تعريف المحاكم الابتدائية “محاكم الدرجة الأولى”
الفقرة الأولى // تعريف المحاكم الابتدائية :
تعد المحاكم الابتدائية في إطار هرم التنظيم القضائي المغربي الصنف الأول من المحاكم، باعتبارها محاكم الدرجة الأولى التي أسند إليها المشرع مهمة البت في المنازعات والفصل في الخصومات المعروضة أمام القضاء.
وتنقسم المحاكم الابتدائية في الخريطة القضائية للمملكة المغربية، والبالغ عددها 88 محكمة، إلى عدة أقسام وفقًا لنوعية القضايا التي تنظر فيها. تشمل هذه الأقسام: قضاء الأسرة، قضاء القرب، بالإضافة إلى غرف جنحية، مدنية، تجارية، اجتماعية وعقارية.
أما من حيث طبيعة الدعاوى القضائية، يمكن تصنيف المحاكم الابتدائية إلى عدة أنواع: أولًا، المحاكم الابتدائية المدنية التي تشمل أقسام قضاء القرب، وغرف مدنية، وتجارية، وعقارية. ثانيًا، المحاكم الابتدائية الاجتماعية التي تتضمن أقسام قضاء الأسرة، وغرف حوادث الشغل والأمراض المهنية، ونزاعات الشغل. وأخيرًا، المحاكم الابتدائية الزجرية التي تشمل أقسام قضاء القرب، وغرف جنحية، وغرف حوادث السير، وغرف قضاء الأحداث.
وبصفة عامة تتكون المحاكم الابتدائية من هيكلين قضائيين رئيسيين: الأول جسم قضائي خاص بالرئاسة والتي تتكون من رئيس المحكمة الابتدائية، القضاة، وقضاة نواب الرئيس، ويطلق عليها “هيئة قضاء الحكم” أو “القضاء الجالس”، وثانيهما جسم قضائي خاص بالنيابة العامة التي تضم وكيل الملك ونوابه، وتسمى “هيئة قضاء النيابة العامة” أو “القضاء الواقف”.
وإلى جانب الجهازين القضائيين المذكورين، يوجد جهاز إداري يسمى “مصلحة كتابة الضبط”، ويتولى مهام تنفيذ الإدارة القضائية للمحكمة. ويتميز هذا الجهاز بتكوينه من قسمين: الأول هو “كتابة الضبط” التي تعمل تحت إشراف رئيس المحكمة، أما الثاني فهو “كتابة النيابة العامة” التي تعمل إلى جانب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية.
أما فيما يتعلق بالجانب العملي للمحكمة، فيتم تنظيمه من خلال جمعيتها العامة، التي تتكون من جميع قضاة الحكم والنيابة العامة، ويشترط حضورهم كافة. كما يحضر هذه الجمعية أيضًا رئيس كتابة الضبط بالمحكمة ورئيس كتابة النيابة العامة. وتنعقد الجمعية العامة سنويًا خلال النصف الأول من شهر دجنبر، حيث يتم خلالها تحديد عدد الغرف، وتشكيلها، وأيام وساعات الجلسات، بالإضافة إلى توزيع القضايا على مختلف الغرف.
الفقرة الثانية // تعريف المحاكم التجارية :
تم إحداث المحاكم التجارية بموجب القانون رقم 53.95 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.65 بتاريخ 4 شوال 1417 هـ (12 فبراير 1997). وقد جاء إحداث هذه المحاكم استجابة ملحة للمتطلبات الاقتصادية التي مر بها المغرب في سياق علاقاته الاقتصادية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
ولا سيما التطورات الهامة التي شهدها قطاع التجارة والأعمال خلال العقد الأخير من القرن الماضي، مما دفع المشرع المغربي إلى تبني سلسلة من الإصلاحات القانونية أدت إلى إنشاء المحاكم التجارية.
نذكر على سبيل المثال: القانون المتعلق بتنظيم السوق المالية وبورصة القيم والقانون المتعلق بالقيم المنقولة وقانون مؤسسات الائتمان ونظام المحاسبة المحدث بظهير 1/138-9 بتاريخ 1992/12/25 بتنفيذ القانون 98-9 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها، وقانون رقم 95-18بمثابة ميثاق الاستثمارات، وقانون شركات المساهمة والشركات الأخرى.
وهكذا برزت المحاكم التجارية في المغرب كاستجابة للثغرات التي كانت تعاني منها منظومة المال والأعمال، حيث أصبحت آلية قضائية متخصصة تُعنى بالفصل في المنازعات التجارية. وقد جاء إنشاؤها لتمكين فئة التجار، الذين يمارسون أنشطتهم في مجال التجارة والأعمال، من اللجوء إلى جهة قضائية تتمتع بالخبرة والفهم الدقيق للتعقيدات التي يتسم بها هذا المجال، مما يعزز الثقة في النظام القضائي ويُسهم في تنمية الاقتصاد الوطني.
وتتكون المحاكم التجارية في المغرب من قضاة وموظفين، وتشمل الهيكل التنظيمي التالي: رئيس المحكمة ونواب الرئيس، والقضاة المختصون في الفصل في القضايا التجارية. كما تضم المحكمة وكيل الملك ونوابه، الذين يمثلون النيابة العامة ويسهرون على تطبيق القانون. بالإضافة إلى ذلك، تتوفر المحكمة على كتابة للضبط تابعة لرئاسة المحكمة، وأخرى تابعة للنيابة العامة.
ومن الناحية العملية تعمل المحاكم التجارية في المغرب وفق نظام قضائي طبيعي مماثل لباقي المحاكم، مع إمكانية تقسيمها إلى غرف متخصصة بناءً على نوعية القضايا المطروحة، مثل غرفة العقود التجارية، وغرفة النزاعات بين التجار، وغرفة الأصل التجاري، وغرفة صعوبات المقاولة، مما يعزز كفاءة وفعالية الفصل في المنازعات التجارية.
الفقرة الثالثة // تعريف المحاكم الإدارية :
تحتل المحاكم الإدارية في المغرب مكانة هامة في التنظيم القضائي، حيث تُعتبر الجهة القضائية المختصة بالفصل في النزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها، حيث تنظر على وجه التحديد وطبقا لما ينص عليه قانون 41.90 وتحديدا في المادة 8 منه في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة في النزاعات المتعلقة بالقضايا التي، وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، بالإضافة إلى النزاعات المتعلقة بالانتزاع من أجل المصلحة العامة.
وقد تم إنشاء المحاكم الإدارية في المغرب بموجب القانون رقم 41.90، الذي صدر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.225 بتاريخ 10 سبتمبر 1993.
تتميز المحكمة الإدارية بتشكيلة قضائية خاصة تختلف إلى حد ما عن تشكيلات المحاكم الأخرى، حيث تنص المادة الثانية من القانون المحدث للمحاكم الإدارية على أن المحكمة الإدارية تتكون من ما يلي : رئيس المحكمة الإدارية وعدة قضاة، مفوض ملكي، كتابة الضبط.
تعتمد المحاكم الإدارية في عملها القضائي على قواعد المسطرة المدنية باعتبارها الإطار الشكلي الذي يحكم سير جلسات الفصل في النزاعات الإدارية، حيث تنص المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم 41.90 على أنه: ” تطبق أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك”.
وفي هذا الإطار، تشترط المسطرة أن تكون كتابية أمام المحاكم الإدارية، وفقًا لما تنص عليه المادة الثالثة من القانون المنظم لهذه المحاكم، حيث يتعين أن ترفع القضايا المقدمة إليها عبر مقال مكتوب يوقعه محامٍ مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب. ورغم أن البعض يرى أن هذا الإجراء قد يشكل عبئًا ماديًا على المتقاضين، إلا أنه في المقابل يعد ضمانة قوية لحماية حقوقهم. بيد أن مواجهة الإدارة أمام القضاء الإداري، ونظرًا لتعقيد الإجراءات الشكلية المطلوبة في الدعاوى الإدارية، تتطلب من المواطن إلمامًا واسعًا بالقوانين والضوابط الإدارية، مما يجعل استعانته بمحامٍ أمرًا ضروريًا لا غنى عنه.
وبشكل عام، تبدأ الدعوى الإدارية مباشرة بعد تسجيلها لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية، حيث يتم تحديد جلسة علنية للنظر فيها. بعد ذلك، يحال ملف القضية من قبل رئيس المحكمة الإدارية إلى قاضٍ مقرر وإلى المفوض الملكي للدفاع عن القانون. وتتمثل مهمة القاضي المقرر في القيام بالإجراءات الأولية، حيث يصدر أمرًا بالتبليغ ويحدد تاريخ النظر في القضية، مع إشعار الأطراف بضرورة تقديم مذكراتهم ومستنداتهم قبل موعد الجلسة.
إذا كانت القضية غير جاهزة للحكم، يتم إرجاع الملف إلى القاضي المقرر لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وتنظر المحاكم الإدارية في القضايا بناءً على اختصاصين رئيسيين: الأول يتعلق بالإختصاص المحلي والأخر يتعلق بالإختصاص النوعي:
1- يحدد الاختصاص المحلي للمحاكم الإدارية مجموعة من النصوص القانونية المترابطة، حيث تنص المادة 10 من قانون المحاكم الإدارية على تطبيق قواعد الاختصاص المحلي الواردة في الفصول من 27 إلى 30 من قانون المسطرة المدنية، ما لم ينص قانون أو نصوص خاصة على خلاف ذلك. ومع ذلك، ترفع طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة إلى المحكمة الإدارية التي يوجد موطن الإلغاء داخل دائرة اختصاصها أو التي صدر القرار بدائرة إختصاصها،
إضافة إلى ذلك، تنص المادة 11 من نفس القانون على أنه ” تختص محكمة الرباط الإدارية في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم، وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر إختصاص جميع هذه المحاكم “.
2– تختص المحاكم الإدارية نوعيا، وفقًا للمادة الثامنة من القانون رقم 41.90 المحدث لها، وبمراعاة المواد 9 و11 منه، بالنظر في عدد من النزاعات التي حددها المشرع المغربي حصرًا، وهي كالتالي:
– البت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة.
– النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية.
– دعوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أي كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام
– النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالمعاشات، و منح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب
– تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالإنتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة
– النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة.
وبالنسبة للمحكمة الإدارية بالرباط فقد أوكل لها المشرع بالإضافة إلى الإختصاصات العامة السالفة الذكر حق النظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم .
Share this content: