تعريف القانون الاجتماعي :
يمكن تعريف القانون الاجتماعية بأنه مجموع القواعد التي تنظم علاقات الشغل الفردية والجماعية التي تنشأ بين المشغلين الخصوصيون ومن في حكمهم وبين الأجراء الذي يعملون تحت إشرافهم وتوجيهم نظير أجر، وكذلك القواعد التي تحكم الضمان الاجتماعي.
يشمل القانون الاجتماعي إذن فرعين من فروع القانون: قانون الشغل والضمان الاجتماعي، وهو ما يقتضي منا بيان المقصود بكل من القانون الاجتماعي، وقانون الشغل، وكذلك الضمان الاجتماعي.
أولا // تعريف القانون الاجتماعي:
لعل تعريف القانون الاجتماعي يستلزم منا تحديد معالمه وحدوده حتى نحصر الميدان الذي يمتد إليه سلطانه، فقد خلفت الثورة الصناعية التي حدثت في العالم ظهور طبقة جديدة في المجتمع هي طبقة العمال في الوقت الذي كان يسود فيه المذهب الفردي بما يستتبعه من مبدأ سلطان الإرادة،
حيث كانت قواعد الشغل خاضعة لقواعد القانون المدني، إلا أن هذا المبدأ بالإضافة إلى مبدأ العقد شريعة المتعاقدين تسببا في العديد من المساوئ على الطبقة العاملة؛ حيث تحكم الأقوياء في الضعفاء، وعمد أرباب الأعمال إلى استغلال العمال باسم الحرية والمساواة في التعاقد والاتفاق، وأمام هذا التحكم، تكتل العمال واستجمعوا قواهم بعد أن توسعت أعدادهم، وأخذوا في تنظيم أنفسهم والدفاع عن حقوقهم، ليشكلوا قوة ضغط مهمة،
وهو ما مهد الطريق لبروز المذهب الاجتماعي أو الاشتراكي عوضا عن المذهب الفردي، حيث أدى ذلك إلى تدخل الدولة لمنع انقلاب حرية التعاقد وسلطان الإرادة إلى سلاح يشهره أرباب الأعمال في وجه العمال، استنادا إلى ما يملكونه من قوة اقتصادية كبيرة تمكنهم من إملاء شروطهم وقناعاتهم على الطبقة العاملة.
انطلاقا مما سبق، تمت دراسة هذا القانون ولفترات طويلة، خصوصا في كليات الحقوق بالجامعات الفرنسية تحت اسم التشريع الصناعي، حيث يشير هذا الاصطلاح إلى دراسة المسائل التي تخص الصناعة فقط، والحال أن هذا القانون يهتم أيضا بعمال التجارة والفلاحة والمهن الحرة والأعمال المنزلية … الخ.
و جانب آخر يوحي مفهوم التشريع الصناعي بدراسة جميع القوانين الخاصة بالصناعة، كالعلامات التجارية وبراءات الاختراع ومراقبة المنتجات الصناعية وضبط المخالفات المرتبطة بها من غش واحتكار …. الخ. مع أنه من المسلم به أنها لا تدخل ضمن دائرة هذا القانون، وبذلك لم تعد تسمية التشريع الصناعي تتسع للدلالة على هذا الفرع من القانون، لتحل محلها تسمية قانون الشغل للدلالة على أن موضوع هذا الفرع من القانون هو مجموع القواعد القانونية المنظمة للعلاقات التي تنشأ عن كل شغل مأجور كيف ما كان نوعه.
وبعد الحرب العالمية الثانية ظهر ما يسمى بالضمان الاجتماعي الذي يتجاوز الحدود الناشئة عن العمل المأجور، ليظهر بعد ذلك مصطلح القانون الاجتماعي والذي يشمل قانون الشغل والضمان الاجتماعي، ولا زال الفقه الفرنسي يعتبر أن القانون الاجتماعي له مصادر عديدة، من بينها قانون الشغل وقانون الضمان الاجتماعي، حيث شهد القانونين معا تطورات موازية مهمة، ويكمل بعضهما الآخر، كما أن الجامعات الفرنسية تتعامل معهما كمادتين منفصلتين.
بناء على ما تقدم، يمكن تعريف القانون الاجتماعي بأنه مجموع القواعد القانونية المطبقة على العلاقات الفردية والجماعية الناشئة بين المؤاجرين الخصوصيين من جهة، ومن يشتغلون تحت سلطتهم من جهة أخرى بسبب الشغل، وكذلك القواعد التي تحكم الضمان الاجتماعي.
ثانيا // الشغل:
يمثل حجر الزاوية للقانون الاجتماعي له عدة مفاهيم:
– فمن الزاوية الدينية: يلاحظ أن الإنسان عند ارتكابه لأول خطيئة مع بداية الخلق قد أنزل به من السماء إلى الأرض، ومن تم أصبح مجبرا على أن يعمل لا ليعيش فقط، وإنما ليكفر عن ذنبه، فالعمل عادة عبادة ومعاملات، والشريعة الإسلامية كرمت الإنسان في هذا المجال كما تشهد بذلك الآليات والأحاديث (الآية 62 من سورة القصص) “استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين” وقول الرسول (ص) “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه”.
– ومن الزاوية الفلسفية: ينظر إلى العمل كفعل خالق ومبدع أو ينظر إليه كفعل التزام شاق ومتعب.
– من الناحية السيسيولوجيا: العمل هو مجموع الأفعال التي يقوم بها الإنسان عن مادة مصنوعة من أجل تغيير محيطه وتطويره، وهاته الأعمال تنعكس بدورها على الإنسان بحيث تساهم في تغيره إما سلبا أو إيجابيا، كالسكين والقنبلة الذرية.
– من الناحية الاقتصادية: لم يعد ينظر للعمل كسلعة، وإنما كعنصر أساسي في الإنتاج، وقد ورد في ديباجة مدونة الشغل الفقرة الثالثة: العمل ليس بضاعة، والعامل ليس أداة من أدوات الإنتاج ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن يمارس العمل في ظروف تنقص من كرامة الإنسان.
– من الناحية القانونية: هو موضوع عقد الشغل الذي يقوم على عناصر أساسية محددة في الأجر، النشاط المهني ثم العلاقة التبعية.
ثالثا // التشغيل والشغل:
عادة ما يستعمل كمصطلحين مترادفين والواقع أن الشغل هو ذلك النشاط المنظم من طرف مشغل معين حسب منطقه الخاص، بالرغم أن المشرع ينظم هذا العنصر أيضا، فالمشغل ينظمه بما يسمى التنظيم الداخلي. في حين أن التشغيل هو علاقة سوق حيث يلتقي العرض بالطلب على الشغل المأجور وتنظيم هذه العملية في إطار ما يسمى بالوساطة في الاستخدام.
رابعا// الضمان الاجتماعي :
إن الهدف من مخططات الضمان الاجتماعي هو توفير الوصول إلى الرعاية الصحية وتأمين الدخل بما يحقق سبل العيش الكريم؛ أي ضمان حد أدنى من الدخل للفئة المحتاجة، وبدل تعويضات معقولة لأولئك الذين ساهموا بما يتناسب مع دخلهم طيلة فترات شغلهم.
وتعتبر عبارة الضمان الاجتماعي حديثة العهد ولو أنها قديمة النشأة والفكرة، فحاجة الإنسان إلى تأمين حياته ومستقبله، إنما هو شعور أزلي، فالبشرية بطبيعتها تبحث دوما عن كل ما يكفل لها الأمن الاجتماعي ويؤمنها ضد المخاطر الاجتماعية ومفاجأت القدر، ويحررها من الحاجة والقلق والخوف.
وقد تم إنشاء الضمان الاجتماعي بالمغرب لأول مرة بموجب الظهير المؤرخ بتاريخ 23 دجنبر 1959، ويحتل مكانة بارزة ضمن القانون الاجتماعي، بحيث يكفل للعمال وأسرهم الحماية ضد أي نوع من المخاطر التي من شأنها أن تقلل أو تقضي على قدرتهم على الكسب.
ويستخدم مصطلح الضمان الاجتماعي للدلالة على مجموعة متنوعة من أنساق دعم الدخل مثل معاش التقاعد والتأمين عن العجز والمرض، والتعويض عن الأمومة وفقدان الشغل، والتعويض عن المخاطر المهنية وتعويض نقص دخل الأسرة. فهو يعنى بمواجهة شتى حالات الطوارئ التي قد تعترض استمرار أسباب الأجر أو تعوق ذلك؛ مثل حالات المرض والشيخوخة والولادة والبطالة.
وهو ما تؤكده مجموعة من الإعلانات والاتفاقيات الدولية، فالمادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تقر بالحق في الضمان الاجتماعي، كما تقر المادة 25 من نفس الإعلان بحق كل شخص في الحماية من غوائل الفقر وجرائر الجوع في حالات البطالة والمرض والعجز ؛ والترمل والشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.
كما تنصت المادة 11 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على ضرورة اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحقوق، وعلى وجه الخصوص الحق في الضمان الاجتماعي، ولا سيما في حالات التقاعد والبطالة والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من حالات عدم الأهلية للعمل، وكذلك الحق في إجازة مدفوعة الأجر.
والواقع أنه لما كان موضوع الضمان الاجتماعي من المواضيع الحديثة، فقد كان من الصعوبة وضع تعريف جامع مانع له، فقد عرفه المشرع البريطاني على أنه تأمين الفرد ليحصل على دخل معين يحل محل الكسب عندما ينقطع كسبه بسبب البطالة أو المرض أو الإصابة، وعلى معاش تقاعد في حالة الشيخوخة، وعلى إعانة في حالة وفاة العائل، وسن النفقات الاستثنائية كما في حالات الوضع والوفاة والزواج.
كما تم تعريفه بشكل مركز بأنه هو التحرر من الحاجة، بتقديم المزايا النقدية أو العينية بمقتضى نظم التأمين الاجتماعي أو المساعدات الاجتماعية، لحماية العاملين ومن يعولونهم ضد الأخطار التي قد تحرمهم من وسائل العيش. وبعبارة أدق يقصد بالضمان الاجتماعي، وضع المجتمع في مأمن بمعنىوضع المجتمع بكامله في مأمن من المخاطر كلها.
Share this content: