محاكم الاستئناف : تعريف محاكم الدرجة الثانية

أولا // محاكم الاستئناف العادية :

تنص المادة 73 من قانون التنظيم القضائي 38.15 على أنه : «تختص محاكم الاستئناف بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية، وكذا في جميع القضايا الأخرى التي تختص بالنظر فيها طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية أخرى …”.

يمكن التأكيد بدايةً أن هذه المادة قد حافظت على نفس المبادئ التي كانت معتمدة في ظل ظهير التنظيم القضائي الصادر في 15 يوليوز 1974، مع بعض الاختلاف الطفيف في الصياغة. فقد جاءت صياغة 1974 على الشكل التالي : “تختص محكمة الاستئناف بالنظر في الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية وكذا في جميع القضايا التي تختص بالنظر فيها بمقتضى قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية، أو نصوص خاصة عند الاقتضاء”.

ويقضي الفصل 24 من قانون المسطرة المدنية بأنه : «تختص محاكم الاستئناف عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الابتدائية. وكذا في استئناف الأوامر الصادرة عن رؤسائها».

انطلاقًا من هذه المقتضيات، يتضح أن محاكم الاستئناف تنظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية ابتدائيا لا انتهائيا وذلك وفقًا للفصل 18 من قانون المسطرة المدنية. الذي لا يزال يحافظ على الأحكام الانتهائية إلى جانب الأحكام القابلة للاستئناف، على الرغم من أن الفصل 19 قد ألغى هذا التمييز، على اعتبار أن كل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية ابتدائية قابلة للاستئناف.

وقد تدخل المشرع في إطار التعديل الذي شهده قانون المسطرة المدنية بتاريخ 17 غشت 2011، حيث أضاف فقرة جديدة إلى الفصل 24، تنص على أنه:

” استثناء من أحكام الفقرة السابقة تختص غرف الاستينافات بالمحكمة الابتدائية بالنظر في الاستينافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في إطار البند الأول من الفصل 19 أعلاه”. هذا طبعا مع ضرورة انتظار ما ستسفر عنه المسطرة التشريعية التي ستعبرها مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية خاصة وأن المسودة عادت من جهة لتتبنى وتؤكد ما كان يجري به العمل قبل تعديل الفصل 19 من قانون المسطرة المدنية سنة 2011 ومن جهة أخرى لاقتراحها حذف غرف الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية.

وتنظر محاكم الاستئناف أيضا في الأحكام التمهيدية التي تصدرها المحاكم الابتدائية كالحكم بإجراء من إجراءات التحقيق، غير أنها لا تبت فيها منفصلة عن أحكام الموضوع. وإنما تنظر فيها إلى جانب الأحكام الموضوعية، وذلك لأن الفصل 140 من قانون المسطرة المدنية يفرض بالضرورة استئناف الأحكام التمهيدية، مع الأحكام الفاصلة في الموضوع، وينبغي التصريح باستئنافها في مقال الاستئناف من طرف الطاعن.

وتجدر الإشارة إلى أن اختصاص محاكم الاستئناف لا ينحصر في الفصل في مدى قانونية الاحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية بل تبت من جديد في الوقائع التي سبق للأطراف أن أثاروها أمام محكمة الدرجة الأولى وذلك لأن محاكم الاستئناف تعتبر درجة التقاضي تسمح للأطراف بمراجعة الوقائع والقانون أمامها تحقيقا للعدالة والإنصاف.

ومن اختصاصات محاكم الاستئناف كذلك، النظر في تنازع الاختصاص الذي قد يثار في بعض الحالات طبقا للفصل 301 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه أنه : “يقدم طلب الفصل في تنازع الاختصاص بمقال أمام المحكمة الأعلى درجة المشتركة بين المحاكم التي يطعن في أحكامها أمامها، وأمام محكمة النقض إذا تعلق الأمر بمحاكم لا تخضع لأية محكمة أعلى مشتركة بينها”.

وهكذا، تنظر محاكم الاستئناف في تنازع الاختصاص، سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا، الذي قد يحدث بين محكمتين من محاكم الدرجة الأولى بشأن النظر في بعض القضايا المسطرة. ويتم ذلك بواسطة غرفة المشورة، وذلك وفقًا للفقرة الأولى من الفصل 302 من قانون المسطرة المدنية. وهذا كله شريطة أن تكون محكمة الاستئناف المختصة محكمة أعلى درجة مشتركة بين المحكمتين اللتين وقع التنازع بينهما.

ومن الأمور التي تفصل فيها محاكم الاستئناف أيضًا الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية، سواء كانت تلك الأوامر في إطار مسطرة الأمر بالأداء، أو مسطرة الأوامر المبنية على طلب، أو تتعلق بالقضاء الاستعجالي، أو في غيرها من الاختصاصات التي يُسمح بمباشرة استئنافها.

ثانيا // محاكم الاستئناف التجارية :

كان اختصاص محاكم الاستئناف التجارية يتبع نفس المبادئ والقواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، حيث تختص بالنظر في الاستئنافات المتعلقة بالأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية التي تتجاوز قيمتها 9000 درهم، وذلك وفقاً للمادة السادسة من قانون المحاكم التجارية المؤرخ في 12 فبراير 1997.

لكن هذه القواعد شهدت بعض التعديلات بموجب القانون الصادر في 13 يونيو 2002، الذي قام بتغيير الأحكام السابقة، حيث ألغي الاختصاص الانتهائي للمحاكم التجارية. كما تم رفع الحد الأدنى للقيمة التي يحق لهذه المحاكم النظر فيها إلى 20,000 درهم.

وبناءً على هذا التعديل الجديد، لم يعد هناك تمييز بين الأحكام الانتهائية والأحكام الابتدائية فيما يخص المحاكم التجارية. بل أصبح هناك نوع واحد فقط من الأحكام، وهو الأحكام الابتدائية القابلة للاستئناف. وهذا يعني أن جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم التجارية أصبحت قابلة للاستئناف، بشرط أن يتجاوز مبلغ النزاع 20,000 درهم حتى يحق لهذه المحاكم الاختصاص بالنظر فيها.

أما ما دون ذلك، فإنها تبقى من اختصاص المحاكم الابتدائية. ويُعد هذا التعديل متماشياً مع تعديل المادة 22 من قانون المحاكم التجارية والفصل 162 مكرر من قانون المسطرة المدنية، الذي منح رئيس المحكمة الابتدائية الاختصاص للنظر في القضايا التي كانت من اختصاص المحاكم التجارية ورؤسائها سابقاً.

وتعزيزاً لهذه التوجهات والقواعد، نصت المادة 73 من قانون التنظيم القضائي رقم 38.15 على ما يلي: «تختص محكمة الاستئناف التجارية بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية التجارية، وفي جميع القضايا الأخرى التي تختص بالنظر فيها بمقتضى قانون المسطرة المدنية أو بمقتضى نصوص قانونية أخرى، مع مراعاة الاختصاصات المسندة إلى الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري المحدثة بمحكمة الاستئناف المنصوص عليها في المادة 68 أعلاه».

ولا بد من الإشارة إلى أن الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري تختص وحدها دون غيرها بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري بالمحاكم الابتدائية التجارية. وهو ما نصت عليه المادة 74 من قانون التنظيم القضائي الجديد، حيث جاء فيها: “يختص القسم المتخصص في القضاء التجاري بمحكمة الاستئناف، دون غيره، بالبت في استئناف أحكام الأقسام المتخصصة في القضاء التجاري بالمحاكم الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف، وكذا الأحكام الصادرة في القضايا التجارية الأخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية المذكورة…”.

وفي الختام، يظل التساؤل قائمًا حول مدى صلاحية محاكم الاستئناف التجارية في البت في استئناف الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم التجارية. هل تختص هذه المحاكم بالنظر في استئناف هذه الأوامر، أم أنه يتعين الرجوع إلى محاكم الاستئناف العادية؟

في الواقع، لا يوجد نص صريح في قانون إحداث المحاكم التجارية ينص على اختصاص محاكم الاستئناف التجارية بالنظر في استئناف أوامر رؤساء المحاكم التجارية. ومع ذلك، وبالاستناد إلى بعض مواد قانون المحاكم التجارية، وبالنظر إلى أن رؤساء المحاكم التجارية يمارسون نفس الاختصاصات المخولة لرؤساء المحاكم الابتدائية، خاصة في ما يتعلق بقضايا المستعجلات ومسطرة الأمر بالأداء، يمكن القول بجواز استئناف هذه الأوامر لدى محاكم الاستئناف التجارية.

ثالثا // محاكم الاستئناف الإدارية :

تنص المادة 83 من قانون التنظيم القضائي 38.15 على أنه : “تختص محكمة الاستئناف الإدارية بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية الإدارية وفي جميع القضايا الأخرى التي تختص بالنظر فيها بمقتضى قانون المسطرة المدنية أو بمقتضى نصوص قانونية أخرى، مع مراعاة الاختصاصات المسندة إلى الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري المحدثة بمحكمة الاستئناف المنصوص عليها في المادة 68 أعلاه…”

وقد سبق أن حدد القانون المنظم لمحاكم الاستئناف الإدارية اختصاصاتها في المادتين 5 و 6، حيث نص على أنها تبت في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، إضافة إلى أوامر رؤسائها. بذلك، يتضح أن المشرع قد اعتمد نفس النهج الذي اتبعه في المادتين المدنيّة والتجارية، حيث تتولى هذه المحاكم، وفقًا لاختصاصاتها، النظر في الاستئنافات التي تُرفع ضد الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع أو محاكم الدرجة الأولى (من محاكم ابتدائية، تجارية، وإدارية).

وتتولى محاكم الاستئناف الإدارية أيضًا النظر في الاستئنافات التي تهدف إلى إعادة النظر في الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الإدارية. ومن الجدير بالذكر أن المشرع قد خضع استئناف الأحكام الإدارية لنفس القواعد الإجرائية المعمول بها أمام المحاكم الإدارية، وذلك من خلال إحالتها إلى أحكام الفصل 134 وما يليه من قانون المسطرة المدنية.

وفي إطار إنشاء الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري بمحاكم الاستئناف، فإن هذه المحاكم تختص بشكل حصري بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة عن الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري بالمحاكم الابتدائية الإدارية. وتعتمد هذه الآلية على نفس الفلسفة التي تبناها قانون التنظيم القضائي الجديد بالنسبة للأقسام المتخصصة في القضاء التجاري.

وهكذا تنص المادة 75 من القانون المشار إليه على أنه ” يختص القسم المتخصص في القضاء الإداري بمحكمة الاستئناف، دون غيره، بالبت في استئناف أحكام الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري بالمحاكم الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف وكذا الأحكام الصادرة في القضايا الإدارية الأخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الابتدائية المذكورة “.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *