقط، لأن دفع هتك العرض مع العنف يدخل في حالات الدفاع عن النفس.
والنص يقول ” إذا ارتكبت نتيجة هتك عرض انسان بالقوة” ، فيستوي أن يكون المرتكب هو الضحية نفسه أو أي شخص آخر كزوج الضحية أو أبيه أو أخيه مثلا، وهتك عرض انسان يشمل الذكر والانثى ، فتدخل حالة اغتصاب المرأة في هذا العذر أيضا لأن هتك العرض يشمل الجنسين معا كما أكد ذلك الفصلين 484 و 485 .
والفصل 420 تقرر العذر المخفف في “جرائم الجرح والضرب دون نية القتل حتى ولو نشأ عنها الموت، إذا ارتكبها رب أسرة على أشخاص فاجأهم بمنزله وهم في حالة اتصال جنسي غير مشروع”. إن العذر في هذه الحالة مقرر بسبب الاستفزاز الذي تحدثه الجريمة المرتكبة داخل المنزل العائلي، بالاضافة إلى الدفاع عن سمعة العائلة .
ولذلك فإن تخصيصه برئيس العائلة يبدو مجرد تقليد من القانون المغربي، فهل الأخ مثلا إذا فاجأ أخته متلبسة بجريمة عرض داخل المنزل، يختلف انفعاله وحقه في الدفاع عن سمعة العائلة بحسب ما إذا كان هو رئيس العائلة أو اذا كان أبوه ما يزال هو رئيس العائلة ؟
أما العذر المنصوص عليه في الفصل 421 فلا يبدو مفهوما ، فهذا النص يقضي بأنه ” يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم الضرب والجرح إذا ارتكبت ضد شخص بالغ عند مفاجأته متلبسا بهتك أو بمحاولة هتك عرض بعنف أو بدون عنف، على طفل دون الثامنة عشرة”.
والواقع أن مرتكب الجرح أو الضرب في هذه الصورة يكون في حالة دفاع شرعي ، لأن وجود العنف أو صغر الضحية الذي يكون هتك العرض خطرا على سلامته، تتحقق معه حالة الدفاع عن النفس .
ولعل المشرع قصد حالة هتك العرض بدون احداث جروح أو آفات جسمية فتكون الجريمة المتلبس بها مجرد هتك عرض ، والقانون لا يقرر الدفاع الشرعي عن العرض ، ولكن هذا غير مقبول ، فالاعتداء على العرض وان كان لا يحول حق الدفاع الشرعي ، إلا أنه إذا كان مرفقا بعنف أو كان يشكل خطرا على السلامة الجسمية أو الصحية للضحية ، فإن الدفاع يكون اذ ذاك على النفس وليس على العرض بمفرده .
ولذلك تبقى حالة واحدة يمكن أن تطبق فيها الفصل 421 وهي حالة مفاجأة الجاني عقب انتهائه مباشرة من جريمة هتك العرض فيكون هذا الفصل مماثل للفصل 419 ، ولا شك أن هذا التفسير لا يبدو واضحا من صياغة الفصل 421 ، غير أن القواعد العامة تلجئنا اليه والا انتهينا إلى نتيجة شادة لا يقبلها منطق.
فلو تمسكنا بظاهر الفصل 421 لإمتنع التدخل على الشخص الذي يستغيث به الضحية ضد من يمس بعرضه بالقوة ولو تدخل وحال دون اتمام الجريمة لتوبع جنائيا ويتمتع فقط بالعذر المخفف، وهذا يتعارض مع الاحكام المتعلقة بالدفاع الشرعي ومع الفصلين 430 و431 المتعلقين بعقاب من امتنع عن التدخل للحيلولة دون وقوع جناية أو جنحة ماسة بالسلامة البدنية للاشخاص أو لمساعدة شخص في خطر.
رابعا – الظروف المشددة في جرائم الايذاء العمدي :
شدد المشرع عقوبة جرائم العنف والايذاء لأسباب متعددة ترجع إلى خطورة الجاني ، أو إلى صفة فيه ، أو في المجني عليه ، أو إلى الوسائل المستعملة للاعتداء .
1) الظروف الراجعة إلى خطورة الجاني :
نجد من هذه الوسائل سبق الاصرار والترصد ، وقد رأيناهما باعتبارهما ظرفين مشددين في القتل العمد، ولهما نفس المفهوم القانوني في جرائم الايذاء.
وقد نص على اعتبارهما ظرفين مشددين في جرائم الضرب والجرح وباقي وسائل الايذاء ، الفصول 400 و 401 و 402 و 403 و 404 التي تضمنت كيفية رفع العقوبة فيها عند توفر احدهما
2) الظروف الراجعة إلى صفة في الجاني :
نصادف من بين الحالات التي تشدد فيها العقوبة بسبب صفة في الجاني الحالات التي يتصف فيها الجاني بإحدى الصفات التالية:
– صفة موظف عمومي: فقد نص الفصل 231 على أن ” كل قاض أو موظف عمومي أو أحد رجال أو مفوضي السلطة أو القوة العمومية يستعمل أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب قيامه بها العنف ضد الاشخاص أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي يعاقب على هذا العنف على حسب خطورته، طبقا لأحكام الفصول 401 إلى 403 مع تشديد العقوبات على النحو الآتي:
إذا كانت الجريمة جنحة ضبطية أو تأديبية فإن العقوبة تكون ضعف العقوبة المقررة لتلك الجنحة.
إذا كانت جناية معاقبا عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى خمس عشرة سنة
إذا كانت جناية معاقبا عليها بالسجن من عشر إلى عشرين سنة فإن العقوبة تكون من عشرين إلى ثلاثين سنة”.
– صفة كون الجاني أصلا للمجني عليه أو له سلطة عليه ، أو مكلفا برعايته في جرائم الضرب أو الجرح أو الحرمان من التغذية أو العناية المرتكبة ضد طفل يقل عمره عن الثانية عشرة (الفصل 411 من القانون الجنائي ).
– صفة كون الجاني أحد أصول المجني عليه أو فروعه، أو زوجه أو المستحق في ميراثه أو من له سلطة عليه أو المكلف برعايته، اذا كانت وسيلة الاعتداء مادة ضارة بالصحة (الفصل 414 من القانون الجنائي ) .
– صفة كون الجاني أصلا للمجني عليه أو له سلطة عليه ، أو مكلفا برعايته في جرائم الترك أو التعريض للخطر المرتكبة ضد الأطفال أو العاجزين عن حماية أنفسهم بسبب حالتهم الجسمية أو العقلية (الفصل 460 من القانون الجنائي).
3) الظروف الراجعة إلى صفة في المجني عليه :
من هذه الحالات إذا كان المجني عليه موظفا عموميا، وقد تعرض الفصل 267 لكيفية رفع العقوبة في هذه الحالة.
ومنها كذلك كون المجني عليه يقل سنه عن اثني عشر عاما (ف 408 و410 و409 من القانون الجنائي).
4) الظروف الراجعة إلى وسيلة الإيذاء :
تشدد العقوبة إذا ارتكب الضرب أو الجرح أو العنف أو غيره من وسائل الإيذاء باستعمال السلاح (ف 400 و 401 و 402 و 403 و 404) والسلاح عرفه الفصل 303 من ق. ج كما يلي ” يعد سلاحا في تطبيق هذا القانون، جميع الأسلحة النارية والمتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات أو الأشياء المواخرة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة”.
ومن وسائل الاعتداء التي اعتبرها القانون ظرفا مشددا استعمال الجاني المواد الضارة بالصحة، فقد نص الفصل 413 على أنه ” يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من سبب لغيره مرضا أو عجزا عن الأشغال الشخصية، بإعطائه عمدا، وبأية وسيلة كانت بدون قصد القتل مواد تضر بالصحة. فإذا نتج عن ذلك مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية تتجاوز مدته عشرين يوما فعقوبته الحبس من سنتين إلى خمس سنوات”.
ويتعين ان تعطى بقصد الاضرار بصحة الضحية، فلا جريمة إذا أعطيت بدون قصد أو مع الجهل بصفتها الضارة، أما إذا أعطيت بقصد احداث الموت فتطبق الأحكام الخاصة بجريمة القتل العمد ومحاولتها.
ولا بد أخيرا من حدوث احدى النتائج الاجرامية الواردة في الفصل 413، فالجريمة هنا مادية وليست شكلية، ولذلك اذا لم تحدث المواد أي مرض أو عجز للضحية تعذرت متابعة الفاعل ولو كان قاصدا احداث عاهة كالعقم وفقد البصر مثلا. لأن الجريمة المقصودة هنا وان كانت جناية الا أن وصفها هذا لا علاقة له بقصد الجاني وانما هو مرتبط بحدوث العاهة فعلا كما سنرى بعد قليل عند الكلام على المحاولة في جرائم الايداء العمدية.
خامسا – المحاولة في جرائم الإيذاء العمدي :
اذا كانت جريمة الإيذاء معاقبا عليها بعقوبة جنحية فلا محاولة فيها لأن القانون لم ينص صراحة عليها، ومحاولة الجنحة لا يعاقب عليها إلا إذا وجد نص صريح، وكذلك إذا كانت الجريمة هي العنف أو الايذاء الناتج عنه موت دون أن يقصده الجاني، فإن المحاولة فيها غير ممكنة لانعدام قصد الجاني فيها ازهاق روح الضحية، وتبقى بعد ذلك صورة واحدة قابلة للجدل وهي حالة ما إذا قصد الجاني احداث عاهة دائمة، ولكن حالت أسباب اجنبية عن ارادته دون اتمام تنفيذها .
فجريمة احداث العاهة تعتبر جناية والفصل 114 ينص على أن ” كل محاولة ارتكاب حناية بدت بالشروع في تنفيذها أو باعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها اذ لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن ارادة مرتكبيها تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة”.
ومقتضى هذا المبدأ العام أن من يقصد احداث عاهة بالضحية ثم يخفق في تحقيق هدفه يتابع بمحاولة جناية احداث العاهة ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفصل 402 والنصوص الأخرى الخاصة المتعلقة باحداث عاهة نتيجة اعطاء مواد ضارة بالصحة أو الحرمان من التغذية أو العناية أو الترك أو التعريض للخطر.
مثلا أن يحاول الجاني استئصال عضو من أعضاء الضحية، أو يعطيه مادة بقصد احداث العقم له أو فقده لحاسة السمع أو البصر مثلا، ولكن النتيجة لا تتحقق اما بسبب توقيف الجاني عن اتمام استئصال العضو أو بسبب عدم احداث المادة الضارة بالصحة الأثر المتوخى منها، وبهذا الرأي يقول بعض الفقهاء فعلا، ولكنه يبدو رأيا لا يستند إلى مبرر قانوني مقبول.
حقيقة إن القواعد العامة المتعلقة بالمحاولة وكذلك مراعاة للخطورة الاجرامية للجاني يؤديان إلى القول بالعقاب عن محاولة احداث العاهة، ولكن النصوص القانونية التي تعاقب على هذه الجناية لا تسمح بذلك. فهذه النصوص وباقي النصوص التي تعاقب على جرائم الايذاء عموما تعاقب على النتيجة التي تنتج عن أعمال الايذاء، أي سواء كانت مقصودة للجاني أو غير مقصودة له.
فالمشرع ربط العقاب بالنتيجة التي تحدث فعلا بصرف النظر عما يكون في قصد الجاني عند قيامه بالاعتداء المتعمد، أي إنه استبعد القصد الخاص من عناصر جريمة احداث العاهة، ولم يدخل في هذه العناصر إلا القصد العام وهو تعمد القيام باعمال الاعتداء مع العلم بكونها موجهة ضد سلامة جسم انسان أو صحته، ثم حدوث هذه العاهة فعلا.
وإذا كان عنصر القصد الخاص مستبعدا بنص القانون في الجريمة التامة لاحداث العاهة، فكيف نقول – عن طريق الاجتهاد ان هذا القصد الخاص يدخل في عناصر جريمة احداث العاهة عندما تكون في صورة محاولة .
إن جناية القتل العمد مثلا أو جناية السرقة يعاقب على محاولتها لأن القصد الذي يعتد به لقيام المحاولة داخل كذلك في عناصر الجريمة التامة، فالقتل العمد يدخل في عناصره قصد الجاني ازهاق روح انسان فإذا تحقق هذا القصد لدى الجاني وشرع في التنفيذ تحققت المحاولة، وكذلك جناية السرقة يدخل في عناصرها القصد العام وهو تعمد الاستيلاء على مال منقول مملوك للغير، فإذا تحقق هذا القصد لدى من بدأ في التنفيذ قامت محاولة السرقة بالنسبة اليه .
أما في جناية احداث العاهة فإن القانون استبعد بنص صريح القصد الخاص أي توجيه الجاني نيته إلى احداث العاهة، فهو يعاقب عليها عندما تحدث سواء كانت مقصودة له أم غير مقصودة كما إذا كان ينوي مجرد تأديب الضحية أو احداث ألم بسيط لديه.
وإذا استبعد القصد الخاص من عناصر جناية احداث العاهة تعذر اعتماده ركنا من أركان قيام المحاولة فيها ، لأن أركان الجريمة وعناصرها يحددها القانون ولا سبيل للاجتهاد لاضافة عناصر لم ينص عليها المشرع سيما إذا كانت هذه الاضافة ضد المتهم.
ولو أراد المشرع الاعتداد بالقصد الخاص في جناية العاهة الدائمة لإشترط في العقاب عليها عند حدوثها فعلا أن تكون مقصودة للجاني وفي هذه الحالة تكون محاولتها معاقبة بلا شك. ولكن مادام العقاب عليها مرتبطا بحدوثها الفعلي سواء كانت مقصودة من الجاني أم لا، فإن محاولتها غير متصورة فهي من هذه الناحية كالجرائم غير العمدية التي لا محاولة فيها لارتباط العقاب فيها بالنتيجة لا بالقصد الاجرامي لدى الجاني.
ومن الأكيد أن هذا هو السبب الذي حمل المشرع على عدم النص على عقاب المحاولة في جرائم الايذاء الجنحية، إذ لو كان يعترف بوجود المحاولة فيها لنص صراحة على عقابها، فلا يعقل ان يعاقب على محاولة جنح السرقة والنصب ولا يعاقب على محاولة جرائم الاعتداء على الأشخاص .
سادسا – المساهمة والمشاركة في جرائم الإيذاء العمدي :
إن تدرج العقوبة في جرائم الإيذاء مرتبط كما سبق القول بمدى الضرر الذي يحدث للضحية ، ولا جدال في أن هذا الضرر يعتبر واقعة مادية داخلة في عناصر الركن المادي للجريمة، ومادام الضرر المؤثر على العقوبة، يكون ظرفا ماديا أو عينيا، فإن أثره يسري على جميع المساهمين والمشاركين في الجريمة طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 130.
هذا حكم واضح لا نقاش فيه، ولكن المشكل العملي في جرائم الايذاء ليس هو سريان أو عدم سريان ظرف الضرر المؤثر على العقوبة على جميع المساهمين أو المشاركين، وإنما هو في معرفة المساهم من جهة، والتمييز بينه وبين الشريك من جهة ثانية، فالمساهم كما يعرفه الفصل 128 هو ” الذي يرتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي للجريمة” غير أن هذا التعريف يسهل تطبيقه على الجرائم التي تستمد تكييفها من القصد الاجرامي للجاني والأعمال المادية التي يقوم بها تنفيذا لذلك القصد، كجرائم القتل العمد والتسميم والسرقة والنصب وغيرها.
أما جرائم الايذاء فإن الأمر فيها يختلف لأن تكييفها القانوني مرتبط بالضرر الذي يلحق الضحية لا بقصد الجاني وأعماله التنفيذية فضرب الضحية بعصا مثلا لا يستمد تكييفه القانوني من قصد الجاني ولا من عدد أو نوع الضربات، وإنما يستمد هذا التكييف من النتيجة التي تحدث فعلا، أي من الضرر الذي يلحق الضحية من ذلك الضرب فتبعا لهذا الضرر قد يتابع الضارب بجنحة ضبطية (ف 400) أو جنحة تأديبية (ف 401) أو جناية إحداث عاهة (ف 402) أو جناية الضرب والجرح المؤدي إلى الموت دون نية احداثه (ف 403).
وبسبب هذه الميزة التي تتميز بها جرائم الايذاء فيما يرجع إلى تكييفها القانوني فإن تحديد المساهم فيها يثير المناقشة فهل هو المساهم في أعمال الاعتداء ، أم هو المساهم في ذات الاصابة أو الاصابات التي نتج عنها الضرر اللاحق بالضحية لأن هذا الضرر هو الذي أعطى التكييف القانوني للوقائع أما الذي ساهم في الاعتداء فقط فيعتبر مشاركا لا مساهما ؟
1) المساهمة في جرائم الايذاء العمدي :
إذا تعدد الفاعلون في جرائم الإيذاء فإن الواقعة لا تخرج عن احدى الافتراضات الثلاثة التالية :
– أن يتم الاعتداء بعد تواطؤ واتفاق سابق بين المعتدين .
– أن يقوم كل فاعل بالاعتداء بصورة انفرادية ودون علم بباقي المعتدين.
– أن يوجد الفاعلون مجتمعين صدفة وقت الاعتداء فيساهمون فيه جميعا أو يبدأ أحدهم الاعتداء ويحضر فاعلون آخرون لمساعدته دون أن يكون بينهم اتفاق سابق على الجريمة.
أ – تعدد الفاعلين بعد تواطؤ على الاعتداء :
في هذه الحالة يعتبر جميع المتواطئين مساهمين في ارتكاب الجريمة، ولذلك فإنهم يسألون عنها دون تمييز بين من كانت إصابته هي السبب فيما لحق الضحية من عجز أو عاهة أو موت وبين غيره، سواء عرف صاحب الاصابة أو لم يعرف بشرط أن يكون كل المتواطئين قد قاموا فعلا بعمل ينطبق عليه تعريف المحاولة أي ” البدء في التنفيذ أو عمل لا لبس فيه يهدف مباشرة إلى ارتكاب الجريمة المقصودة” كما اذا بدأوا فعلا في الاعتداء على الضحية أو على الأقل ترصدوا للهجوم عليه.
أما إذا لم يقم المتواطئ بعمل يعتبر محاولة فلا يسأل كمساهم كما إذا اتفق على الاعتداء ثم لم يحضر عند وقوعه، حتى ولو كان قد قام ببعض الأعمال التحضيرية كتهييئ السلاح مثلا.
لذلك فإن مسوولية جميع الفاعلين في هذه الحالة مشروطة بشرطين :الأول وجود التواطئ والاتفاق بينهم على الاعتداء، والثاني قيام المتواطئ بأعمال تكون شروعا في التنفيذ، فإذا تحقق هذان الشرطان سئل جميع الفاعلين باعتبارهم مساهمين لا فرق بين من ألحق منهم بالضحية الاصابة المكونة للجريمة وبين من الحق به اصابة أخف أو من لم يلحق به شيئا، عرف صاحب الاصابة المكونة للجريمة أو لم يعرف.
ب – تعدد الفاعلين مع عدم علم بعضهم بالبعض الآخر :
تتحقق هذه الصورة في حالة تربص شخصين مثلا للضحية ولكن دون أن يعلم أحدهما بالآخر فيقومان بالاعتداء عليه بصفة انفرادية دون تعاون أو مساعدة كأن يطلق كل منهما على الضحية عيارا ناريا أو يبدأ أحدهما بالاعتداء ويوقف الآخر عند البدء فيه، في هذه الصورة يعتبر كل من الفاعلين مسؤولا بصفته فاعلا وحيدا، لذلك لا يسأل أي واحد منهما إلا على ما صدر منه من أعمال العنف والايذاء .
فإذا عرفت آثار اصابة كل واحد منهما سئلا كل حسب نتائج اصابته، أما إذا لم يعلم منهما صاحب الاصابة التي ترتب عليها العجز أو العاهة أو الموت، أو كانت احدى هذه النتائج ترتبت عن الاصابتين معا دون أن تستقل أي منهما بها ، فإن الفاعلين يسألان عن جنحة العنف أو الايذاء المعاقب عليه بالفصل 400 لأنها الجريمة المحققة في فعل كل واحد منها.
وفي حالة إصابة الضحية بنشاط أحد الفاعلين فقط، دون أن يعلم من هو صاحب الاصابة، يصدر الحكم بالبراءة بالنسبة اليهما معا، تفاديا لإدانة البرئ منهما .
ج – تعدد الفاعلين دون اتفاق سابق ومع علم بعضهم ببعض عند وقوع الاعتداء :
تتحقق هذه الصورة عندما يوجد مثلا عدة أشخاص صدفة في مكان ما، فتعرض حادثة تدفع فريقا منهم على الاعتداء على فريق آخر أو على شخص واحد ، أو عندما يبدأ الجاني في الاعتداء ويحضر أحد أقاربه فيقوم بمساعدته ضد الضحية، هذه الحالة كالتي قبلها يسأل كل واحد من الفاعلين عن نتائج اعمال العنف الثابتة ضده شخصيا حسب التفصيل الذي رأيناه في الصورة السابقة لأن انتفاء الاتفاق تتعدم معه المساهمة – فلا يعتبر الفاعلون مساهمين، بل كل منهم فاعل وحيد.
ولا شك أن هذا الحل يبدو غير سليم إذ في الغالب من الحالات لا تهتدي المحكمة إلى صاحب الاصابة ، التي الحقت العجز أو العاهة أو الموت بالضحية فتضطر إلى الحكم بالبراءة، وتبقى الجريمة غير معاقبة، وتفاديا لذلك نص المشرع في الفصلين 405 و 406 على عقوبة خاصة لكل من يساهم في مشاجرة أو عصيان أو تجمع ثوري ارتكب اثناءه عنف أفضى إلى موت أو ضرب أو جرح أما الرؤساء والمنظمون والمديرون والمحرضون على المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري، فيعاقبون كما لو كانوا هم الذين ارتكبوا العنف.
فالمحكمة حتى إذا لم تستطع التعرف على صاحب الاصابة يمكنها من جهة ان تدين بها الرؤساء والمنظمين والمديرين والمحرضين، ومن جهة ثانية تطبق العقوبة الخاصة المنصوص عليها في الفصلين على كل من ساهم في المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري .
2) التمييز بين المساهم وبين المشارك عند تعدد الفاعلين :
اذا قام شخص بأمر مرتكب العنف أو بتحريضه أو بمساعدته طبقا للفصل 129 ، فإنه يعتبر شريكا لهذا الفاعل الأصلي ولا جدال في هذا، وانما الذي نقصد بهذا العنوان على الخصوص هي حالة اتفاق شخصين أو أكثر على الاعتداء على الضحية، حيث يتأرجح الحكم فيما بعد بين اعتبارهم مساهمين أو مشاركين.
وقد رأينا أنه يعتبر مساهما منهم كل من قام تنفيذا للاتفاق بأعمال ينطبق عليها وصف المحاولة على الأقل، وبناء على ذلك يكون من لم يقم منهم بهذه الأعمال شريكا للقائمين بالتنفيذ باعتباره محرضا أو مساعدا أو معينا على الأعمال التحضيرية أو المسهلة لارتكاب الجريمة طبقا للفقرتين الأولى والثانية من الفصل 129.
وكل هذا ما لم يتحقق في المتواطئ الذي لم يقم بأعمال تنفيذية وصف الرئيس أو المنظم أو المدير أو المحرض على المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري، اما إذا تحقق فيه وصف من هذه الأوصاف فيتابع كالفاعل الأصلي وإن لم يقم بعمل تنفيذي أو يوجد في مكان الجريمة وقت ارتكابها.
ولا شك أن ذكر الفصلين 405 و 406 للمحرض يسمح للمحكمة بتطبيق عقوبة الجريمة المرتكبة على كل من ثبت تواطؤه على ارتكابها لأن مجرد الاتفاق والتواطؤ على الجريمة يكون تحريضا عليها نظرا لما يحدثه الاتفاق من الاندفاع والاقدام على ارتكابها.
Share this content: