قواعد تنظيم عمل الهيئات القضائية

أولا // افتتاح السنة القضائية بمجموع محاكم المملكة:

تنص المادة 8 من ظهير التنظيم القضائي على ما يلي ” تبتدئ السنة القضائية في فاتح يناير وتنتهي في 31 ديسمبر من كل سنة. تفتتح السنة القضائية تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك أو بإذن منه بمحكمة النقض أو بأي مكان آخر يحدده جلالته، في جلسة رسمية في بداية شهر يناير من كل سنة.

يتولى كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، خلال هذه الجلسة، التعريف بالنشاط القضائي لمحاكم المملكة، وبعمل محكمة النقض ونشاطها برسم السنة المنتهية، وكذلك بالبرامج القضائية التي تقرر تنفيذها خلال السنة الجديدة التي يجري افتتاحها.

يعطي الرئيس الأول لمحكمة النقض، بهذه المناسبة، انطلاقة افتتاح السنة القضائية في كافة المحاكم. عندئذ يترأس الرئيس الأول لكل محكمة من محاكم الدرجة الثانية، خلال شهر يناير جلسة رسمية لافتتاح السنة القضائية على صعيد دائرة نفوذها، ويحضر هذه الجلسة الوكيل العام للملك بالنسبة لمحاكم الاستئناف، وبالنسبة لمحاكم الاستئناف التجارية الوكيل العام للملك لديها “.

تحدد هذه المادة في فقرتها الأولى تاريخ افتتاح السنة القضائية بجميع محاكم المملكة في الأول من يناير من كل سنة، وتاريخ اختتامها في نهاية شهر ديسمبر من نفس السنة.

ويقصد بالسنة القضائية الفترة الزمنية الممتدة على مدى اثني عشر شهراً من العمل القضائي في المحاكم المغربية بمختلف درجاتها وأصنافها، وتعد مرآة لقياس مدى تحقيق الإنجازات وتنفيذ السياسة القضائية والتوجهات العامة التي يتم الإعلان عنها خلال افتتاحها.

وتفتتح السنة القضائية، من حيث المبدأ، تحت الرئاسة الفعلية وبالحضور الشخصي لجلالة الملك، بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وفقاً للفصلين 56 و 115 من الدستور والمادة 3 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما يمكن أن تفتتح السنة القضائية بناءً على إذن من جلالته في حالة عدم تمكّنه من افتتاحها شخصياً.

ويتم افتتاح السنة القضائية بشكل أساسي في محكمة النقض باعتبارها أعلى هيئة قضائية في المغرب، وذلك لما لها من قيمة رمزية كبيرة في النظام القانوني والقضائي المغربي ولدورها البارز في الإشراف على محاكم الموضوع وتوحيد التوجهات والاجتهادات القضائية. كما يمكن عقد الافتتاح في أي مكان آخر يحدده جلالة الملك إذا رأى أن هناك فائدة عملية أو رمزية في عقده في ذلك المكان.

ويتم تحقيق افتتاح السنة القضائية من خلال عقد جلسة رسمية في الأيام الأولى من شهر يناير من كل سنة، يترأسها جلالة الملك شخصياً في حال توليه الافتتاح الفعلي، أو الرئيس الأول لمحكمة النقض إذا أُذن له بذلك. ويحضُر الجلسة المستشارون والمحامون العامون بمحكمة النقض، كما يتم استدعاء المسؤولين القضائيين من مختلف محاكم المملكة لحضورها.

كما يمكن استدعاء بعض الشخصيات والمسؤولين لحضور هذه الجلسة، مثل رئيس الحكومة ورئيسي غرفتي البرلمان، بالإضافة إلى بعض الوزراء الذين يرتبط تدبير قطاعاتهم بمجال العدل، مثل الوزير المكلف بالعدل، والوزير المكلف بحقوق الإنسان، أو أي وزير آخر. كما يتم دعوة رؤساء بعض الهيئات الوطنية ذات الصلة، وكذلك كل من قد يكون لحضوره فائدة عملية أو رمزية أو شرفية، مثل فقهاء القانون وأساتذة الجامعات.

وتُفتتح هذه الجلسة باسم جلالة الملك، بعد جلوس رئيس الجلسة على المنصة إلى جانب الهيئة القضائية التي تنظر في قضايا الغرف مجتمعة، بالإضافة إلى الوكيل العام للملك والمحامي العام الأول. ويشغل مقعد كتابة الضبط الكاتب العام لمحكمة النقض أو من ينوب عنه في حال تعذر حضوره.

خلال هذه الجلسة، يتولى كل من الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك إلقاء كلمة افتتاحية أمام الحضور، حيث يعرض كل منهما دور محكمة النقض ووظيفتها، بالإضافة إلى الإنجازات القضائية المحققة خلال السنة القضائية المنصرمة. يشمل ذلك التعريف بالأوراش المفتوحة، وتطوير الإدارة القضائية، وتحسين ظروف العمل والبت في الملفات، فضلاً عن الانفتاح والتواصل، فضلا على ما يمكن أن تحققه على مستوى دعم العمل الفقهي والقضائي، مع الإشارة إلى دور القضاة والمسؤولين القضائيين الذين ساهموا في تنفيذ توجهات المحكمة وتحقيق الأهداف التي تم تحديدها مسبقاً.

وخلال هذه الكلمة الافتتاحية، يتم أيضاً عرض التعريف بالنشاط القضائي لمحاكم المملكة، سواء كانت عادية أو متخصصة، بالإضافة إلى استعراض عمل محكمة النقض ونشاطها خلال السنة المنتهية. كما يتم التطرق إلى البرامج القضائية التي تم الاتفاق على تنفيذها خلال السنة الجديدة التي يتم افتتاحها.

وبمناسبة افتتاح السنة القضائية، يعطي الرئيس الأول لمحكمة النقض الإشارة لبدء السنة القضائية على المستوى المحلي في جميع محاكم المملكة، وذلك على مستوى كل دائرة استئنافية. يتم ذلك من خلال عقد جلسة رسمية خلال شهر يناير، يرأسها الرئيس الأول لكل محكمة من محاكم الدرجة الثانية، بحضور الوكيل العام للملك إذا كانت محكمة استئناف عادية، أو الوكيل العام للملك لدى محاكم الاستئناف التجارية بالنسبة لهذه الأخيرة. كما يحضر الجلسة المسؤولون القضائيون، رؤساء الغرف والأقسام، وقضاة المحاكم التابعة لها إذا لزم الأمر. ويُستدعى أيضاً المسؤولون المحليون للسلطة المحلية والإدارات العمومية، بالإضافة إلى كل من قد يكون لحضوره فائدة عملية أو رمزية أو شرفية.

وتُفتتح هذه الجلسات أيضاً باسم جلالة الملك، بعد أن يجلس الرئيس في الوسط، وعن يمينه أقدم القضاة من حيث الدرجة والرتبة، ثم عن يساره القاضي الذي يأتي في الرتبة الثانية. يلي ذلك ترتيب بقية القضاة حسب تسلسل درجاتهم ورتبهم، بحيث يكون القاضي الثالث في الرتبة عن يمين الأول، والرابع عن يسار الثاني، وهكذا. كما يُنظم جلوس القضاة في الصف الثاني من اليمين إلى اليسار وفقاً للترتيب ذاته حسب الدرجة والرتبة.

ويتمركز النائب الأعلى درجة أو رتبة من قضاة النيابة العامة على يسار الوكيل العام للملك أو وكيل الملك، بينما يجلس بقية النواب خلفه وفقًا لترتيب درجاتهم ورتبهم. ويتولى كتابة الضبط الكاتب رئيس كتابة الضبط أو من ينوب عنه، ويقوم بتحرير محضر يتضمن تفاصيل الجلسة ليُرجع إليه عند الحاجة. وعند انتهاء الجلسة، يترفع باسم جلالة الملك.

تانيا // تنصيب المسؤولين القضائيين والقضاة الجدد بالمحاكم:

تنص المادة 9 من ظهير التنظيم القضائي على أنه ” تعقد المحاكم جلسات رسمية لتنصيب المسؤولين القضائيين والقضاة الجدد بها، وفق الإجراءات والأعراف المتبعة”.

وقد حدد المشرع مهام المسؤولية القضائية في المادة 5 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي لرجال القضاء، والتي تشمل كلًا من: رئيس محكمة أول درجة، وكيل الملك لدى محكمة أول درجة، الرئيس الأول للمحكمة الاستئنافية، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، نائب الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض، بالإضافة إلى باقي رؤساء الغرف بها، وكذلك المحامي العام الأول لدى محكمة النقض.

وقد أسند المشرع صلاحية تعيين القضاة الجدد وكذلك تعيين القضاة في مهام المسؤولية القضائية إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك وفقًا للمادة 67 من القانون المنظم لهذا المجلس. ومع ذلك، تم استثناء منصبي الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، حيث يتم تعيينهما من قبل جلالة الملك وفقًا للمادة 22 من القانون 106.03 المتعلق بالنظام الأساسي لرجال القضاء.

ويتم التعيين في جميع الأحوال، سواء كان من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو من قبل جلالة الملك، بموجب ظهير ملكي وفقًا للفصل 57 من الدستور. في الحالة الأولى، يوافق الملك على مقترحات التعيين التي يرفعها المجلس، بينما يتولى الملك التعيين بشكل مباشر في الحالات التي يختص هو بها.

وبعد تعيين القضاة الجدد والمسؤولين القضائيين في مناصبهم، وقبل التحاقهم وبدء مزاولة مهامهم في مقار عملهم، تُعقد المحاكم التي ستستقبلهم جلسات رسمية تُسمى جلسات التنصيب. تهدف هذه الجلسات إلى استقبال القاضي الجديد أو المسؤول القضائي في أجواء رسمية، بحضور باقي المسؤولين القضائيين والإداريين في المحكمة، بالإضافة إلى رؤساء الهيئات المهنية.

ويتم استدعاء مسؤولي السلطة المحلية والإدارات العمومية لحضور هذه الجلسات، حيث يتم خلالها تقديم القاضي أو المسؤول القضائي إليهم وتسليمه المهام المسندة إليه بشكل رسمي، وذلك كدليل على بدء مزاولته لتلك المهام اعتبارًا من تاريخ تلك الجلسة.

ويتم مراعاة الإجراءات المتبعة عند عقد هذه الجلسة، حيث يتم افتتاحها باسم جلالة الملك ورفعها باسمه في ختامها، بالإضافة إلى تثبيت مجرياتها في محضر خاص.

ففي حال تعلق الأمر بتنصيب قاضٍ جديد، يتم افتتاح الجلسة من قبل رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، حسبما إذا كان القاضي المعني معينًا في إحدى هاتين المحكمتين. بعد ذلك، يتم منح الكلمة لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك، الذي يلتمس تعيين القاضي من جهة الرئاسة، ويقوم بدوره بتعيين نائب له ليرافق القاضي الجديد إلى مقعد التنصيب.

وبعد جلوسه يأمر الرئيس كاتب الضبط بتلاوة سند تعيينه. وبعد الانتهاء من التلاوة، يعلن الرئيس اكتمال إجراء التنصيب، ثم يطلب من القاضي الجديد الالتحاق بالهيئة القضائية وأخذ مقعده بين أعضائها. يرحب الرئيس بالقاضي الجديد، مذكّراً إياه باليمين القانونية التي أداها، والتي تلزمه بالحكم بالعدل بين الناس وأداء مهامه بأمانة ووفاء، والحفاظ على سر المداولات، والتمسك بالسلوك النزيه والمخلص في كل ما يقوم به. يتضرع الرئيس إلى الله أن يوفق القاضي الجديد لأداء مهمته بصدق وأمانة، وأن يكون على قدر المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه، وأن يكون عند حسن ظن جلالة الملك.

ثم يأمر الرئيس كاتب الضبط بتحرير محضر يتضمن كافة ما جرى في هذه الجلسة، ليُرجع إليه عند الحاجة. بعد ذلك، يطلب من رئيس النيابة العامة بالمحكمة إذا كانت له أي مطالب أخرى، ثم يشكر الرئيس الحضور والمدعوين ويرفع الجلسة. تُتبع نفس الإجراءات في حالة تنصيب مسؤول قضائي، مع ضرورة أن يتم التنصيب من قبل أقدم القضاة من حيث الدرجة والرتبة. إلا أن القاضي الذي يتولى هذا التنصيب يقتصر على دعوة المسؤول القضائي الجديد للالتحاق بمكانه دون إلقاء أي كلمة توجيهية.

وبمجرد تنصيبه، يقوم المسؤول القضائي الجديد بإلقاء كلمة قصيرة يعرب فيها عن شكره للمدعوين على حضورهم، ويشيد بالمجهودات التي بذلها سلفه. كما يؤكد عزمه على أداء مهمته بحزم وأمانة، ليكون عند حسن ظن جلالة الملك الذي أسند إليه هذه المهمة الجديدة. بعد ذلك، تُرفع الجلسة. وفي جميع الأحوال، يتم مراعاة الأعراف المتبعة في هذا الصدد.

ثالثا // هل يأخذ في المحاكم المغربية بمبدأ القضاء الجماعي أم بالقضاء الفردي:

تنص المادة 10 من ظهير التنظيم القضائي على أنه ” تتشكل هيئات الحكم في المحاكم وفق ما يحدده القانون، تحت طائلة البطلان، غير أنه لا يترتب البطلان في حالة مشاركة قاض إضافي أو أكثر في نفس الجلسة.

تعتمد المحاكم الابتدائية القضاء الفردي أو القضاء الجماعي حسب الحالات التي يحددها القانون، مع مراعاة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى النصوص التشريعية الجاري بها العمل.

يعتمد القضاء الجماعي، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك في المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية، وفى الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والأقسام الخاصة في القضاء الإداري المحدثة بالمحاكم الابتدائية وفي محاكم الدرجة الثانية وفي محكمة النقض. ويعتمد القضاء الجماعي أيضا في كل حالة يقرر فيها القانون ذلك “.

تتناول هذه المادة تحديد الحالات التي يعتمد فيها المشرع مبدأ القضاء الجماعي، بالإضافة إلى الحالات التي يعتمد فيها مبدأ القضاء الفردي في المحاكم المغربية. وتؤكد في بدايتها على أن هيئات الحكم تحدد وفقًا للقانون.

ويقصد بهيئة الحكم التشكيلة القضائية التي يتم تكليفها بعقد الجلسات والفصل في القضايا المعروضة، والتي تتكون بشكل إلزامي من قاضٍ واحد على الأقل. ويمكن أيضًا الاستعانة بكاتب للضبط، مع حضور النيابة العامة في الحالات التي ينص فيها القانون على ضرورة ذلك.

ويرجع تحديد تشكيل هيئات الحكم إلى القانون، الذي يحدد عدد القضاة في الهيئة الحاكمة لكل نوع من القضايا، وكذلك مدى ضرورة حضور كاتب الضبط والنيابة العامة أثناء عقد الجلسات. وذلك تحت طائلة بطلان الحكم الذي يصدر دون مراعاة المقتضيات القانونية المتعلقة بتشكيل الهيئة الحاكمة المختصة بالقضية، وهذا يشير إلى أن تشكيل هيئة الحكم يعتبر من مسائل النظام العام، ويحق إثارة مخالفته في أي وقت، حتى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض.

ومع ذلك، نص المشرع في تتمة الفقرة الأولى على أن البطلان لا يترتب “في حالة مشاركة قاض إضافي أو أكثر في نفس الجلسة”، مما يدل على أن البطلان يترتب فقط في حال الإخلال بالحد الأدنى الذي حدده القانون لتشكيل الهيئة الحاكمة، والذي يجب أن تتوافر فيه الجلسة. أما إذا زاد عدد القضاة عن العدد المنصوص عليه، فلا يترتب بطلان الحكم، بل على العكس، فإن هذا الزيادة لا تضر بالمسطرة ولا بالضمانات الممنوحة للمتقاضي، بل قد تعززها.

بناءً على ذلك، في حالة إذا كانت القضية من اختصاص القضاء الفردي وتم البت فيها من قبل القضاء الجماعي، فإن الحكم الصادر في هذه القضية لا يُطعن فيه بالبطلان، شريطة عدم وجود نص خاص يوجب الالتزام التام بتشكيلة هيئة الحكم وعدم تغييرها، سواء بزيادة أو نقص. كمثال على ذلك، يلتزم المشرع في الفصل 374 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة عقد جلسات البت في الجنح والمخالفات من قبل قاض منفرد، بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط، مع ترتيب البطلان في حال الإخلال بهذه المقتضيات.

في هذه الحالة ومثيلاتها، يتعين احترام النص الخاص الذي يحدد عدد القضاة المقرر في القضايا المحددة، وذلك باعتبار أن القانون الخاص يأتي مقدمًا على النص العام في هذا المجال. وبالتالي، إذا لم يتم الالتزام بالنصاب المحدد من قبل النص الخاص، يترتب بطلان الحكم الصادر عن الهيئة التي لم تحترم هذا النصاب، حتى وإن تعلق الأمر بزيادة عدد القضاة.

والمشرع في هذه المادة موضوع الشرح قد زاوج بين مبدأ القضاء الفردي ومبدأ القضاء الجماعي، حيث نص في الفقرة الثانية على أنه “تعتمد المحاكم الابتدائية القضاء الفردي أو القضاء الجماعي حسب الحالات التي يحددها القانون”. وهذا التوجه يعكس التجارب المتراكمة التي خاضها المشرع في تطبيق هذه المبادئ.

إذ تبنى المشرع في البداية مبدأ القضاء الفردي في المحاكم الابتدائية عند إصدار ظهير التنظيم القضائي لأول مرة سنة 1974. إلا أنه بعد فترة من التجربة والتقييم، تراجع عن هذا المبدأ وأخذ بمبدأ القضاء الجماعي في تعديل الظهير بتاريخ 10 شتنبر 1993. ومع مرور الوقت، وبعد دراسة نتائج تطبيق هذا النظام، عاد المشرع مرة أخرى إلى تبني مبدأ القضاء الفردي في أغلب القضايا المعروضة على المحاكم الابتدائية، وذلك بتعديل الفصل 4 من ظهير التنظيم القضائي بتاريخ 11 نونبر 2003.

ولقد كانت التجربة الممتدة منذ صدور ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974، وحتى اليوم، كافية للمشرع المغربي بعد استشارة الفاعلين في الشأن القضائي، لتكوين رؤية واضحة حول جدوى تبني مبدأ القضاء الفردي أو القضاء الجماعي في المحاكم الابتدائية. وقد أدى ذلك إلى قناعته، وبحق، بأهمية المزاوجة بين المبدأين وفقًا لما تقتضيه مصلحة البت في القضايا المعروضة، بناءً على نوعها وأهميتها وعددها. كما حرص المشرع على ألا يمس ذلك الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة بمقتضى النصوص التشريعية، مثل اختصاصه بالبت في القضايا المستعجلة والطلبات الوقتية والتحفظية سواء في جلسة فردية أو في مكتبه بصفته قاضيًا للمستعجلات، أو بصفته رئيسًا للمحكمة.

وبعد أن اعتمد المشرع مبدأ ازدواجية القضاء الفردي والجماعي في المحاكم الابتدائية العادية، انتقل إلى تحديد تطبيق مبدأ القضاء الجماعي في المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية.

وقد ضم المشرع إلى المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية، التي تعمل بمبدأ القضاء الجماعي، الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والأقسام المتخصصة في القضاء الإداري المحدثة بالمحاكم الابتدائية. وتعمل هذه الأقسام أيضًا بمبدأ القضاء الجماعي نظرًا للطبيعة والخصوصية الخاصة بالقضايا التي تنظرها، والتي تتشابه نوعيًا مع القضايا التي تختص بها المحاكم المتخصصة.

فلما اتحدت صفات القضايا التجارية أو الإدارية وخصوصية هذه الدعاوى، تم توحيد الحكم في ضرورة أن تنظر الأقسام المتخصصة في هذه القضايا بهيئة جماعية. وذلك على الرغم من أنها تابعة تنظيميًا للمحاكم الابتدائية العادية التي تعتمد مبدأ ازدواجية القضاء الفردي والجماعي.

وإلى جانب إعمال مبدأ القضاء الجماعي في المحاكم الابتدائية التجارية والمحاكم الابتدائية الإدارية، وكذلك في الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري والإداري المحدثة بالمحاكم الابتدائية، يتم تطبيق نفس المبدأ في محاكم الدرجة الثانية، سواء تعلق الأمر بمحاكم الاستئناف العادية أو محاكم الاستئناف المتخصصة في القضاء التجاري أو القضاء الإداري. كما يُعتمد المبدأ ذاته في محكمة النقض.

وبناءً على ما سبق، تعقد محاكم الاستئناف العادية جلساتها في القضايا ذات الطبيعة المدنية بتشكيلة مكونة من ثلاثة قضاة، مع مساعدة كاتب الضبط، ويترتب بطلان القرارات الصادرة عنها في حال عدم احترام هذه الشكلية.

بينما تعقد محاكم الاستئناف جلساتها في القضايا ذات الطبيعة الزجرية وفقًا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، حيث يتم البت في القضايا ابتدائيًا في غرفة الجنايات أو استئنافًا في غرفة الجنح الاستئنافية بتشكيلة مكونة من ثلاثة مستشارين، بمن فيهم الرئيس، مع حضور النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط. وينطبق نفس الأمر عند نظر المحكمة في الطلبات المعروضة على الغرفة الجنحية.

أما عند نظر محكمة الاستئناف في القضايا الجنائية استئنافًا في غرفة الجنايات الاستئنافية، فإنها تعقد جلساتها بتشكيلة مكونة من خمسة مستشارين، بمن فيهم الرئيس، مع حضور النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط، وذلك وفقًا للمادة 457 من قانون المسطرة الجنائية.

أما محاكم الاستئناف التجارية، فإنها تعقد جلساتها وتصدر أحكامها بتشكيلة مكونة من ثلاثة قضاة، بمن فيهم الرئيس، مع مساعدة كاتب الضبط. أما محاكم الاستئناف الإدارية، فإنها تعقد جلساتها وتصدر قراراتها علانية بتشكيلة مكونة من ثلاثة مستشارين، بمن فيهم الرئيس، مع مساعدة كاتب الضبط، وحضور المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق.

أما محكمة النقض، فهي تبت بعد إحالة القضية على الغرفة المختصة، وهي مكونة من خمسة مستشارين، بحضور النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط، وذلك وفقًا للفصل 371 و 372 من قانون المسطرة المدنية والمادة 542 من قانون المسطرة الجنائية. كما يمكن للرئيس الأول، ولرئيس الغرفة المعروضة عليها القضية، وللغرفة نفسها، أن يحيلوا الحكم في أي قضية على هيئة قضائية مكونة من غرفتين مجتمعتين، مما يعني أن مجموع المستشارين في هذه الحالة يكون عشرة.

وفي هذه الحالة، يعين الرئيس الأول الغرفة المضافة إلى الغرفة المعروضة عليها القضية. وفي حال تعادل الأصوات، يرجح صوت الرئيس وفقًا لنظام الأسبقية المتبع بين رؤساء الغرف. كما يمكن للهيئة المؤلفة من غرفتين أن تقرر إحالة القضية على محكمة النقض للبت فيها بمجموع الغرف، أي بخمس وثلاثين مستشارًا.

بالإضافة إلى الحالات المذكورة، اختتمت هذه المادة بعبارة “ويعتمد القضاء الجماعي أيضًا في كل حالة يقرر فيها القانون ذلك”، في إشارة إلى الحالات الأخرى التي لم يتم التنصيص عليها صراحة في هذه المادة، مثل الدعاوى العقارية، الدعاوى العينية، القضايا المختلطة، وقضايا الأسرة والميراث، مع مراعاة بعض الاستثناءات. فهذه القضايا تبت فيها المحاكم الابتدائية بهيئة جماعية، وكذلك كل حالة أخرى ينص فيها القانون على ضرورة نظرها من هيئة قضائية جماعية.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *