|

تكوين عقد الشغل

إنجاز شغل معين لفائدة شخص آخر يفترض إبرام عقد الشغل، لكن يلاحظ أن هناك فترة تجربة واحتمال إجراء تكوين لمدة معينة يمكن أن يسبق إبرام هذا العقد. وتتناول هذا الموضوع في نقطتين هما:

أولا: فترة التجربة أو فترة الاختبار

هذه الفترة تكتسي بعض الأهمية فهي تسمح للمشغل من الوقوف على كفاءة ومهارة الشخص، كما تسمح للمرشح للشغل من التعرف على ما إذا كان العمل الذي سيناط به قد يلائمه أم لا، ومدى تناسب الأجر مع العمل المطلوب إنجازه. ومادام الالتزام بالتشغيل بعد إجراء فترة التجربة لا يفترض، فإن المشغل يجب أن يخبر به الأجير صراحة حتى لا يمكنه الاحتجاج به،

فالعقد في هذه الفترة لا يكون نهائيا بل معلقا على نتيجة الاختبار، فإذا جاءت النتيجة مرضية تأكد إبرام العقد، وإذا ظهر العكس انتهت الرابطة بين الطرفين دون أن يعتبر ذلك إخلالا بالعقد.

1- سريان فترة التجربة:

تختلف هذه التجربة أو الاختبار في التشريع المغربي بحسب ما إذا كان العقد محدد المدة أو غير محدد المدة.

فبالنسبة للعقود غير المحددة المدة، تسري فترة الاختبار على الشكل التالي:

– ثلاثة أشهر بالنسبة للأطر وأشباههم.

– شهر ونصف بالنسبة للمستخدمين.

– خمسة عشر يوما بالنسبة للعمال.

أما بالنسبة للعقد المحدد المدة، ففترة الاختبار تسري كالتالي:

– يوما واحدا عن كل أسبوع شغل على ألا يتعدى أسبوعين بالنسبة للعقود المبرمة لمدة تقل عن ستة أشهر.

– شهرا واحدا بالنسبة للعقود المبرمة لمدة تفوق ستة أشهر.

ويمكن النص في عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي على مدد أقل من المدة المذكورة. ويمكن لأطراف العقد تجديد فترة الاختبار إذا ما اعتبر أن ذلك ضروريا لكن يتعين توافر شرطين:

– أن تكون موافقة الأجير على التجديد صريحة.

– يجب انتظار انتهاء المدة الأصلية. وبمقتضى الفقرة الثانية من المادة 15 من م ش، فإن تجديد مدة الاختبار لا يسمح بها إلا مرة واحدة.

2- انتهاء فترة التجربة:

يمكن لكل من طرفي عقد الشغل تحت الاختبار إنهائه بإرادته المنفردة، دون أجل إخطار ولا تعويض، لكن إذا قضى الأجير أسبوعا في الشغل على الأقل، فلا يمكن إنهاء فترة الاختبار إلا بعد منحه أحد أجل الإخطار التاليين، ما لم يرتكب خطأ جسيما:

– يومان قبل الإنهاء، إذا كان من فئة الأجراء الذين يتقاضون أجورهم باليوم أوالأسبوع، أو كل خمسة عشر يوما؛

– ثمانية أيام قبل الإنهاء، إذا كان ممن يتقاضون أجورهم بالشهر، وإذا فصل الأجير من شغله، بعد انصرام فترة اختباره، وذلك دون أن يصدر عنه أي خطأ جسيم، فإن له الحق في الاستفادة من أجل الإخطار، لا يمكن أن تقل مدته عن ثمانية أيام.

ويلزم المشغل بتعويض الأجير عما قام به من عمل في فترة التجربة، وفي نهاية التجربة يحق للطرفين الخيار بين وضع حد لهذا الالتزام بإجراء التجربة دون أن يعتبر ذلك إخلالا بالتزام تعاقدي، أو متابعة العمل، وفي هذه الحالة ينشأ عقد الشغل ويسري بأثر رجعي، أي يحتسب ابتداء من تاريخ إبرام عقد التجربة.

ثانيا: مرحلة إبرام عقد الشغل

من أجل إبرام عقد شغل على وجه قانوني سليم لابد من توافر مجموعة من الأركان الشكلية والجوهرية:

1- الأركان الشكلية لعقد الشغل :

إن تحليل نص المادة 15 من مدونة الشغل يفيد أن عقد الشغل هو عقد رضائي، يتم بمجرد اتفاق كل من المشغل والعامل على العناصر الأساسية في هذا العقد، مثل طبيعة العمل ومدة العمل ومبلغ الأجر ومحل تنفيذ العمل، إذ جاء في فقرتها الأولى: “بأن صحة العقد تتوقف على الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين” والفقرة الثانية من نفس المادة أشارت إلى أنه “في حالة إبرام عقد الشغل كتابة، وجب تحريره في نظيرين موقع عليهما من طرف الأجير والمشغل ومصادق على صحة إمضائهما من قبل الجهة المختصة، ويحتفظ الأجير بأحد النظيرين”. وهذا الافتراض يعني بمفهوم المخالفة أن العقد يمكن أن لا يكون مكتوبا.”.

غير أن المشرع بعد أن قرر الرضائية، عاد فقرر الشكلية في بعض الحالات مثلا:

– المادة 80: تنص على عقود الوكيل المتجول أو الوسيط في التجارة والصناعة يجب أن تكون مكتوبة

– المادة 86: تنص على أن العقد المبرم بين المقاول الأصلي أو المقاول الفرعي يجب أن يكون مكتوبا، وعقد المقاولة من الباطن هو الذي يكلف بمقتضاه مقاول أصلي مقاولا من الباطن ليقوم ببعض الأشغال أو ينجز له بعض الخدمات

– المادة 501: الخاصة بعقود الشغل التي تبرمها مقاولات التشغيل المؤقت مع الأجراء الذين يتم وضعهم رهن إشارة المستعمل أي المستفيد من خدمة الأجراء، هذه العقود يجب أن تحرر كتابة وأن يتضمن العقد مجموعة من العناصر، محددة في مؤهلات الأجير، مبلغ الأجر وطريقة أدائه، فترة التجربة، سبب تشغيل الأجير بصفة مؤقتة، مدة العمل، ومكان تنفيذه،المبلغ الذي تتقاضاه مقاولة التشغيل

– المادة 516: تنص على أنه يجب على كل مشغل يرغب في تشغيل أجنبي أن يحصل على رخصة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل، وطبعا هذا التأشير لا يمكن أن يتم إلا إذا كان عقد الشغل مكتوبا.

2- الأركان الجوهرية لعقد الشغل :

الأركان الجوهرية لتكوين عقد الشغل هي نفس الأركان التي يجب أن تتوفر في كل عقد أي الأهلية والرضى والمحل والسبب، وإذا كانت الأركان الثلاثة الأخيرة لا تتميز بمميزات خاصة في عقد الشغل فإن ركن الأهلية له مميزات خاصة لابد من إظهارها.

أ) أحكام الأهلية :

على الرغم من أن المادة 15 من المدونة تحيل على الأحكام الخاصة بأهلية التعاقد كما ينص عليها ق ل ع، إلا أنه يجب رغم ذلك الاحتكام فيما يخص من الشغل إلى الأحكام الواردة في المدونة. وعليه فإذا كانت القاعدة تقضي بتوفر المتعاقد على الأهلية كما تحددها مدونة الأسرة في 18 سنة، فإن ما تجدر الإشارة هو أنه يجوز للأجير القاصر إبرام عقد الشغل إذا وافق على العقد الأب أو الولي أو الوصي أو المقدم، ولكن يشرط أن يكون الأجير القاصر قد بلغ سن التشغيل المحدد في 15 عاما

وذلك طبقا للمادة 143 من م ش التي تنص على أنه: “لا يمكن تشغيل الأحداث ولا قبولهم في المقاولات أو لدى المشغلين قبل بلوغهم سن 15 سنة كاملة”.

ومما سبق يمكن التميز بين حالتين. (حالة إبرام العقد من طرف القاصر دون الخامسة عشرة سنة) ، هنا يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا ولو تعاقد بمعونة نائبه القانوني.( الحالة التي يكون فيها الحدث أهلا لممارسة العمل التابع الخاضع لمدونة الشغل) فإن العقد الذي يبرمه يكون صحيحا، شريطة مساعدته في إبرامه من طرف نائيه القانوني،

كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من الفصل 725 من ق ل ع، أما إذا أبرم القاصر عقد الشغل بدون مساعدة نائبه القانوني، فإن تصرفه هذا باعتباره تصرفا دائرا بين النفع والضرر لا يكون ملزما له ويقع قابلا للإبطال. وعلى هذا ورد في الفصل الرابع من ق ل ع الذي اعتبر أيضا أن العقد الذي يبرمه القاصر أو ناقص الأهلية بدون موافقة الأب أو الوصي أو المقدم يمكن طلب إبطاله، ولكن يجوز تصحيح هذا العقد إذا وافق بعد ذلك النائب القانوني.

ب) الأحكام الخاصة بالرضا والمحل والسبب :

بخصوص هذه الأركان يخضع عقد الشغل للمبادئ العامة الواردة في ق ل ع، والنصوص الأخرى المتعلقة بقانون الشغل. فبخصوص التراضي، يكفي اتفاق طرفي العقد على العناصر الأساسية لعقد الشغل كنوع وطبيعة الشغل ومكان تنفيذه، ومبلغ وطبيعة الأجر، وتاريخ ترسيم العامل، ومدة العقد ما إذا كان محدد المدة أو غير محدد المدة.

ويجب أن تكون إرادة الطرفين المتعاقدين غير مشوبة بأي عيب من عيوب الرضا كالغلط والتدليس والإكراه، وكمثال على ذلك الغلط في بعض الصفات الشخصية للأجير فالمشغل الذي تعاقد مع أجير على أساس العمل في التجارة، ثم يتبين أنه مختص في الحدادة يخول له الحق في إبطال العقد، كما أن التعاقد اعتمادا على مؤهلات علمية وشواهد دراسية عالية تخول الحق في طلب الإبطال كذلك إذا تبين الغلط في الصفة،

وتسري نفس النتيجة عند إدلاء الأجير بشهادة عمل مزورة تفيد خبرته وأقدميته في مهنة معينة، أو أن يخفي العامل حالته المرضية على المشغل، أو أن يبرز المؤاجر وثائق مزورة توهم بإمكانيات المؤسسة وآفاق تحسين ظروف العمل وامتيازات الأجير فيها، أو أن يضطر الأجير تحت ضغط الحاجة الملحة إلى العمل إلى التنازل عن الضمانات الدنيا للقانون ففي كل هذه الحالات وغيرها يحق للطرف المتضرر المطالبة بإبطال العقد.

وبالنسبة لعنصر المحل في عقد الشغل، فيجب حسب الأحكام الواردة في ق ل ع أن يكون ممكنا ومعينا أو قابلا للتعيين، كما يجب أن يكون مشروعا.

وهكذا فالعقد الذي يكلف بمقتضاه العامل القيام بأعمال مستحيلة أو غير مشروعة يكون باطلا، ولقد أكد الفصل 729 قانون الالتزامات والعقود، على بطلان الاتفاق إذا كان موضوعه تعليم أو أداء أعمال السحر والشعوذة أو القيام بأعمال مخالفة للقانون والأخلاق الحميدة والنظام العام.

كما يجب أن يكون السبب في عقد الشغل حقيقيا ومشروعا، وحسب الفصل 62 من ق ل ع يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *